جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-24@20:41:56 GMT

كيف يخدم الإعلام أكاذيب إيلون ماسك؟

تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT

كيف يخدم الإعلام أكاذيب إيلون ماسك؟

 

 

 

د. يوسف الشامسي

 

قبل أيام وفي المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالمكتب البيضاوي في البيت الأبيض، سألتْ صحفيةٌ الملياردير والوزير بالإدارة الأمريكية إيلون ماسك عن معلوماتٍ كاذبةٍ أوردها في تصريحاتٍ سابقة له، فكان ردّه: "إن بعض ما أقوله قد يكون غير صحيح، وينبغي أن يُصحح".

لكن ما الذي سيتركه وما الذي سيصححه له الإعلام وكثير من تصريحاته "أمحلُ من حديث خُرافة"؟! بل، وهل يأبه أصلًا ترامب وماسك بتصحيح أكاذيبهم المكشوفة؟

لنعترف أولًا أن الكذب ليس بدعًا في "بروبوجندا" السياسة، وللفلاسفة من عهد أفلاطون، إلى ميكيافيللي، إلى يومنا هذا -كمايكل والزر وغيره- مذاهب ومبررات للساسةِ أحيانًا؛ فهنالك ما يسمى بـ"الكذب النبيل" و"الخداع لمصلحة الشعب" وأشباهها من المبررات، ويكون الكذب تارة متواريًا لا ينكشف إلّا بجهد من التحقيق، كتبرير جورج بوش لغزو العراق بدعوى امتلاكه لأسلحة نووية، وأحيانًا ظاهرًا جليًّا يدركه أتباع السياسيّ الكاذب حتى قبل خصومه، ومثال الرئيس ترامب وإيلون ماسك أكبر شاهدٍ على هذا النوع من الكذب المفضوح.

قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة انخرط ماسك في أكبر حملة تضليل لدعم مرشحه ترامب، مسخّرا منصته "إكس X" بخوارزمياتها لدعم حزبه، ونَشَر عبر حسابه مرة تصريحًا لمتحدث الحزب الجمهوري بالكونجرس يدّعي فيه أن الحزب الديمقراطي "يسعى لاستيراد المهاجرين غير الشرعيين بضمّهم للحزب ودعمهم لترشيح كامالا"، بينما لا يجهل أبسط مواطن أمريكي أن المهاجرين لا يحق لهم التصويت في الانتخابات الفيدرالية ما لم يحصلوا على الجنسية!

كذلك قبل أيام اتهم الصحفي المتطرف إيان مايلز في حسابه بمنصة "إكس X" عضوة مجلس النواب الأمريكي إلهان عمر، بعقد ندوات لمهاجرين غير شرعيين لمساعدتهم على تجنب الترحيل، مرفقًا مقطع فيديو مجتزأً، فأيد إيلون ماسك هذا الادعاء مُتهمًا إياها بانتهاك القانون؛ لكن إلهان سرعان ما نفتْ حضورها الحدث، مؤكدة أن الفيديو مُفبرَك. كما اتهمت ماسك بانتهاك القوانين الأمريكية عبر إساءة استخدام بيانات المواطنين. ومع ذلك، أعاد ماسك مشاركة المقطع مرة أخرى!

أمثال هذه الأكاذيب وغيرها قد تثير استفزاز الخصوم للرد عليها، فعلى سبيل المثال نشر قبل فترة الداعية الأمريكي المعروف د. عمر سليمان مقالًا يُفنّد فيه الادعاءات التي أطلقها ماسك عبر منصته بربط "عصابات التغرير الجنسي" في المملكة المتحدة بالمجتمعات المسلمة، وتوظيفه لها في خطابه الإعلامي والسياسي لخدمة أجندات عنصرية مؤازرة لليمين المتطرف. وكذلك نشرت العديد من وسائل الإعلام مثل (بي بي سي BBC) و(دويتشه فيله DW) وبلومبرج تحقيقات مُفصِّلة ومُفنِّدة لأكاذيب ماسك أثناء الانتخابات الأخيرة كالتي أشرتُ لها سلفًا.

