الضباب الأمريكي... والسنة الإيرانية
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
يعرف الدبلوماسي واشنطن وردهاتِ التأثير في صناعة قرارها. وكانَ يذهب خصوصاً في بدايات العهود الرئاسية ويرجع بقدرٍ من الإجابات والتوقعات يساعده على تدبيج تقارير يرفعها إلى رؤسائه. ذهبَ هذه المرة فاكتشف أنَّ المهمة شاقة. رأى العاصمة الأمريكية غارقة في ضباب كثيف، وأنظار العالم مسلطة على عودة «الرجل القوي» إلى البيت الأبيض.
قالَ الدبلوماسي إنَّ البوصلةَ الأمريكية الجديدة شديدة الاهتزازات إلى درجة يمكن أن تربكَ الأعداء والحلفاء معاً. ولاحظ أنَّ السَّيرَ مع إدارة ترامب يشبه في الوقت الحاضر السير في طرق وعرة وسط ضباب يكاد يحجب الرؤية. عاد بانطباع أنَّ ترامب مُصِرٌّ على إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، ليس فقط بهاجس الفوز بجائزة نوبل للسلام، بل أيضاً وقبل ذلك لحجز موقع استثنائي في التاريخ ينافس به أسلافَه. ويبدو في هذا السياق واثقاً بخيط ود قديم يربطه بفلاديمير بوتين، ولم يؤدِّ الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية إلى قطعه.
لمس الزائر في أجواء واشنطن أيضاً إصراراً على معالجة حازمة للملف الإيراني وعلى قاعدة منع طهران من صناعة القنبلة وكذلك من تحريك «الجيوش الموازية» لزعزعة استقرار المنطقة. ولم يكن يحتاج إلى جهد لاستنتاج أنَّ ترامب يريد صناعة سلام في الشرق الأوسط، لكنَّه توقَّف عند نجاح بنيامين نتنياهو في حجز موقع تحالف وثيق ومؤثر مع إدارة ترامب.
واضح أنَّ دونالد ترامب صعد منذ اليوم الأول لولايته إلى مقعد القيادة في أمريكا، وأمطر العالم تباعاً بسلسلة من التصريحات والتغريدات أشاعت مناخاً من الضباب على امتداد «القرية الكونية»، ضباب أطلقته نذر الحرب التجارية ومقاربة الملف الأوكراني على قاعدة الاعتراف بوقائع فرضتها الحرب الروسية، فضلاً عن إطلاق الضباب في الشرق الأوسط عبر الاقتراح المستهجن بنقل سكان غزة لتحويلها «ريفييرا رائعة». يغيب هذا الضباب فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني؛ حيث لا تبدو إدارة ترامب في وارد التراجع.
غمر الضباب الكثيف القارة الأوروبية حين وقف جيه. دي. فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن ليوبخ دولاً أوروبية بسبب ما عدَّه «قمعاً للحريات»، منتقداً تعامُلها مع اليمين المتطرف فيها. وبدا سريعاً أنَّ أوروبا أصيبت بالذعر من احتمال حسم مستقبل الملف الأوكراني في غيابها، ومن دون اعتبار صاحب الملف الرئيس فولوديمير زيلينسكي شريكاً كاملاً. أضيف كلام فانس إلى كلام ترامب... أنَّ أمريكا لن تدفع إلى الأبد ثمن حماية أوروبا.
والحقيقة أنَّ موقف ترامب من عدم دفع ثمن حماية أوروبا ليس جديداً. جاهر بهذا الموقف في 1987 يومَ لم يكن اسماً مطروحاً في عالم السياسة. في تلك السَّنة زار موسكو كمطوّر عقاري، وعاد معجباً بالفرص، وأدلى بتصريح عن ثمن حماية أوروبا التي تستطيع دفعَ ثمن الدفاع عن نفسها.
