إسطنبول – بعد مفاوضات امتدت لأكثر من ربع قرن، وقّعت تركيا و تركمانستان اتفاقا لتوريد الغاز الطبيعي التركماني إلى الأراضي التركية، في خطوة تعكس انفراجة في مجال التعاون الطاقوي بين البلدين.

الاتفاق، الذي تم توقيعه بين شركة "بوتاش" التركية و"تركمان غاز" التركمانية، ينص على بدء عمليات تسليم الغاز اعتبارا من الأول من مارس/آذار 2025، ليشكل محطة مهمة في مساعي أنقرة لتنويع مصادر الطاقة وتعزيز أمن الإمدادات.

واعتبر وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار الاتفاق "خطوة تاريخية" ستساهم في تعزيز أمن إمدادات الغاز الطبيعي لتركيا والمنطقة، مع استمرار البلدين في توسيع شراكتهما الاستراتيجية.

ويأتي هذا الاتفاق في وقت تُسجّل فيه تركيا استهلاكا سنويا يتجاوز50 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وتعتمد في تأمين احتياجاتها على مزيج من الغاز المنقول عبر الأنابيب من روسيا وأذربيجان وإيران، إلى جانب واردات الغاز الطبيعي المسال من عدة دول.

وبحسب أحدث تقرير سنوي للغاز الصادر عن هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية، بلغ إجمالي واردات تركيا 50.48 مليار متر مكعب في عام 2023، حيث جاءت روسيا في المرتبة الأولى بنسبة 42.27% من إجمالي الواردات، تليها أذربيجان (20.32%)، ثم الجزائر (11.86%)، فإيران (10.71%)، فالولايات المتحدة (7.95%).

إعلان

وبحسب وكالة الأناضول، وصل إنتاج تركمانستان من الغاز إلى حوالي 80 مليار متر مكعب سنويا. كما باتت تصدر 40 مليار متر مكعب من هذه الكمية إلى دول مثل الصين وإيران وروسيا.

بيرقدار اعتبر الاتفاق مع تركمانستان "خطوة تاريخية" ستساهم في تعزيز أمن إمدادات الغاز الطبيعي (الأناضول) آلية التنفيذ

مرت مفاوضات الغاز بين تركيا وتركمانستان بمحطات متعددة استغرقت 27 عاما قبل أن تتكلل باتفاق نهائي. فبعد أن حصلت تركمانستان على استقلالها مع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، تم توقيع اتفاقية بين البلدين لتوريد الغاز التركماني، لكن الأمر لم يتحقق لأسباب مختلفة.

وعادت المحادثات عام 1998 لكنها ظلت تراوح مكانها حتى شهدت دفعة قوية في مارس/آذار 2024، عندما التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برئيس مجلس الشعب التركماني قربان قولي بردي محمدوف خلال منتدى أنطاليا الدبلوماسي، حيث تم توقيع اتفاقيات لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، بما في ذلك نوايا نقل الغاز التركماني إلى تركيا وأوروبا.

وفي يوليو/تموز 2024، زار وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي عشق آباد، مؤكدا وجود إرادة سياسية قوية على أعلى المستويات لإنجاز الاتفاق، ومشيرا إلى أن تركيا وتركمانستان تعملان على تفعيل المحادثات التي استمرت لعقود.

وتمثل آلية تنفيذ الاتفاق نقلة نوعية في تأمين إمدادات الغاز الطبيعي، حيث أعلن الوزير التركي ألب أرسلان بيرقدار أن توريد الغاز سيتم عبر إيران من خلال صفقة مقايضة، في خطوة تعزز تنويع مصادر الغاز وخفض تكاليف الاستيراد.

وبموجب الاتفاق، سيتم إمداد تركيا بـ 1.3 مليار متر مكعب من الغاز حتى نهاية عام 2025، مع هدف نهائي يتمثل في إنشاء خط أنابيب مباشر يعبر بحر قزوين، ما سيفتح آفاقا جديدة لنقل الغاز التركماني إلى الأسواق الأوروبية عبر تركيا.

