“ساعة للتاريخ”.. شهادة من قلب السياسة اليمنية
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
م. صلاح الدين عبدالله
في خضم الأحداث المتسارعة التي شهدتها اليمن عبر العقود الماضية، يبرز كتاب “ساعة للتاريخ” كشهادة حية على مرحلة مفصلية في التاريخ السياسي اليمني؛ الكتاب ليس مجرد توثيقٍ للأحداث، بل نافذةٌ يطلُّ منها القارئ على كواليس الصراع السياسي، والمناورات التي دارت بين القوى المحلية والدولية، من خلال تجربة شخصية غنية بالتحولات والصراعات.
لماذا هذا الكتاب؟
يستند “ساعة للتاريخ” إلى سلسلة من الحوارات التي أجريت مع الأستاذ محمد النعيمي- عضو المجلس السياسي الأعلى، أحد الفاعلين السياسيين الذين كانوا جزءًا من المشهد اليمني بكل ما فيه من تقلبات؛ فهو ذو القول الصادق، والرأي الصائب، والرؤية العميقة التي تجمع بين الهوية الإيمانية، والهوى الوطني والهواية المدنية، بعيداً عن الأهواء الذاتية والمناطقية والفئوية الضيقة؛ وتمتد الحوارات التي بُني عليها الكتاب إلى عمق الأحداث، فتتجاوز السرد التقليدي لتقدم تحليلًا معمّقًا لتاريخ اليمن الحديث، بدءًا من الصراع بين الملكيين والجمهوريين، مرورًا بتشكُّل الأحزاب السياسية، وصولًا إلى التدخلات الخارجية التي لم تزل تحاول رسم مسار البلاد حتى اليوم.
في مقدمة الكتاب، يوضح المحاور “الأستاذ/ عبدالرحمن الأهنومي- معد ومقدم برنامج ساعة للتاريخ الذي عُرض على قناة المسيرة الفضائية” أن الفكرة انطلقت من رغبةٍ في تقديم قراءة موضوعية لتاريخ اليمن السياسي من وجهة نظر شاهد عيان، وليس مجرد باحث يقرأ من الكتب؛ وهذا ما يجعل الكتاب مختلفًا عن غيره من الدراسات، فهو شهادة شخصية تخاطب القارئ بلسان من عاش التجربة، وليس فقط من حللها.
محتوى الكتاب.. بين السياسة والتأريخ
يقدم الأستاذ النعيمي رؤية تفصيلية لمراحل الصراع السياسي في اليمن، ويركز على أبرز المحطات التي شكلت المشهد العام، ومنها:
– الصراع بين الملكيين والجمهوريين، وكيف بدأت الحرب السياسية ودور القوة الثالثة، ومن كان اللاعب الأكبر في تحديد مصير اليمن في تلك الفترة؟.
– التأثير الإقليمي والدولي، وكيف لعبت السعودية دورًا في تشكيل المشهد السياسي اليمني؟.
– نشأة وتطور حزب “الاتحاد”، وكيف ظهر هذا الحزب؟، وما علاقته بالقوى السياسية الأخرى؟.
– الوحدة اليمنية والتحديات التي واجهتها، ولماذا لم تكن الوحدة كما تخيلها الكثيرون؟، وما الذي قد يعرقل نجاحها؟.
– التحولات الكبرى والثورات، وكيف تأثرت الأحزاب والتيارات المختلفة بالأحداث المفصلية؟.
– التحرر من التبعية والارتهان، وكيف صمد الشعب اليمني العظيم في مواجهة العدوان؟.
– الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة، وكيف يمكن لليمن أن تواكب التطورات العالمية حتى تصبح منافسة لتلك التطورات؟.
ما يميز الكتاب أنه لا يكتفي بعرض الوقائع، بل يسعى إلى فهم الخلفيات السياسية والاجتماعية التي دفعت باتجاه تلك الأحداث، مما يجعله مصدرًا مهمًا للباحثين، وصنّاع القرار، وحتى المواطن العادي الذي يريد فهم ما جرى بعيدًا عن الخطابات الرسمية والمواقف المعلبة.
