سواليف:
2025-02-19@15:50:45 GMT

كيف يخدعنا التكرار و يشكل قناعاتنا؟

تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT

سعيد ذياب سليم
نسمع كثيرًا عن قصص الزواج التقليدي، حيث يختار الرجل فتاة لم يكن يعرفها مسبقًا، لكن التفاعل والتعايش اليومي قد يؤديان إلى بناء رابطة نفسية تجعلها شريكة حياته التي لا يتخيل العيش بدونها. في المقابل، نلاحظ كيف تبث القنوات الفضائية نفس الإعلانات التجارية مرارًا وتكرارًا، مما يجعل المنتجات مألوفة لدينا، وأحيانًا نندفع لشرائها دون وعي.

بينما في رواية 1984 لجورج أورويل، يستخدم ‘الأخ الأكبر’ التكرار الدعائي لترسيخ أفكار معينة في عقول الجماهير، حتى تبدو وكأنها حقائق لا تقبل الجدل، مما يعكس كيف يمكن للتكرار أن يشكّل القناعات دون أن نشعر.
هذه الأمثلة تَكشف عن قوة التكرار في تَشكيل أفكارنا وقناعاتنا، سواء عبر الألفة الناتجة عن التعرض المستمر أو عبر ترسيخ المعلومات حتى لو كانت زائفة. في كتابه التفكير السريع والبطيء، يشير دانيال كانيمان إلى أن “الألفة تولّد الإعجاب”، موضحًا كيف يمكن أن يجعلنا التكرار أكثر تقبلًا لمعلومة ما، حتى دون أن نتحقق من صحتها. لكن لماذا يحدث هذا؟ وكيف يؤثر التكرار على قراراتنا دون أن نشعر؟
التكرار ووهم الحقيقة
يبدو أن القليل من التكرار كافٍ لجعل التجربة الجديدة مألوفة، مما يمنحها طابعًا من المصداقية، حتى لو لم تكن كذلك في الأصل. فوفقًا لعلماء النفس، فإن تكرار رسالة إعلامية عدة مرات، حتى لو كانت مضللة، يجعلها تبدو وكأنها حقيقة راسخة. هذا التأثير يُعرف بـ وهم الحقيقة، حيث يؤدي التعرض المتكرر للمعلومة إلى شعور زائف بالثقة في صحتها، حتى لو كانت خاطئة. فلو انتشر خبر عن شخص أُُتُّهِم باختلاس أموال كان مؤتمناً عليها، ثم ثبتت براءته لاحقًا، فلا تَعجب إذا ذُكر اسمه عرضا ونعته أحدهم بـ”ذاك المختلس”، إذ إن تأثير التكرار يتلاعب بالإدراك. ومع كل إعادة، تتراجع مقاومة العقل لهذه الفكرة، مما يزيد من احتمال تقبلها دون تفكير نقدي.
التكرار ليس مجرد أداة للإقناع التجاري أو الأدبي، بل هو سلاح فعّال في تشكيل الإدراك السياسي. فكما يمكن لإعلان أن يجعلنا نفضل منتجًا دون وعي، يمكن لوسائل الإعلام أن تعيد صياغة الواقع عبر التكرار المستمر لروايات معينة. وهذا ما نراه في السرديات التي تُروَّج حول غزة، حيث يتم تكرار أفكار مثل “التهجير كأمر واقع” أو “ضرورة الحلول البديلة” حتى تصبح مألوفة لدى المتلقي، بغض النظر عن مدى زيفها. ومع مرور الوقت، يبدأ الرأي العام، دون وعي، في التعامل معها كخيار مطروح للنقاش، مما يؤدي إلى تشويه الحقائق وتضليل الإدراك الجمعي.
لكن مهما تكررت الأكاذيب، فإنها لن تصمد أمام التحليل المنطقي والمعايير القانونية الدولية. فغزة ليست مجرد قضية قابلة للمساومة، بل وطن لأهله الذين عاشوا فيه منذ آلاف السنين، ولا يمكن لأي خطاب مُضلل أن يمحو هذه الحقيقة. هنا، تكمن أهمية مواجهة التكرار بتكرار مضاد: أن تتكرر الحقائق بنفس القوة، لأن الحقيقة، إن لم تتم حمايتها، قد تضيع وسط الضجيج.
