كنت على وشك أن أمد يدي لأخذ كيس من العدس الأصفر من أحد رفوف محالّ بيع المواد الغذائية، عندما سبقتني إليها يد أخرى. التقت أعيننا، وعرفت المرأة التي كنت ألتقي بها في أمسيات تثقيفية في رمضان قبل سنوات، ودار بيننا حديث تطرقنا فيه -ضمن موضوعات أخرى- إلى أكياس العدس الأربعة التي وضعتها في عربة مشترياتها، معللة ذلك بأنه بات البديل الأرخص لعائلتها الكبيرة.

لكن المفارقة أنها أضافت: «رغم أنه لم يكن رخيصًا كما كان في السابق، حيث لم يكن سعر الكيلوجرام يتجاوز بضع مئات من البيسات، أما الآن فقد وصل إلى ريال و200 بيسة!» ومع ذلك، وجدت فيه المرأة بديلًا أقل تكلفة مقارنة بغيره، فاشترت كميات كبيرة منه.

هذا السلوك شائع جدًا، حيث يميل الناس إلى شراء السلع الأرخص عندما يواجهون ضغوطًا مالية، حتى وإن ارتفع سعرها، فبدلًا من البحث عن بدائل أغلى، يتمسك المستهلكون بالخيار الأقل تكلفة المتاح لهم، وهذا هو جوهر مفهوم «سلع جيفن» في الاقتصاد، وهي السلع الأساسية منخفضة الجودة التي يعتمد عليها ذوو الدخل المحدود، ليس لأنها الأفضل، ولكن لأنها الأكثر توافقًا مع ميزانياتهم، مثل العدس بالنسبة للمرأة التي ذكرت.

تخيّل على سبيل المثال أن ميزانيتك محدودة وتعتمد بشكل رئيس على الأرز باعتباره مصدرًا رئيسيًا للغذاء. إذا ارتفع سعر الأرز، قد تفكر في البحث عن بدائل مثل القمح، لكن نظرًا لارتفاع سعره أيضًا، تجد نفسك مضطرًا لشراء كمية أكبر من الأرز، حتى لو أصبح أغلى، لأنه ما يزال الخيار الأقل تكلفة مقارنة بالبدائل.

مثال آخر نراه في الأسواق المحلية: عندما ترتفع أسعار اللحوم، قد يلجأ الكثيرون إلى استهلاك الدجاج الأرخص، ولكن إذا ارتفع سعر الدجاج أيضًا، فقد يعتمدون أكثر على العدس أو الفول كمصادر للبروتين، حتى لو زادت أسعارها.

«سلع جيفن» ليست مجرد نظرية اقتصادية، بل هي واقع يعيشه الكثيرون يوميًا، خاصة في الأوقات التي ترتفع فيها الأسعار ويصبح من الصعب تحمل تكلفة السلع ذات الجودة الأعلى. إنها تذكير بأن قراراتنا المالية ليست دائمًا اختيارية، بل تخضع أحيانًا للظروف الاقتصادية التي تحكم حياتنا.

ما هي «سلع جيفن» في حياتك اليومية؟ وهل سبق أن وجدت نفسك مضطرًا لشراء المزيد من سلعة ما رغم ارتفاع سعرها؟

حمدة الشامسية كاتبة عُمانية في القضايا الاجتماعية

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

غرينلاند تحت رادار ترامب.. كم تبلغ تكلفة المعيشة بالجزيرة القطبية؟

نوك– مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع هذا العام والجدل الذي أثاره بإعلان نيته شراء غرينلاند "بطريقة أو بأخرى" صارت هذه الجزيرة القطبية الشمالية نقطة محورية في اهتمام العالم لموقعها الجيوسياسي الإستراتيجي ومواردها الطبيعية الهائلة، فضلًا عن التحديات الدبلوماسية والقانونية المرتبطة بأي استحواذ محتمل.

وفي رحلة دامت 10 أيام في عاصمتها نوك، رصدت الجزيرة نت عن قرب كلفة المعيشة في هذه الجزيرة الأكبر في العالم التي يبلغ عدد سكانها حوالي 56 ألف نسمة، يتركز معظمهم في المناطق الساحلية الجنوبية الغربية.

مقالات مشابهة

  • عامان من الحرب في السودان... تقلبات كثيرة والثابت الوحيد هو تصاعد الأزمة الإنسانية
  • بعد واشنطن.. باريس تؤكد: الحكم الذاتي الحل الوحيد لتسوية ملف الصحراء
  • تعرف بالصور على 15 مصطلحا اقتصاديا راج بعد اشعال ترامب الحرب الجمركية
  • طريقة عمل لانشون الفراخ بالعدس
  • في ذكرى غرق السفينة تيتانيك.. من هو الناجي المصري الوحيد؟
  • الوقود الأرخص عالميًا.. ليبيا تتصدر العالم في أرخص سعر للوقود بـ0.027 دولار للتر
  • غرينلاند تحت رادار ترامب.. كم تبلغ تكلفة المعيشة بالجزيرة القطبية؟
  • هآرتس: الحل الوحيد إقامة دولة فلسطينية ووقف إطلاق النار والإفراج عن الأسرى
  • حرب الرسوم.. ما أكثر السلع الصينية التي يعتمد عليها الأميركيون؟
  • مدير مستشفى المعمداني: طيران الاحتلال الإسرائيلي دمر مختبر الجينات الوحيد في غزة