اتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال.. 34 عاماً من الالتزام الإماراتي بحماية طبقة الأوزون
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
-حملة "استدامة وطنية" تستهدف نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية .
- "اتفاقية فيينا" و"بروتوكول مونتريال".. 34 عاماً من الالتزام الإماراتي بحماية طبقة الأوزون.
• الإمارات من أوائل الدول المنضمة لجهود إعادة تأهيل طبقة الأوزون واستعادة قدرتها على توفير الحماية من الأشعة فوق البنفسجية الضارة
• 1989.
- دولة الإمارات تنضم إلى اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال .
- بروتوكول مونتريال وتعديلاته يستهدف التخلص التدريجي من المواد المستنزفة لطبقة الأوزون وصولاً لإزالتها كهدف نهائي.
• اتفاقية فيينا تستهدف كبح الآثار الضارة الناجمة عن الأنشطة البشرية التي تُحدث أو من المرجح أن تُحدث تعديلات في طبقة الأوزون.
• في إطار الالتزام الدولي للحفاظ على طبقة الأوزون اعتمدت دولة الإمارات النظام الوطني الخاص بالمواد المستنفدة لطبقة الأوزون في 2014.
أبوظبي 22 أغسطس/ وام/ تمتلك دولة الإمارات مسيرة حافلة من العمل البيئي بدأت مع مرحلة تأسيس الدولة في مطلع سبعينيات القرن الماضي.
و تبدي الدولة اهتماماً كبيراً بالمشاركة في الجهود الدولية المبذولة لحماية طبقة الأوزون والتخفيف من تغير المناخ والتكيف معه، حيث وقعت على اتفاقية فيينا وبرتوكول مونتريال الخاص بالمواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون في عام 1989.
وتنسجم جهود دولة الإمارات الساعية إلى الحد من مخاطر تآكل طبقة الأوزون مع استضافتها، لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28" في الفترة من 30 نوفمبر المقبل وحتى 12 ديسمبر في مدينة إكسبو دبي.
وتسعى دولة الإمارات من خلال المؤتمر إلى تحفيز وتسريع وتيرة العمل العالمي لمواجهة تحدي التغير المناخي والحفاظ على كوكب الأرض، مستندة في ذلك إلى مسيرتها الحافلة في العمل العالمي من أجل المناخ ونموذجها القائم على تحويل كافة التحديات إلى فرص نمو تضمن استمرارية النمو الاقتصادية في ظل منظومة من المعايير التي تحافظ على البيئة وتدمج العمل من أجل المناخ في الاستراتيجيات المستقبلية للقطاعات كافة.
ويستعرض محور "الأثر" ضمن حملة "استدامة وطنية" التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر “COP28"، التأثير الإيجابي لمبادرات الاستدامة في دولة الإمارات على مختلف المجالات.
و تهدف الحملة إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، ودعم الاستراتيجيات الوطنية ذات الصلة بالعمل المناخي.
وتعتبر دولة الإمارات من الدول الرائدة في الانضمام إلى الجهود الدولية الهادفة إلى إعادة تأهيل طبقة الأوزون واستعادة قدرتها على توفير الحماية من الأشعة فوق البنفسجية الضارة بصحة الإنسان وبيئته.
وتركزت جهود الدولة على تنظيم استخدام المواد المستنفدة لطبقة للأوزون، بما يتوافق مع نصوص اتفاقية فيينا وبروتوكول مونتريال ذات الصلة، ومن خلال وضع التشريعات والقوانين والقرارات المنظمة لإجراءات تداول هذه المواد، إلى جانب ذلك، عملت دولة الإمارات على مكافحة التجارة غير المشروعة للمواد المستنفدة لطبقة الأوزون، ونظمت إجراءات التخلص منها، فضلاً عن تكثيف الجهود التوعوية للمجتمع والعاملين في القطاع الصناعي.
ولتأكيد التزامها بالجهود الدولية في المحافظة على طبقة الأوزون وحماية صحة الإنسان، انضمت دولة الإمارات إلى اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال، بشأن المواد المستنزفة لطبقة الأوزون في عام 1989 وتم إيداع وثيقتي انضمام الدولة إلى الاتفاقية والبروتوكول في 13 ديسمبر عام 1989.
