هل يمهد اتفاق الغاز بين تركيا وتركمانستان لعهد جديد في أمن الطاقة؟
تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT
إسطنبول – بعد مفاوضات امتدت لأكثر من ربع قرن، وقّعت تركيا و تركمانستان اتفاقا لتوريد الغاز الطبيعي التركماني إلى الأراضي التركية، في خطوة تعكس انفراجة في مجال التعاون الطاقوي بين البلدين.
الاتفاق، الذي تم توقيعه بين شركة "بوتاش" التركية و"تركمان غاز" التركمانية، ينص على بدء عمليات تسليم الغاز اعتبارا من الأول من مارس/آذار 2025، ليشكل محطة مهمة في مساعي أنقرة لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز أمن الإمدادات.
واعتبر وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار الاتفاق "خطوة تاريخية" ستساهم في تعزيز أمن إمدادات الغاز الطبيعي لتركيا والمنطقة، مع استمرار البلدين في توسيع شراكتهما الاستراتيجية.
ويأتي هذا الاتفاق في وقت تُسجّل فيه تركيا استهلاكا سنويا يتجاوز50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وتعتمد في تأمين احتياجاتها على مزيج من الغاز المنقول عبر الأنابيب من روسيا وأذربيجان وإيران، إلى جانب واردات الغاز الطبيعي المسال من عدة دول.
وبحسب أحدث تقرير سنوي للغاز الصادر عن هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية، بلغ إجمالي واردات تركيا 50.48 مليار متر مكعب في عام 2023، حيث جاءت روسيا في المرتبة الأولى بنسبة 42.27% من إجمالي الواردات، تليها أذربيجان (20.32%)، ثم الجزائر (11.86%)، فإيران (10.71%)، فالولايات المتحدة (7.95%).
إعلانوبحسب وكالة الأناضول، وصل إنتاج تركمانستان من الغاز إلى حوالي 80 مليار متر مكعب سنويا. كما باتت تصدر 40 مليار متر مكعب من هذه الكمية إلى دول مثل الصين وإيران وروسيا.
مرت مفاوضات الغاز بين تركيا وتركمانستان بمحطات متعددة استغرقت 27 عاما قبل أن تتكلل باتفاق نهائي. فبعد أن حصلت تركمانستان على استقلالها مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، تم توقيع اتفاقية بين البلدين لتوريد الغاز التركماني، لكن الأمر لم يتحقق لأسباب مختلفة.
وعادت المحادثات عام 1998 لكنها ظلت تراوح مكانها حتى شهدت دفعة قوية في مارس/آذار 2024، عندما التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس مجلس الشعب التركماني قربان قولي بردي محمدوف خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي، حيث تم توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، بما في ذلك نوايا نقل الغاز التركماني إلى تركيا وأوروبا.
وفي يوليو/تموز 2024، زار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي عشق آباد، مؤكدا وجود إرادة سياسية قوية على أعلى المستويات لإنجاز الاتفاق، ومشيرا إلى أن تركيا وتركمانستان تعملان على تفعيل المحادثات التي استمرت لعقود.
وتمثل آلية تنفيذ الاتفاق نقلة نوعية في تأمين إمدادات الغاز الطبيعي، حيث أعلن الوزير التركي ألب أرسلان بيرقدار أن توريد الغاز سيتم عبر إيران من خلال صفقة مقايضة، في خطوة تعزز تنويع مصادر الغاز وخفض تكاليف الاستيراد.
وبموجب الاتفاق، سيتم إمداد تركيا بـ 1.3 مليار متر مكعب من الغاز حتى نهاية عام 2025، مع هدف نهائي يتمثل في إنشاء خط أنابيب مباشر يعبر بحر قزوين، ما سيفتح آفاقا جديدة لنقل الغاز التركماني إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا.
وأكد بيرقدار أن هذا الاتفاق يمثل المرة الأولى التي تستورد فيها تركيا الغاز من دولة لا تشترك معها في حدود برية عبر خط أنابيب.
إعلانوأضاف أن البنية التحتية التركية جاهزة لاستقبال الغاز التركماني، مع إمكانية إعادة تصديره إلى أوروبا، خاصة في ظل الطلب المتزايد من الدول الأوروبية مثل سلوفاكيا، التي تسعى لتنويع إمداداتها بعد التغيرات في طرق العبور الأوكرانية.
فرص وتحدياتأكد وزير الطاقة التركي على أن اتفاق الغاز مع تركمانستان يمثل خطوة استراتيجية نحو تعزيز أمن الإمدادات وتنويع مصادر الطاقة، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر أمام تدفقات الغاز من تركمانستان يكمن في غياب خط أنابيب يعبر بحر قزوين، وهو ما يحول دون وصول كميات أكبر من الغاز مباشرة إلى تركيا وأوروبا.
ولفت إلى أن الهدف النهائي هو إنشاء هذا الخط، مما سيمكن أنقرة من لعب دور أكثر تأثيرًا في سوق الطاقة الإقليمي.
