محمد أبو حامد يكتب.. العذراء التي انتظرتها الأجيال كلها
تاريخ النشر: 22nd, August 2023 GMT
رفعت امرأة عمران وجهها إلى السماء وكانت حاملاً وقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي﴾، أي سأجعله في خدمة بيت المقدس يعبدك النهار والليل، ولا يترك العبادة أبداً، ومرت الشهور ثم وضعت فجاء المولود بنتاً، فرفعت رأسها إلى السماء وقالت: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ﴾، وضمت ابنتها إلى صدرها في حنان، ثم نظرت إلى السماء فقالت: ﴿وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾، وانتظرت حتى استطاعت أن تنهض من بعد الولادة، فحملت مريم وخرجت إلى بيت المقدس لتسلمها إلى العُبّاد المقيمين به ولتجعلها خادمة من خدام المسجد، كبرت مريم وهي في رعاية زكريا عليه السلام، وقد خصص لها مكاناً في محراب المعبد لا يدخله سواها فكانت تعبد الله فيه ليلها ونهارها، واشتهرت بين أهلها بالصلاح والتقوى، وما كانت تترك المسجد إلا لضرورة حتى جاء الملاك وبشرها باصطفاء الله سبحانه لها: ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ﴾، ويبدو تبجيل العذراء ومكانتها في اصطفاء الله لها وفي تحية الملاك جبرائيل لها {السلام لك أيتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء}.
- عظمة العذراء تتجلى في اختيار واصطفاء الله لها من بين كل نساء العالم، الإنسانة الوحيدة التي انتظر التدبير الإلهي آلاف السنين، حتى وجدها، ورآها مستحقة لهذا الشرف العظيم، العذراء في عظمتها تفوق جميع النساء {بنات كثيرات عملن فضلاً أما أنت ففقت عليهن جميعاً}، وقد تمتعت العذراء بالعديد من الصفات التي جعلتها ممتلئة نعمة ومؤهلة لهذا الاصطفاء الرباني: صفة الطهر الشديد، وصفة الإيمان، وصفة التسليم، وصفة الطاعة، صفة الاتضاع " أو التواضع والخشوع وهي السور الذي يحمي كافة الفضائل، والاتضاع الحقيقي أن يكون الإنسان في ملئ العظمة ويظهر متضع"، وصفة الخدمة، وصفة الأمانة وغيرها من صفات الكمال البشري.
- هي العذراء التي أتت إلى بلادنا أثناء طفولة المسيح، وأقامت في أرضنا سنوات، قدستها خلالها وباركتها، وهي العذراء التي تجري معجزاتها إلى الآن، إن كل قديس في الكنيسة له عيد واحد هو يوم نياحته أو استشهاده، وربما عيد آخر هو العثور على رفاته، أو معجزة حدثت باسمه، لكن السيدة العذراء لها أعياد كثيرة: عيد البشارة بميلادها، عيد ميلاد العذراء، عيد دخولها الهيكل، عيد مجيئها مصر، عيد نياحة العذراء، العيد الشهري للعذراء، عيد صعود جسدها إلى السماء، عيد معجزتها "حالة الحديد"، عيد ظهورها على قباب كنيسة العذراء بالزيتون يوم ٢ إبريل سنة ١٩٦٨، وبالإضافة إلى كل هذا نحتفل طوال شهر كيهك بتسابيح كلها عن كرامة السيدة العذراء.