 

ولكن، رغم أن تصويب الأكاذيب ضرورةٌ أحيانًا لتوعية الناس بالحقيقة -هل تساءلت- عزيزي القارئ- كيف لمثل هذا النوع من الكذب الفجّ أن يخدم الساسةَ إعلاميًا وهم يدركون قطعًا أن لا أحد سيصدّق ما يتفوهون به من ادعاءات باطلة؟ الإجابة على هذا التساؤل يختزلها حوار الإعلامي الساخر جودان كليبر في برنامج "ذا دايلي شو"، ففي إحدى الحلقات، سأل كليبر أحد مؤيدي ترامب: "هل تعتقد أن ترامب يكذب أحيانًا؟"، ليجيب الرجل: "بالطبع، كل السياسيين يكذبون". يتابع كليبر: "إن كنت تعلم أن ترامب يكذب، فلماذا تدعمه إذن؟"، فيأتي الرد: "لأنه يضحك على النظام، وهذا ما نحتاجه!".

هنا يلتقط كليبر جوهر التناقض: الاعتراف بالكذب لا يُضعف التأييد؛ بل يُعاد تفسيره كـ"ذكاء تكتيكي" أو "معركة ضد النخبة". هذا بالضبط ما تُقرِّره أبحاث الإعلام السياسي ونظرية "التنافر المعرفي" لعالم النفس ليون فستنغر؛ فالجماهير تتجنب تغيير مواقفها في الغالب إذا ما اكتشفت حقائق جديدة تتعارض وأحكامها المسبقة.

هذا من جانب التأثير على الجمهور، أما إعلاميًا فيؤكد أستاذ الإعلام السياسي إيفور جايبر بجامعة ساسكس أن بعض هذه الأكاذيب الصارخة والمكشوفة عندما تصدُر من القادة السياسيين تكون في الأصل ضمن خطة ذات بُعد استراتيجي؛ فالكذبُ يهدفُ للتأثير فحسب دون الاهتمام بتداعيات الكذبة، وكلما حظيتْ بالنقاشِ وترأستْ محاور الأخبار -ولو على سبيل دحضها- استطاعتْ تحقيقَ الهدف. الكذب مثلًا حول ضم المهاجرين غير الشرعيين لترشيح الحزب الديمقراطي يدفعُ لمزيد من النقاش لـ"دحض" هذه الكذبة بسهولة، وفي المقابل كثرة الردود من الخصوم تُعزِّز قناعات المؤيدين لماسك وترامب بشأن المهاجرين غير الشرعيين بفعل ما يطلق عليه "تأثير النتائج العكسية"، وهكذا في سائر الأكاذيب.

لذلك كان رد إيلون ماسك للصحفية هو محاولة تأكيد منه على هذا الهدف؛ فردود الإعلاميين وتخصيص الوقت في البرامج والأخبار لتصحيح أكاذيبه تضمن لحزبه حيّز الظهور وتضرب له عدة عصافير سياسية في الداخل الأمريكي بحجر واحد!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هكذا يتحدى ترامب نخب أمريكا؟

بين محاولاته لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وخوض معاركه مع القضاة، وإعادة تشكيل الحكومة الفيدرالية، قام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هذا الأسبوع بزيارة إلى مركز جون إف كينيدي للفنون المسرحية في واشنطن، وهي زيارته الأولى منذ أن نصّب نفسه رئيساً جديداً للمركز.

وقد تعهد ترامب بتطهير أحد أبرز المراكز الفنية في الولايات المتحدة من "الأجندات المستيقظة"، و"عروض السحب"، و"غيرها من الدعايات المناهضة لأمريكا"، متوعداً بإطلاق "عصر ذهبي جديد في الفنون والثقافة".

وقال للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية "إير فورس وان" الأحد: "علينا أن نصحح المسار".

هجوم واسع على النخبة

تمثل هذه الخطوة جزءاً من هجوم شامل على المؤسسات النخبوية في أمريكا، وهو هجوم صدم الأوساط الليبرالية في البلاد بشدته واتساع نطاقه، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز".

