رمي البرهان بخطابه لحماً عبيطاً للصفوة فأخرجت أثقالها (1-2)
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
ملخص
ليست خطبة البرهان هذه غلظته أو أركان حربه، الأولى على الإسلاميين كما نبه إلى ذلك ضياء البلال. فخطبة البرهان في معسكر حطاب قبل الحرب، لم تكن أقل فظاظة. كما كانت كلمة الفريق الركن شمس الدين كباشي في الفرقة الثانية مشاة في مدينة القضارف خلال الحرب عن الميليشيات الداعمة للجيش، وأبرزها “البراء” الإسلامية، حازمة وحاسمة حول أن القيادة للجيش في الحرب لا مناص.
بدا أن الفريق الركن عبدالفتاح البرهان، القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة، أضاع بخطابه السبت التاسع من فبراير الجاري سانحة انتظرها حتى خصمه السياسي ياسر عرمان من قادة “تقدم” (تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية) وهي أن يترجم نصره على “أرض المعركة إلى تقدم على أرض السياسة”. خلافاً لذلك ارتفعت بخطابه الحمى السياسية في أوساط الصفوة السياسية واصطفت على ضفتي الخطاب تعيد إنتاج معركتها التاريخية. فأزعج الناس، والإسلاميون بالذات من خطابه، “النبرة والتوقيت” كما قال الصحافي ضياء الدين البلال.
“صرفت له بركاوي”
البرهان من جهة ضحية تقليد في الخطابة السياسية قائم في الارتجال يخاطب فيه القائد حشداً لا جمهوراً والتعبير فيه لا بمقتضى الحال بل بأقصى العبارة. وهو تقليد تشكل من أعراف الخطابة في القوات المسلحة التي خرج منها قادة السودان لأكثر سنوات استقلاله. واللغة في أعراف الجيش عقوبة في حد ذاتها. فيقال “صرف لهم عربي” إذا أوقف الضابط جماعة من الجند يوبخهم على خطأ ما. فيظل يتحدث إليهم بما يطرأ على لسانه لا زابط ولا رابط. واشتهرت عبارة عن الرئيس السابق حسن أحمد البشير وهي “صرفت له بركاوي”. والبركاوي صنف تمر مرغوب. فقال مرة إنه التقى مسؤولة غربية أساءت في الحديث معه فـ”صرف لها بركاوي”، أي إنه أفحمها. وعليه فليس من وراء الخطابة تحضير، بل هي من وحي اللحظة. وأظهر ما يكون من ذلك أنك لا تعرف متى سيفرغ الخطيب من كلمته. فكان البرهان على وشك أن ينهي خطبته هذه مرات ثلاث ثم تطرأ له فكرة فيعاود الحديث من جديد. أما ما أفسد على البرهان سانحة أن تكون كلمته ترجمة سياسية للنصر العسكري كما تقدم، فهو تفرجه باللغة. فحذر في خطابه من المزيدات السياسية والتجاذب فيها. ووجه فيه للمؤتمر الوطني رسالة واضحة ألا يحلموا بعودة إلى الحكم “على دماء وأشلاء السودانيين” مرة أخرى لأنه لا أحد يريد ذلك. ولا يعرف المرء حاجة البرهان لهذه الكلمة القصية ودونها الكثير الذي يغني عنها.
تهمة التزلف لـ”تقدم”
حاول قادة من المؤتمر الوطني من مثل أمين حسن عمر صرف خطاب البرهان كـ”عفو كلام” أراد به البرهان “ريحاً لتملأ أشرعته لتمضي قدماً” ولكنه اختار جبلاً كالمؤتمر الوطني لأن الهجوم على الصغار لا يصنع زوبعة. ولم يكن مع ذلك من مهرب للبرهان من استثارة خاطر الإسلاميين في خطابه الأخير طالما بدا منه أنه يمد يده لتنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية “تقدم”. فقال إن الباب مفتوح أمام جماعاتها ما رفعت يدها عن الجنجويد. وزاد بأن طلب من السلطات ألا تقف عثرة دون حصولهم على أوراقهم الثبوتية. وهذا ما فهم منه أهل “تقدم” أن عليهم التوبة عما هم فيه وهي مذمة، بينما فهم الإسلاميون أن وراء عرض البرهان هذا مشروع أكبر. فثمن بيان المؤتمر الوطني الرسمي قيادة البرهان للحرب، غير أنه قال إنه يربأ به أن يتزلف لـ”تقدم” التي “لا تملك سوى صكوك الولاء لقوى الشر التي تحارب الوطن”. وقال فتح الرحمن النحاس الصحافي الإسلامي، إن في هذا العرض رسائل للمجتمع الدولي، مجتمع الهيمنة. ودعا لرفع اليد عن هذا المجتمع فلا سمع له علينا على حساب الولاء والخضوع لله ولديننا الإسلام”.