وإذا كانت أوروبا منشغلة بمصير الملف الأوكراني الذي فتحه ترامب سريعاً على مصراعيه، فإنَّ أهل الشرق الأوسط سينشغلون، علاوة على موضوع السلام، بالتوجه نحو تحول السَّنة الحالية سنةً إيرانية بامتياز. تعهَّد ترامب بصورة قاطعة بعدم السماح لطهران بامتلاك قنبلة نووية. وكرَّر وزير خارجيته ماركو روبيو هذا التعهدَ أمس في إسرائيل مرفقاً بتعهد مماثل من بنيامين نتنياهو. والانطباع السائد هو أنَّ أي اتفاق جديد مع إيران لن يتجاهلَ ترسانتها الصاروخية ودورها في زعزعة الاستقرار. والسؤال هو: هل يستطيع المرشد الإيراني قَبولَ تنازلات بهذا الحجم تقلِّص دور بلاده خصوصاً بعد خسارتها في سوريا ولبنان؟
وسط الضباب الأمريكي الكثيف تتدافع الاستحقاقات المقتربة في الملفات الفلسطينية والإيرانية والأوكرانية. يمكن القول أيضاً أنَّ سوريا ولبنان والعراق دولٌ معنية بالضباب والخيارات الأمريكية في هذه الملفات. في هذا السياق لا بدَّ من حوار عميق وتفصيلي مع إدارة ترامب، ذلك أنَّ الاكتفاء بالاحتجاج لا يشكل سياسة، ولا يحفظ الاستقرار والحقوق. وسيكون من الضروري بلورة تصوُّر عربي خصوصاً في ملف السلام وعلى قاعدة التوجه نحو حل الدولتين، وهو السبيل الوحيد لإطفاء نار هذا النزاع المزمن.
واضح أنَّ السعودية بثقلها السياسي والاقتصادي هي في طليعة الدول العربية والإسلامية القادرة على الاضطلاع بدور من هذا النوع. استضافتها للقاءات الأمريكية - الروسية، وصولاً إلى القمة تعكس تقدير واشنطن وموسكو معاً لأهمية حضورها العربي والإسلامي والدولي. والمشاورات الجارية لإعداد خطة بديلة لخطة ترامب بشأن غزة تصبّ في هذا الاتجاه، ثم إنَّ السعودية ستكون قادرة على الإفادة من قاعدة صلبة بَنتْهَا في العلاقات الدولية مع دول ذاتِ ثقل كالصين والهند، علاوة على الاتحاد الأوروبي.
لا بدَّ من الاستعداد لاستحقاقات السَّنة الإيرانية. التوصل إلى اتفاق أمريكي - إيراني سيشكل حدثاً كبيراً وتحولاً في المنطقة. قيام إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية بدعم أمريكي سيشكّل هو الآخر حدثاً كبيراً وخطراً لا بدَّ من الاستعداد لاتّقاء ذيوله. الضّباب الكثيف لا يحول دون القيادة الآمنة إذا أحسنتِ الدولُ إعداد أوراقها والاستفادة من عناصر قوتها، وحاورت إدارة ترامب على قاعدة المصالح المتبادلة وفوائد الاستقرار وعائدات الاستثمار والازدهار.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: آيدكس ونافدكس رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ترامب إدارة ترامب على قاعدة
إقرأ أيضاً:
الجارديان: المحادثة المُسربة لإدارة ترامب تكشف عمق كراهيتها لأوروبا
رأت صحيفة الجارديان البريطانية، أن التسريب «الاستثنائي» لمحادثة خاصة بإدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عبر تطبيق «سيجنال» حول الغارات الجوية ضد الحوثيين يكشف عمق كراهية الإدارة الأمريكية لأوروبا.
