سوق الحريقة بدمشق.. يوم ألهب هتاف الشعب السوري ما بينذل
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
دمشق- لم يدر في خلد التاجر عماد نسب عندما توجه صباح يوم 17 فبراير/شباط 2011 إلى عمله في سوق الحريقة الشهير في دمشق أن تتحول مشكلته مع شرطي مرور إلى مظاهرة حاشدة صدحت بهتاف "الشعب السوري ما بينذل" فألهبت المشاعر وأرقت حينها النظام السوري المخلوع في أوج ثورات الربيع العربي.
جاءت الحادثة قبل نحو شهر من انطلاق الثورة السورية في شهر مارس/آذار من نفس العام لتخرج إلى العلن ما يتخلج قلوب الناس من قهر جراء الإساءة والظلم الذي يتعرض له السوريون من النظام المخلوع وأدواته الأمنية التي تغولت وتدخلت في حياة الناس اليومية وبات الوضع لا يطاق.
وفي موقعه الجغرافي يحاذي سوق الحريقة العريق من الجنوب سوق الحميدية الشهير، وسوق مدحت باشا من جهة الشمال، وجادة الدرويشية غربا وسوق الخياطين شرقا متخذا مكانا إستراتيجيا في قلب دمشق القديمة.
وقد عُرفت هذه المنطقة سابقا بـ"سيدي عامود" لكن اسمها تبدل عقب الحريق الذي شب جراء قصف قوات الاحتلال الفرنسية دمشق عام 1925 فأحرقت المحال والبيوت وتسببت بدمار كبير شمل الآثار الهامة.
ويمتاز سوق الحريقة بأهمية عن باقي الأسواق المنتشرة في دمشق لقربه من الأبنية الرسمية وحركة الناس النشطة فيه في جميع الأيام والأشهر على مدار العام، ويقدر عدد تجار السوق ما بين 3 آلاف و4 آلاف تاجر.
إعلان
نقطة البداية
يروي التاجر عماد نسب للجزيرة نت كيف بدأت القصة قبل 14 عاما، إذ توجه بسيارته إلى عمله بصحبة شقيقه صبيحة يوم الخميس الموافق 17 فبراير/شباط من عام 2011، ولدى وصوله إلى تقاطع شارع الدخول إلى السوق بسيارته طلب الشرطي من عماد أن يكمل طريقه عند الإشارة، لكن شرطيا آخر على الزاوية المقابلة طلب منه التوقف، وعندما شاهده الشرطي الأول متوقفا كال له السباب.
لم يتمالك التاجر الشاب نفسه فرد على الشرطي بنفس طريقته فتمادى شرطي المرور بتكرار السباب فنزل عماد من سيارته ليتحدث له، فما كان من رجل المرور إلا أن بدأ بضربه بعصا يحملها، فاندلع الاشتباك والضرب بينهما وتكاثر الناس من حولهما.
وبينما تدخل زملاء الشرطي نصرة لزميلهم، تجمهر التجار والأصدقاء في السوق لمؤازرة التاجر الذي تعرض للإهانة.
تطور الأمر سريعا وتزايدت الحشود لتنطلق الحناجر بالهتاف "الشعب السوري ما بينذل".
عقب ذلك يحكي عماد نسب كيف جاء قائد الشرطة حينها وحاول لملمة الموضوع لكنه لم يستطع ذلك، فلم يقبل ولا المتظاهرون المذلة والتعدي الذي حصل لأن شرطي المرور ليس له الحق بالتهجم والشتم في حال ارتكاب خطأ مروري وإنما إيقاع عقاب بدفع مخالفة لمنتهك قانون السير.
تصاعدت المطالب لدعوة وزير الداخلية اللواء سعيد سمور للحضور إلى المكان ليحل الموضوع لأن التاجر عماد رفض الذهاب إلى الأفرع الأمنية خوفا من عدم العودة مستغلا التجمهر الكبير في المكان.
وصل وزير الداخلية وحاول لملمة الموضوع لكن الحشود كانت تردد "الشعب السوري ما بينذل".
بعد ذلك -يستطرد عماد- قام التجار في المنطقة بإغلاق محلاتهم التجارية تضامنا معه لأن التجار لا يريدون إنهاء المشكلة بطريقة اللملمة دون معاقبة الشرطي وعدم تكرار الذل والمهانة، فكان أن تعهدت الأفرع الأمنية بمحاسبة الشرطي المتسبب بالمشكلة وهو ما حدث لاحقا من أجل لملمة هذا الحدث في ظل استنفار أمني.
إعلان رعب ومضايقاتلم تنتهِ الأزمة عند هذا الحد فقد طُلب من التاجر عماد في اليوم التالي مراجعة فرع المخابرات الجوية حيث استجوب هناك لساعات طويلة عن من تواصل معه أو وجه لعمل هذه الأزمة والمظاهرة.
وللخروج من هذا المأزق بأقل الخسائر دفع عماد مبالغ مالية طائلة تبعده عن الملاحقة الأمنية الدائمة.
وبسبب الرعب والخوف الذي ألم به عقب المظاهرة والاستجواب بقي عماد 15 يوما حبيس المنزل لم يذهب إلى محله التجاري.
ولم يكد التاجر يعود إلى عمله حتى بدأ سيل من المضايقات عبر الجمارك أحيانا وجهاز التموين أحيانا أخرى، دفع ثمنها أموالا طائلة.
اختطاف واعتقال
وقد تجاوزت أجهزة النظام المخلوع في بعض الأحيان المضايقات المالية لتصل إلى تهديد الحياة، فيروي التاجر عماد كيف خطفت مجموعات تتبع للمخابرات الجوية شقيقه الأصغر وطلبت مبلغ مليوني دولار للإفراج عنه.
