الصدام بين رؤية ترامب للسياسة الخارجية وواقع الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 17th, February 2025 GMT
ترجمة - أحمد شافعي -
يعتزم الرئيس دونالد ترامب -الذي اشتهر بكتابه «فن الصفقة» في الثمانينيات- أن يطبق على البيت الأبيض المبادئ التي عرضها في ذلك الكتاب الرائج. وعلى وجه التحديد، يبدو أن عيني ترامب تنصبان على ما رآه كثير من رؤساء الولايات المتحدة بمقام الكأس المقدسة في منجزات السياسة الخارجية: فهو يريد أن يكون الرئيس الأمريكي الذي يحقق السلام الدائم في الشرق الأوسط.
والأمر بالنسبة لترامب يتعلق كله بالعقارات، أي مصدر رزقه. فهو ينظر إلى غزة فلا يرى فيها مقديشو البحر الأبيض المتوسط وإنما ريفييرا الشرق الأوسط.
لولا مشكلة واحدة في رؤية ترامب: هي أن العرب الفلسطينيين يعترضون الطريق. لذلك يقترح ترامب إجلاء المليوني عربي أو نحو ذلك ممن يعيشون وسط الحطام إلى ما يصفه في غموض بمكان أفضل. ولو أن بالإمكان أخذ تصريحات ترامب حرفيا (وذلك افتراض خطير) فسوف «يمتلك» الأمريكيون غزة لكي يعيدوا بناءها فتصبح ريفييرا الشرق الأوسط.
غير أن البيت الأبيض تحرى الصراحة -ردا على الأصوات الداخلية التي تعوي مستنكرة تكاليف مثل هذا المشروع- فقال إن القوات الأمريكية لن تنتشر في غزة، وإن دولارات دافعي الضرائب الأمريكيين لن تستعمل لدفع تكاليف إعادة الإعمار. وبدلا من ذلك، يريد ترامب من اللاعبين الأقوياء في المنطقة أن يفعلوا شيئا -أي شيء- لدفع الكرة الجيوسياسية قدما.
غير أن في الأمر مشكلة واحدة: هي أن الدول العربية لا تميل إلى دفع أموالها دعما لتهجير الفلسطينيين قسريا من غزة ولتمليك القطاع لأمريكا. وهنا تكمن مشكلة رؤية ترامب الكبرى.
ليس ألفا طفل مريض مغنما للبيت الأبيض
بعد ما بدا أقرب إلى تهديد من الرئيس ترامب بقطع معونة أمريكية هامة لبعض البلاد من قبيل الأردن ومصر، وافق العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني في زيارة إلى البيت الأبيض على القبول بألفي طفل مريض، غير أن عبدالله الثاني أوضح أنه لن يقوم بأي خطوات إضافية إلى أن يطرح المصريون خطتهم الجاري وضعها.
والأمر الواضح هو أن ألفي طفل فلسطيني مريض لا يمثلون حتى واحدا في المائة من سكان غزة. بل إنهم في واقع الأمر أقل فئات هؤلاء السكان خطرا. فالمشكلة الحقيقية هي أن الدول العربية لا تريد استيعاب العرب الفلسطينيين من أهل غزة، وليس أهون أسباب ذلك أن كثيرا منهم إسلاميون راديكاليون سوف يوجهون غضبهم ضد الحكومات العربية المضيفة، وقد سبق أن ذاق الأردن ولبنان مثل ذلك في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي.
فور انتهاء لقاء عبدالله وترامب، ألغت الحكومة المصرية لقاءها بترامب «إذا ما تطرق جدول اللقاء لغزة». ومن المنتظر أن يلتقي جميع الزعماء العرب في الرياض. فضلا عن أن الأتراك والإيرانيين ينسقون حاليا الردود فيما بينهم وبين العرب، ويجب أن يكون هدف إدارة ترامب هو في المقام الأول احتواء إيران في الشرق الأوسط. وترامب بحاجة إلى العرب، بل وإلى الأتراك، ليكونوا شركاء في سياسته، بقدر ما يحتاج إلى إسرائيل في ذلك.