وذكرت الصحيفة، في تحليل نشرته اليوم الثلاثاء، أن الرسائل التي تمت مشاركتها عبر التطبيق عن غير قصد مع رئيس تحرير مجلة «ذا أتلانتيك» تكشف الحقيقة الصريحة حول مشاعر نائب الرئيس الأمريكي، جيه دي فانس، ووزير الدفاع الأمريكي، بيت هيجسيث، تجاه الحلفاء الأوروبيين.
وقالت الصحيفة، إنه إذا لم تكن أوروبا مُنتبهة بالفعل، فإن التسريب الاستثنائي لمداولات فانس ومسؤولين رفيعي المستوى آخرين في إدارة ترامب بشأن ضربة ضد الحوثيين كان علامة أخرى على أنها مُستهدفة.
وبحسب الصحيفة، كان للضربة ضد الحوثيين في ظاهر الأمر علاقة أكبر بسياسات الإدارة الأمريكية في حماية التجارة البحرية أكثر من مخاوفها من استغلال أوروبا للإنفاق الدفاعي الأمريكي والقدرات العسكرية الأمريكية.
لكن يبدو أن فانس كان مُصمما على استخدام هذه الزاوية كسبب لتأجيل الضربة، وزعم فانس أن الولايات المتحدة، مرة أخرى، تفعل ما ينبغي أن تفعله أوروبا، مما يتماشى مع حججه السابقة بأن الولايات المتحدة تدفع مبالغ طائلة مقابل الأمن الأوروبي، ومع سخريته من حلفائه الأوروبيين عندما وصفهم بأنهم «دولة عشوائية لم تخض حربا منذ 30 أو 40 عاما»، وفقا للصحيفة.
وأشارت الجارديان إلى أن رئيس تحرير مجلة «ذا أتلانتيك» جيفري جولدبرج كتب أنه خلال هذه المناقشة السياسية، اقتنع بأنه كان يقرأ تصريحات فانس الحقيقي، بالإضافة إلى وزير الدفاع بيت هيجسيث، ومستشار الأمن القومي مايكل والتز، وكبير مستشاري ترامب ستيفن ميلر.
ثم ذهب فانس إلى أبعد من ذلك. فقد أقر ضمنيا بوجود اختلاف بين سياسته الخارجية وتصريحات ترامب بأن الضربة ستقوض سياسة الرئيس تجاه أوروبا - وهي سياسة قادها فانس في خطابه المثير للانقسام في مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث اتهم القادة الأوروبيين بالانحياز إلى ناخبيهم، وفي تعليقاته المشككة في الاتحاد الأوروبي على قناة فوكس نيوز.
وقالت الصحيفة إنه في جوهره، أشار الخلاف إلى أن آراء فانس في السياسة الخارجية لا تتوافق تماما مع آراء ترامب. ويرى ترامب بشكل عام أن العالم قائم على المعاملات، وقد زعم المتفائلون في أوروبا أنه قادر على فرض نتيجة إيجابية من خلال إجبار تلك الدول على إنفاق المزيد على ميزانيات الدفاع. لكن فانس يبدو أكثر ميلا للمواجهة وأكثر التزاما بالمبادئ في كراهيته للتحالف عبر الأطلسي، وقد هاجم القادة الأوروبيين لدعمهم قيما يقول إنها لا تتوافق مع الولايات المتحدة.
وأوضحت الصحيفة أن هذه الأمور تجعل فانس مصدر قلق أكبر لأوروبا. واتهمت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية الأوروبية، فانس بـ«محاولة إثارة المشاكل» مع الحلفاء الأوروبيين. وقال دبلوماسي أوروبي آخر: «إنه خطير للغاية على أوروبا.. ربما يكون الأخطر في الإدارة».
اقرأ أيضاًترامب يتعهد بفرض رسوم ثانوية على فنزويلا اعتبارا من 2 أبريل
مصطفى بكري: تصريحات مبعوث ترامب «هجص واستهبال» وهدفها الضغط على مصر لقبول التهجير
ترامب يكشف حقيقة مشاركة إيلون ماسك في خطة عسكرية ضد الصين