من هوليوود إلى الأحياء الراقية في نيويورك، يعيش المثقفون الليبراليون حالة من الذهول بسبب عودة ترامب، الرجل القادم من كوينز، والذي يفضل رفقة مقاتلي اتحاد الفنون القتالية المختلطة (UFC) و"نجوم المانوسفير" (المنتمين إلى ثقافة الرجولة الرقمية) على مجالسة رموز الفكر الليبرالي.

في الأسابيع الأخيرة، استهدفت إدارة ترامب جامعة كولومبيا، وحلّت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية  (USAID)، وأغلقت إذاعة "صوت أمريكا"، في خطوة يراها كثيرون بمثابة هجوم ممنهج على معاقل الفكر الليبرالي في البلاد.

ويقول المؤرخ جون غانز، مؤلف كتاب "عندما تحطم الزمن: المحتالون والمتآمرون وكيف انقسمت أمريكا في أوائل التسعينيات":
"ما أدركه أنصار ترامب هو أن السيطرة على الحكومة وحدها لا تكفي. عليهم أيضاً ممارسة الضغط على معاقل الليبرالية الأخرى، حيث تكمن قوتها الحقيقية في الإعلام والأوساط الأكاديمية".

استهداف الجامعات والنخب الأكاديمية

وتقول الصحيفة إنه لطالما لجأ المرشحون الرئاسيون إلى مهاجمة النخب لكسب أصوات الناخبين، بدءاً من أندرو جاكسون في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. لكنهم عادةً ما يخففون من حدة خطابهم بعد توليهم المنصب. أما ترامب، فهذه المرة لا يكتفي بالكلام، بل يحوّل شعاراته المناهضة للنخب إلى سياسات فعلية.

إجراءاته ضد الجامعات الخاصة المرموقة وغيرها من معاقل الامتياز الأكاديمي تلقى رواجاً بين قاعدته الشعبية، خصوصاً بين الرجال البيض من الطبقة العاملة الذين لا يثقون بالنخب الساحلية. فقد أظهرت استطلاعات الرأي في الانتخابات الأخيرة أن 56% من الناخبين الذين لم يحصلوا على شهادة جامعية صوّتوا لصالح ترامب.

يقول مايك ثاديوس، أستاذ الرياضيات بجامعة كولومبيا ونائب رئيس مجموعة للدفاع عن حقوق أعضاء هيئة التدريس للصحيفة: "هناك فئة من الناس، خاصة في المناطق الريفية، لا ترى أي قيمة في التعليم الجامعي وتريد هدمه تماماً. وهناك آخرون تلقّوا تعليماً نخبوياً، لكنهم يطمحون إلى إعادة تشكيل المؤسسات الأكاديمية وفق رؤية محافظة، عبر تعيين أساتذة ذوي توجهات يمينية في جامعات مثل كولومبيا".

A US judge has sided in part with detained Columbia University student Mahmoud Khalil in his battle with the Trump administration, which is trying to deport him https://t.co/auTbaJr79e pic.twitter.com/thHVt6sPT6

— Reuters (@Reuters) March 20, 2025 قطع التمويل الفيدرالي

وكانت جامعة كولومبيا الهدف الأبرز لحملة ترامب ضد "الصحوة". ففي 7 مارس (آذار)، ألغت إدارته منحاً وعقوداً فيدرالية بقيمة 400 مليون دولار، متهمة الجامعة بعدم اتخاذ إجراءات لحماية الطلاب اليهود من التحرش.

يقول تايلر كاوارد، المستشار القانوني لمؤسسة حقوق الأفراد والتعبير: "هذه رسالة واضحة للمؤسسات: امتثلوا أو ستفقدون التمويل".

لكن "كولومبيا" ليست الوحيدة، فقد حذرت وزارة التعليم هذا الشهر 60 جامعة وكلية من "إجراءات إنفاذ محتملة" إذا لم تمتثل لقوانين الحقوق المدنية الفيدرالية التي تحمي الطلاب من التمييز على أساس العرق أو الجنسية، بما في ذلك معاداة السامية.

