نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا طويلا عن الهجوم الكيميائي بغاز السارين على الغوطة القريبة من العاصمة السورية دمشق يوم 21 أغسطس/آب 2013، مستعيدا المشاهد البشعة لمقتل مئات الأطفال، ورد فعل المجتمع الدولي، وعدم إنصاف الضحايا حتى بعد مرور 10 سنوات على تلك الجريمة التاريخية.

وأشار التقرير، الذي تم نشره، بمناسبة مرور 10 سنوات على الهجوم، إلى أن عدد القتلى كان أكثر من 1400 شخص، مضيفا أن جبل الأدلة على تورط الحكومة السورية لا يزال مستمرا في النمو.

وقال التقرير -الذي كتبه جوبي واريك- إنه في تلك الليالي الأكثر فظاعة، كان الموت يطارد في كل شارع ويتسلل إلى غرف النوم حيث ينام الأطفال الصغار.


ليلة الهجوم بالسارين

وفي ليلة الهجوم بغاز السارين على الغوطة، سقطت صواريخ غريبة، وكان السم غير المرئي ينتشر عبر المباني السكنية التي تكتظ بها الأحياء التي تعرضت للقصف بالمواد الكيميائية، وكان مئات الأشخاص يموتون.

كانت حشود المنكوبين تصل إلى المستشفيات وتتعالى الصيحات والنحيب، وكان العمال ينقلون جثث الموتى إلى الرصيف لإفساح المجال. ولا يزال مرأى الضحايا القادمين للمستشفيات يحفر جرحا عميقا في الذاكرة ليبقى مدى الحياة.

وقال أحد الشهود إنه رأى المشهد الأكثر رعبا في حياته. رأى رجالا ونساء وأطفالا يسقطون ويموتون خارج المستشفى وأمامه مباشرة؛ "كان المشهد مثل يوم القيامة".

تأخر العدالة

وأوضح التقرير أن الهجوم بغاز السارين على المدنيين في الغوطة قد يكون أكثر الفظائع توثيقا في التاريخ. ومع ذلك، وبعد عقد من الزمان، أصبحت هذه الجريمة كأنها من الجرائم التي لا يُعاقب عليها، إذ لم تتم مساءلة تُذكَر.


تم التقاط عدة آلاف من الصور ومقاطع الفيديو في أعقاب ذلك مباشرة، إذ سجل "جيش صغير" من الوثائقيين المتطوعين الأحداث بإخلاص، إلى جانب الصحفيين والعاملين في المجال الطبي والمقيمين.

وسافر فريق عينته الأمم المتحدة إلى الأحياء المتضررة في غضون أيام لإجراء مقابلات مع الناجين وجمع عينات بيولوجية وشظايا الصواريخ التي لا يزال بعضها يحتوي على غاز السارين السائل، وهو غاز الأعصاب القاتل الذي أُطلق في 3 أحياء تسيطر عليها المعارضة السورية في تلك الليلة.

ثاني أعنف هجوم كيميائي في التاريخ

وجمعت وكالات الاستخبارات ومفتشو الأسلحة وثائق سورية وإفادات شهود واتصالات تم اعتراضها وأدلة أخرى بعضها لم ينشر قط تتعلق باستعدادات الجيش السوري لتنفيذ الهجوم، فضلا عن محادثات مذعورة بين المسؤولين السوريين بعد أن أصبح حجم الضحايا واضحا.

وقال التقرير إن الهجوم على الغوطة هو ثاني أعنف استخدام للأسلحة الكيميائية ضد المدنيين في كل العصور، ولم يتجاوزه سوى التسميم الجماعي للأكراد شمالي العراق عام 1988.

تأخر العدالة

وأسباب تأخر العدالة معقدة -حسبما يوضح التقرير- فالخبراء يلقون باللوم بشكل أساسي على روسيا، أهم حليف لسوريا لاستخدامها حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي وموقفها المؤثر في الوكالات الدولية لمنع التحقيقات الرسمية في الهجوم بالطريقة نفسها التي أعاقت بها موسكو التحقيقات الدولية في جرائم حرب مزعومة ارتكبها جنود روس في أوكرانيا.