ويستهدف بروتوكول مونتريال وتعديلاته، التخلص التدريجي من المواد المستنزفة لطبقة الأوزون وصولاً لإزالتها كهدف نهائي على أساس التطورات في المعرفة العلمية وأخذاً في الحسبان الاعتبارات الفنية والاقتصادية، مع إيلاء اعتبار خاص لاحتياجات الدول النامية.
كانت دولة الإمارات قد صادقت على اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون والبروتوكول بناءً على قرار مجلس الوزراء رقم (11/204) لسنة 1989.
وشهد البروتوكول خمسة تعديلات تركزت على إضافة مُركبات جديدة الى البروتوكول وبرامج زمنية لتنفيذها وهي تعديل لندن (1990)، تعديل كوبنهاجن (1992)، تعديل مونتريال (1997) تعديل بكين (1999)، وتعديل كيجالي (2016) .
وقد صادقت دولة الإمارات على التعديلات الأربعة الأولى بموجب المرسوم الاتحادي رقم 72 لسنة 2004 ودخلت عضويتها حيز النفاذ في 16 فبراير 2005.
وتستهدف اتفاقية فيينا لحماية طبقة الأوزون التي دخلت حيز التنفيذ عام 1988، وصادقت عليها دولة الإمارات في ديسمبر 2004، حماية الصحة البشرية والبيئة من الآثار الضارة التي تنجم عن الأنشطة البشرية التي تُحدث أو من المرجح أن تُحدث تعديلات في طبقة الأوزون.
و يعرف الأوزون بأنه غلاف غازي طبيعي يحيط بكوكب الأرض يتواجد في طبقة الستراتوسفير من الغلاف الجوي ويتكون من ارتباط ثلاث ذرات من الأوكسجين O3 تحت تأثير الأشعة فوق البنفسجية من نوع "ب" ذات الطاقة العالية بشكل رئيسي، ويتميز برائحته النفاذة ولونه الأزرق.
ووضع علماء على مدى عقود آثار التعرض الحاد والمزمن للأوزون على صحة الإنسان موضع الدراسة وأثبت الكثير من الدراسات أن الأوزون يؤثر على الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي.. كما تبين أن الموت المبكر ومشاكل الصحة الإنجابية والتنمية مرتبطة بالتعرض للأوزون.
ولا يقتصر تأثير استنشاق الأوزون على جهاز المناعة والرئتين، بل قد يؤثر أيضاً على القلب.. إذ يتسبب الأوزون في اختلال التوازن اللاإرادي قصير المدى مما يؤدي إلى تغيرات في معدل ضربات القلب، كما يؤدي التعرض لمستويات عالية لمدة لا تزيد على ساعة واحدة إلى عدم انتظام ضربات القلب فوق البطيني لدى كبار السن وهو ما يزيد مخاطر الموت المبكر والسكتة الدماغية.
وقد يؤدي الأوزون أيضاً إلى ضيق الأوعية مما يؤدي إلى زيادة الضغط الشرياني الجهازي، الأمر الذي يساهم في زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والوفيات عند المرضى الذين يعانون من أمراض قلبية موجودة مسبقاً.
وتوجد طبقة الأوزون فوق دولة الإمارات على ارتفاع يتراوح بين 16 و40 كيلومتراً وسمكها يصل إلى 24 كيلومتراً، وأقصى تركيز لها يقع على ارتفاع 24 – 26 كيلومتراً.
ولم تساعد الحلول التدريجية عبر التخلص التدريجي من الاستخدام المُحكم للمواد المستنزفة للأوزون في حماية طبقة الأوزون لهذا الجيل والأجيال المقبلة فحسب، بل أسهمت في الجهود العالمية الرامية إلى التصدي لتغير المناخ؛ وعلاوة على ذلك، فإنها تحمي صحة الإنسان والنظم الإيكولوجية عن طريق الحد من وصول الأشعة فوق البنفسجية الضارة إلى الأرض.
