ما واقع شركة ستاربكس بعد شهور من المقاطعة وهل كذبت في بياناتها؟
تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT
جاءت أحدث تصريحات للرئيس التنفيذي الجديد لسلسلة المقاهي الأمريكية الشهيرة "ستاربكس"، براين نيكول، لتسلط الضوء جدوى المقاطعة، وهو ما أعلنته وأكدته العديد من الجهات المناهضة للاحتلال والداعمة للقضية الفلسطينية طوال السنوات الماضية.
وقال نيكول، الذي تولى منصبه في آب/ أغسطس 2024، خلفا لـ" لاكسمان ناراسيمهان" الذي فشل في مواجهة المقاطعة وتراجع المبيعات الضخم الذي واجهته السلسلة منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023: إن "التأثير السلبي لحملات المقاطعة لم يقتصر على الشرق الأوسط فحسب بل امتد ليؤثر أيضا على الأعمال في الولايات المتحدة".
Anti-Israel activists staged a bizarre protest to boycott Starbucks by pouring fake blood out of Starbucks cups and spilling it on the street. pic.twitter.com/sYWfMfJ9JT — Patriot Vibe (@CopActivity) February 11, 2025
وكانت هذه المقاطعة، التي تركزت في العالم العربي والإسلامي، انطلقت في أعقاب اتهامات واسعة لستاربكس بدعمها لـ"إسرائيل" التي شنت حرب إبادة مستمرة وحصار متواصل ضد قطاع غزة، وهو ما اعتبره نيكول بأنه "غير دقيق وغير صحيح".
تأثير المقاطعة
منذ بدء حرب الإبادة، سجلت سلسلة المقاهي الشهيرة إيرادات وأرباحا ونموا أقل من المتوقع في مبيعاتها، وظهر تراجع في تكرار زيارات العملاء وحجم الطلبات، بحسب ما أفاد موقع "ياهو فاينناس".
وتصاعدت الحملات التي تدعو لمقاطعة "ستاربكس" في العالم العربي، بعد أن رفعت السلسلة دعوى قضائية ضد نقابة العاملين بها، بتهمة مناصرتهم لفلسطين، وهي التي أعلنت وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني، وذلك وفقا لمبادئ النقابة الداعمة للحقوق والحريات.
وأوضح الرئيس التنفيذي السابق، لاكسمان نارسيمهان، أن ما يجري بيئة مليئة بالتحديات، مضيفا: "الضغوط التي يواجهها المستهلكون وخاصة العملاء العرضيون، هنا يكمن التحدي".
ويعد هذا هو أول انخفاض ربع سنوي (الربع الأول من 2024) في مبيعات ستاربكس منذ عام 2020، عندما أدت عمليات الإغلاق بسبب فيروس كورونا إلى زعزعة الصناعة، بينما انخفضت إيرادات الربع الثاني بنسبة 2 بالمئة، على أساس سنوي إلى 8.6 مليار دولار، وانخفضت ربحية السهم المعدلة بنسبة 8 بالمئة إلى 0.68 دولار.
وفي أحدث الأرقام، كشفت الشركة عن تراجع مبيعاتها بـ 7 بالمئة خلال الفترة بين تموز/ يوليو وأيلول/ سبتمبر 2024، مقارنة بالفترة نفسها من العام الأسبق، في ظل حملات المقاطعة.
مدون أمريكي يسخر من إدارة ستاربكس الداعمـ،ـة للاحتـ،ـلال.#عربي21 pic.twitter.com/UXa15zXcqy — عربي21 (@Arabi21News) December 27, 2023
وأصدرت ستاربكس بياناتها المالية للربع الأخير من العام المنصرم، والذي يبدأ مطلع تموز/ يوليو وينتهي في 29 أيلول/ سبتمبر وفقا لتقويمها الخاص، وتراجعت الأرباح إلى 909.3 ملايين دولار في ربعها الأخير من 1.21 مليار محققة في الربع المقابل من السنة التي سبقتها.
وانخفضت مبيعات متاجر ستاربكس بأميركا الشمالية والولايات المتحدة بـ6 بالمئة، في حين تراجعت بالأسواق الدولية بنسبة 9 بالمئة العام الماضي، بينما شهدت مبيعات شركة المقاهي في الصين انخفاضا بنسبة 14 بالمئة وفقا للبيانات نفسها.