الأسطورة بين التكرار والحقيقة
في عصر التدفق المعلوماتي السريع، أصبحت الأساطير والمعتقدات الخاطئة تنتشر بسهولة، مما يخلق وهم الحقيقة الذي يؤثر على قراراتنا وحياتنا اليومية. من أبرز الأمثلة على ذلك الاعتقاد بأن “العسل شفاء لكل داء” أو أن “الإنسان يستخدم فقط 10% من قواه العقلية”. هاتان الفكرتان تم ترويجهما بشكل واسع عبر مصادر غير موثوقة، مما جعلهما تبدوان كحقائق لا تقبل الجدل.
أسطورة العسل: بين الفائدة والمبالغة
يعتقد الكثيرون أن القول “العسل شفاء لكل داء” حقيقة مطلقة بسبب انتشاره الواسع، مما جعله مألوفًا ومقبولًا دون تمحيص. ومع ذلك، هذا الاعتقاد قد يكون مضللًا، خاصة لمرضى السكري، حيث يمكن أن يؤدي الإفراط في تناوله إلى مضاعفات خطيرة. وهكذا، يظهر كيف أن التكرار يمكن أن يحول معلومة غير دقيقة إلى خطر حقيقي على الصحة.
أسطورة 10% من القدرة العقلية: خرافة سينمائية
أما الأسطورة الأخرى، فهي الاعتقاد بأن “الإنسان يستخدم فقط 10% من قواه العقلية”. هذه الفكرة شاعت بسبب الأفلام والمنصات الاجتماعية، وأبرز مثال على ذلك فيلم لوسي (2014)، حيث تم تصوير البطلة وهي تستغل نسبة أكبر من قدراتها العقلية لتحقيق قوى خارقة. في الواقع، العلم يؤكد أن الإنسان يستخدم جميع أجزاء دماغه، وإن كان بنسب متفاوتة حسب المهام التي يؤديها. هذه الخرافة تم تداولها لسنوات دون أي أساس علمي، مما يعكس كيف يمكن للخيال السينمائي والترويج الإعلامي أن يخلقا أوهامًا تبدو كحقائق.
التكرار كأداة تعليمية
رغم أن التكرار قد يكون وسيلة لترسيخ المفاهيم الزائفة، إلا أنه أيضًا أداة تعليمية فعالة. يعتمد التعلم على إعادة المعلومات لتعزيز التذكر والفهم، وهو ما يُعرف بـ الممارسة المتباعدة، حيث يساعد التعرض المنتظم للمعلومة في ترسيخها في الذاكرة طويلة المدى. لهذا السبب، تستخدم الأساليب التعليمية الحديثة استراتيجيات مثل التكرار التدريجي والتمارين التطبيقية لضمان استيعاب المفاهيم المعقدة.
التلوث المعلوماتي واستغلال غياب التحقق
هذه الأساطير ليست مجرد أفكار عابرة، بل هي جزء من ظاهرة التلوث المعلوماتي، حيث يتم نشر معلومات غير دقيقة عبر وسائل الإعلام والمنصات الاجتماعية دون تدقيق. يعتمد البعض على استغلال ” التحيز التأكيدي” وهو الميل لتأكيد المعتقدات، حيث يميل الأفراد إلى تصديق المعلومات التي تتوافق مع آرائهم السابقة وتجاهل ما يخالفها. ومع التكرار المستمر، يصبح من الصعب على العقل التمييز بين الحقيقة والوهم، مما يؤدي إلى انتشار واسع للمعلومات المضللة. وهكذا، يصبح التكرار أداة قوية، إما لنقل المعرفة أو لصناعة الوهم، والفرق يكمن في كيفية استخدامه.

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: حتى لو

إقرأ أيضاً:

هل تفقد الخضروات قيمتها الغذائية بعد التجميد؟ تعرف على الحقيقة المفاجئة

يُعد تخزين الخضروات في الفريزر إحدى الطرق الشائعة للحفاظ على الطعام لفترة أطول، ولكن كثيرًا ما يتساءل البعض: هل تؤثر عملية التجميد على القيمة الغذائية لهذه الخضروات؟ وهل تفقد الخضروات فوائدها الصحية بعد مرور فترة من تخزينها في الفريزر؟ الإجابة على هذا السؤال قد تكون مفاجئة للكثيرين.

هل تفقد الخضروات قيمتها الغذائية بعد التجميد؟

في هذا المقال، سنكشف لك عن الحقائق المتعلقة بتخزين الخضروات في الفريزر، ونوضح ما إذا كان التجميد يؤدي إلى تدهور القيمة الغذائية للغذاء، وكيفية الحفاظ على فوائد الخضروات خلال التخزين، وفقا لما نشره موقع إكسبريس.

كيف يؤثر التجميد على الخضروات؟

التجميد هو طريقة فعّالة لحفظ الطعام لفترة طويلة. عندما يتم تجميد الخضروات بشكل صحيح، فإنها تحتفظ بجزء كبير من قيمتها الغذائية، ولكن هناك بعض التغيرات التي قد تحدث. عملية التجميد تتسبب في تغيير بنية الخلايا في الخضروات بسبب البلورات الجليدية التي تتكون داخلها، ولكن هذا التغيير لا يعني بالضرورة فقدان القيمة الغذائية.

العديد من الدراسات تشير إلى أن معظم العناصر الغذائية، مثل الفيتامينات والمعادن، تظل سليمة في الخضروات المجمدة، حتى بعد تخزينها لفترات طويلة. ومع ذلك، قد يتم فقدان بعض الفيتامينات الحساسة مثل فيتامين C وفيتامين B بشكل طفيف نتيجة التعرض للحرارة أثناء عملية التحضير قبل التجميد، ولكن هذا الفقد ضئيل جدًا مقارنة بالفوائد التي تحافظ عليها هذه الطريقة.

ما هي الخضروات التي تحتفظ بقيمتها الغذائية أكثر بعد التجميد؟

في الواقع، لا تتأثر جميع الخضروات بنفس القدر من التجميد. بعضها يمكنه الاحتفاظ بقيمته الغذائية بشكل أفضل من الآخر.

الخضروات الورقية مثل السبانخ والكرنب قد تفقد بعض العناصر الغذائية بعد التجميد، خصوصًا فيتامين C، ولكنها لا تزال تحتوي على معادن هامة مثل الحديد والمغنيسيوم.
الجزر، البازلاء، والفاصوليا من بين الخضروات التي تحتفظ بمعظم فوائدها الصحية بعد التجميد، وذلك لأنها تحتوي على كميات جيدة من الألياف والمعادن التي لا تتأثر بالتجميد بشكل كبير.
الذرة، على الرغم من أنها قد تخسر بعض فيتامين C، إلا أن التجميد يحافظ على مضادات الأكسدة المهمة مثل البيتا كاروتين و الليكوبين.


ما هو تأثير التجميد على الفيتامينات والمعادن؟

من المعروف أن بعض الفيتامينات مثل فيتامين C و فيتامين B (وخاصة الفولات) حساسة للحرارة والضوء، لكن هذا لا يعني أنها تختفي بالكامل بعد التجميد. في الواقع، تكون معظم الخضروات المجمدة قد تعرضت مسبقًا لتقنيات المعالجة مثل البخار قبل التجميد، وهي تساعد في الحفاظ على العناصر الغذائية.
إحدى الدراسات أظهرت أن الخضروات المجمدة تحتوي على نفس كمية الفيتامينات تقريبًا التي تحتوي عليها الخضروات الطازجة في البداية، حيث يمكن الحفاظ على أكثر من 80% من الفيتامينات الموجودة بها بعد عملية التجميد. هذا يعني أن الخضروات المجمدة لا تفقد بشكل كبير العناصر المغذية الضرورية للصحة.

