لجريدة عمان:
2025-02-19@22:15:03 GMT

حول الترامبية وشريعة الغاب ومآلات العرب

تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT

لم يكن مستغربا أن تفضي الحالة الأمريكية في فترة الديمقراطيين بكل تعقيداتها الاقتصادية واللاأخلاقية (حالة الهوس بالمثلية) فضلا على الممارسة السياسية والعسكرية إلى دفع الناخبين الأمريكيين للتصويت لصالح شخصية جدلية متطرفة مثل الرئيس الأمريكي الحالي الذي أدى انتخابه إلى ارتدادات عالمية منذ اللحظات الأولى لتنصيبه الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة من كندا لغاية الصين وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط بطبيعة الحال.

وليس ثمة ما يدهش في هذا السلوك الإمبريالي المتعالي والمزدري لكل ما هو غير أمريكي خاصة من جانب «ترامب» والحاشية الملتفة حوله الآن من بليونيرات التقنية وكبار رجال الأعمال اليهود وغلاة الجمهوريين وغيرهم ممن وجدوا فرصتهم التاريخية لإعادة صياغة المشهد الأمريكي وتفكيك مؤسسات الدولة والاستفادة من الفرص الهائلة لهذا النفوذ والتنفع. وبالتالي انطلق هذا السعار للاستحواذ على كندا وجرينلاند وقناة بنما والاستيلاء على غزة المدمرة بل ولم يتردد في فرض التعريفات والرسوم الجمركية على العالم كله في ضربة خاطفة ضد الاتفاقيات التجارية الدولية الثنائية والجماعية واللافت في هذه الحقبة أنه عندما يتعلق الأمر بالمصالح الأمريكية والصهيونية فسحقا لكل الأعراف والأخلاق والقيم الإنسانية والاتفاقيات الدولية والأصدقاء والأعداء طالما أنه يخدم الخزانة الأمريكية وصورة «ترامب» في أوساط الجمهوريين على مستوى الداخل الأمريكي واللوبي الصهيوني.

وأيا كان موقفنا من هذه «الترامبية» المتوحشة التي تتمترس بأيديولوجيا أمبريالية استعلائية عنصرية فإننا أمام واقع معقد للغاية، ويكفي أن نرى ما يحدث في غزة والتهديد بسرقتها وتهجير سكانها وتلك اللغة الازدرائية المستفزة للقوى العربية والطريقة الوقحة التي تخاطب بها إسرائيل العالم العربي اليوم.

إن هذا الواقع يفرض الآن استحقاقات هائلة للإبقاء على ما يسمى بالنظام العربي المثخن بجراحات الخيانة والتدهور والتآمر واليأس الشعبي والذي يكاد يخلو من بارقة أمل تعيد للعرب موقعهم على الساحة الدولية ولا يفوتني الإشارة إلى موقف سلطنة عمان الرافض لهذه السياسات وكذلك موقف الأشقاء في المملكة العربية السعودية ومصر الذين رفضوا بشكل قاطع تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم.

أعتقد أن العرب في ظل هذه «الترامبية» المتوحشة مطالبون بالالتفات إلى التهديد الوجودي الذي يتربص بهم في ظل تمترس الإمبراطورية الأمريكية وراء الأجندة الصهيونية بكل تفانٍ واستسلام ولعلها لحظة تاريخية فارقة للعمل على مزيد من التقارب والتضامن العربي والإسلامي والتعاضد مع حلفاء جدد قبل أن تتشكل «سايكس بيكو» جديدة لابتلاع مستقبلهم وجغرافيتهم وحري بالقوى العربية اليوم أن تنبري إلى تكثيف جهودها وإعداد العدة للمستقبل والاصطفاف معا لمواجهة التغول الإسرائيلي فاليوم غزة وغدا ما بعد غزة، إذا ما تم الاستسلام الكامل للسردية «الترامبية» وشريعة الغاب التي انطلقت بكل بشاعة من البيت الأبيض منذ تنصيبه رئيسا.

على الصعيد العالمي هناك ما يشبه لحظة انبلاج تاريخية مع انتهاء النسخة الأمريكية (إن صح التعبير) ما قبل «ترامب» ويبدو أن هناك «حالة رفض عالمية» تتشكل في الأفق مع تهديد الكثير من القوى العالمية بالرد بالمثل بما في ذلك الصين والاتحاد الأوربي وكندا وغيرها. تجدر الإشارة في ذات السياق أن الصين لربما هي المستفيد الأكبر من هذه التحولات الأمريكية المتطرفة ولعلها تماثل تاريخيا استفادة الولايات المتحدة من السقوط التاريخي المدوي لأوروبا إبان الحرب العالمية الثانية في أوج بزوغ القوة الأمريكية.