استبعاد الإسلاميين
ولا يعرف المرء لماذا حمل الدرديري محمد أحمد، الوزير السابق والقيادي بالمؤتمر الوطني، خطبة البرهان على أنها استبعدت الإسلاميين من العملية السياسية المنتظرة في حين فتحت باب المشاركة لـ”تقدم” دونهم متى تابوا عن دعم الميليشيات. مع أن البرهان لم يزد أن قال إن مشاركة الطرفين في هذه العملية رهينة بنهاية الحرب والفيصل فيها صندوق الانتخابات. ولم ير الدرديري في مقالة البرهان هذه الكسب الإسلامي الذي رآه الصحافي ضياء البلال. فقال البلال إن المؤتمر كاسب باستبعاده و”تقدم” معاً من الفترات الانتقالية، وهذا ما يحدث لـ”تقدم” للمرة الأولى. وكسب “المؤتمر الوطني” من كلام البرهان بإعلانه حزباً منتظراً منه أن ينزل الانتخابات بينما كان الديدن منذ الثورة أن يستثنى من العملية السياسية جزاء وفاقاً. كما لم ير راشد عبدالرحيم الصحافي الإسلامي، هذه المكاسب لأنه استنكر على البرهان أن يساوي بينهم وبين “تقدم” المنافسة في الانتخابات. فمتى دوى الرصاص في الغد، في قوله، سيتبخر خطاب البرهان.
صدام وشيك مع الإسلاميين
أما دوائر” تقدم” فأرضاها إغلاظ البرهان في خطبته على الإسلاميين ورأت بوادر صدام وشيك بينهما. وسموا ضيق الإسلاميين بالخطبة والهجوم عليها “مناحة” لأنهم أرادوا العودة للحكم بالحرب مما لم يتفق مع البرهان. وكان كسب البرهان من نهره لـ”الكيزان” أن استرد شخصيته الاعتبارية في أعين “تقدم”. فرأت الصحافية رشا عوض في الخطاب صراعاً في معسكر الحرب. فالبرهان يريدها ديكتاتورية عسكرية على نهج مصر ونجاحه في مشروعه في حاجة إلى قوة عسكرية ضاربة تكسر شوكة “الكيزان”. ولم يكن لا للجيش ولا البرهان هذا المشروع المستقل عن “الكيزان” عند “تقدم” منذ قيام الحرب بصورة أخص. فالجيش، في قول قديم لرشا عوض نفسها، تحول طوال عهد الإسلامويين إلى مجرد “حصان طروادة” الذي يختبئ داخله الكيزان لإضفاء الطابع الوطني على مشروعهم الحزبي البغيض، وذلك استناداً إلى الأساطير الوطنية المنسوجة حول الجيش من دون وجه حق.” وكانت العبارة السائغة عن الجيش عندهم بأنه “ميليشيات الكيزان”. ولم يكن للبرهان مشروع قبلاً. فقيادة الجيش هي بالاسم عند القيادي بالمؤتمر الوطني، علي كرتي، يأمر فيطاع. وهكذا بين غمضة عين وانتباهتها صار الجيش عند “تقدم” جيشاً والبرهان برهاناً.
ليست خطبة البرهان هذه غلظته أو أركان حربه، الأولى على الإسلاميين كما نبه إلى ذلك ضياء البلال. فخطبة البرهان في معسكر حطاب قبل الحرب، لم تكن أقل فظاظة. كما كانت كلمة الفريق الركن شمس الدين كباشي في الفرقة الثانية مشاة في مدينة القضارف خلال الحرب عن الميليشيات الداعمة للجيش، وأبرزها “البراء” الإسلامية، حازمة وحاسمة حول أن القيادة للجيش في الحرب لا مناص، ويأخذ كل الآخرين “الحزا” في لغة الجيش. ناهيك من ردة فعل البرهان الغضوبة على الشيخ عبد الحي يوسف قبل شهرين أو نحوه حين قال إن الحركة الإسلامية من يقاتل في السودان وإنما الجيش العنوان. فرد عليه البرهان أن يأتي ويأخذ قواه التي تحارب في السودان إذا عرف أن له تلك القوى. وكان ذلك بمثابة “صرف بركاوي” للشيخ.