التأثيرات على الألياف ومضادات الأكسدة

من الجوانب الإيجابية التي تجلبها عملية التجميد هي الحفاظ على الألياف الغذائية الموجودة في الخضروات، التي تلعب دورًا كبيرًا في تحسين صحة الجهاز الهضمي. الألياف تبقى سليمة رغم عملية التجميد، مما يعني أن تناول الخضروات المجمدة يمكن أن يوفر نفس الفوائد الصحية المتعلقة بالألياف كما هو الحال مع الخضروات الطازجة.
أما بالنسبة لمضادات الأكسدة، مثل الليكوبين و البيتا كاروتين، فيعتبر التجميد وسيلة فعّالة للحفاظ على هذه المركبات. هذه المركبات تعتبر مهمة للحفاظ على صحة القلب وتعزيز المناعة.

كيف نساعد على الحفاظ على القيمة الغذائية أثناء التجميد؟

من أجل ضمان الحفاظ على القيمة الغذائية في الخضروات المجمدة، يجب اتباع بعض النصائح البسيطة:

التجميد بسرعة: يعد تجميد الخضروات بسرعة بعد حصادها أمرًا بالغ الأهمية في الحفاظ على قيمتها الغذائية.
التخزين في عبوات محكمة الإغلاق: يساعد التخزين في أكياس أو حاويات محكمة الإغلاق على منع دخول الهواء والرطوبة، مما يحافظ على الطعام لفترة أطول ويقلل من فقدان العناصر الغذائية.
التحضير قبل التجميد: من الأفضل أن يتم تحضير الخضروات مثل الغسيل والفرم قبل التجميد. كما أن بعض الخضروات مثل الفاصوليا الخضراء والبروكلي تستفيد من عملية البخار القصير قبل التجميد، مما يساعد على الحفاظ على الفيتامينات والمعادن بشكل أكبر.

هل يستحق التجميد الخوف؟

بناءً على ما تم ذكره، يمكن القول إن الخضروات المجمدة هي خيار غذائي ممتاز وسهل ومغذٍ، ويجب ألا تشعر بالقلق بشأن فقدان القيمة الغذائية أثناء التجميد. في الواقع، لا يعاني معظم الخضروات المجمدة من فقدان كبير في العناصر الغذائية مقارنة بالطازجة، بل يمكن أن يكون التجميد طريقة فعّالة للحفاظ على فوائدها الصحية على المدى الطويل.
من المهم أن تتذكر أن أفضل طريقة للاستفادة من جميع العناصر الغذائية هي تنويع نظامك الغذائي والحرص على تناول الخضروات من جميع الأنواع، سواء كانت طازجة أو مجمدة، مع الحرص على طرق التخزين والتحضير الصحيحة.

مقالات مشابهة

  • خبر يكشف الحقيقة.. رسم دخول لحضور تشييع نصرالله؟
  • "الصحة" تكشف الحقيقة المدهشة حول الإحصائيات المتداولة لمرضى الإيدز في السعودية
  • السكريات وتأثيرها الخفي على الجسم: «هل نعرف الحقيقة كاملة؟»
  • هل يمكن للحوت أن يبتلع إنسانًا؟ الحقيقة وراء فيديو تشيلي المروع
  • السوداني يشكل لجنة تحقيقية بإصابات المواشي بالحمى القلاعية ويطمئن المواطنين بأن المرض لا ينتقل للإنسان
  • لافروف: أبلغنا واشنطن أن توسيع الناتو يشكل خطرا مباشرا على روسيا
  • هل يُجبر الاتحاد الأوروبي مواطنيه على تناول الحشرات الخطرة؟ إليكم الحقيقة
  • الإعلام الإسرائيلي بين الحقيقة والتزييف.. قراءة في كتاب
  • دراسة تحذر: تناول الطعام من العبوات البلاستيكية قد يشكل خطرًا على الصحة
  • هل تفقد الخضروات قيمتها الغذائية بعد التجميد؟ تعرف على الحقيقة المفاجئة