لماذا يجب أن يُقرأ هذا الكتاب؟
لأنه شهادة تاريخية من الداخل، فليست كل الكتب السياسية تروي الأحداث من منظور من عاشها، لكن هذا الكتاب يحمل تجربة شخصية موثقة.
لأنه يكشف كواليس السياسة اليمنية، فيتناول قضايا لم تكن تُطرح بشكل مباشر، ويوضح كيف جرت الأمور خلف الأبواب المغلقة.
لأنه يقدم قراءة عميقة للأحداث، فالكتاب ليس مجرد أرشيف زمني، بل تحليل للأخطاء والدروس المستفادة، ما يجعله دليلًا لفهم مستقبل اليمن.
في الختام.. «هذا الكتاب» لا يُفوّت
يوضح الأستاذ النعيمي أهمية التوثيق السياسي، وكيف يمكن لهذه الشهادات أن تضيء الطريق للأجيال القادمة؛ فالتاريخ ليس مجرد ماضٍ يُحكى، بل دروسٌ تُستخلص، وتجاربٌ تكرَّر.
«ساعة للتاريخ” هو أكثر من مجرد كتاب سياسي، إنه وثيقة تنبض بالحياة، تأخذ القارئ إلى دهاليز السياسة اليمنية، حيث الحقيقة ليست دائمًا كما تبدو، ولكنها دائمًا تحمل أثرها على المستقبل.
إن اختيار عبارة “علينا أن نتعض من دروس التاريخ وعبره وعضاته” على واجهة الكتاب يعكس أسلوبًا غير تقليدي أكثر إثارة، لأنها توضح أن الكتاب يجمع بين الدرس والعبرة والأثر المؤلم الذي تتركه الأحداث في الذاكرة الجمعية؛ فكلمة “نتعض” تحمل في طياتها معنى التأثر العميق والاستفادة من التجارب بطريقة تتجاوز الإدراك العقلي إلى الإحساس الحقيقي بوقع الماضي؛ أما استخدام “عضاته” بدلًا من “عظاته”، فيكسر النمطية المعتادة في الحديث عن التاريخ، حيث يبرز الوجه القاسي له، ذلك الذي يعضّ الأمم والشعوب إن هي تجاهلت دروسه، ويجعل القارئ يتفاعل معه على مستوى أعمق، كأنه يستشعر الألم والتحذير المخفي وراء كل تجربة.
وبهذا التكوين، يصبح الكتاب أكثر تأثيرًا، فهو لا يكتفي بدعوة باردة لاستخلاص العبر، بل يدفع القارئ دفعًا إلى الشعور بأن التاريخ ليس مجرد روايات تُسرد، بل أحداث تُعيد تشكيل الواقع، إما بإلهام يقود للتغيير، أو بندوب تظل شاهدة على أخطاء لم يُتعظ منها.
هل تبحث عن قراءة مختلفة في التاريخ السياسي اليمني؟ “ساعة للتاريخ” هو الكتاب الذي تحتاجه.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: هذا الکتاب لیس مجرد
إقرأ أيضاً:
أكرم إمام أوغلو بين إنفاذ القانون ولعبة السياسة
بعد أن اعتقل رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أغلو، على خلفية خمس قضايا، فإن العقوبة "التبعية" بحقه هي الحظر من ممارسة السياسية لمدة خمس سنوات، وهي عقوبة تنزلها المحكمة على المتهمين في القضايا المخلة بالشرف، فالقضايا المتهم فيها رئيس بلدية إسطنبول الكبرى في تركيا تتعلق بالاختلاس والرشوة وإهانة القضاء، والتواصل مع منظمة إرهابية، وتزوير شهادة الجامعة، وهي أحد الشروط للترشح للمناصب النيابية والتنفيذية في تركيا.
العجيب أن الإعلام سلط الضوء على القضية الأخيرة، متعاميا عن التهم الخطيرة التي تمس الاقتصاد التركي ونزاهة التعاملات الحكومية في أهم بلدية في البلاد، وكما تعامى عن جريمة تمس الأمن القومي للبلاد بالتواصل مع حزب العمال الكردستاني الانفصالي، وهي منظمة إرهابية في تركيا وأمريكا وأوروبا، ليركزوا الضوء على قضية تزوير الشهادة، ويبنوا عليه تحليلات تخص السياسة وحظوظ الرجل في الترشح للانتخابات الرئاسية.