وفي نهاية الشهر الماضي، أعلنت الشركة عن أرقام جديدة تحت عنوان "تقدم مبكر في استراتيجية "العودة إلى ستاربكس"، حيث نعيد تقديم ستاربكس للعالم"، وأنها حققت حتى الآن صافي إيرادات مجمعة في الربع الأول من العام الحالي بحسب تقويم الشركة (من أيلول/ سبتمبر 2024 الماضي، حتى نهاية كانون الثاني/ يناير2025)، بقيمة 9.4 مليار دولار.
وأكدت الشركة أن هذا "مستوى ثابت مقارنة بالعام الماضي مع مسار واضح للمضي قدمًا"، موضحة أن ربحية السهم للربع الأول بلغت 0.69 دولار، وهو يعكس الاستثمارات المتزايدة كجزء من استراتيجية "العودة إلى ستاربكس".
وبناء على ذلك علق الرئيس التفيذي الجديد بريان نيكول، قائلاً: "بينما لم نمر سوى بربع واحد فقط من تحولنا، فإننا نتحرك بسرعة للعمل على جهود "العودة إلى ستاربكس" وقد رأينا استجابة إيجابية".
وأضاف نيكول: "نعتقد أن هذا هو التغيير الأساسي في الاستراتيجية اللازم لحل مشكلاتنا الأساسية واستعادة الثقة في علامتنا التجارية وإعادة الأعمال إلى النمو المستدام طويل الأجل".
وبشكل عام، وصل سعر سهم ستاربكس إلى 71 دولار في أيار/ مايو 2024، وهو الأقل منذ عام 2020، ومن ثم تحسن ليصل إلى 112 دولار في منتصف شباط/ فبراير 2025.
الممثل الأميركي "مايكل مالاركي" يرفض تناول قهوة ستاربكس رغم أنها راعية للحدث الذي شارك به وذلك بسبب دعمها للإبـ.ـادة الجماعية في غـ.ـزة حيث دعا الجميع لمقاطعتها pic.twitter.com/Ouw0pIgFTE — عربي21 (@Arabi21News) November 20, 2024
وتضمنت هذا الإعلان الأخير الكشف عن قرار الشركة فتح 500 مقهى وتوفير 5000 وظيفة خلال السنين الخمسة المقبلة في الشرق الأوسط، أي حوالي 40 بالمئة أكثر من العدد الموجود حاليا.
وعن هذا علقت المديرة المالية للشركة، راشيل روجيري، قائلة: "لقد شجعتنا نتائج الربع الأول، والتي أظهرت فعالية استراتيجيتنا الجديدة، وهو ما يتضح من اتجاهنا نحو تحقيق الإيرادات".
وأضافت روجيري: "على الرغم من أننا في بداية الطريق، وما زال أمامنا الكثير من العمل، إلا أننا سنواصل إعطاء الأولوية لقيمة المساهمين من خلال توزيع الأرباح، مما يوفر عائدًا متوقعًا لرأس المال بينما نعمل على تحويل أعمالنا".
مقاطعة تاريخية
ولا تعد الحملة الحالية الأولى من نوعها ضد ستاربكس، وخلال عام 2014 خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خرجت خروج دعوات على منصات التواصل الاجتماعي للمقاطعة بسبب دعمها لـ "إسرائيل".
حينها، أكدت الشركة في بيان لها جاء لـ "توضيح المفاهيم الخاطئة" حول رعاية الشركة لـ "إسرائيل"، قائلة: إنها "لا تدعم أي قضايا سياسية أو دينية.. لا ستاربكس ولا رئيسها التنفيذي هوارد شولتز (في ذلك الوقت, تولى منصب الرئيس التنفيذي من 1987 حتى 2017 ومن 2022 حتى 2023) يوفران أي دعم مالي للحكومة الإسرائيلية أو للجيش الإسرائيلي".
The chairman @HowardSchultz #HowardShultz of #Starbucks is an active #zionist. In 1998 he was honoured by the Jerusalem Fund of #AishHaTorah with "The Israel 50th Anniversary Friend of Zion Tribute Award" for his services to the zionist state in "playing a key role in promoting… pic.twitter.com/chydqZvd8p — Wilfredo Rodriguez Jr. (Taalib Din) (@WR_Jr71) December 30, 2023
وجاء في البيان أن "الشائعات بأن ستاربكس أو هوارد يقدمان دعمًا ماليًا للحكومة الإسرائيلية أو للجيش الإسرائيلي هي شائعات كاذبة تمامًا.. ستاربكس هي شركة علنية ولابد من الكشف عن أي شراكات أو أموال معطاة خلال بيان سنوي".