كما أعلنت الإدارة أنها ستعلّق حوالي 175 مليون دولار من التمويل الفيدرالي لجامعة بنسلفانيا بسبب سياسات سمحت للنساء المتحولات جنسياً بالمنافسة في الرياضات النسائية.

Trump administration yanks $400M in grants, contracts from Columbia University over antisemitism on campus. Read today's cover here: https://t.co/mtGCG1b3sz pic.twitter.com/Dg1gLJcLLr

— New York Post (@nypost) March 8, 2025 الهجوم على وسائل الإعلام

لطالما كانت وسائل الإعلام الليبرالية هدفاً مفضلاً لترامب، حيث يستخدم فريقه الدعاوى القضائية والضغوط التنظيمية لاستهداف المؤسسات الإخبارية التي تنتقده.

ففي ديسمبر (كانون الأول)، دفعت شبكة ABC News مبلغ 16 مليون دولار لتسوية دعوى تشهير رفعها ترامب ضدها. كما رفع دعوى قضائية ضد شبكة CBS بسبب مقابلة مع كامالا هاريس، زاعماً أنها تم التلاعب بها بشكل مضلل.

ويقول مات غيرتز، رئيس مؤسسة ميديا ماترز من أجل أمريكا: "يحاول فريق ترامب تقويض مصداقية الصحافة، بينما يمارس ضغوطاً على الشركات المالكة لوسائل الإعلام لإجبارها على الامتثال".

وفي خطاب ألقاه بوزارة العدل الأسبوع الماضي، وصف ترامب قناتي CNN وMSNBC  بأنهما "الجناح السياسي للحزب الديمقراطي"، مضيفاً: "في رأيي، هما فاسدتان تماماً وغير قانونيتين".

President Donald Trump’s crackdown on alleged antisemitism on campuses is alarming students and instructors who say the administration is trying to outlaw criticism of Israel’s war and bend universities to his will.

Trump says he’s just getting started. https://t.co/qPGHcbBrXM

— The Washington Post (@washingtonpost) March 15, 2025 تغييرات جذرية

كما طالت التغييرات أيضاً مركز كينيدي للفنون. فقد ألغى عدد من الفنانين، مثل عيسى راي وفريق المسرحية الغنائية هاميلتون، عروضهم احتجاجاً على التغيير في الإدارة.

ريتشارد غرينيل، أحد الموالين لترامب والذي عيّنه مديراً تنفيذياً مؤقتاً للمركز بعد عودته إلى البيت الأبيض، انتقد المحتوى الفني "المجنون" في السنوات الأخيرة، وأعلن عن عرض جديد ضخم في ديسمبر (كانون الأول).

وقال غرينيل ساخراً خلال مؤتمر العمل السياسي المحافظ الشهر الماضي: "نحن ننظم احتفالاً ضخماً بميلاد المسيح. من الغريب أن نحتفل بالمسيح في عيد الميلاد، أليس كذلك؟".

مقالات مشابهة

  • ماسك: أعضاء إدارة الكفاءة الحكومية يتلقون يومياً تهديدات بالقتل
  • تصرف غريب من إيلون ماسك خلال عشاء مع كبار المسؤولين الأمريكيين.. فيديو
  • البنتاجون يفتح تحقيقا على إثر فضيحة تسريب معلومات بعد زيارة إيلون ماسك
  • تعثر محادثات إيطاليا مع "ستارلينك" المملوكة لإيلون ماسك
  • ترامب يكشف حقيقة مشاركة إيلون ماسك في خطة عسكرية ضد الصين
  • ترامب ينفي صحة إطلاع ماسك على خطط عسكرية أمريكية بشأن الصين
  • ترامب ينفي أنباء إطلاع ماسك على خطط عسكرية أمريكية بشأن الصين
  • ترامب ينفي صحة اطلاع ماسك على خطط عسكرية أمريكية بشأن الصين
  • ترامب ينفي مشاركة إيلون ماسك في خطة عسكرية سرية ضد الصين
  • هكذا يتحدى ترامب نخب أمريكا؟