ولكن هذا الهدف بات الآن تاليا للشوق إلى حل المستنقع الإسرائيلي الفلسطيني.
في كتاب «فن الصفقة» كتب ترامب أن استراتيجيته في المساومة قامت دائما على استهداف أهداف عالية علوا غير منطقي في المفاوضات الأولية، بمنطق أنه سوف يتمكن تحقيق ما هو أقل فيما بعد ويبقى مع ذلك رابحا. ولذلك فإن هذا هو السبيل الأفضل لفهم قوله بأن أمريكا سوف «تتملك» غزة وهو ما لا يريده الإسرائيليون أو العرب في حقيقة الأمر. فحتى لو لم تنته أمريكا إلى تملّك غزة، فقد يرغم ضغطه العرب والإسرائيليين (فيما أرجو) على العمل معا من أجل سلام حقيقي دائم. وهذا عمل غير معهود، لكن لو أن رجلا أثبت أنه قادر على تحدي الصعاب التي تتراكم أمامه، فهو دونالد ترامب.
مخاطرة ترامب باتفاقاته الإبراهيمية
لكن على الرغم من كل الجعجعة، كان سبب النجاح الكبير الذي حققته اتفاقات ترامب الإبراهيمية في عام 2020 هو أنها رفضت صراحة أن تجعل من حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أولوية. ومن خلال ذلك، أتيح للاتفاقيات أن تتحرك قدما إلى حيث فشلت في التقدم مقترحات كثيرة أخرى يشهد على فشلها التاريخ، وبات في متناول اليد تطبيع العلاقات بين دول عربية كثيرة وإسرائيل بعد ما كان ذلك يعد غير قابل للتصور منذ جيل واحد، وكان من شأن هذه الدول أن تضع يدها في أيدي تحالفات جديدة لتذويب الاختلافات فيما بينها وحشد ما لديها من موارد، لاحتواء إيران.
وفي رد على مقترح ترامب الأخير، يتعاضد العرب مع بعضهم بعضا -ومع إخوانهم المسلمين في تركيا وإيران- لتشكيل ما يرجح أن يكون جبهة موحدة ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. وحينما يلتقي الزعماء العرب في الرياض، سوف يكون ذلك هو هدفهم بصرف النظر عن أي تنازلات طفيفة يقدمونها لترامب (من قبيل قبول ألفي طفل مريض من غزة) لإلهائه عنهم وقتا كافيا.
مبادرة السلام العربية المحبطة
سيكون ما تنتهي إليه القمة العربية على الأرجح تكرارا لدعوة تحقيق السلام بما يتفق مع مبادرة السلام العربية. فقد طرح العرب هذه الخطة ما لا يقل عن أربع مرات في أعوام 2002 و2007 و2017 و2024.
وليس مكتوبا لهذه المبادرة أن تبدأ لأن الإسرائيلي يرونها -دونما إجحاف- لا خطة سلام وإنما إنذارا نهائيا. تدعو المبادرة إلى الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الضفة الغربية والنصف الشرقي من القدس ومرتفعات الجولان. وتدعو أيضا إلى «حق العودة» للفلسطينيين، بمعنى أن يسمح لجميع الفلسطينيين المشردين بسبب الحروب العديدة بين الإسرائيليين والعرب منذ عام 1948 -وأبنائهم- بالرجوع إلى بيوتهم الأصلية في إسرائيل.
وليست هذه الخطة منذورة لعدم البدء وحسب، ولكنها أيضا مستحيلة التنفيذ، حتى لو وافق الإسرائيليون على هذه الأمور (وهو ما لا يمكنهم عمله بطبيعة الحال لو أنهم راغبون في الحفاظ على بقاء إسرائيل). ولعل ترامب يرجو أن يضطر الجانبان إلى الجلوس إلى طاولة كبيرة جميلة ليتساوموا إلى أن تقدم تنازلات.
