محاكم بلا نفوذ: كيف تُفشل واشنطن العدالة الدولية؟
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
لطالما كانت محكمة الجنايات الدولية (ICC) محل جدل في الأوساط السياسية، خصوصا بين الدول الكبرى التي تخشى أن تُستهدف قياداتها أو جيشها بتهم جرائم الحرب، بالنسبة لدولة الاحتلال الاسرائيلي فإن المحكمة تمثل تهديدا محتملا بسبب تحقيقاتها في الانتهاكات التي يتم ارتكابها في الضفة الغربية وقطاع غزة. أما الولايات المتحدة الأمريكية فلطالما كانت علاقتها بمحكمة الجنايات معقدة، حيث لم تصادق بالأساس على ميثاق روما المؤسس لها، أحيانا تدعمها في قضايا معينة كما حصل مع روسيا، بينما تهاجمها في قضايا أخرى تمس مصالحها أو حلفاءها كما يحصل مع إسرائيل.
في الآونة الأخيرة أصبح هنالك تطور مثير للجدل على الساحة الدولية، عندما أعلنت إسرائيل والولايات المتحدة عن خطوات تصعيدية ضد مؤسسات حقوق الإنسان، خصوصا فيما يتعلق بمحكمة الجنايات الدولية، هذه الخطوات تشمل تهديدات بفرض عقوبات على المحكمة وعرقلة إجراءاتها، وحتى انسحابات من مؤسسات حقوقية، هذه التحركات تثير العديد من التساؤلات حول تأثيرها على العدالة الدولية، ومبادئ حقوق الإنسان، وعلاقات القوى العالمية خاصة بعدما أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي ترامب عن سلسة إجراءات وعقوبات ستفرض على محكمة الجنايات الدولية لأنها استمرت في تحقيقاتها وادانتها لإسرائيل. ومن بين هذه العقوبات قيود مالية، وقيود على التأشيرات، وحتى ملاحقة قضائية ضد المسؤولين في المحكمة، هذه الخطوة جاءت بعد أن وسّعت المحكمة تحقيقاتها لتشمل جرائم حرب في ابادتها للفلسطينيين في غزة، وهو ما أثار غضب تل أبيب وواشنطن.
من جهة أخرى، سبق للولايات المتحدة أن انسحبت من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 2018، متهمة المجلس بالتحيز ضد إسرائيل. واليوم، تتزايد الدعوات داخل إسرائيل لاتخاذ خطوة مماثلة، ووقف التعاون مع مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، هذه السياسات تعكس اتجاها عالميا متزايدا من بعض الدول نحو تقليل التزاماتها تجاه المؤسسات الحقوقية، مما قد يؤدي إلى إضعاف النظام الدولي لحقوق الإنسان وعدم فاعليتها.
التداعيات المحتملة
محكمة الجنايات الدولية تمثل واحدة من الأدوات القليلة لمحاسبة مرتكبي الجرائم الكبرى، مثل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، لكن في حال استمرت الضغوط والعقوبات ضدها، فقد تخسر المحكمة قوتها وتصبح غير قادرة على تنفيذ ولايتها، مما يفتح الباب أمام الإفلات من العقاب ويصبح العالم يحكمه قانون الغاب، فإن تم انسحاب الدول الكبرى على غرار قرار الولايات المتحدة وإسرائيل من المؤسسات الحقوقية، فإن ذلك يرسل رسالة إلى بقية العالم بأن هذه الهيئات مهمتها إدانة الدول الضعيفة فحسب، مما يشجع الدول الاستبدادية على ارتكاب المزيد من الانتهاكات دون خوف من العواقب.