لكن الولايات المتحدة ودولا غربية أخرى تعرضت أيضا لانتقادات شديدة بسبب عدم التصرف بشكل حاسم عندما وجدت سوريا طريقة لمواصلة استخدام الأسلحة الكيميائية بالتحول من غاز الأعصاب المحظور (مثل السارين) إلى غاز الكلور العادي، الذي لا يزال مميتا.

وفي الوقت نفسه، يبدو أن معظم دول العالم تجاوزت ببساطة تلك الجريمة، إذ صوتت أكثر من 20 دولة عربية مايو/أيار المنصرم لتطبيع العلاقات مع سوريا بعد مقاطعة استمرت لسنوات.

يرفضون الاستسلام

وأشار التقرير إلى أن الناجين من الهجوم يرفضون الاستسلام، فقد أصبح يوم 21 أغسطس/آب بالنسبة للعديد من الضحايا وأنصارهم رمزا قويا يشمل مئات جرائم الحرب المزعومة في صراع أودى بحياة ما لا يقل عن نصف مليون شخص.

كما أصبح هذا اليوم يمثل أفضل أمل للمعارضة السورية في محاكمة الرئيس السوري بشار الأسد وكبار جنرالاته في نهاية المطاف بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

السم غير المرئي ينتشر عبر المباني السكنية التي تكتظ بها الأحياء التي تعرضت للقصف بالمواد الكيميائية، وكان مئات الأشخاص يموتون (رويترز)

وأصبحت الصور ومقاطع الفيديو -التي التُقطت وقت الهجوم وبعده- جزءا من أرشيف ضخم يستمر في النمو، إذ يقوم المنفيون السوريون وجماعات حقوق الإنسان باستخلاص أدلة جديدة، بما في ذلك دراسات الطب الشرعي والوثائق الحكومية التي تم تهريبها إلى خارج البلاد من قبل المنشقين خلال العامين الماضيين.

ورُفعت قضايا جنائية في 3 دول أوروبية، وتقوم شبكة من المحامين والناشطين باستكشاف نظريات قانونية جديدة يمكن أن تسمح لأول محاكمة جنائية دولية لحكومة الأسد بالمضي قدما خلال الأشهر المقبلة.

الموت على نطاق تاريخي

وفي السنوات التي تلت تلك الجريمة، عززت التحقيقات اللاحقة قضية الأدلة التي تشير إلى النظام السوري.

وعام 2017، مكنت طرق الاختبار المحسنة فريقا مشتركا بين الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية من ربط مخزون حكومة الأسد -آنذاك- من السارين بغاز الأعصاب المستخدم في الهجمات على المدنيين. ولا تحتوي العينات على المكونات نفسها فحسب، بل تحتوي أيضا على تركيبة جزيئية متطابقة.

كانت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما قد امتنعت عن توجيه ضربة عسكرية أميركية بسبب خرق "الخط الأحمر" الذي هدد به.

وأوقفت خطة لمهاجمة دمشق في البداية بسبب وجود فريق التفتيش التابع للأمم المتحدة على الأرض، ثم انهار بالكامل بعد أن رفض المشرعون من الحزبين بأغلبية ساحقة التشريع الذي يجيز الضربة.

ووافق أوباما بدلا من ذلك على اتفاق روسي تؤجل فيه الولايات المتحدة العمل العسكري إذا وافقت سوريا على الانضمام إلى اتفاقية الأسلحة الكيميائية وتدمير مخزونها بالكامل من جانب واحد، تحت إشراف دولي.


دمشق استمرت في هجماتها الكيميائية

ورغم كل الصعاب، فإن خطة نزع السلاح نجحت في الغالب. فعلى مدى 9 أشهر، أشرفت فرق من الخبراء الدوليين على إزالة أو تدمير جميع الأسلحة الكيميائية السورية تقريبا، إذ "خلص مسؤولو المخابرات الأميركية لاحقا إلى أن جزءا صغيرا من المخزون الأصلي تم إخفاؤه بعيدا، واستخدم البعض منه في هجوم بغاز السارين بعد سنوات في أبريل/نيسان 2017".