وأكد بيرقدار أن هذا الاتفاق يمثل المرة الأولى التي تستورد فيها تركيا الغاز من دولة لا تشترك معها في حدود برية عبر خط أنابيب.

إعلان

وأضاف أن البنية التحتية التركية جاهزة لاستقبال الغاز التركماني، مع إمكانية إعادة تصديره إلى أوروبا، خاصة في ظل الطلب المتزايد من الدول الأوروبية مثل سلوفاكيا، التي تسعى لتنويع إمداداتها بعد التغيرات في طرق العبور الأوكرانية.

فرص وتحديات

أكد وزير الطاقة التركي على أن اتفاق الغاز مع تركمانستان يمثل خطوة استراتيجية نحو تعزيز أمن الإمدادات وتنويع مصادر الطاقة، مشيرا إلى أن التحدي الأكبر أمام تدفقات الغاز من تركمانستان يكمن في غياب خط أنابيب يعبر بحر قزوين، وهو ما يحول دون وصول كميات أكبر من الغاز مباشرة إلى تركيا وأوروبا.

ولفت إلى أن الهدف النهائي هو إنشاء هذا الخط، مما سيمكن أنقرة من لعب دور أكثر تأثيرًا في سوق الطاقة الإقليمي.

وفيما يتعلق بالطلب الأوروبي، أوضح الوزير أن تركيا تواصل العمل على مشاريع استيراد وتصدير الغاز، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية التي تؤثر على طرق العبور التقليدية.

من جانبه، يرى الباحث في الشؤون الاقتصادية سنان بايندر في حديث للجزيرة نت، أن اتفاق الغاز بين تركيا وتركمانستان يشكل خطوة استراتيجية ستمنح البلدين مكاسب اقتصادية وسياسية، إلا أنه لا يزال بحاجة إلى تطوير آليات التنفيذ والتوسع المستقبلي لضمان تحقيق أقصى فائدة ممكنة.

وبحسب بايندر، فإن تركمانستان تستفيد من هذا الاتفاق بتقليل اعتمادها على الصين وروسيا في تصدير الغاز، وهو ما يمنحها هامشا أكبر من الاستقلالية في تسعير الإمدادات وتحديد وجهاتها المستقبلية.

وأشار إلى أن عشق آباد لطالما واجهت تحديات بسبب تركز صادراتها نحو شريك واحد، مما يجعل الاتفاق مع تركيا فرصة لإعادة التوازن في سوق الطاقة التركماني.

أما على الجانب التركي، فيقول الباحث في جامعة حجي بايرم، إن الاتفاق يتماشى مع استراتيجية أنقرة لتصبح مركزا إقليميا للطاقة، إذ تعتمد تركيا على مزيج متنوع من واردات الغاز من روسيا وأذربيجان وإيران.

إعلان

وبرأيه، فإن وصول الغاز التركماني إلى السوق التركية سيساهم في تعزيز أمن الإمدادات وتقليل الاعتماد على روسيا وإيران، ولو بنسب محدودة في المرحلة الأولى.

ورغم أن الكميات المتفق عليها لا تزال صغيرة نسبيا، حيث تبدأ بـ 1.3 إلى 2 مليار متر مكعب سنويًا، يؤكد بايندر أن أهمية الاتفاق تكمن في كونه بداية لشراكة أوسع قد تؤدي إلى تطوير ممرات تصدير جديدة، مما قد يرفع القدرة التصديرية للغاز التركماني إلى 65 مليار متر مكعب بحلول عام 2050.

