في ظل التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة والصين بخصوص النفوذ التكنولوجي والأمن الرقمي، يتصدر تطبيق "تيك توك" (TikTok) مرة أخرى عناوين الأخبار، إذ تسعى الولايات المتحدة إلى فرض المزيد من السيطرة على منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة.

وفي خطوة قد تعيد تشكيل مستقبل التطبيق في أميركا، قدمت شركة الذكاء الاصطناعي "بيربلكستي" (Perplexity) عرضا جديدا لشراء أعمال "تيك توك" داخل الولايات المتحدة، وهو مقترح يتضمن حصول الحكومة الأميركية على حصة تصل إلى 50% في الكيان الجديد المقترح تسميته "نيوكو" (NewCo).

ويأتي هذا التطور وسط مخاوف أمنية متزايدة من أن ملكية "تيك توك" الصينية، عبر شركته الأم "بايت دانس" (ByteDance)، تشكل تهديدا للأمن القومي الأميركي، إذ يخشى المشرعون من احتمال وصول الحكومة الصينية إلى بيانات المستخدمين أو التحكم في خوارزميات المنصة.

ورغم أن "بايت دانس" نفت مرارا هذه الادعاءات، فإن الضغوط السياسية والاقتصادية دفعت إلى وضع سيناريوهات متعددة لمستقبل التطبيق في الولايات المتحدة، بدءا من الحظر التام، وصولا إلى مقترحات الاستحواذ التي قد ترضي جميع الأطراف.

وفي هذا السياق، يثير العرض الجديد من "بيربلكستي" جدلا واسعا، خاصة أنه يوفر مخرجا دبلوماسيا يسمح للحكومة الأميركية بممارسة نفوذها على "تيك توك" دون استبعاد "بايت دانس" تماما، حيث يُبقي على بعض الاستثمارات الصينية مع ضمان سيطرة أميركية كاملة على مجلس الإدارة في الكيان الجديد.

تسهم الشركة التقنية الصينية في أعمال "تيك توك" بالولايات المتحدة دون خوارزمية التوصية التي تحدد ما يراه المستخدمون عبر التطبيق (شترستوك) عرض جديد لشراء "تيك توك"

يعد المقترح الجديد بمنزلة مراجعة لخطة سابقة قدمتها "بيربلكستي" لشركة "بايت دانس" في 18 يناير/كانون الثاني، أي قبل يوم واحد من دخول القانون الذي يحظر "تيك توك" حيز التنفيذ.

إعلان

وكان الاقتراح الأول، الذي لم تستجب له "بايت دانس"، يهدف إلى إنشاء هيكل جديد من شأنه دمج "بيربلكستي" التي تتخذ من سان فرانسيسكو مقرا لها مع أعمال "تيك توك" في الولايات المتحدة وإدراج استثمارات من مستثمرين آخرين.

ويسمح المقترح الجديد للحكومة الأميركية بامتلاك ما يصل إلى نصف هذا الكيان الجديد بمجرد إجراء طرح عام أولي بقيمة لا تقل عن 300 مليار دولار، وجرى تعديل المقترح بناء على تعليقات من إدارة ترامب.

وفي حال نجح المخطط، فإن الأسهم المملوكة للحكومة لن تمتلك حقوق تصويت، كما أنها لن تحصل على مقعد في مجلس إدارة الشركة الجديدة.

ويسمح الهيكل الجديد المقترح لمعظم المستثمرين الحاليين في "بايت دانس" بالاحتفاظ بحصتهم في الأسهم ويجلب المزيد من مقاطع الفيديو إلى "بيربلكستي".

ورغم أن "بايت دانس" قد أشارت علنا إلى أنها لن تبيع "تيك توك" في الولايات المتحدة، فإن هذا جزء من سبب اعتقاد "بيربلكستي" أن لديها فرصة بعرضها، حيث تعد الصفقة اندماجا وليست بيعا.

الحفاظ على صلة "بايت دانس"

بموجب الخطة، لن تضطر "بايت دانس" إلى قطع جميع علاقاتها مع "تيك توك"، وهو سيناريو يفضله مستثمروها. ومع ذلك، يتعين عليها السماح بالسيطرة الكاملة لمجلس الإدارة الأميركي.

بموجب المقترح، تسهم الشركة التقنية الصينية في أعمال "تيك توك" في الولايات المتحدة دون خوارزمية التوصية التي تحدد ما يراه المستخدمون عبر التطبيق.

وفي المقابل، يحصل المستثمرون الحاليون في "بايت دانس" على حصص في الكيان الجديد.

ووفقا لوثيقة الاقتراح، تأتي الأموال اللازمة للاندماج من مقدمي رأس المال الجدد من جهات خارجية، التي توفر رأس المال لدفع أرباح لمرة واحدة لمستثمري "بايت دانس" مقابل حوكمة مبسطة ومساعدة الكيان الجديد في النمو.

وبدأت شركة محرك البحث للذكاء الاصطناعي "بيربلكستي" التي تتنافس مع "أوبن آي إيه" و"غوغل" عام 2024 بتقييم يبلغ نحو 500 مليون دولار، وأنهت العام بتقييم يبلغ نحو 9 مليارات دولار، بعد جذب اهتمام متزايد من المستثمرين وسط طفرة الذكاء الاصطناعي التوليدي.

إعلان

ويبدو أن هذا المقترح يعكس الإستراتيجية التي تحدث عنها وزير الخزانة السابق "ستيفن منوتشين" خلال فترة رئاسة ترامب الأولى، حيث ذكر في برنامج "ساندي مورنينغ فيوتشرز" (Sunday Morning Futures) على قناة فوكس نيوز أن مستثمرا جديدا في "تيك توك" يمكنه تخفيف الملكية الصينية لتتوافق مع القانون، وقد أعرب منوتشين سابقا عن اهتمامه بالاستثمار في الشركة.

وقال منوتشين: "يجب في هذه الحالة فصل التكنولوجيا عن الصين، ويجب أن تنفصل تيك توك عن بايت دانس، ولا توجد أي وسيلة تسمح لنا من خلالها الصين بامتلاك شيء مماثل هناك".

وفي حين أظهرت الحكومة الصينية مؤخرا استعدادا متزايدا لإبرام صفقة بشأن "تيك توك"، ظل مصير خوارزمية التوصية سؤالا مفتوحا، نظرا للقيود التي تفرضها بكين على تصدير مثل هذه التكنولوجيا.

وبعد أن قالت سابقا إنها تعارض بشدة البيع القسري لمنصة "تيك توك"، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في وقت سابق من هذا الشهر إن الشركات الخاصة يمكنها اتخاذ قرارات مستقلة بشأن تشغيل الأعمال والاستحواذ عليها.

وفقا للقانون الذي صدر في العام الماضي، كان من المقرر حظر "تيك توك" في الولايات المتحدة بحلول 19 يناير/كانون الثاني (شترستوك) اهتمام متزايد بمنصة "تيك توك"

يأتي مقترح "بيربلكستي" في وقت يعبر فيه العديد من المستثمرين عن اهتمامهم بمنصة "تيك توك". وقال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنه يتوقع التوصل إلى صفقة في غضون 30 يوما.

وخلال رحلة على متن طائرة الرئاسة من لاس فيغاس إلى ميامي، قال ترامب إنه لم يناقش صفقة مع الرئيس التنفيذي لشركة "أوراكل" (Oracle)، رغم التقارير التي تفيد بأن "أوراكل"، إلى جانب مستثمرين خارجيين، تفكر في الاستحواذ على عمليات "تيك توك" العالمية.

وقال ترامب: "يتحدث إليّ العديد من الأشخاص، وهم أشخاص مهمون للغاية، ولدينا اهتمام كبير في هذا الأمر، وستكون الولايات المتحدة مستفيدا رئيسيا، ولن أفعل ذلك إلا إذا استفادت الولايات المتحدة".