تراجع الثقة في النظام الدولي
القوانين والمؤسسات الدولية تهدف إلى تحقيق العدالة وحفظ الأمن والاستقرار، لكن عندما تتحدى دول كبرى هذه المؤسسات، فإن ذلك قد يؤدي إلى تقويض ثقة الشعوب والمجتمعات بها، مما قد يشجع على مزيد من الفوضى الدولية، بالرغم من الضغوط التي تمارسها واشنطن وتل أبيب، إلا أن العديد من الدول والمنظمات الحقوقية الدولية تعارض هذه التحركات على استحياء، وتدعو إلى تعزيز دور محكمة الجنايات الدولية بدلا من معاقبتها (الاتحاد الأوروبي مثلا)، عبّرت عن دعمها للمحكمة، مؤكدة أنها مؤسسة مستقلة يجب أن تعمل دون ضغوط سياسية وهي تعلم أن الأساس في مهاجمتها نابع من المجازر الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
اليوم تدرك العديد من الدول أن التصعيد ضد محكمة الجنايات الدولية قد يؤدي إلى مزيد من التوترات، مع ذلك لم تتخذ إجراءات عملية لمعاقبة من يقوّض عمل المحكمة لأن الطرف الآخر هي الولايات المتحدة وإسرائيل وتدعمها دول أخرى، خصوصا الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وإسرائيل، وتفضل الصمت أو حتى دعم هذه التحركات، بحجة أن المحكمة قد تتجاوز صلاحياتها أو تتدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة، لذا لا داعي للمؤسسات الدولية لعدم وجود أي آلية دولية تضمن محاسبة إسرائيل على الانتهاكات وجرائم الإبادة الحاصلة في فلسطين.
تحديات النظام العالمي؟
التهديدات والانسحابات من المؤسسات الحقوقية الدولية تعكس تحديات كبيرة تواجه النظام العالمي القائم على القانون الدولي، فبعض الدول ترفض التعاون في إنفاذ القانون بحجة انتهاك مصالحها وسيادتها وهو ما يعطّل التحقيقات الدولية. الإصلاحات قد تكون ضرورية لضمان استقلالية محكمة الجنايات الدولية من الضغوط السياسية، لكن في الوقت نفسه، يجب أن يكون هناك التزام دولي بدعم هذه المؤسسات، وليس معاقبتها عند اتخاذ قرارات غير مرغوبة من بعض القوى الكبرى كما هو حاصل الآن.
خاتمة
تنفيذ إسرائيل وأمريكا بمعاقبة محكمة الجنايات الدولية والانسحاب من مؤسسات حقوق الإنسان تمثل تهديدا خطيرا لمبدأ العدالة الدولية، هذا التصعيد أدى إلى إضعاف النظام الحقوقي العالمي، وعمل على تشجيع الانتهاكات وزيادة التوترات الدولية، لذا فإن لم يتكاتف المجتمع الدولي لحماية هذه المؤسسات وضمان استمرارها في أداء دورها الأساسي في تحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم الكبرى، فإن العالم سيكون مقبل على ارتكاب العديد من المجازر دون حسيب أو رقيب.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات إسرائيل العدالة الفلسطينيين إسرائيل امريكا فلسطين الجنائية الدولية عدالة مدونات سياسة سياسة اقتصاد صحافة سياسة اقتصاد رياضة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة محکمة الجنایات الدولیة حقوق الإنسان مؤسسات حقوق العدید من
إقرأ أيضاً:
اتفاق عالمي لخفض انبعاثات السفن رغم انسحاب واشنطن
توصّلت الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية إلى اتفاق بشأن معيار عالميّ لانبعاثات الوقود للقطاع البحري، ستفرض بموجبه رسوم انبعاثات على السفن التي تخرق هذا المعيار، وستكافئ تلك التي تستخدم وقودا نظيفا.
وأعلنت الدول الأعضاء في المنظمة التابعة للأمم المتحدة، أمس الجمعة، في ختام اجتماعها في لندن، التوصل إلى اتفاق تاريخي، يهدف إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في قطاع الشحن البحري.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4واشنطن تنسحب من مفاوضات خفض انبعاثات الشحن البحريlist 2 of 4هل تهدد رسوم ترامب الجمركية جهود مكافحة التغير المناخي؟list 3 of 4كرة القدم.. سحر يخفي ثمنا مناخيا باهظاlist 4 of 4الصين بين طموحات الطاقة النظيفة وإشكالية الفحم والمعادن النادرةend of listويتضمن الاتفاق، اعتماد معيار عالمي لانبعاثات الوقود وآلية تسعير عالمية للانبعاثات، سيتم بموجبه فرض رسوم على السفن التي تتجاوز حدود الانبعاثات المقررة، بينما تمنح مكافآت للسفن التي تستخدم وقودا نظيفا، وتلتزم بالمعايير البيئية، حسب وكالة رويترز.