وفيما يتعلق بالسوق الأوروبية، يشير بايندر إلى أن الاتفاق يفتح الباب أمام إمكانية تصدير الغاز التركماني إلى أوروبا عبر تركيا، وهو ما ينسجم مع توجهات الاتحاد الأوروبي لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي بعد الأزمة الأوكرانية. لكنه يلفت إلى أن الكميات الحالية لن تكون كافية لسد احتياجات أوروبا بشكل كبير، لكنها قد تمنح تركيا ميزة إضافية في إدارة تدفقات الطاقة نحو الغرب.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات ملیار متر مکعب الغاز الطبیعی تعزیز أمن من الغاز إلى أن

إقرأ أيضاً:

ماذا تريد واشنطن وطهران من العودة للمفاوضات؟

تتطلع الأنظار اليوم السبت إلى سلطنة عمان التي تشهد محادثات أميركية إيرانية بشأن البرنامج النووي لطهران، في أول تقدم ملموس بهذا الملف منذ سنوات، إذ تأتي هذه المحادثات بأهداف متباينة بين الطرفين، وسط حالة من عدم الثقة المتبادلة استمرت منذ انسحاب واشنطن من اتفاق 2015.

ومن المقرر أن يحضر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي والمبعوث الأميركي الخاص ستيفن ويتكوف افتتاح الحوار الذي تضطلع سلطنة عمان بدور الوساطة فيه، حيث ستجري المباحثات بشكل غير مباشر عبر وسيط، مع احتمال عقد لقاء مباشر بين المسؤولين.

ويدخل الطرفان هذه المفاوضات بحذر شديد، في محاولة للتأسيس لاتفاق نووي جديد على أنقاض اتفاق 2015، وسط مراقبة إسرائيلية حثيثة لما قد تفضي إليه المحادثات، خاصة بعد الصدام العسكري المباشر بين تل أبيب وطهران العام الماضي.

لحظة فارقة

تمثل هذه المحادثات لحظة فارقة في مسار العلاقات بين إيران والغرب، بعد سنوات من التوتر المتصاعد منذ وقع دونالد ترامب في ولايته الرئاسية الأولى قرار انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، معتبرا إياه اتفاقا معيبا لا يخدم المصالح الأميركية.

ووضع الانسحاب الأميركي الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق في مأزق، بينما اعتبرت طهران نفسها في حل مما التزمت به، فرفعت نسبة تخصيب اليورانيوم تدريجيا، متجاوزة الحد المسموح به في اتفاق 2015 وهو 3.67%.

إعلان

وتمكنت إيران من الوصول بنسبة التخصيب إلى 60%، مقتربة بذلك من النسبة التي تمكّنها من صناعة قنبلة نووية (90%)، كما بدأت بتشغيل أنظمة طرد مركزي أكثر تقدما من تلك التي سمح بها الاتفاق النووي.

وحاول الغرب، وإدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن على رأسه، احتواء الطموحات الإيرانية بتطوير البرنامج النووي، وجرت جولات تفاوض جديدة في فيينا بدا أنها تتجه نحو إحياء الاتفاق النووي، لكن مسودة الاتفاق التي أُعلنت في مارس/آذار 2022 لم تكن سوى سراب.

ومنيت تلك المساعي بفشل ذريع، لأسباب معقدة ترتبط بما وصفه الجانبان بانعدام الثقة المتبادل، وتغييرات في هرم القيادة في طهران، مع تواتر مطالب بإدخال برامج تسلح إيران ونفوذها الإقليمي في أي محادثات معها.

وسعت إدارة بايدن لاحقا للتوصل إلى اتفاق محدود لا يعني العودة إلى الاتفاق النووي، تضمنت بنوده صفقة تبادل سجناء مقابل الإفراج عن 6 مليارات دولار من الأموال الإيرانية المجمدة في كوريا الجنوبية.

ماذا يريد ترامب؟

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، عادت معه الرغبة في التأسيس لاتفاق جديد، ضمن خطوات قال إنها ترمي لإنهاء الصراعات والأزمات المهيمنة على الواقع الدولي، وأمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطالب بتحرك حاسم ضد إيران، كشف ترامب عن محادثات أميركية إيرانية.

وعاد ترامب أمس الجمعة ليكرر تهديداته لإيران، مؤكدا أنها ستدفع ثمنا باهظا إن لم توافق على التخلي عن برنامجها النووي، وقال للصحفيين على متن طائرة الرئاسة الأميركية: "أريد أن تكون إيران دولة رائعة وعظيمة وسعيدة، لكن لا يمكنهم امتلاك سلاح نووي".