ومرة أخرى أقول إن ترامب قد يقهر الصعاب. ولكن الحظ لا يحالفه. ولا السوابق التاريخية. فبرغم ما يطرحه الرئيس الأمريكي من أفكار جديدة (وهذا تعبير مهذب) بشأن المشكلات القديمة، ففي ما يتعلق بالقضية الإسرائيلية الفلسطينية، يتحتم أن ترجع الثقافات القديمة المهيمنة على المنطقة إلى مواقفها المفضلة فتتوقف مبادرة ترامب بوطأة ميول المنطقة ذاتها.
وسواء أحدث هذا الأمر على الفور أم على مدار شهور عدة، سوف تتحطم رؤية ترامب للسياسة الخارجية على سواحل الشرق الأوسط الجيوسياسية الضحلة الصخرية، مثلما حدث لرؤى سابقة. ومن أجل اجتناب هذا المصير الرهيب يجب فورا أن ينتشل ترامب نفسه ـ والولايات المتحدة ـ من عملية السلام في الشرق الأوسط، ويركز فقط على ما فيه المصالح الاستراتيجية الوطنية في المنطقة (أي احتواء إيران ومواجهة التطرف الإسلامي)، ويعدل عن أي أوهام بحل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية المستعصية.
براندون جيه. وايكرت محرر الأمن القومي في (ذي ناشيونال إنترست)، وزميل مركز ناشيونال إنترست، ومستشار العديد من المؤسسات الحكومية والمنظمات الخاصة حول القضايا الجيوسياسية.
عن ذي ناشونال إنتريست.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الشرق الأوسط رؤیة ترامب
إقرأ أيضاً:
توقعات بـ نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5% خلال العام المالي 2026/2025
تتوقع فيتش سوليوشنز أن ينمو الاقتصاد المصري خلال السنة المالية الجارية 2024 - 2025 بنسبة 3.9%، ذلك قبل أن يشهد الناتج المحلي الإجمالي لمصر نمواً بنسبة 5.0% في السنة المالية المقبلة 2026/2025، مقابل 5.1% في السابق.
وذكرت «بي إم آي»، وحدة الأبحاث التابعة لـ فيتش سوليوشنز في تقرير حديث اطلعت عليه «الأسبوع»، أنها تتوقع نمو الاقتصاد المصري بنسبة 4.5% في السنة المالية 2027/2026، وبنسبة نمو 4.3% خلال العام المالي 2028/2027، ذلك قبل أن يسجل الاقتصاد في مصر نمواً بنسبة 4.1% بالعام المالي 2029/2028.
نمو الاقتصاد العالميونوهت إلى أن آفاق الاقتصاد العالمي تدهورت بشكل ملحوظ خلال الشهر الماضي بعد أن أعلنت الولايات المتحدة فرض رسوم جمركية كبيرة على جميع شركائها التجاريين الرئيسيين تقريبًا.
وقالت: «نقدر أن متوسط معدل الرسوم الجمركية الفعلي في الولايات المتحدة قد ارتفع عشرة أضعاف ليصل إلى حوالي 25%، ونتيجةً لذلك، خفّضنا توقعاتنا لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي لعام 2025 من 2.5% في مارس إلى 2.1% في أبريل، مسجلين بذلك أبطأ وتيرة نمو عالمي منذ عقدين، باستثناء جائحة كوفيد-19 والأزمة المالية العالمية، وتشمل التعديلات الرئيسية الولايات المتحدة من 1.9% إلى 1.2%، والصين من 4.5% إلى 4.0%، وألمانيا من 0.6% إلى 0.1%».
نمو اقتصادات الأسواق الناشئةورجحت المؤسسة أن تشهد الأسواق الناشئة نمواً كلياً بنسبة 3.5% في العام 2025، قبل أن يرتفع نمو تلك الأسواق بنسبة 3.9% خلال العام المقبل 2026.
النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقياوتري فيتش سوليوشنز أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا سينمو بنسبة 3.2% بالعام المالي الجاري، ذلك قبل أن تشهد المنطقة نمواً بنسبة 3.8% في 2026.