إعلان

ووفقا للقانون الذي صدر في العام الماضي، كان من المقرر حظر "تيك توك" في الولايات المتحدة بحلول 19 يناير/كانون الثاني ما لم تقطع علاقاتها مع "بايت دانس". وأيدت المحكمة العليا القانون، لكن ترامب أصدر أمرا تنفيذيا لتعليق تنفيذه لمدة 75 يوما.

وأُغلقت منصة "تيك توك" لفترة وجيزة في الولايات المتحدة، لكنها عادت للعمل بعد إعلان ترامب تأجيل الحظر.

وكان ترامب قد حاول حظر التطبيق خلال فترته الأولى لكنه فشل، إلا أنه غيّر موقفه لاحقا وأشاد بالمنصة لمساعدته في جذب المزيد من الناخبين الشباب خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وحضر الرئيس التنفيذي لشركة "تيك توك" شو تشيو حفل تنصيب ترامب في 20 يناير/كانون الثاني، إلى جانب عدد من قادة التكنولوجيا الذين يسعون لإقامة علاقات ودية مع الإدارة الجديدة.

وفي مقطع فيديو نُشر عبر "تيك توك" في وقت سابق من هذا الشهر، قال تشيو "أريد أن أشكر الرئيس ترامب على التزامه بالعمل معنا لإيجاد حل يبقي تيك توك متاحة في الولايات المتحدة".

وصوّت الكونغرس لحظر "تيك توك" في الولايات المتحدة بسبب المخاوف من أن هيكل ملكيتها يمثل تهديدا أمنيا.

وجادلت إدارة بايدن في المحكمة بأن السماح لشركة صينية بالتحكم في خوارزمية "تيك توك" يشكل خطرا كبيرا، كما أثار المسؤولون مخاوف بشأن بيانات المستخدم التي تجمعها المنصة.

ومع ذلك، لم تقدم الولايات المتحدة حتى الآن أي دليل علني يثبت أن "تيك توك" قد سلَّمت بيانات المستخدمين إلى السلطات الصينية أو سمحت لها بالتلاعب بخوارزميتها.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات فی الولایات المتحدة ینایر کانون الثانی الکیان الجدید بایت دانس تیک توک

إقرأ أيضاً:

