موقع 24:
2025-05-02@07:43:34 GMT

الضباب الأمريكي... والسنة الإيرانية

تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT

الضباب الأمريكي... والسنة الإيرانية

يعرف الدبلوماسي واشنطن وردهاتِ التأثير في صناعة قرارها. وكانَ يذهب خصوصاً في بدايات العهود الرئاسية ويرجع بقدرٍ من الإجابات والتوقعات يساعده على تدبيج تقارير يرفعها إلى رؤسائه. ذهبَ هذه المرة فاكتشف أنَّ المهمة شاقة. رأى العاصمة الأمريكية غارقة في ضباب كثيف، وأنظار العالم مسلطة على عودة «الرجل القوي» إلى البيت الأبيض.

رأى الضباب منتشراً على كامل التراب الأمريكي، ولمس أن الأسئلة أكثر بما لا يقاس من أنصاف الإجابات.

في البيت الأمريكي شعور بأنَّ البلاد تقف أمام منعطفٍ كبير. وأنَّ دونالد ترامب لن يكتفيَ بتغيير بعض أثاث البيت بل يحلم بتغيير ملامحه في السياسة والاقتصاد والإدارة. وضاعفت شراكة إيلون ماسك في الإدارة الجديدة من حديث الإقالات والاستقالات وترشيق الآلة الحكومية على نحو موجع.
قالَ الدبلوماسي إنَّ البوصلةَ الأمريكية الجديدة شديدة الاهتزازات إلى درجة يمكن أن تربكَ الأعداء والحلفاء معاً. ولاحظ أنَّ السَّيرَ مع إدارة ترامب يشبه في الوقت الحاضر السير في طرق وعرة وسط ضباب يكاد يحجب الرؤية. عاد بانطباع أنَّ ترامب مُصِرٌّ على إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، ليس فقط بهاجس الفوز بجائزة نوبل للسلام، بل أيضاً وقبل ذلك لحجز موقع استثنائي في التاريخ ينافس به أسلافَه. ويبدو في هذا السياق واثقاً بخيط ود قديم يربطه بفلاديمير بوتين، ولم يؤدِّ الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية إلى قطعه.
لمس الزائر في أجواء واشنطن أيضاً إصراراً على معالجة حازمة للملف الإيراني وعلى قاعدة منع طهران من صناعة القنبلة وكذلك من تحريك «الجيوش الموازية» لزعزعة استقرار المنطقة. ولم يكن يحتاج إلى جهد لاستنتاج أنَّ ترامب يريد صناعة سلام في الشرق الأوسط، لكنَّه توقَّف عند نجاح بنيامين نتنياهو في حجز موقع تحالف وثيق ومؤثر مع إدارة ترامب.
واضح أنَّ دونالد ترامب صعد منذ اليوم الأول لولايته إلى مقعد القيادة في أمريكا، وأمطر العالم تباعاً بسلسلة من التصريحات والتغريدات أشاعت مناخاً من الضباب على امتداد «القرية الكونية»، ضباب أطلقته نذر الحرب التجارية ومقاربة الملف الأوكراني على قاعدة الاعتراف بوقائع فرضتها الحرب الروسية، فضلاً عن إطلاق الضباب في الشرق الأوسط عبر الاقتراح المستهجن بنقل سكان غزة لتحويلها «ريفييرا رائعة». يغيب هذا الضباب فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني؛ حيث لا تبدو إدارة ترامب في وارد التراجع.
غمر الضباب الكثيف القارة الأوروبية حين وقف جيه. دي. فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن ليوبخ دولاً أوروبية بسبب ما عدَّه «قمعاً للحريات»، منتقداً تعامُلها مع اليمين المتطرف فيها. وبدا سريعاً أنَّ أوروبا أصيبت بالذعر من احتمال حسم مستقبل الملف الأوكراني في غيابها، ومن دون اعتبار صاحب الملف الرئيس فولوديمير زيلينسكي شريكاً كاملاً. أضيف كلام فانس إلى كلام ترامب... أنَّ أمريكا لن تدفع إلى الأبد ثمن حماية أوروبا.