نظام وطني.
وعززت دولة الإمارات جهودها لحماية طبقة الأوزون باعتماد مجلس الوزراء بموجب قراره رقم 26 لسنة 2014 النظام الوطني الخاص بالمواد المستنفدة لطبقة الأوزون.
و أخضع هذا النظام كافة الأجهزة والمعدات والمنتجات التي تستخدم فيها المواد المستنفدة لطبقة الأوزون للرقابة وحظر استيراد المستعمل منها، كما حظر النظام استيراد أو تصدير أو إعادة تصدير المواد المستنفدة لطبقة الأوزون الخاضعة للرقابة من وإلى الدول غير الأطراف في بروتوكول مونتريال.
وخصص النظام ملحقاً للمواد والمعدات والمنتجات المستنفذة لطبقة الأوزون الخاضعة للرقابة، كما تضمّن ملحقاً ثانياً لجدول التخلص التام من المواد الخاضعة للرقابة، والأجهزة والمعدات والمنتجات المستنفذة لطبقة الأوزون.
وعملت دولة الإمارات جاهدة على تنفيذ كافة الالتزامات التي رتبها بروتوكول مونتريال وعلى تنفيذ القرارات التي صدرت عن مؤتمرات الأطراف في دوراته السابقة من خلال جهودها الذاتية، حيث وضعت في وقت مبكر برنامجاً طموحاً للتخلص التدريجي من استهلاك المواد الكلوروفلوروكاربونية المستنفدة لطبقة الأوزون .
و حقق هذا البرنامج نجاحات مهمة أسفرت عن خفض الكميات المستوردة من هذه المركبات بنسبة 100%.
تحفيز الوعي.
ولم تكتف دولة الإمارات بإصدار القوانين والتشريعات التي تعمل على حماية طبقة الأوزون، بل تجاوزت ذلك بتكثيف جهودها لرفع مستوى الوعي بأهمية حماية طبقة الأوزون وتنمية القدرات العاملة في هذا المجال بالإضافة إلى الترويج وتشجيع إحلال البدائل الآمنة للمواد المستنزفة للأوزون لا سيما وأن البدائل الآمنة باتت تغطي نسبة كبيرة من جملة الاحتياجات في الدولة، وليس هذا فحسب، بل شجعت دولة الإمارات مشاركة القطاع الخاص في استرجاع وتدوير غازات التبريد المستخدمة في الدولة وفق شروط وضوابط محددة تضمن توافق العمليات والأنشطة التي تقوم بها تلك الشركات مع مبادئ وأحكام الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
تسريع وتيرة البحث العلمي.
وتعمل دولة الإمارات على تعزيز البحث العلمي وتسريع وتيرة الجهود الرامية إلى إيجاد تقنيات وحلول عملية قابلة للتطبيق في هذا المجال وذلك للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناجمة عن الاستهلاك المتزايد للطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيل أجهزة التبريد وتكييف الهواء، إضافة إلى عقد ورش عمل وندوات علمية وأيام تطوعية والمشاركة فيها وفي غيرها من المحافل الإقليمية والدولية.
تنظيم تداول HFCs.
وعززت وزارة التغير المناخي والبيئة جهود الدولة الرامية لمواجهة تحديات التغيير المناخي ومن أبرزها حماية طبقة الأوزون، بإصدار القرار رقم (138) لسنة 2023 في شأن تنظيم تداول مركبات الكربون الهيدروفلورية (HFCs) في الدولة، بهدف تنظيم تداولها ومنع إطلاقها في الجو، وذلك انطلاقاً من مسؤوليتها في إيجاد الحلول وفرض اللوائح والتنظيمات للحد من التغيرات المناخية والارتقاء بجودة الهواء والحفاظ على البيئة.
يأتي القرار في إطار عام الاستدامة وضمن استعدادات دولة الإمارات لاستضافة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيُّر المناخ (COP28) العام الجاري، حيث تعد مركبات الكربون الهيدروفلورية (HFCs) والمعروفة بغازات التبريد، أحد أنواع الغازات الدفيئة التي تساهم في تفاقم مشكلة الاحتباس الحراري.