وفيما يتعلق بالطلب الأوروبي، أوضح الوزير أن تركيا تواصل العمل على مشاريع استيراد وتصدير الغاز، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية التي تؤثر على طرق العبور التقليدية.
من جانبه، يرى الباحث في الشؤون الاقتصادية سنان بايندر في حديث للجزيرة نت، أن اتفاق الغاز بين تركيا وتركمانستان يشكل خطوة استراتيجية ستمنح البلدين مكاسب اقتصادية وسياسية، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى تطوير آليات التنفيذ والتوسع المستقبلي لضمان تحقيق أقصى فائدة ممكنة.
وبحسب بايندر، فإن تركمانستان تستفيد من هذا الاتفاق بتقليل اعتمادها على الصين وروسيا في تصدير الغاز، وهو ما يمنحها هامشا أكبر من الاستقلالية في تسعير الإمدادات وتحديد وجهاتها المستقبلية.
وأشار إلى أن عشق آباد لطالما واجهت تحديات بسبب تركز صادراتها نحو شريك واحد، مما يجعل الاتفاق مع تركيا فرصة لإعادة التوازن في سوق الطاقة التركماني.
أما على الجانب التركي، فيقول الباحث في جامعة حجي بايرم، إن الاتفاق يتماشى مع استراتيجية أنقرة لتصبح مركزا إقليميا للطاقة، إذ تعتمد تركيا على مزيج متنوع من واردات الغاز من روسيا وأذربيجان وإيران.
إعلانوبرأيه، فإن وصول الغاز التركماني إلى السوق التركية سيساهم في تعزيز أمن الإمدادات وتقليل الاعتماد على روسيا وإيران، ولو بنسب محدودة في المرحلة الأولى.
ورغم أن الكميات المتفق عليها لا تزال صغيرة نسبيا، حيث تبدأ بـ 1.3 إلى 2 مليار متر مكعب سنويًا، يؤكد بايندر أن أهمية الاتفاق تكمن في كونه بداية لشراكة أوسع قد تؤدي إلى تطوير ممرات تصدير جديدة، مما قد يرفع القدرة التصديرية للغاز التركماني إلى 65 مليار متر مكعب بحلول عام 2050.
وفيما يتعلق بالسوق الأوروبية، يشير بايندر إلى أن الاتفاق يفتح الباب أمام إمكانية تصدير الغاز التركماني إلى أوروبا عبر تركيا، وهو ما ينسجم مع توجهات الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي بعد الأزمة الأوكرانية. لكنه يلفت إلى أن الكميات الحالية لن تكون كافية لسد احتياجات أوروبا بشكل كبير، لكنها قد تمنح تركيا ميزة إضافية في إدارة تدفقات الطاقة نحو الغرب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات ملیار متر مکعب الغاز الطبیعی تعزیز أمن من الغاز إلى أن
إقرأ أيضاً:
أبرز ملامح المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وفق رؤية حماس
#سواليف
في خطوة تعكس استعدادها للانتقال إلى #المرحلة_الثانية من #اتفاق #وقف_إطلاق-النار، أكد رئيس حركة #حماس في قطاع #غزة ورئيس الوفد المفاوض، خليل الحية، جاهزية الحركة والمقاومة للانخراط الفوري في #المفاوضات لتطبيق بنود هذه المرحلة.
وجاء هذا الموقف بعد شهر من بدء سريان وقف إطلاق النار، وبعد مماطلة #الاحتلال الإسرائيلي في بدء مفاوضات المرحلة الثانية بالتي كانت مقررة بعد 16 يومًا من بدء تنفيذ الاتفاق.
محددات المرحلة الثانية وفق رؤية حماس
مقالات ذات صلة فريق طبي إلى غزة للتعرف على هوية جثث 4 رهائن ستسلمهم “حماس” غدا 2025/02/19خلال كلمة مصورة، حدد القائد خليل الحية المعايير الأساسية التي تراها حركة حماس ضرورية لإنجاح المرحلة الثانية، والتي تشمل:
الوقف التام لإطلاق النار، بما يضمن الوصول إلى حالة من الهدوء المستدام.
#الانسحاب_الكامل لقوات الاحتلال من قطاع غزة، كشرط أساسي لتحقيق الاستقرار.
إتمام صفقة #تبادل-أسرى للمرحلة الثانية دفعة واحدة، وفق اتفاق شامل.
ضمانات دولية ملزمة لتطبيق الاتفاق، استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 2735.
مبادرة تسليم الجثامين وتعزيز المسار التفاوضي
وضمن خطوات تمهيدية تهدف إلى تسهيل الانتقال إلى المرحلة الثانية، أعلن خليل الحية قرار المقاومة تسليم جثامين أربعة من أسرى الاحتلال يوم الخميس، في بادرة تنسجم مع جهود الوسطاء وتؤكد التزامها بتطبيق الاتفاق.