والحقيقة أنَّ موقف ترامب من عدم دفع ثمن حماية أوروبا ليس جديداً. جاهر بهذا الموقف في 1987 يومَ لم يكن اسماً مطروحاً في عالم السياسة. في تلك السَّنة زار موسكو كمطوّر عقاري، وعاد معجباً بالفرص، وأدلى بتصريح عن ثمن حماية أوروبا التي تستطيع دفعَ ثمن الدفاع عن نفسها.
وإذا كانت أوروبا منشغلة بمصير الملف الأوكراني الذي فتحه ترامب سريعاً على مصراعيه، فإنَّ أهل الشرق الأوسط سينشغلون، علاوة على موضوع السلام، بالتوجه نحو تحول السَّنة الحالية سنةً إيرانية بامتياز. تعهَّد ترامب بصورة قاطعة بعدم السماح لطهران بامتلاك قنبلة نووية. وكرَّر وزير خارجيته ماركو روبيو هذا التعهدَ أمس في إسرائيل مرفقاً بتعهد مماثل من بنيامين نتنياهو. والانطباع السائد هو أنَّ أي اتفاق جديد مع إيران لن يتجاهلَ ترسانتها الصاروخية ودورها في زعزعة الاستقرار. والسؤال هو: هل يستطيع المرشد الإيراني قَبولَ تنازلات بهذا الحجم تقلِّص دور بلاده خصوصاً بعد خسارتها في سوريا ولبنان؟
وسط الضباب الأمريكي الكثيف تتدافع الاستحقاقات المقتربة في الملفات الفلسطينية والإيرانية والأوكرانية. يمكن القول أيضاً أنَّ سوريا ولبنان والعراق دولٌ معنية بالضباب والخيارات الأمريكية في هذه الملفات. في هذا السياق لا بدَّ من حوار عميق وتفصيلي مع إدارة ترامب، ذلك أنَّ الاكتفاء بالاحتجاج لا يشكل سياسة، ولا يحفظ الاستقرار والحقوق. وسيكون من الضروري بلورة تصوُّر عربي خصوصاً في ملف السلام وعلى قاعدة التوجه نحو حل الدولتين، وهو السبيل الوحيد لإطفاء نار هذا النزاع المزمن.
واضح أنَّ السعودية بثقلها السياسي والاقتصادي هي في طليعة الدول العربية والإسلامية القادرة على الاضطلاع بدور من هذا النوع. استضافتها للقاءات الأمريكية - الروسية، وصولاً إلى القمة تعكس تقدير واشنطن وموسكو معاً لأهمية حضورها العربي والإسلامي والدولي. والمشاورات الجارية لإعداد خطة بديلة لخطة ترامب بشأن غزة تصبّ في هذا الاتجاه، ثم إنَّ السعودية ستكون قادرة على الإفادة من قاعدة صلبة بَنتْهَا في العلاقات الدولية مع دول ذاتِ ثقل كالصين والهند، علاوة على الاتحاد الأوروبي.
لا بدَّ من الاستعداد لاستحقاقات السَّنة الإيرانية. التوصل إلى اتفاق أمريكي - إيراني سيشكل حدثاً كبيراً وتحولاً في المنطقة. قيام إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية بدعم أمريكي سيشكّل هو الآخر حدثاً كبيراً وخطراً لا بدَّ من الاستعداد لاتّقاء ذيوله. الضّباب الكثيف لا يحول دون القيادة الآمنة إذا أحسنتِ الدولُ إعداد أوراقها والاستفادة من عناصر قوتها، وحاورت إدارة ترامب على قاعدة المصالح المتبادلة وفوائد الاستقرار وعائدات الاستثمار والازدهار.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: آيدكس ونافدكس رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ترامب إدارة ترامب على قاعدة

إقرأ أيضاً:

ملف الشهر.. أوروبا وأميركا علاقات تاريخية غيّرها ترامب

بث موقع الجزيرة نت، على منصات مواقع التواصل الاجتماعي حلقة جديدة من "ملف الشهر" المخصص لتناول الموضوعات الراهنة والمستجدات المهمة على الساحة العالمية.