ونواصل
عبد الله علي إبراهيم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: المؤتمر الوطنی لـ تقدم قال إن
إقرأ أيضاً:
الجيش الأمريكي يطلق أكبر عملية تحديث منذ الحرب الباردة.. إليكم التفاصيل
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تقريرا، للصحفي مايكل غوردون من هوهنفيلز، قال فيه إنّ: "الجيش الأمريكي يشرع في أكبر عملية إعادة هيكلة له منذ نهاية الحرب الباردة، مع خطط لتجهيز كل فرقة قتالية من فرقه بحوالي 1000 طائرة مسيرة، والتخلص من الأسلحة والمعدات القديمة".
وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "الخطة، التي تعدّ نتاج أكثر من عام من التجارب في الميدان التدريبي في بافاريا وقواعد أمريكية أخرى، تستند لحد كبير على الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا، إذ أحدثت الطائرات الصغيرة المسيرة المستخدمة بأعداد كبيرة تحولا في ساحة المعركة".
وأضاف: "ستتحول فرق الجيش العشر العاملة، بشكل كبير، إلى الطائرات المسيرة في حال تنفيذ الخطة، لاستخدامها لأغراض المراقبة، ونقل الإمدادات، وتنفيذ الهجمات".
وتابع: "لاستخلاص الدروس من حرب أوكرانيا ضد روسيا، أجرى ضباط أمريكيون، استجوابا، لأفراد جيشهم واستشاروا متعاقدين عملوا مع جيش كييف حول استخدامهم المبتكر للطائرات المسيرة".
ونقلت الصحيفة، عن قائد فوج الفرسان الثاني الأمريكي، العقيد دونالد نيل، قوله إنّ: "علينا أن نتعلم كيفية استخدام الطائرات المسيرة، وكيفية القتال بها، وكيفية قياسها، وإنتاجها، واستخدامها في معاركنا حتى نتمكن من الرؤية بما يتجاوز خط الرؤية". وأضاف نيل: "لطالما كانت لدينا طائرات مسيرة منذ انضمامي إلى الجيش، لكنها كانت قليلة جدا". فيما ظهرت جهود دمج الطائرات المسيرة، بوضوح تام، وفقا للتقرير، في شباط/ فبراير عندما خاض لواء من الفرقة الجبلية العاشرة معركة ضد خصم وهمي هنا.
واسترسل التقرير نفسه: "خلال الحرب الباردة، استُخدم ميدان هوهنفيلز التدريبي الضخم للتحضير لحرب مدرعة ضد هجوم سوفيتي محتمل على أوروبا الغربية. لكن في سيناريو مُحدّث يعكس تكتيكات قتالية جديدة مُستخدمة في أوكرانيا، حلقت طائرات صغيرة بدون طيار في سماء الشتاء الرمادية، يسيطر عليها جنود ومقاولو دفاع في الحقول الموحلة بالأسفل".
"تسبّب البرد القارس في تكوّن الجليد على بعض شفرات مراوح الطائرات، وأدى لاستنزاف البطاريات، وهو خلل لم يحدث في التدريبات السابقة في هاواي ولويزيانا. سارع الجنود لإعادة شحنها سعيا منهم لإبقاء الطائرة المسيرة في الجو" أكد التقرير.
وأبرز: "اشتبكت القوات الأوكرانية والروسية باستخدام المدفعية والمركبات المدرعة والمقاتلات المأهولة وغيرها من الأنظمة التقليدية. لكن المسيّرات هي التي غيّرت مجرى الصراع، لأنها رخيصة الثمن، ويمكنها الهجوم في أسراب لسحق الدفاعات، ويمكنها إرسال بث فيديو مباشر إلى غرفة التحكم، ما يجعل من الصعب الاختباء في ساحة المعركة، كما يقول المحللون".
من جهته، قال الجنرال المتقاعد الذي شغل منصب نائب رئيس أركان الجيش وراقب التدريب هنا، جاك كين: "لقد تحولت الحرب البرية لحرب مسيّرات. إذا كان من الممكن رؤيتك، فقد تُقتل. يمكن للمسيّرات القضاء بسرعة كبيرة على جندي يحمل قنبلة صاروخية، ودبابة، ومرافق القيادة والتحكم، وموقع المدفعية".
وأوضح التقرير: "المسيّرات ليست سوى إحدى القدرات التي يخطط الجيش لنشرها في سعيه، لتعزيز قدرته على ردع روسيا والصين بعد عقود من محاربة حركات التمرد في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى".