ونحن هنا لسنا جهة تحقيق ولا منصة للقضاء لنحكم على الرجل بالإدانة أو البراءة، ولكننا، نقف على زوايا تناول الموضوعات وكيفية توجيه الرأي العام من قبل الإعلام وبتوجيه سياسي.
استثمر حزب الشعب الجمهوري في أكرم إمام أوغلو بشكل كبير خلال العشر سنوات الماضية، وراهن عليه رئيس الحزب السابق كليتشدار أوغلو
استثمر حزب الشعب الجمهوري في أكرم إمام أوغلو بشكل كبير خلال العشر سنوات الماضية، وراهن عليه رئيس الحزب السابق كليتشدار أوغلو، حتى إن الرجل خصص له من الحزب ورجال الأعمال وماله الخاص مخصصات كبيرة، للفوز برئاسة بلدية إسطنبول، لوقف احتكار حزب العدالة والتنمية للمنصب، ومن ثم إعادة الأمل للحزب وأنصاره في أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستكون الأفضل، وحشد له في ذلك كل الجهود، وعقد تحالفات تصب في صالح الحزب على المستوى الاستراتيجي في صالح إمام أوغلو في معركته من أجل اقتناص منصب رئيس البلدية، واستطاع إمام أوغلو، الشاب، أن يحصد أرصدة لا يستهان بها من أنصار الحزب وأوسط الشباب، وشرائح الفئة المترددة، وغير المؤدلجة، ولعب الحزب في دعايته على التغيير وإعطاء الشباب فرصته، وصور إمام أوغلو على أنه الأمل في ذلك.
لقد كان لاعتقال إمام أوغلو تأثيره الكبير على أنصاره والراغبين في التغيير، واستثمر الحزب في الحدث سياسيا، على الرغم من أن التهم الموجهة لرئيس بلدية إسطنبول كلها جنائية، تمثلت في الرشاوى وتسهيل التربح لشركة خاصة، تربح هو أيضا من تربحها، من خلال تحويل أموال بعشرات ملايين الليرات. ولقد كان لتوقيت القبض على إمام أوغلو، قبيل الانتخابات الداخلية في الحزب، تأثير في توظيف الحدث سياسيا، وهو ما يحسب أيضا على منافسي أكرم إمام أوغلو، في مقابل إلقاء اللوم على الحزب الحاكم ورئيسه. فرواية أن التهم ملفقة بغرض التخلص من إمام أوغلو، تنسحب بالأحرى على كل من رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، ورئيس الحزب أزغور أوزيل، اللذين يرون في أنفسهما الأحقية في الترشح لرئاسة تركيا.
كان لاعتقال إمام أوغلو تأثيره الكبير على أنصاره والراغبين في التغيير، واستثمر الحزب في الحدث سياسيا، على الرغم من أن التهم الموجهة لرئيس بلدية إسطنبول كلها جنائية، تمثلت في الرشاوى وتسهيل التربح لشركة خاصة، تربح هو أيضا من تربحها، من خلال تحويل أموال بعشرات ملايين الليرات. ولقد كان لتوقيت القبض على إمام أوغلو، قبيل الانتخابات الداخلية في الحزب، تأثير في توظيف الحدث سياسيا، وهو ما يحسب أيضا على منافسي أكرم إمام أوغلو
كما أن اتهام الحزب الحاكم بتلفيق التهم لإمام أوغلو، هي بحد ذاتها جريمة بحق القضاء، الذي تسيطر عليه تيارات هي في الواقع أبعد ما تكون عن الأيديولوجية الحاكمة في تركيا الآن، وهي اتهامات تطلقها المعارضة منذ سنوات، وترى أن الحكومة تستخدم القضاء في الإطاحة بالمعارضين، وهي اتهامات يمكن أن تنطلي على العوام، لكن النظام القضائي المؤسس على التقاضي على درجتين يجعل من المستحيل أن تستخدم السلطة التنفيذية القضاء. كما أن علاقة القضاة بالرئيس ليست على ما يرام، ولعل اجتماعه بهم بمناسبة افتتاح العام القضائي قبل أعوام في القصر الرئاسي، في حين كان من المفترض أن يذهب هو لهم، أثار إشكالية كبيرة بين الرئاسة والقضاة والمحاميين، ما جعل 32 نقابة قانونية تمتنع من حضور الاجتماع.
أزمة أكرم إمام أوغلو لها أبعاد كثيرة، منها ما هو داخلي، وتنقسم إلى داخل الحزب، في منافسة قياداته على الترشح للرئاسة، وهو ما يؤكده أن من أبلغ عن انتهاكات أكرم إمام أوغلو من داخل الحزب، ومنها ما هو داخل تركيا، ويتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، ورغبة الحزب الحاكم في إزاحة إمام أوغلو، وهو ما تريد الغالبية تصديقه، ولكنه مردود عليه بأن الرئيس لا يحق له الترشح بموجب الدستور، إلا لو تم تعديله، لكن عدم تجهيز خليفة للرئيس يجعل باب التكهنات مفتوحا، سواء لتهيئة المناخ لمرشح لا يستطيع مقارعة إمام أوغلو، أو لفرض حالة الطوارئ وتمديد فترة الرئيس الحالي، وهو سيناريو يتداوله رجل الشارع في تركيا.
كما أنها تتعلق بصراع النفوذ الاقتصادي في البلاد، بين جمعية رجال الأعمال (توسياد) وبين الحكومة التي تريد أن تفرض سيادة الدولة على اقتصاد بلادها، وهو ما نتج عنه انهيار الليرة التركية خلال ساعات من الإعلان عن القبض على رئيس بلدية إسطنبول.
أزمة إمام أوغلو لها أيضا أبعاد خارجية على المستوى الإقليمي والدولي، فمسارعة ألمانيا بالتنديد باعتقال إمام أوغلو، ثم مناقشة الموضوع في الاتحاد الأوروبي، وحتى طرح سؤال للمتحدثة في البيت الأبيض عن القضية، تضع على إمام أوغلو وعلاقاته المستمرة بالسفارات الغربية علامة استفهام كبيرة، تتمحور في الرغبة الغربية في تحجيم الدور التركي دوليا وإقليميا، أو هكذا ترى الموالاة، من خلال الإطاحة بحزب العدالة والتنمية، وإنهاء مشروعه الحضاري النهضوي، ومحاولاته استعادة زعامة المنطقة، وهي الرغبة التي تجد مقاومة شرسة من دول ترى في نفسها الأحقية حتى ولو لم تمتلك المؤهلات، أو مدفوعة بالسعار التوسعي، كإيران والكيان المحتل، وكل هؤلاء لا يستبعد أن يتعاونوا من أجل إخراج مشهد تنهزم فيه دولة القانون بتصوير الأمر على أنه لعبة سياسة.
لطالما طالب العلمانيون بفصل الدين عن السياسة، ويبررون ذلك بأنه ضمانة لحيادية الدولة، ومنع استغلال الدين لتحقيق مكاسب سياسية، وهو ما يصب في تعزيز الديمقراطية والمواطنة. ومن هذا المنطلق، فنحن نطالبهم بفصل السياسي عن القانوني، وعدم استغلال القانون لتحقيق مكاسب سياسية، لضمان حياد الدولة ومؤسساتها، وضمان الحفاظ على وعي المواطن وعدم استدراجه لمنزلقات تختلط فيها المفاهيم، وتهدم فيها المبادئ، وتتسلق الرغبات والأطماع على أكتاف الثوابت من أجل عرض زائل، فهم في ذلك يضرون أكثر مما ينفعون، ويخسرون أكثر مما سيجنون، فإنفاذ القانون وبناء دولته أهم وأبقى من مكاسب لو تحققت لن ترسخ أسس دولة بل ستهدمه، وهو ما يتمناه أعداء تركيا.