هل تُكابد الملابس المخاوف الليلية من انفلات نسيجها، أو انجلاء حرارة ألوانها، هل تزورها كوابيس الثقوب فـي أحلامها؟ وهل تخفت أوجاعها المرعبة ما أن تعاود الإبر رتق مزقها اللامتناهية؟ هل تعتاد الملابس دورانها فـي المغسلة كما تدور بنا الحياة؟ هل تعتاد رغوة المسحوق ومواد التبييض؟ وكيف إذا ما نُقعت يتلون الماء بلون حسرتها؟ ثمّ تستسلم للعصر، وتتدلى طائعة من حبل الغسيل، تماما كما يخوض البشر صراعاتهم الأبدية مع توحشٍ لا مُتناهٍ، تتبدى أنيابه أكثر شراسة مما مضى؟
لم أكن لأنتبه - من قبل- لدرجة الشبه اللافتة بيننا كبشر وبين الثياب التي نرتديها، إذ لطالما نظرنا إليها من وجهة نظر قاصرة باعتبارها -أي الثياب- تُعبر عن وضع اجتماعي وتعكسُ البيئات التي انحدرنا منها، إلى أن وقعت بين يديّ المجموعة الشعرية «بالأمس فقدتُ زرا» للشاعر تامر فتحي، دار شرقيات، حيث يُعطي الشاعرُ الثيابَ صوتا، فـيخدش علاقتنا الصامتة بها، نافخا فوق رمادها، كاشفا عن جمرها المتقد.
استحوذت عليّ المجموعة المُكثفة والقصيرة منذ الغلاف الذي يظهر عليه مقصٌ حاد فوق قصاصات أقمشة، ومنذ الإرباك الأولي لكلمتيّ «قصّة الملابس»، فهل قصّة الملابس، هي قصّتنا المواربة، هل هي ما لا نقوله كبشر، ما لا نجرؤ عليه؟
الملابس هاهنا راغبة فـي التحرر من طياتها، راغبة فـي الخروج من متاجرها، فهي تحزن عندما تُصلب بالدبابيس وعندما تدخل حيز الكي، تحزن عندما توضع فوق المانيكانات أو تهمل فوق الشماعات، وهي تكره أن نتلصص عليها من وراء الزجاج!
لكن من كان يظن أنّ للملابس مُخيلة، وقصّة غير مرتبة، بدأت من مصنع قديم؟ وماذا يمكن لشاعر -يعملُ لمدّة عام كامل فـي متجر ثياب- أن يفعل وهو ينظر للملابس كل يوم، أكثر من إعادة إنتاج قصّتها عبر الشعر!
نمت الثياب وتبرعمت من القراءات التي قُرأت أثناء نسجها، فأول الأسرار تعرفها الأقمشة من خياطها، وأول سر تعرفه أنّها وُلدت من زواج تقليدي بين الخيوط. ثمّ تمر برودة المقص فوقها -كما تمر عجلات المصائر- لتصيرها شيئا آخر، يوجعها وخز الإبر لكنها تُكره عليه، لتغدو مقاس شخص ما.
فهل فكر أحدنا - من قبل- بالشماعات التي نُعلق عليها ثيابنا وهي تُعطي إحساسا كاذبا بالارتداء؟ وماذا عن المانيكانات التي لا تمتلك رائحة، لا تتصببُ عرقا، لا تتعطر، لا تمر فـي عروقها الدماء؟
كيف تنمو الغيرة وتتنازع الثياب الجديدة مع القديمة -فـي الدولاب- لامتلاك الجسد الواحد. ومن يختار الآخر.. ثيابنا تختارنا أم نختارها؟
وهل راقب أحدنا من قبل دهشتها وهي تمضي فـي الطريق عندما تُلبس لأول مرّة؟ هل راقب أحدنا شهقتها باندلاق القهوة فوقها؟
هل تعرفنا ثيابنا كما نعرفها؟ البنطال الذي ظل يركض.. هل كان متأكدا من وجود أمل ما فـي الجهة الأخرى من الطريق؟
كيف تبدو الثياب عندما تفقدُ زرا؟ كيف تبدو عندما تتشوه؟ ماذا تفعل بها أكياس النايلون عندما تستسلم للمخازن أو لإعادة التدوير؟ وعندما تغمرها الوحدة والعزلة فـي عتمة الدولاب، هل تتذكر حقا صوت ماكينات الخياطة؟!