ويسعى الرئيس الأميركي إلى اتفاق أكثر صرامة، يقيّد البرنامج النووي الإيراني بشكل دائم لا مؤقت، ويتضمن قيودا على تطوير إيران للصواريخ الباليستية، التي يراها تهديدا للولايات المتحدة.

إعلان

كما يريد ترامب الحد من الدعم الإيراني للجماعات المسلحة في سوريا واليمن والعراق، في إطار سعيه لتقييد النفوذ الإيراني في المنطقة، وهي مطالب تجاوزت بكثير ما كان متضمنا في اتفاق 2015.

مطالب طهران

أما إيران، فتدخل المفاوضات لإثبات مرونتها، مع الحفاظ على موقفها السيادي، خاصة بعدما عانى البلد ولا يزال من ضغوط دولية أنهكت اقتصاده، وجعلت السلطات في مواجهة بعض الاحتجاجات الشعبية تحت وطأة الأزمة الاقتصادية.

وتهدف طهران من أي مسار تفاوضي إلى رفع العقوبات الاقتصادية، التي أدت إلى تدهور قيمة العملة وارتفاع التضخم، والعودة بنفطها إلى السوق الدولية وضمان تدفق عائداته، وإعادة اندماجها في النظام المالي العالمي.

كما تطالب برفع الحرس الثوري الإيراني من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، بعدما صنفته إدارة ترامب عام 2019، وتصر على الاعتراف بحقها في برنامج نووي للأغراض السلمية، مثل توليد الطاقة والبحث العلمي.

وتشدد طهران على ضرورة وجود ضمانات ملزمة من الولايات المتحدة بعدم الانسحاب من أي اتفاق نووي جديد، إذ لا تزال تجربة الانسحاب الأميركي من اتفاق 2015 تلقي بظلالها على أي مسار تفاوضي جديد.

العامل الإسرائيلي

وأمام أي اتفاق محتمل بين الولايات المتحدة وإيران، تقف إسرائيل مراقبة ومترصدة، خاصة أن الظرف الراهن يأتي بعد جولة من التصعيد غير المسبوقة بينها وبين إيران، حيث دخلا معا في أجواء مواجهة حقيقية عبر هجمات متبادلة خلال العام 2024.

ولا ترغب إسرائيل في أن تبرم الإدارة الأميركية أي اتفاق مع إيران، إلا إذا كان يفكك كليا قدراتها النووية والصاروخية، لكن ترامب كقائد سياسي ورجل صفقات، له حساباته الخاصة التي تستند إلى معيار واحد: ما المكسب؟ وما الخسارة؟

وبينما قد تحقق المفاوضات الحالية هدفها وتمهد الطريق لاتفاق نووي وما هو أكثر منه، تظل احتمالات سيطرة حالة انعدام الثقة قائمة، مما قد يقود إلى جمود جديد أو تصعيد كما حذر ترامب في تصريحاته الأخيرة.

إعلان

مقالات مشابهة

  • الكهرباء: إنتاج الطاقة في الجنوب يشكل 25% من إجمالي إنتاج العراق
  • تفاصيل جديدة حول اتفاق محتمل بين الاحتلال وحماس
  • الأكبر تاريخيا.. ما جدوى اتفاقات الطاقة بين العراق وشركات أمريكية؟
  • استهلاك العراق للغاز الطبيعي يتجاوز 19 مليار متر مكعب
  • أحدث احصاء.. استهلاك العراق للغاز الطبيعي يتجاوز 19 مليار متر مكعب
  • الأكبر تاريخيا.. ما جدوى اتفاقيات الطاقة بين العراق وشركات أمريكية؟
  • السعودية وأمريكا تقتربان من توقيع اتفاق نووي تاريخي
  • خبير اقتصادي: العراق سيستمر بتوريد الغاز من إيران إذا حصل إتفاق بين واشنطن وطهران
  • اتفاق عالمي لخفض انبعاثات السفن رغم انسحاب واشنطن
  • ماذا تريد واشنطن وطهران من العودة للمفاوضات؟