وللمفارقة فإنه لا يبدو أن للنخب الأمريكية من مثقفين وأكاديميين كبار وعلماء وطبقة الانتلجنسيا وقامات علمية ضخمة تأثير حقيقي وثقيل على هذا السعار الذي ينطلق من واشنطن نحو العالم. ومع ذلك بدأت تظهر بعض الأصوات مثل «ديفيد بروكس» الذي نشر مقالا في النيويورك تايمز بتاريخ 23 يناير الماضي حول رؤيته بفشل سياسات «ترامب» مشيرا إلى أن (تاريخ العالم يُظهر لنا، منذ الثورة الفرنسية على الأقل، أن الاضطرابات السريعة تجعل الحكومات أسوأ بشكل كارثي)، ومنوها (أن هناك فرقا كبيرا بين من يعملون بروح وثقافة الاضطراب ومن يعملون بروح وثقافة الإصلاح).

في السياق الأمريكي ذاته، وصفت مجلة الإيكونوميست «ترامب» في عددها الصادر بتاريخ 25 يناير 2025 بـ «الرئيس الإمبريالي»، في إشارة إلى الرئيس ويليام ماكينلي (1897-1901)، لافتةً إلى أوجه التقارب بين رؤيتهما الاقتصادية، لا سيما في دعمهما للتعريفات الجمركية المرتفعة والتوسع الاقتصادي. ولا يُخفي ترامب إعجابه بنهج الرئيس ماكينلي، الذي شهد خلال فترة رئاسته ضم هاواي، وغوام (جزيرة في غرب المحيط الهادي)، والفلبين، وبورتوريكو إلى الأراضي الأمريكية. كما كان ماكينلي من أبرز المدافعين عن التعريفات الجمركية المرتفعة وقد حظي بدعم كبار رجال المال في عصره، مثل جيه. بي. مورغان وجون دي. روكفلر، بحسب تقرير المجلة.

ورغم حالة جلد الذات في الأوساط العربية وثقافة القنوط واليأس التي تهيمن على الكثير من السرديات العربية إلا أن ما تشهده الأمة العربية من تحديات وجودية خطيرة في راهنها يستدعي تجاوز هذه الثقافة (رغم يأس الكثيرين من حدوث أية ردة فعل عربية تصل إلى درجة القنوط)، ولعل حالة الرفض التي فجرتها حرب غزة وارتداداتها العالمية وانكشاف رخص ونفاق الغرب وازدواجية المعايير ،إلى جانب ما يقوم به الرئيس الأمريكي الحالي من استهداف للأصدقاء والأعداء تحت راية «أمريكا أولا» و«لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» تشكل مبررات وجودية حقيقية لتعزيز التقارب العربي وتكامله وهو ما يستوجب من القوى العربية الفاعلة أن تعيد تموضعها في هذا السياق الدولي المعادي بما يخدم المصالح العربية ويعيد للمواقف العربية هيبتها والتخفف قدر الإمكان من تداعيات هذه الحقبة المعقدة على أمن دولها واستقرار أنظمتها ورخاء شعوبها في ظل حروب تجارية واقتصادية وعسكرية لا تراعي صديقا من عدو.

يحيى العوفي كاتب ومترجم عماني

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الرئيس الأمريكي يكشف قيمة الرسوم «على السيارات والرقائق والأدوية»

يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على السيارات “في حدود 25 بالمئة” ورسوم مماثلة على أشباه الموصلات والواردات الدوائية، وهي أحدث تدابير في سلسلة تهدد بقلب التجارة الدولية رأسا على عقب.

وكان ترامب أعلن، الجمعة، أن الرسوم على السيارات ستدخل حيز التنفيذ في الثاني من أبريل، وهو اليوم التالي لتقديم أعضاء حكومته تقارير له تحدد الخيارات المتاحة لمجموعة من الرسوم الجمركية على الواردات في إطار سعيه إلى إعادة تشكيل التجارة العالمية.

ودأب ترامب على الإشارة إلى ما أسماه المعاملة غير العادلة لصادرات السيارات الأميركية في الأسواق الأجنبية.

فعلى سبيل المثال، يفرض الاتحاد الأوروبي رسوما جمركية 10 بالمئة على واردات المركبات، أي أربعة أمثال معدل الرسوم على سيارات الركاب الأميركية البالغة 2.5 بالمئة.

ومع ذلك، تفرض الولايات المتحدة رسوما 25 بالمئة على الشاحنات الخفيفة المستوردة من دول أخرى غير المكسيك وكندا، وهي النسبة التي تجعل المركبات مربحة للغاية لشركات صناعة السيارات في ديترويت.