لكن أخاه تمكن من الفرار بعد 15 يوما من المنزل الذي كانت لجان الجوية تحتجزه فيه، فسارع الأهل إلى تسفير الأخ الأصغر لعماد إلى خارج البلاد حيث بقي مغتربا إلى حين سقوط النظام المخلوع والتحرير كي يتمكن من العودة إلى أرض الوطن.
وتطورت المضايقات في يوم اقتحم عناصر من الفرع 215 التابع للمخابرات محله التجاري حيث كان يوجد شريكه بلال حواط وخلال عملية التفتيش تم مصادرة 112 دولارا، وبقي موقوفا في الأفرع الأمنية نحو شهرين تنقل خلالها بين الفرع 215 ثم الجنائية ثم إلى سجن عدرا في دمشق.
من جانبه يحكي بلال حواط شريك عماد للجزيرة نت كيف اقتحم عناصر الفرع 215 مخابرات المحل وصادروا 112 دولارا باعتباره من تجار الدولار رغم أنه كان يمتلك أوراقا تثبت شراءه الدولار من محل للصرافة حيث كان المبلغ ما تبقى من رحلة سفر.
ويروي حواط كيف دخل 20 عنصرا من الفرع 215 يقودهم ضابط برتبة عقيد.
وأضاف "اعتقلوني وابتزوني وسرقوا أموالا طائلة كانت في المحل بحجة وجود 112 دولارا، واعتقلت 60 يوما تقريبا وتنقلت بين عدة أفرع، وتعرضت للتعذيب والإهانة والذل وجميع أنواع الغطرسة والقهر، وكسرت أسناني، ودفعت أموالا طائلة".
إعلانويؤكد حواط أنه محكوم بمبلغ مادي كبير وبالسجن ومجرد من حقوقه المدنية، حيث دفع أمولا للخروج من السجن.
ويتذكر حواط يوم هروب بشار الأسد وتحرير السجناء من سجن صيدنايا الذي يقع بمنطقة تل منين بريف دمشق حيث يسكن.
فقد كان حواط من أوائل الواصلين للسجن بهدف مساعدة المعتقلين وتحريرهم لكنه عندما وصل ورأى أحوال السجناء تذكر فترة اعتقاله وما تعرض فيها من التعذيب فأصيب بالانهيار وبكى إذ كما قال "لا يشعر بشعور المعتقلين إلا الذين تعرضوا للسجن مثلهم".
وفي قصف القوات الفرنسية لمنطقة سوق الحريقة عام 1925 كتب أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته الشهيرة إثر تلك النكبة التي تعرضت لها دمشق على يد الاستعمار وفيها:
سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ .. ودمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ
وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي .. إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَدًا وَخَفقُ
وَبي مِمّا رَمَتكِ بِهِ الليالي .. جِراحاتٌ لَها في القَلبِ عُمقُ
وعندما صدح السوريون مطالبين بالحرية عام 2011، كفكفت دمشق وسوريا دموعها في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024 بعد ثورة استمرت نحو 14 عاما أنهت 53 عاما من حكم آل الأسد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات
إقرأ أيضاً:
المدير العام للمؤسسة العامة للحبوب: نتقدم بجزيل الشكر والامتنان لجمهورية العراق الشقيقة على مبادرتها الكريمة، بإطلاق حملة لنقل 220 ألف طن من القمح كهدية إلى الشعب السوري
2025-04-25mohamadسابق “حين يتنفس الحديد”.. معرض النحات وضاح سلامة في غاليري البيت الأزرق انظر ايضاً “حين يتنفس الحديد”.. معرض النحات وضاح سلامة في غاليري البيت الأزرق
دمشق-سانا اختار النحات وضاح سلامة عنوان “حين يتنفس الحديد” لمعرضه الفردي الأول الذي افتتح في …
آخر الأخبار 2025-04-25المدير العام للمؤسسة العامة للحبوب: نتقدم بجزيل الشكر والامتنان لجمهورية العراق الشقيقة على مبادرتها الكريمة، بإطلاق حملة لنقل 220 ألف طن من القمح كهدية إلى الشعب السوري 2025-04-25سلمية يحرز لقب بطولة النصر لكرة الطائرة للسيدات بفوزه على تلدرة 2025-04-25وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل تصل إلى روما للمشاركة بمراسم تشييع قداسة البابا فرنسيس 2025-04-25الشيباني أمام مجلس الأمن: رفع العقوبات يسهم بتحويل سوريا إلى شريك قوي في السلام والازدهار والاقتصاد الدولي 2025-04-25الوزير الشيباني يرفع علم سوريا الجديد أمام مقر الأمم المتحدة 2025-04-25وزير التنمية الإدارية يناقش مع محافظ إدلب رفع كفاءة العمل المؤسساتي في المحافظة 2025-04-25وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني يرفع علم سوريا الجديد أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك 2025-04-25مراسل سانا: انطلاق بطولة النصر 3 لفروسية قفز الحواجز تحت عنوان “شهداء الثورة السورية المباركة” في نادي الفروسية المركزي بالديماس بريف دمشق بمشاركة أكثر من 100 فارس وفارسة 2025-04-25الوزير الشعار: إعادة هيكلة وزارة الاقتصاد والصناعة تؤسس لتكامل العملية الاقتصادية 2025-04-25مراسل سانا: انطلاق المباراة النهائية من بطولة النصر لكرة الطائرة للسيدات بين فريقي سلمية وتلدرة على أرض صالة كرة الطائرة بمدينة الفيحاء الرياضية في دمشق
صور من سورية منوعات صفائح لعضلة القلب من الخلايا الجذعية… خطوة نحو العلاج الأول من نوعه في العالم 2025-04-17 أول سماعة طبية رقمية في اليابان تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل نبضات القلب 2025-04-10فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |