صحيفة التغيير السودانية:
2025-02-19@10:18:17 GMT

تفويض الجيش أم تقويض مهامه؟

تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT

تفويض الجيش أم تقويض مهامه؟

تفويض الجيش أم تقويض مهامه؟

خالد فضل

إنّ تفويض الجيش بمهام الحكم والسياسة، ابتدأ في نوفمبر 1958م ولم ينته بعد. استمرّ بعد ذلك ليصبح هو القاعدة ويصير الجيش هو الحاكم والسياسيون المدنيون هم المعارضون، يدمغهم الحزب العسكري الحاكم بكل جريرة ولا يرى في رقبته عوجاً أبداً.

بعملية حسابية بسيطة يمكن الزعم باطمئنان أنّ شؤون الحكم والسياسة والإدارة في السودان منذ الاستقلال قبل نحو 70 سنة تقريباً قد ظلت دولة بين يدي القوات المسلحة السودانية، وعلى تعاقب دفعات الضباط من خريجي الكلية الحربية أو خريجي المليشيات.

ولذلك فإنّ  تاريخ ممارسة الحكم والسياسة في السودان يعني مباشرة تاريخ المؤسسات العسكرية بشقيها، الحكومي النظامي أو التكوينات العسكرية الأهلية تحت راية المقاومة السياسية المسلحة كما في حركات الكفاح المسلّح في الجنوب- سابقاً- وجبال النوبة والنيل الأزرق  وشرق السودان، ودارفور لاحقاً. وصولاً إلى المنظومات العسكرية التي تأسست تحت مظلة الجيش نفسه فيما عُرف بالمليشيات الحليفة؛ كما في حالة المليشيات الجنوبية أيام الحرب هناك، ومليشيات الدفاع الشعبي والجنجويد والدعم السريع. وحاليا المليشيات العديدة التي تشارك في الحرب الأهلية الطاحنة منذ أبريل 2023م.

طيلة هذه الأزمنة والتطورات والمتغيرات، ظلّ ضباط وقيادات الجيش السوداني يمارسون السياسة والحكم، وفي عهد الضابط عمر البشير برز وتضخّم بشكل لافت ممارسة شؤون التجارة والاقتصاد. وبطبيعة الحال ظلّ أفراد الجيش يدينون بالولاء للحاكم؛ والذي هو في جلّ الأوقات أحد قادتهم. فلا غرو أنْ تقلّب ولاؤهم تبعاً لمن يحكم.

بهذه الوضعية يمكن الزعم بأنّ أفراد الجيش من الجنود ليس لهم ولاء سياسي وفكري محدد، هم في حالة تبديل ولاءات مستمرة، وهذه واحدة من نقائص مهام وأدوار هذه المؤسسة. إذ وبحكم طول أمد سيطرة قياداتهم من الضباط على الحكم وانغماسهم في شؤون السياسة والاقتصاد السياسي تشكّلت أفكارهم ومشاعرهم متمركزة حول السلطة، وباتوا ينظرون إلى أي محاولة للمساس بها أو مشاركتها من المدنيين أو من مسلحين آخرين كتعدي على حقوقهم التي اكتسبوها عنوة وبمنطق القوة المسلّحة. وقد خاضوا الحروب كلها ومنذ الاستقلال ضد مواطنيهم المعارضين لسلطتهم، ونسوا في غمرة ذلك دورهم الوظيفي ومهامهم المحددة وفق قانونهم نفسه، وباتت المؤسسات العسكرية والأمنية تنظيمات سياسية بامتياز، ودوننا الخطاب السياسي للضباط عمر البشير والبرهان حالياً، وهما رمزا الجيش منذ 1989م، فهو خطاب متحامل يتبنى وجهة نظر سياسية محددة، ويكن عداءً شديداً لوجهات النظر السياسية الأخرى التي تصدرها التنظيمات السياسية المدنية، والأدهى من ذلك تنمُّ الممارسات لشؤون الحكم والسياسة بانحياز واضح وفاضح لرؤية سياسية ومنطلقات فكرية لتنظيم سياسي عقائدي معروف. ولدرجة الهتاف بجلالات ذات خلفية سياسية ضد المختلفين مؤخراً، مثل (القحاطة يا كوم الرماد) أو تفتيش هواتف الشباب في الارتكازات ومعاقبة من يجدون فيها ملصقات تدعو لوقف الحرب أو مجرد قصيدة للراحل الشاعر حميد.