وقالت فيتش سوليوشنز: «قمنا بمراجعة توقعاتنا لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2025 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من 3.5% إلى 3.2%، وكان أكبر تعديل لتوقعاتنا للمملكة العربية السعودية من 4.4% إلى 3.8%، والإمارات العربية المتحدة من 5.1% إلى 4.6%».
أثر الرسوم الجمركية على الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
وتابعت، «يعد التعرض المباشر للرسوم الجمركية في الشرق الأوسط منخفضًا جدًا في معظم دول المنطق، فقليل من اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تُصدر الكثير إلى الولايات المتحدة، وحتى تلك التي تُصدر ستواجه تعريفة جمركية مُخفضة نتيجة للإعفاءات على الهيدروكربونات، ويُعد الأردن، المُصدر للمنسوجات، استثناء في هذا الصدد».
وقالت فيتش سوليوشنز، «شكلت التحولات الجذرية في السياسة التجارية الأمريكية، التي أعلن عنها في أبريل، صدمة لمعظم المستثمرين، إلا أن التأثير السلبي على الأسواق المالية في الأسواق الناشئة كان أقل مما توقعه معظمهم».
وأردفت، «بينما ضعفت معظم أسواق الأسهم في الأسواق الناشئة خلال الشهر الماضي، كانت الانخفاضات طفيفة للغاية، حيث انخفض عدد قليل منها بنسبة 3.0%».
وأفادت فيتش سوليوشنز، «أن التحول الطفيف في عملات الأسواق الناشئة - والتي كان من المتوقع أن تنخفض بشكل حاد على خلفية أنباء التعريفات الجمركية الأمريكية على الواردات - يرجع إلى حد كبير إلى الضعف المفاجئ للدولار الأمريكي.»
وأكملت، «أن التحول في السوق الذي سيكون له أكبر تأثير على معظم الأسواق الناشئة هو الانخفاض الحاد في أسعار النفط».
وتابعت فيتش «لقد عدلنا توقعاتنا لسعر خام برنت لعام 2025 من متوسط 76 دولارًا أمريكيًا للبرميل إلى متوسط 68 دولارًا أمريكيًا للبرميل».
وبينت أن ذلك «سيكون التأثير الأكبر والسلبي على كبار مصدري النفط - وكان هذا هو السبب الرئيسي وراء قيامنا بمراجعة توقعاتنا بالخفض لمعظم دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.»
وفي الصدد مالت توقعات فيتش سوليوشنز نحو النمو الكلي للاقتصادات المتقدمة بنسبة 1.1% بالعام 2025، وبنسبة نمو 1.2% في العام 2026.
نمو الاقتصادات المتقدمةوقالت فيتش: «خفّضنا توقعاتنا لنمو الأسواق المتقدمة لعام 2025 من 1.6% إلى 1.1%، حيث لا تزال المخاطر التي تواجهها توقعاتنا لعام 2025 تميل في الغالب نحو الانخفاض، لا سيما بالنسبة للاقتصادات التي تربطها علاقات تجارية وثيقة بالولايات المتحدة، مثل كندا وكوريا الجنوبية».
وتابعت، «إضافة إلى ذلك، تواجه الاقتصادات المعتمدة على التصنيع، مثل إيطاليا وألمانيا، مخاطر نمو مرتفعة بشكل ملحوظ، وحتى الاقتصادات التي تربطها علاقات تجارية مباشرة محدودة بالولايات المتحدة، مثل دول منطقة اليورو الأصغر، ستواجه تحديات في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بسبب ضعف الطلب العالمي وتشديد الأوضاع المالية، إلى جانب تزايد حالة عدم اليقين لدى الشركات والمستهلكين في ظل بيئة تجارية عالمية متقلبة.»
اقرأ أيضاًبنك ناصر يفتح فروعه الخميس لصرف معاشات شهر مايو
بنك نكست يخفض أسعار الفائدة على الودائع المدفوعة مقدما
بعد الخفض 2%.. كم تبلغ أسعار الفائدة على شهادات الادخار في بنكي مصر والأهلي؟