لذا يساهم القرار في إيفاء الإمارات بالتزاماتها تجاه التغيرات المناخية والحد من الانبعاثات الضارة، ويصب في إطار خطط الدولة للتخلص التدريجي من المركبات الهيدروكلوروفلوروكربونية، وفق النسب والأطر الزمنية المحددة بقرار الاجتماع التاسع عشر للأطراف وصولاً إلى موعد الحظر الكلي لها عام 2050.
المصدر: وكالة أنباء الإمارات
كلمات دلالية: الأشعة فوق البنفسجیة دولة الإمارات على الأطراف فی التی ت
إقرأ أيضاً:
أبو العباس السبتي متصوف اختلى في جبل 40 عاما أيام دولة الموحدين بالمغرب
أبو العباس السبتي عالم ومتصوف مغربي ولد بمدينة سبتة سنة 524هـ/1129م، وتوفي بمدينة مراكش عام 601هـ/1205م. يرتبط اسمه بمذهب صوفي اجتماعي يقوم على العطاء والبذل، إذ كان يعدّ الصدقة أصل كل العبادات ودواء لكل داء.
اشتهر بالتجول في الأسواق والساحات، ودعوة الناس إلى "المتاجرة مع الله" بإخراج الصدقات، وكان يرى أن قضاء الحاجات ورفع الضرر والمرض والفقر والجفاف وغيرها لن يتحقق إلا بالتصدق.
لم يكن واعظا للناس داعيا لهم للإنفاق فقط، بل كان أول من طبق مذهبه وأفكاره، فكان في البدء يتصدق بنصف ما يملك وبعد ذلك بالثلثين ثم في نهاية حياته كان يقسم ما لديه إلى 7 أقسام، فيبقي له ولأهله قسما ويتصدق بالباقي.
ويذكر الفيلسوف العربي المسلم ابن رشد أن مذهب أبي العباس السبتي أن "الوجود ينفعل بالجود"، ووصفه الشيخ المتصوف ابن عربي "بصاحب الصدقة في مراكش".
تحولت زاويته في مراكش إلى مزار يقصده ذوو الحاجات والفقراء، خاصة يوم الأربعاء، واستمر مذهبه قرونا بعد وفاته من خلال ما يسمى "بالعباسية"، وهي عادة منتشرة في عدد من مناطق المغرب، إذ يحرص أصحاب محلات الطعام والمشروبات على توزيع بضاعتهم مجانا في اليوم الأول طلبا للبركة وتزكية لمالهم وسيرا على منهج أبي العباس.
ولد أبو العباس أحمد بن جعفر الخزرجي السبتي بمدينة سبتة عام 524هـ/1129م.
نشأ يتيما واضطرت أمه لأخذه إلى نساجي الحرير في المدينة ليتعلم الحرفة مقابل أجر، لكنه كان يفر منهم ويذهب إلى مجلس الفقيه أبي عبد الله الفخار لتلقي العلم، فتضربه أمه وتعيده إلى النساج للعمل.
إعلانمع تكرار الواقعة، سألها الشيخ الفخار عن سبب ضربها إياه، فقالت إنها تريده أن يعمل ليساعدها على تكاليف الحياة، بينما اختار هو السير في طريق العلم، فاقترح الشيخ أن تترك الصبي يتعلم في مجلسه مقابل أن يدفع لها أجره، فقبلت.
حفظ القرآن الكريم كاملا في 6 سنوات، وتعلم الفقه ودرس فنون اللغة العربية وآدابها، وعندما بلغ 16 من عمره قرر السفر لطلب العلم، فرحل إلى مراكش لأنها كما قال لشيخه "مدينة العلم والخير والصلاح".
وصل إلى مراكش في وقت كانت فيه محاصرة من جيوش عبد المومن الكومي الموحدي، عام 541هـ، فأقام في جبل غليز بقبيلة هرغة بالأطلس الكبير، وكان المكان حينئذ مقصدا للزهاد والمتصوفة، ومنهم القاضي عياض والإمام السهلي والإمام وايحلان.