وأبرز: "كما يعمل الجيش على تطوير سبل تحسين ربط الجنود في ساحة المعركة، بالاعتماد على الهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية وتكنولوجيا الإنترنت، وشراء نوع جديد من المراكب لفرقة المشاة. ويخطط الجيش لاستثمار حوالي 3 مليارات دولار لتطوير أنظمة أفضل لإسقاط مسيّرات العدو، ويتجه نحو بناء قدراته في مجال الحرب الإلكترونية".
وقال مسؤولون، بحسب الصحيفة الأمريكية، إنّ: "تكلفة الإصلاح ستبلغ 36 مليار دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة، وهو ما سيتوصل إليه الجيش من خلال الاستغناء عن بعض الأسلحة القديمة وإحالة أنظمة أخرى إلى التقاعد، وهي خطوات تتطلب دعما من الكونغرس".
تأتي "مبادرة تحويل الجيش"، كما يُعرف مخطط الجيش، في الوقت الذي تسعى فيه وزارة كفاءة الحكومة التابعة، لإيلون ماسك، لخفض الإنفاق والموظفين في جميع أقسام الحكومة.
وأبرزت الصحيفة، أنّ الجنرال راندي جورج، رئيس أركان الجيش، ودانيال دريسكول، وزير الجيش، التقى، مؤخرا بنائب الرئيس جيه دي فانس، لشرح خطة الجيش لتطوير قدراته مع إجراء تخفيضات تعويضية، وفقا لمسؤول في البنتاغون. وقد أيد وزير الدفاع بيت هيغسيث الخطة في توجيه وُقّع هذا الأسبوع.
وقال جورج في مقابلة: "لن نطلب المزيد من المال. ما نريده هو إنفاق الأموال المتاحة لدينا بشكل أفضل". فيما يوقف الجيش شراء عربات الهمفي، وهي مركبته الخدمية الرئيسية منذ عقود، ولن يشتري بعد الآن مركبته التكتيكية الخفيفة المشتركة.
وتابع التقرير الذي ترجمته "عربي21" بأنّه: "كما يوقف شراء الدبابة الخفيفة M10، التي أثبتت أنها أثقل وزنا وأقل فائدة مما كان مخططا له عند بدء البرنامج قبل عقد من الزمان. ويخطط الجيش لإحالة بعض طائرات الهليكوبتر الهجومية القديمة من طراز أباتشي إلى التقاعد. كما سيساهم خفض عدد الموظفين المدنيين في تحقيق التوفير".
وفي المقابلة، قال دريسكول: "ثلاثة ألوية، وهي التشكيلات التي يتراوح قوامها بين 3000 و5000 جندي والتي تُشكل الفرق، قد جُهزت بالفعل ببعض الأنظمة الجديدة غير المأهولة، والهدف هو تحويل بقية القوة العاملة في غضون عامين. عادة ما تضم الفرقة ثلاثة ألوية".
واختتم بالقول: "أما فرق الجيش التي لم تبدأ بعد في دمج التكنولوجيا الجديدة، فعادة ما تمتلك حوالي اثنتي عشرة مسيّرة استطلاع بعيدة المدى، والتي نُشرت لأول مرة منذ أكثر من عقد".
واستطرد: "استغنى مشاة البحرية عن دباباتهم كجزء من عملية إصلاح منفصلة تتطلب فرق قتالية صغيرة مُجهزة بالصواريخ للتنقل من جزيرة إلى أخرى في غرب المحيط الهادئ لمهاجمة الأسطول الصيني في أي صراع".
"لا تزال خطة الجيش، التي تهدف إلى تعزيز قدرات الخدمة في آسيا وأوروبا، تتضمن اقتناء دبابات جديدة وصواريخ بعيدة المدى وطائرات ذات مراوح قابلة للإمالة، إذ تستطيع العمل كطائرة عمودية أو كطائرة بجناحين، وأنظمة تقليدية أخرى" وفقا للتقرير ذاته.
وأردف: "سيتعين على القاعدة الصناعية الأمريكية أن تتوسع لإنتاج أحدث التقنيات الجاهزة التي يريدها الجيش. في العام الماضي، صنعت أوكرانيا أكثر من مليوني مسيّرة، معظمها بمكونات صينية، وفقا لمسؤولين أمريكيين. لكن الجيش الأمريكي محظور عليه استخدام قطع غيار من الصين".