عربي21:
2025-02-19@19:50:12 GMT

الاصطفاف الصحيح خلف القضايا وليس الأشخاص

تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT

دعوات محمومة في مصر للاصطفاف خلف السيسي أو النظام الحاكم في مواجهة تهديدات الرئيس الأمريكي ترامب بتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن، وصل الأمر حد اتهام من يتأخر عن هذا الاصطفاف بالخيانة الوطنية، وهذه تهمة عقوبتها الإعدام، وبسبب الخوف من هذا الاتهام، أو لربما طمعا في إرضاء السلطة بالغ البعض في إظهار هذا الاصطفاف حد النفاق.



هذا لا يعني أيضا أن جميع الذين أعلنوا رفضهم للتهجير هم موالون أو منافقون للنظام، فهناك من اتخذ هذا الموقف عن قناعة حقيقية، وهي قناعة قديمة تجاه القضية الفلسطينية، ودعم مقاومة الشعب الفلسطيني، ورفض تهجيره داخليا أو خارجيا لأي مكان وليس فقط إلى مصر، حرصا على حيوية القضية الفلسطينية وعدم تصفيتها، كما أن أصحاب هذا الموقف يتسمون بالوطنية الحقيقية، ويدركون جيدا المخاطر على الأمن القومي المصري، ويحرصون على مواجهتها أيضا.

في هذا الإطار صدرت مواقف رافضة للتهجير ومثمنة للموقف الرسمي المصري، منها مواقف للمعارضة الداخلية ممثلة في الحركة المدنية وأحزابها، وأحزاب وكيانات من خارجها، ومنها موقف المناهض الأبرز للنظام وهي جماعة الإخوان التي لا يجادل أحد في صدق دعمها للقضية الفلسطينية منذ تأسيسها، إذ شارك متطوعوها وكتائبها في حرب 1948، مرورا بكل المحطات النضالية الفلسطينية وحتى الآن، وهي تعتبر القضية الفلسطينية القضية المركزية التي تخصص لها نصيبا ثابتا في مواردها واشتراكات أعضائها. الاصطفاف كما قلنا يكون خلف مبدأ أو قضية وليس خلف شخص، وحين يتطابق الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي فهذا هو الخيار الصحيح، وهو الخيار الذي تتشارك فيه كل قوى المجتمع تقريبا، لكنه قد يستمر وقد لا يستمر، ويعتمد ذلك على مدى صلابة الموقف الرسمي في مواجهة الضغوط والإغراءات الدولية. ولا يعني الاصطفاف في موقف انسحابه إلى غيره من المواقف والسياسات الرسمية، فهذه هي طبيعة الممارسة الوطنية الصحيحةولا ننسى أن فرع الجماعة في فلسطين كان من أوائل من قادوا المقاومة، قبل أن يتحول هذا الفرع إلى حركة حماس التي تقود المقاومة حاليا.

لا ينكر أحد أن الموقف الرسمي المصري حتى الآن فيما هو ظاهر للجميع موقف جيد، فهو رافض للتهجير، كما أن السيسي أرجأ زيارته إلى واشنطن للقاء ترامب بعد أن شاهد على الهواء مباشرة ماذا فعل مع الملك عبد الله، وتوقع أن يتعرض للموقف ذاته، فأراد أن يقوي موقفه بموقف عربي داعم من خلال قمة ستستضيفها القاهرة يوم 27 شباط/ فبراير، وستسبقها بأسبوع قمة مصغرة في الرياض بهدف صياغة رؤية عربية أو خطة عربية بديلة لخطة ترامب لتعمير غزة، تعتمد بالأساس على تصور مصري قائم على التعمير في ظل وجود الشعب الفلسطيني، وهذا أمر جيد، لكنها تتضمن جوانب أخرى في إدارة القطاع، والتعامل مع المقاومة وسلاحها، وهذا لم يعلن حتى الآن. وهناك مخاوف أن يتصادم مع الإرادة الفلسطينية المدعومة برأي عام شعبي مصري وعربي واسع، وقد سمعنا أحد قادة حماس (أسامة حمدان) يؤكد في الدوحة أن إدارة غزة شأن فلسطيني وستبقى كذلك، وأن من يحاول وضع نفسه بديلا للفلسطينيين أو منفذا لرغبات إسرائيل ستتعامل معه المقاومة كما تتعامل مع جيش الاحتلال تماما.