وأجاب البيان، الذي جاء في صيغة سؤال وجواب، عما إذا كان صحيحًا أن الشركة قد أرسلت أي من أرباحها في أي وقت مضى إلى الحكومة الإسرائيلية أو إلى جيش الاحتلال، بـ "لا، هذا غير صحيح على الإطلاق".
رواية غير صحيحة
رغم أن الشركة أكدت أن شولتز لم يقدم أي دعم لـ "إسرائيل" أو جيشها، إلا أنه كان من بين 20 من قادة الأعمال الذين تم تكريمهم بسبب "عمله الخيري وخدمة المجتمع"، بجائزة "الذكرى الخمسين لتأسيس صندوق القدس لإسرائيل"، وهي جائزة تمنح لمن ساهم بدعم الاقتصاد الإسرائيلي.
ومنذ بدء حرب الإبادة ضد قطاع غزة ذكر تقارير عدة في الصحافة الأمريكية، أن سبب تراجع أسهم ستاربكس هو ارتفاع أسعار القهوة في السوق العالمية، ما رفع تكاليف الإنتاج في سلسلة المقاهي.
وربطت ستاربكس بشكل معلن انخفاض عدد الزبائن لديها بـ"التضخم الذي يجبر المستهلكين على تخفيض مصاريفهم، إضافة إلى التغير المناخي وارتفاع أسعار القهوة"، إلا أنها وضعت تأثر المبيعات بـ "الصراع الدائر في الشرق الأوسط" في آخر هذه الأسباب.
وجاءت هذه التقارير رغم إشارة عدد من المختصين في الأسواق العالمية إلى أن سبب هبوط أسهم الشركة هو حملات المقاطعة التي شنّت ضد الشركة، منذ انطلاق عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة.
ومؤخرا وفي مقابلة مصورة مع قناة "بلومبيرغ" أكد براين نيكول أن حملة المقاطعة التي واجهتها ستاربكس العام الماضي في منطقة الشرق الأوسط كان لها أثر كبير على حركة المبيعات وإيرادات الشركة.
View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
ولقيت هذه الحملة دعمًا واسعًا من المستهلكين في المنطقة، مما أدى إلى انخفاض ملحوظ في المبيعات وحركة العملاء داخل المتاجر، ورغم محاولات ستاربكس للرد على هذه الاتهامات، إلا أن الآثار السلبية كانت واضحة على الأداء المالي والإداري.
وذكر نيكول أنّ "المقاطعة أضرت بمبيعات الشركة، وألحقت بها خسارة فادحة"، موجها نداء استغاثة، لـ"الزبائن" بالتوقف عن مقاطعة فروع الشركة في العالم، نظرا أن المقاطعة تهدّدها بالانهيار التام، وذلك في المقابلة التي أجراها خلال زيارته للإمارات.
ستاربكس في "إسرائيل"
افتتحت ستاربكس العالمية أول فروعها في سبتمبر 2001، وذلك بواسطة شركة "ديلك - Delek" الإسرائيلية للطاقة، ضمن خطة سرعة الانتشار وافتتاح 10 فروع في السنة الأولى، على أن تصل لـ 80 فرعًا خلال خمسة سنوات، بوتيرة تصل إلى 16 فرعا في السنة.
وكانت الخطة في ذلك الوقت تتمثل بافتتاح مقاهي بعدة أشكال وهي: مقاهي كبيرة صغيرة ونقاط بيع؛ مع التشديد على ملاءمتها للذائقة الإسرائيلية، إلا أنه بسبب افتتاح الشركة لفرعها الأول بعد نشوب الانتفاضة الثانية بحوالي سنة، وفي فترة شديدة التوتر من الناحية الأمنية، كان للوضع الأمنيّ العام تأثيرًا مباشرًا على عملها.
ونتيجة ذلك شهدت المطاعم والمقاهي حينها 22 عمليّة، ومنها في فندق في نتانيا ومقهى "مومنت" في القدس، بحسب ما ذكرت صحيفة غلوبس الإسرائيلية.
رغم هذا التبرير، تؤكد الصحيفة الاقتصادية الإسرائيلية أنه لا يمكن لوم الوضع الأمنيّ وحده على الأسباب التي دفعت ستاربكس نحو الفشل في "إسرائيل"، إذ بدأت الشركة في نيسان/ أبريل 2002 بإقالة عمّالها، وتراجعت عن نيّتها في افتتاح فرعها في القدس.
يعود ذلك بسبب فشل واضح في التسويق والإدارة، لأنّ نفس الأسباب الأمنيّة لم تمنع شبكات المقاهي الأخرى مثل شبكة "أروما" و"كافيه كافيه" من الانتشار داخل الأراضي المحتلة.