ملف هذا الشهر بعنوان " أوروبا وأميركا علاقات تاريخية غيّرها ترامب"، وتطرق إلى العلاقات بين أوروبا والولايات المتحدة الأميركية، مستعرضا مختلف المحطات التي مرت بها منذ نشأتها في القرن الثامن عشر، وكيف خالف الرئيس دونالد ترامب مبادئ الخارجية الأميركية بشأن علاقاتها التجارية والسياسية والأمنية مع أوروبا.

وبدأت العلاقات الأوروبية الأميركية باكرا، منذ ثورة الاستقلال الأميركية بين 1775 و1783، حينما دعمت دول أوروبا أميركا بالمال والجنود والسلاح.

ثم وخلال الحرب العالمية الثانية وما بعدها، مثلت واشنطن حليفا إستراتيجيا لدول القارة الأوروبية ومظلة أمنية لها في مواجهة التهديد السوفياتي ثم الطموحات التوسعية الروسية.

ولعقود طويلة، سار الطرفان في طريق الشراكة بخطوات متناسقة أحيانا، ومتعثّرة أحيانا أخرى، إلا أنهما لم يفترقا أبدا، يقينا منهما أن التوازن في علاقتهما ضمان لاستقرار النظام العالمي.

وباستثناء التباين في المواقف بين أميركا وبعض الدول الأوروبية، أساسا فرنسا، بشأن الحرب في العراق عام 2003 والتوتر اللاحق لتداعيات الأزمة المالية العالمية عام 2008، لم تعرف العلاقة اهتزازات كبيرة، إلا في فترتي حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

إعلان

فلم يتردد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في عهدته الأولى ومع بداية فترة رئاسته الثانية في سن قوانين تنفيذية تستهدف المصالح الأوروبية وتحد من مستوى تحالفها مع واشنطن، بفرض رسوم جمركية على السلع الأوروبية والتهديد بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي (الناتو) إن لم ترفع دول أوروبا إنفاقها العسكري إلى 5% من ناتجها المحلي وكذلك بتقديم مقاربة مختلفة بشأن الحرب في أوكرانيا.

وتنذر المؤشرات المختلفة إلى أن الشرخ الحاصل في العلاقات الأميركية الأوروبية بفعل سياسات ترامب من شأنه أن يقوض السلم والأمن الدوليين.

مقالات مشابهة

  • فضيحة تسريبات وخسائر اليمن تُطيح بمستشار الأمن القومي الأمريكي ونائبه
  • أمين الفتوى: مصادر التشريع في الإسلام أربعة.. والقرآن والسنة الأصل
  • مكافأة كبيرة لـ لامين يامال من برشلونة
  • ملف الشهر.. أوروبا وأميركا علاقات تاريخية غيّرها ترامب
  • إدارة ترامب تضغط على بكين للتفاوض معها بشأن الرسوم الجمركية
  • ترامب: تغيير الاقتصاد الأمريكي يحتاج إلى وقت ولن يتم في بضعة أيام
  • لكي تقود العالم..على أوروبا التخلي عن تفكيرها الاستعماري
  • بعد شهر ونصف.. ما وراء انضمام بريطانيا إلى العدوان الأمريكي على اليمن؟
  • إدارة أمن جبن تحيي ذكرى الصرخة: تجديد الولاء لله والموقف الثابت في مواجهة الطغيان الأمريكي والصهيوني
  • فايننشال تايمز: هكذا تستطيع أوكرانيا أن تفكك التحالف الغربي