وصوّتت غالبية الدول في المنظمة على بنود الاتفاق وستفرض بموجبه غرامة قدرها 380 دولارا لكل طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون يتجاوز الحد الثابت. بالإضافة إلى غرامة إضافية قدرها 100 دولار لكل طن ينبعث فوق مستوى الخفض الأعلى المقرر.
ومن المقرر اعتماد هذه التدابير رسميا في أكتوبر/تشرين الأول 2025 قبل دخولها حيز التنفيذ في عام 2027، وستصبح إلزامية بالنسبة للسفن الكبيرة العابرة للمحيطات التي يزيد وزنها الإجمالي عن 5 آلاف طن، والتي تنبعث منها 85% من إجماليّ انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الشحن الدولي.
إعلانووفقا لمستوى التخفيض الأساسي المعتمد في الاتفاق، ستُطالب السفن بحلول عام 2030 بخفض كثافة انبعاثات الوقود بنسبة 8% مقارنة بعام 2008، بينما سيتطلب المستوى الأعلى من الخفض تقليصا بنسبة 21%، أما بحلول عام 2035، فسترتفع النسب إلى 30% و43% على التوالي.
وقال الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية أرسينيو دومينغيز: "إن الموافقة على مسودة التعديلات على الملحق السادس لاتفاقية ماربول التي تفرض إطار عمل المنظمة البحرية الدولية لتحقيق صافي انبعاثات صفري يمثل خطوة مهمة أخرى في جهودنا الجماعية لمكافحة تغير المناخ وتحديث النقل البحري ويوضح أن المنظمة البحرية الدولية تفي بالتزاماتها".
وحسب الاتفاق، سيُمنح رصيد بيئي خاص للسفن التي تنجح في تقليص انبعاثاتها إلى ما دون الحد الأعلى المسموح، وستتاح إمكانية بيع هذه الأرصدة لسفن أخرى غير ملتزمة، ما يخلق آلية حوافز مالية داخل السوق البحرية العالمية.
وأعربت الدول عن التزامها بالمساهمة في تحقيق هدف المنظمة المتمثل في خفض صافي انبعاثات قطاع الشحن الدولي بنسبة 20% بحلول عام 2030.
كما وافقت الدول على هدف المنظمة بالتخلص من الانبعاثات تماما بحلول عام 2050.
ورغم الاتفاق، كشفت المناقشات التي دارت أثناء صياغة الاتفاق عن انقسامات واضحة بين الحكومات حول وتيرة خفض الانبعاثات المطلوبة من القطاع البحري وقوبل مقترح فرض ضريبة كربونية أعلى على جميع انبعاثات الشحن برفض عدد من الدول الكبرى.
وفي المقابل، حظي المقترح بدعم دول جزر المحيط الهادي، التي تواجه مخاطر كبرى بسبب التغير المناخيّ، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة، بحسب تقرير وكالة رويترز.
ومن المتوقع أن تدرّ الرسوم المفروضة بموجب الاتفاق نحو 40 مليار دولار سنويا بحلول عام 2030، ويفترض أن يتم تخصيص جزء من هذه العائدات لجعل أنواع الوقود النظيف، التي لا تزال مرتفعة التكلفة، في متناول مشغّلي السفن حول العالم.
إعلانوكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من مفاوضات وكالة النقل البحري في لندن، وحثت الدول الأخرى على أن تحذو حذوها، وهددت بفرض إجراءات مضادة، مقابل أي رسوم تفرَض على السفن الأميركية، لكن الدول الأخرى مضت في اعتماد الإجراءات الجديدة.
وبحسب مذكرة دبلوماسية أرسلتها الولايات المتحدة إلى مندوبي الدول الأعضاء في المنظمة الدولية الثلاثاء، أكدت واشنطن أنها "ترفض أي محاولة لفرض إجراءات اقتصادية ضد سفنها على أساس انبعاثات غازات الاحتباس الحراري أو اختيار الوقود".
ولطالما واجهت صناعة الشحن البحريّ، التي تنقل حوالي 90% من التجارة العالمية وتمثل ما يقرب من 3% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، دعوات من المنظمات البيئية لفرض ضريبة على الكربون.