الشركات الأخرى
وفي الثامن من شباط/ فبريار 2025، وفي سياق حملة المقاطعة المستمرة، كانت شركة "يام براندز" الأمريكية، المالكة لسلسلتي "كنتاكي" و"بيتزا هت" قد أعلنت بدورها عن إنهاء اتفاق الامتياز مع شركة "إيش غذا" المشغل المحلي للمطاعم في تركيا.
وتسبب هذا الإجراء بإغلاق 537 فرعا وإعلان المشغل التركي إفلاسه بديون تجاوزت 7.7 مليارات ليرة تركية (نحو 214 مليون دولار).
وبحسب عدد من التقارير الإعلامية التركية، "تراجعت مبيعات كنتاكي في تركيا بنسبة 40 في المئة خلال الأشهر الأخيرة، ما فاقم من الأزمة المالية التي كانت تعاني منها الشركة التركية".
ومن ناحية أخرى، أكدت حركة مقاطعة "إسرائيل" وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها "BDS" أن سلسلة المطاعم العالمية "ماكدونالدز" تتكبّد خسائر بأكثر من 7 مليارات دولار بفعل حملات المقاطعة.
وقالت الحركة إن "هذه النتائج تأتي لتؤكد أنّنا قادرون على تدفيع ماكدونالدز، وغيرها من الشركات المتواطئة، ثمنا باهظا مقابل ربط علامتها التجارية بالجيش الإسرائيلي وجرائمه في غزة. الآن".
View this post on Instagram A post shared by (BDS) حركة المقاطعة (@bdsarabic)
وأكدت "أظهرت شعوبنا لماكدونالدز ما يمكن لحملات المقاطعة الشعبية تحقيقه، لنواصل تصعيد المقاطعة ضدّها حتى تنهي أعمالها في منظومة الاستعمار والأبارتهايد الإسرائيلي بشكل كامل".
وعقب استجابتها لضغط المقاطعة بإنهاء عملها مع "كارفور" في الأردن، أعلنت مجموعة "ماجد الفطيم"، الشريكة الرئيسية لمجموعة "كارفور" الفرنسية في معظم الدول العربية، عن إغلاق عمليات "كارفور" في سلطنة عُمان وذلك في 7 كانون الثاني/ يناير 2025.
وقالت حركة المقاطعة إنها "تحيّي شركاءها في سلطنة عُمان والشعب العُماني الشقيق على دوره في تحقيق هذا الإنجاز، كما تجدد دعوتها إلى مقاطعة جميع المتاجر التي تحمل علامة كارفور التجارية أو تبيع منتجاتها، حتى تعلن مجموعة ماجد الفطيم إنهاء شراكتها مع المجموعة الفرنسية بالكامل في جميع أنحاء المنطقة العربية".
وأضافت أنها "تدعو المجموعة الإماراتية إلى ممارسة الضغط على شريكتها الفرنسية لإنهاء تواطؤها في الجرائم الإسرائيلية المستمرة وانتهاك حقوق الإنسان الفلسطيني.. لنجعل من هذا النجاح الذي حققته شعوبنا دافعاً لتدفيع المزيد من الشركات المتواطئة في الجرائم الإسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني أثماناً باهظة باهظة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية ستاربكس المقاطعة غزة غزة ستاربكس المقاطعة تاثير المقاطعة خسائر ستاربكس المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشرق الأوسط قطاع غزة pic twitter com
إقرأ أيضاً:
صفقات سرية وتضارب مصالح.. ماذا وراء صعود شركة ترامب للعملات المشفرة؟
سلط تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الضوء على صعود شركة العملات الرقمية "وورلد ليبرتي فاينانشال" التابعة لعائلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تمثل تحولًا جذريا في مواقف ترامب من العداء السابق للعملات الرقمية إلى دعمها العلني والترويج لها خلال ولايته الثانية.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي 21"، إن "زي ماني"، وهو "زاكاري فولكمان" - والذي كان يدير شركة "ديت هوتر جيرلز" ويمثل الآن شركة "وورلد ليبرتي فاينانشال" للعملات الرقمية التي أعلن عنها ترامب وأبناؤه - عرض شراكة مع شركة عملات رقمية ناشئة في جزر كايمان لشراء بعضهم البعض من العملات الرقمية، بهدف تعزيز السمعة العامة للشركة، وذلك قبل أيام من تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة.