كما أبلغ ترامب الصحفيين أمس الثلاثاء بأن الرسوم على الأدوية والرقائق ستبدأ أيضا عند “25 بالمئة أو أعلى، وسترتفع بشدة على مدار العام”، بحسب وكالة رويترز.

ولم يحدد ترامب موعدا للإعلان عن هذه الرسوم، وقال إنه يريد توفير بعض الوقت لصانعي الأدوية والرقائق الإلكترونية لإنشاء مصانع في الولايات المتحدة حتى يتمكنوا من تجنب الرسوم الجمركية.

ومنذ تنصيبه قبل أربعة أسابيع، فرض ترامب رسوما 10 بالمئة على جميع الواردات من الصين، بالإضافة إلى الرسوم القائمة، بسبب عدم وقف الصين الاتجار في الفنتانيل.

كما أعلن رسوما جمركية 25 بالمئة على السلع من المكسيك والواردات غير المرتبطة بالطاقة من كندا قبل أن يرجأها لمدة شهر.

كما حدد 12 مارس موعدا لبدء فرض رسوم 25 بالمئة على جميع أنواع الصلب والألومنيوم المستورد، مما يلغي الإعفاءات لكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي وشركاء تجاريين آخرين.

ووجه الأسبوع الماضي فريقه الاقتصادي لوضع خطط لفرض رسوم مضادة تتناسب مع معدلات الرسوم لكل منتج من منتجات كل دولة.

تضاف هذه التصريحات الأخيرة إلى سجل ترامب في استخدام الرسوم الجمركية كسلاح اقتصادي، وهو ما قد يُعزز مخاوف دولية من حرب تجارية شاملة، لا سيما مع ردود الفعل المحتملة من الشركاء التجاريين مثل الصين والاتحاد الأوروبي.

تعيين مرشح ترامب المؤيد للرسوم وزيرا للتجارة في الولايات المتحدة
ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي، يوم الثلاثاء، على تعيين رجل الأعمال هوارد لاتنيك، المعروف بتأييده لسياسة الرسوم الجمركية، وزيرا جديدا للتجارة في الولايات المتحدة.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد رشح لاتنيك لمنصب وزير التجارة في نوفمبر الماضي. وأعلن لاتنيك خلال جلسة الاستماع في الكونغرس عن تأييده لسياسة الرسوم الجمركية، معتبرا أن ذلك سيسمح للولايات المتحدة بتحقيق “العدالة” في التجارة وكسب الاحترام من جانب الشركاء.

وتحدث لاتنيك خصوصا عن ضرورة فرض الرسوم الجمركية على المنتجات الصينية التي تستوردها الولايات المتحدة.

يذكر أن هوارد لاتنيك البالغ من العمر 63 عاما كان مديرا تنفيذيا لشركة “كانتور فيتزجيرالد” المالية التي التحق بها بعد تخرجه في الجامعة في الثمانينات وأصبح صديقا قريبا لمؤسسها برنارد كانتور.

وخسرت الشركة 658 موظفا في أثناء الهجوم الإرهابي على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، يوم 11 سبتمبر عام 2001، بمن فيهم شقيق لاتنيك، غاري.

وكان هوارد لاتنيك يجمع التبرعات لحملتي دونالد ترامب في أثناء الانتخابات الرئاسية في 2020 و2024.

مقالات مشابهة

  • ردا على ترامب .. زيلينسكي: الرئيس الأمريكي يعيش مساحة من التضليل مصدره روسيا
  • ما الذي يدور في عقل ترامب؟
  • بوتين: المحادثات الروسية الأمريكية التي انعقدت في العاصمة السعودية الرياض كانت “إيجابية”.. ويسعدني لقاء ترامب
  • هدف طال انتظاره.. رسالة واضحة من الرئيس السيسي إلى نظيره الأمريكي ترامب
  • الرئيس الأمريكي يكشف قيمة الرسوم «على السيارات والرقائق والأدوية»
  • الرئيس عون: لبنان لن يكون منصَّة للهجوم على الدول العربية الشقيقة
  • الرئيس الأمريكي يسجل هدفا في مرمى الصين بمجال «الطاقة الخضراء»
  • الرئيس الأوكراني: لن نشارك في المحادثات الأمريكية الروسية التي ستعقد غدًا في السعودية
  • ستيف ويتكوف.. "رجل الصفقات" الذي يعيد تشكيل السياسة الأمريكية
  • المستعمر الأمريكي الذي خلع قناع الوساطة