الاصطفاف كما قلنا يكون خلف مبدأ أو قضية وليس خلف شخص، وحين يتطابق الموقف الرسمي مع الموقف الشعبي فهذا هو الخيار الصحيح، وهو الخيار الذي تتشارك فيه كل قوى المجتمع تقريبا، لكنه قد يستمر وقد لا يستمر، ويعتمد ذلك على مدى صلابة الموقف الرسمي في مواجهة الضغوط والإغراءات الدولية. ولا يعني الاصطفاف في موقف انسحابه إلى غيره من المواقف والسياسات الرسمية، فهذه هي طبيعة الممارسة الوطنية الصحيحة، وهذا ما نجده في الدول الديمقراطية، وللأسف نشاهده أيضا حتى داخل إسرائيل نفسها رغم أنها تتبنى ديمقراطية مشوهة، وعدوانية تجاه غيرها.

في الأسبوع الماضي وعقب عودة نتنياهو من واشنطن، وهي عودة بدت مظفرة بالمقاييس التقليدية، حيث حصل من خلالها على موقف أمريكي جديد من الرئيس ترامب بتطهير فلسطين من سكانها، وضم هذه الأراضي الفلسطينية إلى إسرائيل، سواء من خلال خطة تهجير أهل غزة، أو اقتطاع جزء من الضفة وضمه إلى إسرائيل التي رآها ترامب صغيرة، أو حتى تهجير أهل الضفة إلى الأردن، وضم الضفة بكاملها لاحقا للكيان، رغم هذه العودة المظفرة والتي كانت تستوجب وفقا -للممارسات العربية- أن يخرج سكان الكيان الصهيوني عن بكرة أبيهم لاستقباله في المطار، إلا أن الأمر جاء معاكسا تماما، حيث عقد الكنيست جلسة محاكمة لنتنياهو، وانهالت عليه الانتقادات والشتائم من نواب الكنيست ما تسبب في طرد الكثيرين منهم خارج القاعة، وفي الوقت نفسه تصاعدت مظاهرات أهالي الأسرى الإسرائيليين، وواصلت وسائل الإعلام الإسرائيلية توجيه انتقاداتها لنتنياهو وحكومته، ولم يقل أحد إن هذا خيانة وطنية تستوجب معاقبة مرتكبيها.

صحيح أن مصر تمر بتهديد حقيقي لأمنها القومي، والدفاع عن الأمن القومي وإن كان الوظيفة الدستورية الرسمية للجيش والأجهزة الأمنية، فإنه يحتاج موقفا شعبيا قويا داعما في مواجهة التهديدات، هذا الدعم ليس تكرما، ولا منحة، بل هو واجب وطني، وأخلاقي، حتى في ظل الخلاف السياسي مع نظام الحكم
في الحرب الأطلسية على العراق بقيادة أمريكية بريطانية كانت أكبر المظاهرات المناهضة للحرب في هاتين الدولتين، وغيرهما من الدول المشاركة، ونقلت وسائل الإعلام الرأي والرأي الآخر تجاه الحرب، ولم يرفع أحد في وجهها شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لأن صوت الحق ينبغي أن يعلو كل صوت، وصوت الحق قد ينقذ أمة ووطنا من نزوات عسكريين مغامرين كما حدث في حرب يونيو (حزيران) 1967 التي بدأتها مصر بقرار أحمق من قائد عسكري غر، ومعه بعض القادة المراهقين، لنتصور لو كانت مصر دولة ديمقراطية في ذلك الوقت، فإن ذلك لم يكن ليحدث أصلا، حيث ستظهر الأصوات الحكيمة التي تعد للحرب عدتها قبل الانزلاق إليها، والاحتراق بنارها.

في الحديث الشريف "لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا" (رواه الترمذي)، هذا مبدأ حاكم في التعامل مع القضايا والسياسات المختلفة، فليس مطلوبا أن يكون الناس إمعات أي تابعين لغيرهم كالقطيع، ولكن المطلوب الإنصاف، والتعامل مع كل موقف بما يستحقه، إن مدحا وإن ذما، أما ما نشهده في مصر من دعوات لاصطفاف مطلق خلف شخص أو قيادة سياسية، دون أي مناقشة فهذا لعمري منهج القطيع الذي نهينا عنه، والذي لا يليق بشعب متحضر.