وكشفت الصحيفة عن خدعة تمت في هذا العرض؛ حيث سيتعين على الشركة الناشئة أن دفع مبلغ سري بملايين الدولارات إلى شركة "وورلد ليبرتي"، من أجل الحصول على امتياز الارتباط مع عائلة ترامب.
وكتب فولكمان: "كل ما نقوم به يحصل على الكثير من التغطية والمصداقية"، مؤكدا أن شركاء أعمال آخرين قد التزموا بمبالغ تتراوح بين 10 ملايينن و30 مليون دولار لصالح "وورلد ليبرتي".
وقال المسؤولون التنفيذيون إن الشركة الناشئة في جزر كايمان وعدد من الشركات الأخرى رفضت العرض، معتبرة الصفقة غير أخلاقية، حيث كانت "وورلد ليبرتي" تبيع تأييدًا وتخفي هذا الترتيب عن الجمهور، وهو ما نفاه مسؤولو "وورلد ليبرتي"، وواصلوا إبرام صفقات مماثلة وتسويق عملتهم في جميع أنحاء العالم، وجنوا أكثر من 550 مليون دولار، مع تخصيص جزء كبير منها لعائلة الرئيس.
وأضافت الصحيفة أن عودة ترامب إلى البيت الأبيض فتحت أمامه مسارات جديدة ومربحة لاستثمار نفوذه، سواء من خلال شركته للتواصل الاجتماعي أو صفقات عقارية جديدة في الخارج. ومع ذلك، لا يضاهي أي من أنشطة عائلة ترامب التجارية الأخرى حجم تضارب المصالح الذي برز منذ تأسيس شركة "وورلد ليبرتي".
وتُعد الشركة، التي تملكها إلى حد كبير جهة تابعة لعائلة ترامب، أزالت أعرافا رئاسية تعود لقرون، وقوّضت الحدود بين الأعمال الخاصة والسياسة الحكومية بأسلوب غير مسبوق في التاريخ الأمريكي الحديث.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب لم يعد تاجرا بارزا في مجال العملات الرقية فحسب، بل هو أيضا صانع السياسات الأول في هذا المجال، مستغلا سلطاته الرئاسية لصالح القطاع وشركته، رغم انتقاده السابق له باعتباره ملاذا للمحتالين وتجار المخدرات.
وأفادت الصحيفة أن ترامب قام بتعيين مؤيدين للعملات المشفرة، منهم رئيس هيئة الأوراق المالية، كما قامت وزارة العدل بحل فرقة معنية بجرائم التشفير، مواصلة بذلك تقليص الرقابة التي فرضها بايدن على الصناعة.
وكشفت الصحيفة عن مجموعة من تضارب المصالح التي تتبعها شركة "وورلد ليبرتي"، وهي: لقد استفادت "وورلد ليبرتي" مباشرة من الإجراءات الرسمية التي اتخذها ترامب مثل إعلانه عن مخزون فدرالي للعملات المشفرة، مما أدى إلى ارتفاع مؤقت في قيمة ممتلكاتها.
وقامت "وورلد ليبرتي" ببيع عملتها المشفرة لمستثمرين في إسرائيل وهونغ كونغ، مما فتح مسارا جديدا للشركات الأجنبية لكسب ود ترامب.
واستثمر عدد من المستثمرين في "وورلد ليبرتي" ممن اتُهمت شركاتهم بارتكاب مخالفات، بما في ذلك أحد التنفيذيين الذي تم تعليق قضية الاحتيال الخاصة به بعد استثماره ملايين الدولارات في الشركة. كما يسعى آخرون للتوسع بطرق تتطلب موافقة إدارة ترامب.
واقترحت "وورلد ليبرتي" مبادلة العملات المشفرة مع خمس شركات ناشئة، واستخدمت اسم ترامب لطلب مدفوعات باهظة كجزء من الصفقات، مما أثار قلق التنفيذيين المخضرمين.
وذكرت الصحيفة أن ديفيد واكسمان، المتحدث باسم "وورلد ليبرتي"، نفى أن تكون صفقاتها تشكل "مدفوعات من جانب واحد مقابل الخدمات المقدمة"، لكنه أقر بأنها شملت "صفقات استثمار متبادلة" أسفرت عن "تبادلات استراتيجية مفيدة للطرفين"، واصفا الاتهامات بأن الاستثمارات مع الشركة تمت كنوع من المقايضة السياسية بالسخيفة والخاطئة.
وأفادت الصحيفة أن عائلة الرئيس تستفيد من صفقات "وورلد ليبرتي"، حيث يمتلك كيان تجاري تابع لترامب 60 بالمائة من الشركة ويحق له الحصول على 75 بالمائة من بعض إيرادات مبيعات العملات.