كما أشرف الخبراء على التدمير المادي للمختبرات ومعدات الإنتاج لصنع مزيد من السارين.

ولم تمتنع دمشق بعد ذلك من استخدام أسلحة كيميائية أقل من السارين في هجمات ضد المعارضين والمدنيين.

وتقول جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان إن هناك 300 هجوم بالأسلحة الكيميائية منذ عام 2013، معظمها يتعلق بالكلور، وهو مادة كيميائية شائعة تستخدم في تنقية المياه وتمتلكها سوريا بشكل قانوني. في حين أن الكلور أقل فتكا بكثير، إلا أن استخدامه سلاحًا محظورٌ بموجب القانون الدولي. ومع ذلك، فإن سوريا فعلت ذلك عشرات المرات، مع احتجاج دولي ضئيل نسبيا.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الأسلحة الکیمیائیة على الغوطة لا یزال

إقرأ أيضاً:

“أسوشيتد برس” تكشف حقيقة الوعكة التي أصابت كلينتون

واشنطن – أفادت وكالة “أسوشيتد برس”، بأن الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون، خرج من المستشفى في واشنطن ليقضي عيد الميلاد في منزله، بعدما دخلها إثر إصابته بالحمى.

وقال نائب مدير موظفي كلينتون أنجيل أورينا، في بيان بشأن خروجه من المستشفى، إن الرئيس الأسبق يتلقى العلاج من الإنفلونزا، وتابع: “كلينتون وعائلته ممتنون للرعاية الممتازة التي قدمها له فريق الرعاية الطبية في مستشفى جامعة (ميد ستار جورج تاون)، وتأثروا بالرسائل الرقيقة والتمنيات الطيبة التي تلقاها”.

وأضاف أورينا، أن “كلينتون يرسل أطيب تمنياته بموسم عطلات سعيد وصحي للجميع”.

وكان الرئيس الديمقراطي (78 عاما) قد نقل إلى المستشفى بعد ظهر أمس الاثنين لإجراء فحوصات والخضوع للمراقبة الطبية.

وسبق أن ألقى كلينتون خطاباً في المؤتمر السنوي للحزب الديمقراطي في شيكاغو الصيف الماضي، وشارك في حملة الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر لدعم الحملة الرئاسية لكامالا هاريس نائب الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن.

يذكر أن بيل كلينتون مر بعدد من المشاكل الصحية، منذ أن غادر البيت الأبيض 2091. ففي عام 2004، خضع لعملية جراحية في القلب (تحويل مسار شرايين القلب)، بعد أن عانى من آلام في الصدر وضيق في التنفس، ثم عاد في 2005 لإجراء جراحة بسبب إنهيار جزئي في الرئة، وفي 2010 تم تركيب زوج من الدعامات في شريانه التاجي.

المصدر: أ. ب

مقالات مشابهة

  • “واشنطن بوست”: القوات الأمريكية قد تبقى في العراق لفترة أطول من المتفق عليها بسبب أحداث سوريا
  • “واشنطن بوست” تسلط الضوء على مقابر جماعية قرب دمشق
  • “أسوشيتد برس” تكشف حقيقة الوعكة التي أصابت كلينتون
  • واشنطن بوست: السوريون ابتكروا لغة مشفرة لتفادي مخابرات الأسد
  • واشنطن بوست: إسرائيل تهدم شمال غزة وتجبر آلاف الفلسطينيين على الفرار
  • سيناريو مغاير.. واشنطن بوست: بغداد ستطلب بقاء القوات الأمريكية في العراق
  • واشنطن بوست: إسرائيل تهدم شمال غزة وتعزز مواقعها العسكرية
  • سوريا..أطباء يكشفون حقيقة قصف دوما بالأسلحة الكيميائية
  • واشنطن بوست: مسؤول عراقي يتوقع تمديد بقاء القوات الأميركية
  • صهيوني ومؤيد لإسرائيل.. الكشف عن دوافع الهجوم الذي نفذه سعودي في ألمانيا