- وقد اصطفاها الله عز وجل لمهمة عظيمة الشأن، فبعد أن اصطفها وطهرها وأمرها بالاجتهاد في العبادة والمداومة على الطاعة، وأوصاها بالإخلاص، والخشوع والخضوع له سبحانه، تهيأت بذلك مريم عليها السلام للمعجزة الكبرى والآية العجاب وهي حملها بالسيد المسيح عليه السلام قال تعالى: ﴿إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ ، وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، لهذا كله نحتفل وتحتفل الكنيسة من أول مسرى "٧ أغسطس" بصوم السيدة العذراء، صوم يهتم به شعب الكنيسة اهتماماً كبيراً، ويمارسه بنسك شديد، وهو مجال للنهضات الروحية في غالبية الكنائس ويعد له برنامج روحي لعظات كل يوم وقدّاسات يومية أيضاً، وتقام في هذه الأيام أعياد لقديسين آخرين مثل القديسة بائيسة، والقديسة يوليطة، والقديسة مارينا، بل أثناء صوم العذراء أيضاً نحتفل بعيد التجلي المجيد وغيره.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: البشارة صوم العذراء نعمة إلى السماء
إقرأ أيضاً:
حسين خوجلي يكتب: معزوفة درويش كئيب على أطلال الجزيرة
من مرويات الصحابة التي تدعو للتأمل والتدبر والاعتبار حكاية وقوف سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه (أبو تراب) على تراب المقابر وحياها قائلا:
السلام عليكم يا أهل المقابر أما أموالكم فقد قسمت، وأما بيوتكم فقد سكنت، وأما أزواجكم فقد تزوجن غيركم هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم ؟
ثم سكت قليلاً وقال:
أما والله لو شاء الله لهم أن يتكلموا لقالوا:
إن خير الزّاد التقوى.
لقد ذكرتني هذه الحكاية الموحية حالنا في الجزيرة المنكوبة الجريحة المستباحة شمالا وجنوبا شرقا وغربا حواضرا وقرى. وفي ظني أن حال القرى المنهوبة المهجرة المغتصبة تماثل حال المقابر إن لم تكن المقابر أشد سلامة منها وطمأنينة.
فلعمري لو مر ود تكتوك هذا العصر بمخيمات النازحين واللاجئين من هذه القرى التي كانت حتى بالأمس تضج بالحياة والأمل والإشراق، وقد أمسى ساكنوها الآن في عراء الله يتامى وأرامل، وفي أطراف المدن حفاة وعراة وحزانى يتكففون الزاد والأمن والخيمة والأسبرين لمداواة جراح الجسد وجراح الروح.
ولكأني بصوت الرجل يرتفع عالياً حتى يتردد صداه في الأعالي والبطاح: (يا أهل الجزيرة إن الأموال قد نُهبت وإن الأعراض قد أُهينت وإن العزة والشرف القديم قد مرغ بالتراب)
وإن بقي في الرسالة بقية فهي للجيش وللشعب وللمقاومة وللمستنفرين والفدائيين، ختام ما قاله الشيخ فرح:
يا هؤلاء “ابحثوا عن مهمة أخرى” غير استعادة مدن وقرى الجزيرة، فماذا يفعل الناس ببقايا الأشياء وأطلال المساكن؟ ابحثوا عن مهمة أخرى فإن دخول القرى والمدن بعد أن أخليت تماماً من كل شيٍ حتى مواقد الطعام وسرائر الأطفال وباقي الدين والعجين، هي ضرب من العبث واللامعقول.
“ابحثوا عن مهمة أخرى” لن يصفق الشعب لانتصارات وهمية في أمكنةٍ خلاء، وقرى مهجورة، وملايين من الحيارى فقدوا كل شئ، نعم كل شئ حتى بقية الدموع في قاع الأعين، وبقية النشيج في قاع الصدور.
نعم “ابحثوا عن مهمة أخرى” فإن الشئ الوحيد الذي بقي هو ذاك (الهوى) المهشم على قارعة الطريق، والهواء الآسن والمعفر برائحة الجثث والإثم وقهقهات القتلة واللصوص.
كل شئٍ هناك ساكن، صامت إلا نحيب العاصفة الممزوج بأسى الأطلال ونزيف الغناء القديم.
كل شئٍ مضى نازحاً إلا زامر الحي الدرويش فقد ظل وحيداً يردد معزوفته في أسىً بصوته الذبيح ونفسه المتلاشية:
يا فؤادي رحم الله الهوى
كان صرحاً من خيال فهوى
اسقني واشرب على (أطلاله)
واروِ عني طالما (الدمع روى)
كيف ذاك الحب أمسى خبراً
وحديثاً من أحاديث الجوى
وبساطا من ندامى حلم
هم تواروا أبداً وهو انطوى
حسين خوجلي
إنضم لقناة النيلين على واتساب