وأوضحت الصحيفة أن إريك ترامب، وشقيقه الأكبر دونالد يشاركان بنشاط في شركة "وورلد ليبرتي"، معتمدين على ثلاثة شركاء، بينهم فولكمان وتشيس هيرو وهما لديهما سجل حافل في مجال العملات المشفرة، وزاك ويتكوف نجل مبعوث ترامب ستيف ويتكوف وأحد مؤسسي الشركة.
وأشار الرئيس ترامب إلى أن قوانين تضارب المصالح لا تنطبق عليه، وأن لديه حصانة واسعة فيما يتعلق بالإجراءات الرسمية التي يقوم بها بصفته رئيسا.
وفي بيان، أشارت متحدثة باسم الرئيس ترامب إلى أن "أصوله موضوعة في صندوق ائتماني يديره أبناؤه"، وبالتالي "لا يوجد تضارب مصالح". (مع العلم أن الصندوق لا يزال يعود بالنفع المباشر على الرئيس ترامب).
المناصر الأول للعملات المشفرة
وقالت الصحيفة إن ترامب، كرجل أعمال اشتهر في عالم العقارات الملموس، لم يسعَ قط لبناء إمبراطورية عملات رقمية. بل إنه في نهاية ولايته الأولى، لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي ليعبّر عن ازدرائه للعملات المشفرة. وحذّر قائلاً: "هذه ليست أموالاً. فقيمتها شديدة التقلب ومبنية على الهواء".
وبحلول السنة الماضية، بدأت آراؤه تتغير؛ حيث أصبح أبناؤه الأكبر سنًا من مؤيدي العملات الرقمية المتحمسين بعد هجوم 6 كانون الثاني/ يناير 2021 على مبنى الكابيتول الذي أدى إلى إبعاد شركة العائلة عن النظام المالي السائد.
وتزامن تغيير موقف ترامب مع تدفق ملايين الدولارات من صناعة العملات المشفرة إلى حملته الانتخابية، في وقت كانت الصناعة تواجه إجراءات قانونية عديدة تحت إدارة بايدن، وكان التنفيذيون بحاجة إلى قائد يدافع عن مصالحهم.
وخلال حملته الانتخابية، اختفت شكوك ترامب حول العملات المشفرة. ففي مؤتمر بيتكوين يوليو/ تموز تعهد بتحويل الولايات المتحدة إلى "عاصمة العملات المشفرة". وبعد شهرين، أعلن هو وأبناؤه دخولهم سوق العملات المشفرة من خلال مشروع "وورلد ليبرتي فاينانشيال".
واعتبرت الصحيفة أن هيرو وفولكمان كانا اختيارين غير تقليديين للتعاون مع الرئيس. وكان فولكمان وهيرو قد عملا معًا لسنوات في بيع منتجات متنوعة قبل التحول إلى العملات المشفرة مع نتائج متفاوتة.
وأوضحت الصحيفة أنه هيرو حث عشاق العملات الرقمية على الاستثمار في عملة "تيرا يو إس دي" في سنة 2022، إلا أنها انهارت بعد شهر مما أدى إلى فقدان مليارات الدولارات. وكان أحدث مشاريعه مع فولكمان منصة "دوه فاينانس"، التي تم اختراقها في يوليو/ تموز، ما أدى إلى سرقة مليوني دولار.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر، بدأ هيرو وفولكمان بيع عملة مشفرة جديدة باسم "$دبليو إل إف آي"، بهدف تحقيق 300 مليون دولار. وكانت هذه العملة تختلف عن "$ترامب" التي شهدت ارتفاعًا في كانون الثاني/ يناير بعد أن سوقها ترامب لمتابعيه قبل أن تنهار فجأة.
وبينت الصحيفة أن "وورلد ليبرتي" تخطط لأن تكون بنكًا إلكترونيًا جديدًا يتيح للعملاء اقتراض وإقراض الأموال باستخدام العملات الرقمية، مع منح حاملي عملات "$دبليو إل إف آي" حق التصويت في قرارات البنك مثل المساهمين في الشركات التقليدية.
ولفتت الصحيفة إلى أن ترامب كان في صميم العرض الترويجي، حيث نشرت الشركة ورقة "غولدن بيبر" التي تضمنت صورة له على الغلاف، وذكرت أنه سيشغل منصب "المناصر الأول للعملات المشفرة".
وعند إطلاق "وورلد ليبرتي"، حصلت عائلة ترامب وأفرادها على 22.5 مليار وحدة من العملة المشفرة، تقدر قيمتها حاليًا بما لا يقل عن 1.1 مليار دولار.