صحيح أن مصر تمر بتهديد حقيقي لأمنها القومي، والدفاع عن الأمن القومي وإن كان الوظيفة الدستورية الرسمية للجيش والأجهزة الأمنية، فإنه يحتاج موقفا شعبيا قويا داعما في مواجهة التهديدات، هذا الدعم ليس تكرما، ولا منحة، بل هو واجب وطني، وأخلاقي، حتى في ظل الخلاف السياسي مع نظام الحكم، ومواجهة هذا التهديد المصيري للأمن القومي لا تعني التسامح في حقوق الشعب الأخرى، أو نسيانها، ولكنه فقه الأولويات الذي يعطي أولوية لأمر في لحظة معينة عن غيره. وإذا كان المطلوب من الشعب دعما مفتوحا لجيشه ومؤسساته القومية دفاعا عن أمن الوطن، فإن المطلوب أيضا أن ينال هذا الشعب حريته، ويتمتع بكرامته، ويحظى بلقمة العيش الكريمة حتى يتمكن بالفعل من دحر عدوه.

x.com/kotbelaraby

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر السيسي ترامب غزة تهجيره الإخوان مصر السيسي غزة الإخوان تهجير مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد رياضة رياضة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الموقف الرسمی فی مواجهة هو الخیار

إقرأ أيضاً:

نائبة: القمة العربية الطارئة بمصر خطوة جيدة لتعزيز الموقف الرافض لتهجير الفلسطينيين

قالت النائبة شيرين عليش، عضو مجلس النواب، والأمين المساعد لأمانة المرأة المركزية بحزب مستقبل وطن، إن استضافة مصر لـ القمة العربية الطارئة في ٤ مارس المقبل، خطوة جيدة وجديدة نحو التأكيد على موقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية ورفضها القاطع لمخطط تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، ومساعيها الحثيثة لخلق موقف عربي موحد وقوي رافض للتهجير، داعم لإعادة إعمار غزة وعودة الحياة مرة أخرى إلى طبيعتها في القطاع. 

وأوضحت عليش في بيان لها اليوم، أن مصر تبذل جهودا كبيرة لحشد الرأي العام العالمي وتحريك المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته تجاه ما يحدث في غزة، ورفض دعم الولايات المتحدة الأمريكية لمخطط تهجير الفلسطينيين بدعوى الإعمار من أجل مساندة الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه التي تتجاوز كافة القوانين الدولية والقوانين الإنسانية الدولية وتعتدي على حق شعب في إقامة دولته الحرة ذات السيادة المستقلة. 

وأشارت عضو مجلس النواب إلى أن تهجير الفلسطينيين يعني إفشال اتفاق وقف إطلاق النار عن عمد وعودة حالة الصراع والحرب مرة أخرى، والتي باتت تتسع وتهدد أمن واستقرار الجميع في المنطقة لولا الجهود المصرية الحثيثة وتحركاتها الدبلوماسية الدولية لوقف هذا الصراع وضمان بقاء الفلسطينيين على أراضيهم وتمسكهم بحقهم في إقامة دولتهم، وحماية الأمن القومي العربي والسلام الإقليمي والدولي. 

وذكرت النائبة شيرين عليش أنه "حان الوقت لأن يكون هناك موقف عربي موحد وقوي بشأن القضية الفلسطينية، في ضوء رفض مخطط التهجير الذي طُرح من الجانب الإسرائيلي وتبنته الإدارة الأميركية، ودعم خطة إعادة إعمار غزة بأيدي شعبها دون تهجيرهم أو ترحيلهم، بما يعزز تواجدهم وصمودهم على أراضيهم".

مقالات مشابهة

  • حماة الوطن : العالم يتبنى الموقف المصري في حل الأزمة الفلسطينية
  • الرئيس السيسي لملك إسبانيا: أشكركم على الموقف المشرف والداعم للقضية الفلسطينية
  • السيسي لملك إسبانيا: أشكركم على الموقف الإسباني المشرف والداعم للقضية الفلسطينية
  • نائبة: القمة العربية الطارئة بمصر خطوة جيدة لتعزيز الموقف الرافض لتهجير الفلسطينيين
  • مساعد وزير الخارجية الأسبق: مصر تقود الدول العربية لحل القضية الفلسطينية
  • مشروعات النواب تدعم القيادة السياسية في الحفاظ على الأمن القومي ورفض التهجير
  • عضو بـ«الشيوخ»: الموقف المصري تجاه القضية الفلسطينية سيذكره التاريخ
  • القومي لذوي الإعاقة ينظم ورشة ضمن مبادرة "أسرتي قوتي" في دمياط
  • النائب عيد حماد: جهود مصر وراء استمرار نجاح الهدنة وتسليم المحتجزين
  • النائب حازم الجندي: الموقف المصري سيظل منبراً للحشد العربي لدعم القضية الفلسطينية واستعادة حقوقه المشروعة