بقي في خلوة بالجبل نحو 40 سنة (من سنة 540 إلى 580)، وهي السنة التي تولى فيها يعقوب المنصور الموحدي الحكم، ولم يكن يقطع خلوته إلا للذهاب لمجالسة الشيخ أبي يعقوب بن أمغار برباط تيط قرب مدينة الجديدة.
كان السلطان المنصور الموحدي يميل إلى مجالسة الصلحاء والعلماء، فوجه إلى أبي العباس السبتي دعوة لدخول مدينة مراكش -عاصمة الدولة آنذاك- فوافق.
أعطاه المنصور دارا قرب جامع الكتبية فتزوج وأنجب عدة أولاد ذكورا وإناثا، وأوقف عليه مدرسة كان يدرس فيها الحساب والنحو.
يذهب بعض المؤرخين إلى أن السلطان الموحدي اتخذ أبا العباس السبتي شيخا له، وذلك بعدما لم يتسن له ملاقاة الشيخ أبي مدين الغوث الذي توفي وهو في طريقه إلى مراكش.
تضمنت عدد من الكتب بعض صفاته، ومنها أنه كانت له بسطة في اللسان وقدرة على المجادلة والكلام، و"كان سريع الجواب كأن القرآن ومواقع الحجج على طرف لسانه"، وفق ما ذكرت مصادر تاريخية، كما كان كثير الدعابة ولكن مع قول الحق.
يدور مذهب أبو العباس السبتي على الصدقة، وترجع الروايات جذور مذهبه إلى طفولته عندما سأل شيخه الفخار عن معنى قوله تعالى "إن الله يأمر بالعدل والإحسان"، واكتملت معالمه أثناء خلوته في جبل غليز حيث كان كثير التعبد والتدبر للقرآن الكريم.
إعلانكان يرد أصول الشرع والعبادات إلى الصدقة، فيرى أن التكبير في الصلاة بقول "الله أكبر" يعني الالتزام بعدم البخل على الله بشيء، ورفع اليدين للتكبير معناه التخلي عن كل شيء، وكان يرى أن الركوع يعني المشاطرة، والسلام بعد الصلاة هو الخروج من كل شيء.
كان يقول إن سر الصوم هو الشعور بالجوع وتذكر الجائع وما يقاسيه للتصدق والعطاء، والزكاة فرضت على المسلم في كل عام ليتدرب على البذل والعطاء في كل أيام السنة، أما الحج فقد فرض على الناس ليظهروا في زي المساكين بحلق الرأس ولبس النعلين والتجرد من ثياب الرفاهية والبذل لله تعالى وإظهار العبودية.
ويرى الشيخ السبتي أن سر الجهاد هو بذل النفس في مرضاه الله تعالى والتخلي له عن كل شيء وترك التعلق بأسباب الدنيا، وأن معنى التوحيد توحيد الله تعالى دون أن تجعل معه إلها غيره من متاع الدنيا، فالإنفاق دليل على أن المنفق تخلص من الشرك الخفي الذي يتسرب إلى القلب من حب المال.
اشتهر بالتجول في الأسواق والطرقات وحضّ الناس على الصدقة والمتاجرة مع الله، وكان يقول "درهم يساوي عشرة"، في إشارة إلى قوله تعالى "من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها".
وكان إذا جاءه أحد يشكو من مرض أو ضيق أو هم أو فقر يقول له "تصدق تصل إلى ما تريد"، ويدعو الناس عندما يشتكون من الجفاف وانحباس المطر إلى الصدقة ويقول "لو تصدقوا لمطروا".
لم يقسم أبو العباس الناس إلى أغنياء وفقراء، بل إلى كرماء وبخلاء، فكان يدعو الجميع إلى التصدق مما لديهم قليلا كان أو كثيرا، ويقول "سبَق درهم مائة ألف درهم"، ويحث على ذلك بآيات من القرآن الكريم والأحاديث.
وكان قول الله تعالى "إن الله يأمر بالعدل والإحسان" من أكثر الآيات ورودا على لسانه وبها كان يوضح مذهبه، فالعدل عنده هو المشاطرة، مستدلا بذلك من مؤاخاة الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، إذ تقاسم الأنصار أملاكهم مع إخوانهم المهاجرين، فعقد السبتي مع الله ألا يأتيه شيء إلا شاطره الفقراء، فسار على ذلك عشرين سنة يتصدق بنصف ما يملك.