وماذا عن المصير البائس بالتحول إلى خرقة بالية لمسح الأرفف فـي المطبخ؟ هل سيدفعها كل هذا العذاب، لأن تُغافل مشبك الغسيل، لتُلقي بنفسها لهوة بائسة؟
إنّها ببساطة هواجسنا البشرية، حياتنا المكثفة، بكل توتراتها وصخبها وبؤسها، يستعيرها الشعر ليلبسها ثيابا أخرى.
هدى حمد كاتبة عمانية ومديرة تحرير مجلة نزوى
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: عندما ت
إقرأ أيضاً:
لماذا تفقد الملابس البيضاء بريقها؟ أسباب وحلول منزلية فعالة
مع مرور الوقت وكثرة الاستخدام والغسل، قد تفقد الملابس بياضها النقي وبريقها الأبيض نتيجة لعوامل متعددة مثل تراكم الرواسب الكلسية وبقايا المنظفات والعرق.
وتقول مواقع عدة مثل "غود هاوس كيبينغ" و"ذا سبروس" إن اتباع وصفات منزلية بسيطة يمكن أن يعيد للملابس بياضها الطبيعي دون الحاجة إلى المواد الكيميائية القوية.
الأسباب المؤدية لاصفرار الملابس البيضاءتؤدي عدة عوامل إلى اصفرار الملابس، أهمها:
الرواسب الكلسية وبقايا المنظفات: تتراكم الرواسب مع كل غسلة، خاصة عند استخدام كميات كبيرة من المنظف أو عند عدم شطف الملابس جيدا. العرق: يمكن أن تتفاعل المواد الكيميائية الطبيعية في العرق مع الألياف، مما يؤدي إلى تغير لونها. خلط الملابس: غسل الملابس البيضاء مع الملونة قد يسبب انتقال الألوان، مما يؤدي إلى ظهور طابع رمادي أو أصفر باهت. وصفات منزلية لاستعادة بياض الملابسالخل الأبيض: يُعد من أشهر الوصفات الطبيعية لتفتيح الملابس، إذ يعمل على تفكيك الرواسب وتخفيف آثار بقايا المنظفات.
طريقة الاستخدام:
قم بإعداد محلول من ماء دافئ ونصف كوب من الخل الأبيض. انقع الملابس في هذا المحلول لمدة 30 دقيقة قبل وضعها بالغسالة. لمعالجة البقع، يمكن تطبيق الخل مباشرة على المنطقة المتأثرة وتركه بضع دقائق قبل الغسل.الملح وصودا الخبز: يعملان على إزالة البقع وتنظيف الألياف بعمق دون اللجوء إلى المواد الكيميائية القاسية.
طريقة الاستخدام:
الملح: أضف حوالي 50 غراما من ملح الطعام إلى الغسالة مع المنظف، واغسل الملابس عند درجة حرارة 60 درجة مئوية. صودا الخبز: يمكن إضافة كيس صغير من مسحوق الخبز أو ملعقتين كبيرتين إلى دورة الغسل لتعزيز قوة التنظيف وإزالة الرواسب.أشعة الشمس: تُعد عاملا طبيعيا للتبييض وتفتيح الملابس، خاصة الأقمشة القطنية.
طريقة الاستخدام:
يُفضل تجفيف الملابس في الهواء الطلق، حيث تعمل الأشعة فوق البنفسجية على تبييض الأقمشة تدريجيا. يجب مراعاة عدم تعريض الملابس الحساسة لأشعة الشمس المباشرة لفترات طويلة لتجنب بهتان اللون. كيف تحافظ على بياض الملابس؟ لتجنب اصفرار الملابس من البداية، يُوصى باتباع النصائح التالية: فصل الملابس: اغسل الملابس البيضاء والمعتمة بشكل منفصل لتجنب انتقال الألوان. المنظفات المناسبة: استخدم منظفات تحتوي على مبيضات بصرية مصممة خصيصا للحفاظ على البياض. الجرعات الصحيحة: احرص على استخدام الجرعة الموصى بها من المنظف، فقد يؤدي الإفراط إلى بقاء بقايا تساهم في اصفرار الأقمشة مع مرور الوقت.