وأوضح الحية أن من بين الجثامين التي ستسلم جثامين أفراد عائلة “بيباس” (قتلتهم قوات الاحتلال في غارة إسرائيلية على قطاع غزة في نوفمبر 2023) على أن يفرج الاحتلال عن دفعة جديدة من الأسرى الفلسطينيين يوم السبت الموافق 22 فبراير، وفق ما تم الاتفاق عليه. كما ستفرج المقاومة عن الأسرى الستة الأحياء المتبقين من المرحلة الأولى، ومن بينهم هشام السيد وأڤيرا منغستو، اللذان أسرا خلال حرب 2024.
التزام حماس مقابل تعنت الاحتلال
القائد خليل الحية أكد أن حماس والمقاومة التزمتا بتنفيذ الاتفاق بمسؤولية، في حين لا يزال الاحتلال يماطل في تنفيذ التزاماته، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار.
وأشار إلى أن شعب غزة، رغم الدمار والمعاناة، أثبت تمسكه بأرضه وأفشل مخططات التهجير كافة، مستشهدًا بمشاهد عودة السكان إلى بيوتهم المدمرة وإصرارهم على إعادة بناء حياتهم.
حركة حماس تعمل بشكل مكثف مع الوسطاء، خاصة قطر ومصر، لضمان تنفيذ بنود الاتفاق، وفق تأكيد خليل الحية، لا سيما إدخال مواد الإغاثة والمعدات الثقيلة والوقود، وتأمين حرية السفر عبر المعابر، وفتح البحر أمام الصيادين.
كما شدد القائد الفلسطيني على ضرورة إلزام الاحتلال بإدخال المعدات اللازمة لانتشال جثامين الشهداء من تحت الأنقاض، بمن فيهم جثامين أسرى الاحتلال الذين قُتلوا جراء القصف الإسرائيلي.
المرحلة الثانية… اختبار للالتزام الدولي
في ختام حديثه، أكد خليل الحية أن الاحتلال يماطل في بدء المرحلة الثانية، والتي كان من المفترض أن تنطلق بعد 16 يومًا من توقيع الاتفاق. وشدد على أن نجاح هذه المرحلة يعتمد على التزام الاحتلال بتعهداته، وعلى دور المجتمع الدولي في الضغط لتنفيذ الاتفاق وفق المعايير المتفق عليها.
ويشير الكاتب والمحلل السياسي، إياد القرا، إلى أهمية الرؤية التي تطرحها حماس في إطار المرونة والتداخل بين المراحل والتسريع فيها، وصولا لتحقيق المحددات الأساسية الثلاثة المتعلق بالوقف الشامل للعدوان، والانسحاب من قطاع غزة، وتسهيل إدخال المساعدات وإعادة الإعمار ومتطلباته.
ورأى في حديثه للمركز الفلسطيني للإعلام أن التوافق الذي حدث مؤخرًا على تسريع بعض الخطوات الإنسانية ضمن المرحلة الأولى من الاتفاق، بما في ذلك تسليم جثامين عدد من أسرى الاحتلال، هو خطوة تهدف إلى خلق أجواء أكثر إيجابية في التنفيذ، وتأتي ضمن تسريع تنفيذ بعض البنود الإنسانية، والتي تشمل: إدخال المعدات الثقيلة وبدء عمليات رفع الأنقاض وإعادة الإعمار، وتفعيل تنفيذ البروتوكول الإنساني وتحقيق التقدم في تطبيقه، والإفراج عن دفعات جديدة من الأسرى، خصوصًا من فئتي الأطفال والنساء.
وأشار إلى أنه في المقابل، سيتم تسليم جثامين خمسة مستوطنين في الغالب بينهم الأم وطفلان قتلهم الاحتلال خلال العدوان على غزة، مذكرًا بأن حماس قدمت سابقا مبادرة إنسانية بخصوصهم، لكن الاحتلال رفضها.
وشدد على أن هذا التطور يمثل تقدمًا في المسار الإنساني للاتفاق، لكنه يتطلب استمرار الضغط لضمان تنفيذ بقية البنود وعدم السماح للاحتلال بالمماطلة أو التهرب من التزاماته، والانتقال إلى المرحلة الثانية بكل متطلباتها.
وأشار إلى أنه بحلول يوم السبت المقبل يكون الاحتلال أفرج عن نصف المؤبدات وكذلك نصف الأحكام العالية تقريبا و80 % من الأسرى الذين اعتقلوا بعد 7 أكتوبر، وهذا يعني أنه يمكن البناء على هذه المعايير لاستكمال باقي صفقة التبادل على قاعد تبييض السجون خاصة من ذوي المؤبدات والأحكام العالية ومعتقلي غزة ما بعد 7 أكتوبر.
وشدد على أن موقف حماس يعبر بوضوح عن مرونة في كل المسارات والآليات والتوقيتات مع التزام بمحددات حاسمة متعلقة بوقف العدوان والانسحاب وإعادة الإعمار.
بهذا الوضوح والحسم، تبرز حماس رؤيتها للمرحلة الثانية بعدّها محطة مفصلية لا تقتصر على تبادل الأسرى، بل تمتد إلى إنهاء العدوان وتحقيق الانسحاب، وتأمين مستقبل أكثر استقرارًا لسكان القطاع عبر التزامات واضحة من الاحتلال وضمانات دولية تحمي الاتفاق من أي تلاعب أو تعطيل.