إعلانعاد للتدبر في الآية فتبين له أن العدل هو الشطر وأن الإحسان ما زاد عليه، وخلص إلى أن الإحسان هو المشاطرة والإيثار، أي إعطاء النصف مع إيثار المحتاج ومساعدته من النصف الثاني، فعاهد الله أن يخصص له ولأهله الثلث ويتصدق بالثلثين، وهو ما فعله مدة عشرين سنة.
ولم يقنع أبو العباس بهذا القدر، بل أراد تجاوز مقام الإحسان بشكر النعمة، فقسم ما يأتيه إلى 7 أقسام: قسم هو حق النفس وحق الزوجة والأولاد ومن تجب عليه نفقتهم، ويصرف الباقي لمستحقيه، فظل على هذه الحال 14 سنة، ويقول معاصروه إنه أصبح بمقتضى هذه الحال مجاب الدعاء.
وتذكر بعض المصادر أن درجة الاستجابة بلغت حدا جعل القدماء يقولون: "لا يمكن لأي مخلوق أن يساوي عبادة الحسن البصري وزهد داود الطائي ومعارف أبي مدين وهمة أبي العباس السبتي"، أي إنه كانت له همة عالية تنفعل لها الأشياء.
تجاوزت سيرته مراكش إلى باقي مناطق الغرب الإسلامي والأندلس والمشرق، وأرسل أبو الوليد ابن رشد أحد تلاميذه من قرطبة إلى مراكش ليسأل عن مذهبه، فلما عاد وأعلمه به قال عنه ابن رشد "هذا رجل مذهبه أن الوجود ينفعل بالجود".
وكان الشيخ الأكبر ابن عربي قد وصفه في الفتوحات المكية "بصاحب الصدقة بمراكش"، وذكر أنه رآه وعاشره.
توفي في مراكش في 3 جمادى الثانية سنة 601 هـ/1205م، ودفن في قبر كان مدفن العلامة ابن رشد الذي توفي عام 595 قبل أن تأتي عائلته بعد 100 يوم من دفنه وتقرر نقل جثمانه إلى قرطبة مسقط رأسه.
وقد ظل القبر فارغا إلى أن توفي أبو العباس السبتي ودفن فيه، وفي فترة لاحقة بنيت على القبر زاوية (تكية) تحولت إلى مزار للفقراء والمساكين وأصحاب الحاجات.
في عام 1012هـ/1605م، بنى السلطان أبو فارس عبد العزيز السعدي قرب الزاوية مسجدا كبيرا أطلق عليه اسم أبي العباس السبتي ومدرسة أوقف عليها كتبا نفيسة.
إعلانخضعت الزاوية لأشغال ترميم وتوسعة في فترات لاحقة، وتتلقى هبات من ملوك المغرب بشكل منتظم إلى جانب تبرعات وأعطيات المحسنين وتوزع شهريا على المحتاجين.
العباسيةلم ينقطع مذهب أبي العباس السبتي بوفاته، بل استمر من خلال ما يعرف بالعباسية، وهي عادة ارتبطت باسمه وتنتشر في مناطق عدة من المغرب وخاصة في المجتمع المراكشي، إذ يحرص بائعو الحلويات ومحلات الأكل على توزيع الطعام مجانا في أول يوم لافتتاح مشاريعهم، وكذلك أصحاب الحمامات التقليدية يقدمون خدماتهم في اليوم الأول من دون مقابل، وذلك طلبا للبركة والفأل الحسن وسيرا على منهج أبي العباس السبتي في البذل والعطاء في سبيل الله.
وما زال التجار في مدينة مراكش يخصصون أول ربح يكسبونه في صباح كل يوم لصندوق زاوية أبي العباس ويسمونه العباسية، وفي نهاية الشهر يوزع القائمون على الزاوية ما جمع في الصندوق على المعوزين والأرامل والمحتاجين.