ووفقًا لقوانين الشركة، لا يُسمح لآل ترامب والمستثمرين الآخرين في "وورلد ليبرتي" ببيع عملاتهم في السوق المفتوحة، رغم أن الشركة ذكرت أنها قد ترفع هذا القيد في المستقبل إذا وافق المشترون الآخرون للعملة.
وفي البداية، باعت "وورلد ليبرتي" عملات بقيمة 2.7 مليون دولار فقط، لكن يوم الانتخابات غيّر المعادلة.
تدفق المستثمرين
ومع اقتراب ترامب من الفوز بالولاية الثانية، نشر حساب "وورلد ليبرتي" رسالة احتفالية، والتي تبعتها تدفق الاستثمارات إلى عملتها. وأكدت الشركة أنها تتحقق من هوية مستثمريها رغم إخفاء الهويات عبر البلوكتشين.
وبحسب الصحيفة، أظهر تحليل أجرته شركة نانسن للطب الشرعي، بالاعتماد على بيانات صناعة العملات الرقمية، أن العديد من المستثمرين كانوا مقيمين في الخارج في أماكن مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وهونغ كونغ والإمارات.
وأضافت الصحيفة أن القانون الفيدرالي يمنع الأجانب من التبرع للحملات الرئاسية أو صناديق التنصيب، ولكن بيع عملة "وورلد ليبرتي" قدم طريقة قانونية جديدة لدعم ترامب.
ومنذ تولي ترامب منصبه، دفع بعض مستثمري "وورلد ليبرتي" الحكومة للحصول على الموافقات التنظيمية أو تفاعلوا مع الإدارة لتوسيع أعمالهم في الولايات المتحدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المدير التنفيذي في مجال العملات المشفرة الذي قد يحقق أكبر استفادة من ارتباطه بـ "وورلد ليبرتي"، فهو جاستن صن، الملياردير الصيني الذي أسس منصة "ترون" للعملات المشفرة.
وقد جذب صن الانتباه في نهاية السنة الماضي عندما اشترى موزة ملصقة على جدار بمزاد فني مقابل 6.2 ملايين دولار، ثم أنفق 75 مليون دولار على عملات $دبليو إل إف آي. ووُجهت انتقادات للاستثمار بسبب سعي صن لكسب ودّ البيت الأبيض تحت إدارة ترامب.
وأفادت الصحيفة أن هيئة الأوراق المالية والبروضة رفعت دعوى قضائية ضد صن، في عهد بايدن، بتهمة تضخيم سعر عملة "ترون" الرقمية بشكل احتيالي، بينما طالبت الهيئة نفسها في أواخر شباط/ فبراير الماضي من قاضٍ فيدرالي وقف الإجراءات في القضية.
اصطفاف النجوم
وقالت الصحيفة إن جاستن صن قدم دعمًا كبيرًا لشركة وورلد ليبرتي، لكن شركة ترامب كانت تطمح لمزيد من المال. لذا، أعلن مسؤولو وورلد ليبرتي عن "مبادرة تحوّلية" لشراكة مع شركات عملات مشفرة أخرى والاستثمار في عملاتها، مستفيدين من نفوذ الشركة المتزايد لمساعدة شركائهم الأقل شهرة، وهو ما وصفه هيرو بأنه مثل "إنه مثل العناية بأخيك في الفضاء".
وأغفلت التصريحات العامة لشركة وورلد ليبرتي جانبًا مهمًا من عرضها الخاص لشركات ناشئة في مجال العملات المشفرة، حيث كانت ترغب في بيع عملتها الخاصة بدلاً من الاستثمار فقط في عملات الآخرين، مقترحة مبادلة عملات.
وأضافت الصحيفة أن "وورلد ليبرتي" عرضت على ثلاث شركات ناشئة شراء كميات كبيرة من عملتها مقابل 10 إلى 30 مليون دولار، مقابل شراءها كمية أصغر من عملات هذه الشركات، مع احتفاظ "وورلد ليبرتي" بالباقي كعلاوة تصل إلى 20 بالمائة.
وأوضحت الصحيفة أن مشتريات "وورلد ليبرتي" كانت ستُرسل إشارة للسوق بأن شركة ترامب اعتبرت هذه الشركات الناشئة جديرة بالاستثمار، دون أن يعرف السوق أن "وورلد ليبرتي" تلقت مقابلًا ماليًا لهذا التأييد.