سوق الرفاهية والسلع الفاخرة في الولايات المتحدة تتحطم برسوم ترامب الجمركية

الجديد برس| حطمت الحرب التجارية التي شنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التوقعات بشأن انتعاش تقوده الولايات المتحدة في قطاع الرفاهية والسلع الفاخرة خلال العام الجاري 2025م، وذلك قياساً على ما شهده القطاع من انتعاشة غير مسبوقة في أعقاب جائحة كورونا، وفقاً لتقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية. وحسب التقرير فإن التعريفات الجمركية تهدد بإطالة أمد تراجع الطلب على حقائب اليد والساعات الفاخرة، فيما تواصل الولايات المتحدة والصين، المحركان اللذان يحركان الطلب العالمي على هذه السلع، زيادة الرسوم الجمركية المتبادلة على منتجات بعضهما البعض في نزاع تجاري محموم يهدد بتقويض ثقة المستهلك بأكبر اقتصادين في العالم. وتشير التوقعات هذا الأسبوع إلى أن قطاع السلع الفاخرة يعاني من انخفاض بنسبة 2% في الإيرادات في عام 2025، مما يعكس توقعاتها السابقة بنمو بنسبة 5% بسبب تزايد عدم اليقين الاقتصادي وزيادة احتمال حدوث ركود عالمي. وكتب المدير الإداري في بنك إتش إس بي سي، إروان رامبورغ، أن المخاطر التي تهدد السلع الفاخرة تكمن في مزيج من تدمير الثروات، وتقييد القدرة الشرائية للمستهلكين في الولايات المتحدة، والتدهور الواسع النطاق في معنويات المستهلكين. ويصرّ لوكا سولكا، المحلل في بيرنشتاين، على تقديراته المخفضة للقطاع ككل في العام 2025، حتى بعد إعلان ترامب عن تعليق مؤقت لمدة 90 يوماً لـ”الرسوم الجمركية المتبادلة” المفروضة على الدول التي أبدت استعدادها لإعادة التفاوض على اتفاقيات التجارة مع الولايات المتحدة. وقال: “إن العودة إلى الأرقام السابقة، كما لو كان ما حدث مجرد كابوس، أمرٌ غير وارد.. لقد تكبدت الأسواق المالية والاقتصاد خسائر مادية نتيجةً لإعلانات سياسات متقلبة”. ويشير الخبراء إلى أن تأثيرات الرسوم الجمركية على قطاع الرفاهية والسلع الفاخرة في أمريكا ستأتي من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية، يظهر الأول في تراجع الطلب لانحسار حالة المعنوية لدى المستهلك وإحجامه عن شراء سلع فاخرة ذات أسعار مرتفعة، ويتجلى الثاني في تراجع الإنتاج، أما البعد الثالث، فيتثمل في اضطراب سلاسل الإمداد والتوزيع، بسبب زيادة الحواجز الجمركية والرسوم الإضافية والقيود اللوجستية التي ستعيق حركة السلع بين المنتجين والمستهلكين. وتواجه العلامات التجارية الفاخرة بالفعل سوقاً صعبة في العام 2025، ولكن تحرك إدارة ترامب لإعادة ضبط التجارة العالمية من خلال سياسات التعريفات الجمركية الجديدة لن يؤدي إلا إلى تعميق التحديات التي تواجه سوق السلع الفاخرة. وفق تقرير نشرته مجلة فوربز الأمريكية، التي أكدت أن سوق السيارات الفاخرة، الذي شهد تراجعاً حاداً العام الماضي بنسبة 5 بالمئة لتصل إلى 641 مليار دولار، يستعد لمزيد من التقلبات. وبمثل ذلك، يواجه قطاع السلع الفاخرة الشخصية، الذي انخفض بنسبة 2 بالمئة ليصل إلى 402 مليار دولار في عام 2024 وفقاً لشركة باين، انخفاضاً أشد حدةً في حال دخول الرسوم الجمركية المقترحة حيز التنفيذ. وفيما تٌصّنَع معظم السلع الفاخرة في فرنسا وإيطاليا، والساعات الفاخرة في سويسرا، تُعدّ الأمريكتان، وخاصةً الولايات المتحدة الأمريكية، ثاني أكبر سوق عالمي للسلع الفاخرة الشخصية، بحصة 28%، بعد أوروبا، غير أن الولايات المتحدة تُخضع الدول الثلاث لرسوم جمركية بنسبة 10% بعد التراجع عن المعدلات الأعلى التي فرضتها في البداية. ومن ناحية العرض، يُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر مورد للسلع الفاخرة في العالم، وفقاً للمفوضية الأوروبية. وقد زوّد الاتحاد الأوروبي نحو 70% من سوق السلع الفاخرة الشخصية العالمية، بما في ذلك الأزياء والإكسسوارات والمجوهرات والساعات والمنتجات الجلدية والعطور ومستحضرات التجميل، بقيمة إجمالية بلغت 288 مليار دولار العام الماضي.

مقالات مشابهة

  • الصين تقلل من أهمية التعريفات الجمركية الأميركية البالغة 245%: “لا معنى لها”
  • ترامب يعد بإعادة التعليم إلى سلطة الولايات المتحدة
  • ترامب يعلن الحرب على الجامعات في الولايات المتحدة.. لن تنتهي بخير
  • سوق الرفاهية والسلع الفاخرة في الولايات المتحدة تتحطم برسوم ترامب الجمركية
  • لوبوان: ترامب حفار قبر الإمبراطورية الأميركية
  • ترامب: انخفاض معدل التضخم في الولايات المتحدة
  • اقتطاعات مرتقبة واسعة النطاق بموازنة الخارجية الأميركية
  • نيويورك تايمز: خبايا الحملة التي يشنها ترامب ضد الجامعات الأميركية
  • الهند تسعى إلى تحرير التجارة مع الولايات المتحدة
  • قصة حزينة لطالب فلسطيني وصل لآخر خطوات الجنسية الأميركية ثم اعتُقل