وكشفت الصحيفة عن أن خمس شركات عملات مشفرة أبرمت صفقات مع "وورلد ليبرتي" دون كشف تفاصيل مالية. ففي إحدى الصفقات، أعلنت مؤسسة "سوي فاونديشن" أن وورلد ليبرتي ستشتري كمية غير محدودة من عملتها، ما رفع سعرها بأكثر من 10 بالمائة، مقابل حصول المؤسسة على عملات وورلد ليبرتي.
وأظهرت شراكات أخرى مع "وورلد ليبرتي" كيف يخلط ترامب بين دوره الرسمي وأعماله التجارية. ففي كانون الأول/ ديسمبر، أعلنت الشركة أنها ستستخدم تقنية صممتها شركة "إيثينا لابز" من لشبونة، واشترت أكثر من 5 ملايين دولار من عملتها المشفرة.
ولفتت الصحيفة إلى أن أحد مستثمري "إيثينا" هو آرثر هايز، وهو رائد أعمال في العملات المشفرة، والذي اعترف بانتهاك قانون سرية البنوك في 2022 وحُكم عليه بالحبس المنزلي. وفي الشهر الماضي، منح ترامب عفوًا عنه.
وذكرت الصحيفة أن شريك آخر لوورلد ليبرتي هو أوندُو فاينانس، وهي شركة ناشئة في نيويورك مدعومة من صندوق المؤسسين التابع للملياردير المحافظ بيتر ثيل.
وفي كانون الأول/ ديسمبر، اشترت وورلد ليبرتي أكثر من 130,000 من عملات أوندُو، مما ساعد في رفع سعرها لفترة قصيرة. كما تبرعت أوندو في كانون الثاني/ يناير بمليون دولار لحفل تنصيب ترامب، وحصلت على دعوة لحفل عشاء في واشنطن. وساعدت أوندُو في رعاية حفل التنصيب الذي أُطلق عليه اسم "حفلة الكريبتو بول". وبعد ذلك بفترة وجيزة، كان دونالد ترامب الابن وفريق إدارة شركة وورلد ليبرتي على رأس الحضور في مؤتمر نظمته أوندو في نيويورك.
"اشكرني لاحقا"
في شباط/ فبراير، نصح إريك ترامب متابعيه على منصة "إكس" بشراء عملة $إيثر، قبل أن يحذف تغريدته. وقد ثبت أن نصيحته كانت محقة.
وفي الشهر التالي، أعلن والده عن إنشاء "احتياطي العملات المشفرة الأمريكي" لتعزيز الصناعة. وشمل الإعلان قائمة بالعملات الرقمية التي ستدخل في الاحتياطي، بما في ذلك إيثير، التي ارتفع سعرها بأكثر من 13 بالمائة.
وذكرت الصحيفة أن "وورلد ليبرتي" استفادت من ارتفاع سعر إيثر بعد إعلان الرئيس عن احتياطي العملات المشفرة. فوفق شركة "آركام"، كانت الشركة قد اشترت ما قيمته 240 مليون دولار من العملة، وارتفعت قيمة مخزونها بمقدار 33 مليون دولار في ذلك اليوم، قبل أن تخسر هذا المكسب مع انخفاض قيمة إيثير لاحقا.
وتكرر نفس النمط في آذار/ مارس، من خلال إدلاء ترامب بتصريحات سياسية أو نشر رسائل تتوافق مع مصالح شركة وورلد ليبرتي التجارية؛ حيث دعا ترامب، في بث فيديو خلال مؤتمر للعملات المشفرة في نيويورك، الكونغرس إلى تمرير تشريعات تنظم العملات المستقرة، وهي نوع من العملات المشفرة المصممة للحفاظ على قيمة 1 دولار.
وقدّم مجلس الشيوخ ومجلس النواب مشاريع قوانين تسهّل على الشركات إصدار العملات المستقرة في الولايات المتحدة. وفي تصريحاته الشهر الماضي، قال ترامب إن صعود العملات المستقرة سيُؤدي إلى "توسيع هيمنة الدولار".
وبعد أسبوع، أعلنت وورلد ليبرتي عن إطلاق عملتها المستقرة الخاصة، يو إس دي 1.
واختتمت الصحيفة تقريرها، بالإشارة إلى أن التداخل بين تصريحات ترامب السياسية ومصالحه التجارية أثار قلق الديمقراطيين في الكونغرس، الذين سعوا مؤخرا لتعديل تشريعات العملات المستقرة لمنع عائلة ترامب من إصدار واحدة، إلا أنه قد فشل ولم تؤثر أي من المخاوف بشأن وورلد ليبرتي على زخمها.