إنّ الدعوة لتفويض الجيش ليحكم تبدو تحصيل حاصل، فالجيش لا يستأذن ولا يرجو تفويضاً، إنّه يحكم بقانون الغلبة وليس بالاختيار، لذلك على من يدعون إلى منحه ذلك التفويض أن يوفروا تفويضهم، فليس للجيش حاجة به. عليهم أن ينظروا في ما يضمرونه من العداء لأنفسهم كمدنيين وعجزهم وبؤسهم كمواطنين لا يثقون في ذواتهم ومقدراتهم على تولي شؤون سياسة وحكم وإدارة بلدهم، عليهم أنْ يستقيلوا من الساحة السياسية المدنية وينخرطوا كمجندين في الحزب العسكري الحاكم، ولكن عليهم كذلك أن يتذكروا أنهم يمثلون أنفسهم فقط ولا يعبرون عن كل الشعب، فالشعب يفوّض الحكام عن طريق واحد معلوم اسمه الانتخابات الحرة النزيهة الشفافة التي تتساوى فيها الأرضية تماماً للتنافس الحر الشريف عبر ما يسمى بالفترة الانتقالية ومسار التحول المدني الديمقراطي، ومن أبرز سماته إلزام الجيش مقعده كمؤسسة دولة وليس مسيطراً عليها. بغير ذلك الطريق الواضح يبقى أي حديث عن تفويض للجيش بمثابة تقويض أكثر لدوره ومهامه المحددة والتي ليس من ضمنها أبداً معاقرة الحكم وممارسة السياسة وإدارة البلاد. ولعل الناس لا يحتاجون إلى دليل على الحال الذي يعيشون في كنفه في ظل تخلي القوات المسلحة بمختلف تشكيلاتها عن مهامها الأساسية وتغولها غير المشروع على ما لا شأن لها به من مهام. ولا يضللن الناس شعارات الحرب الراهنة، فهي من صنع تنظيم سياسي معلوم، تدين له بعض قيادات الجيش بالولاء، كما أنّها حرب حول السلطة والحكم والسياسة والنفوذ وليس من أجل الكرامة كما يزعمون، فطريق كرامة الإنسان يمر عبر كفالة حقوقه وصونها لا عن طريق قتله وتشريده، وهو طريق النظام الديمقراطي العديل دون لف ودوران.. تفويض قال!!.

الوسومالاستقلال التنظيمات السياسية الجيش الحرب الدعم السريع السودان الفترة الانتقالية خالد فضل

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الاستقلال التنظيمات السياسية الجيش الحرب الدعم السريع السودان الفترة الانتقالية خالد فضل الحکم والسیاسة تفویض الجیش

إقرأ أيضاً:

إسرائيل تدفع قانونين يمنعان توثيق جرائم الحرب التي ترتكبها

قالت وسائل إعلام عبرية، اليوم الأحد، إن الحكومة الإسرائيلية تدفع بمشروعي قانونين يهدفان إلى منع توثيق جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل وكشفها، ويفرض أحدهما عقوبة السجن على من ينقل معلومات حول ذلك إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، فيما يقضي القانون الآخر بأن المحكمة العليا ليست ملزمة بالنظر في التماسات تقدمها منظمات حقوقية تتلقى تبرعات من دول أجنبية.

وصادقت اللجنة الوزارية للتشريع اليوم، على مشروع القانون الثاني، ويُتوقع أن تصادق على مشروع القانون الأول، وتحولهما إلى الهيئة العامة للكنيست للتصويت عليهما بالقراءة التمهيدية، حسبما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية.

ويقضي مشروع القانون، الذي قدمه عضو الكنيست عَميت هليفي، من حزب الليكود، بأن الأفراد أو المنظمات الإسرائيلية الذين ينقلون معلومات حول العمليات العسكرية الإسرائيلية إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، سيواجهون عقوبة السجن لمدة خمس سنوات.

ويأتي مشروع القانون في أعقاب إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال دولية ضد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو ، ووزير الجيش السابق، يوآف غالانت، إلى جانب مذكرات اعتقال غير معلنة ضد سياسيين إسرائيليين وعناصر في الجيش الإسرائيلي.

ويستهدف مشروع القانون الثاني الذي قدمه عضو الكنيست أريئيل كلنر، من حزب الليكود، والذي يُتوقع أن تصادق عليه اللجنة الوزارية للتشريع، اليوم، منظمات تتلقى تمويلا من دول أجنبية، ومعظمها جمعيات حقوق إنسان.

وحسب مشروع القانون هذا، فإن المحاكم الإسرائيلية لن تكون ملزمة بالنظر في طلبات تقدمها جمعيات معظم تمويلها يأتي من دول أجنبية.

كما يقضي مشروع القانون بأن التبرعات التي تتلقاها جمعيات من دول أجنبية ستخضع لضريبة الدخل بنسبة 80%، إلا إذا قرر وزير المالية، وبمصادقة لجنة المالية في الكنيست، خلاف ذلك لصالح جمعيات يمينية واستعمارية.

المصدر : وكالة وفا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من الأخبار الإسرائيلية وزير إسرائيلي: لن أدعم المرحلة الثانية من صفقة الأسرى نتنياهو: رؤية ترامب لغزة تتحول إلى واقع ولدينا استراتيجية مشتركة إسرائيل تعلن وصول شحنة قنابل ثقيلة أميركية الأكثر قراءة إعادة تشغيل بنك الدم المركزي في قطاع غزة تفاصيل اجتماع اللجنة المركزية لحركة فتح في رام الله تفاصيل اجتماع وفد حماس مع مسؤولين إيرانيين في طهران ملك الأردن يبدأ زيارة رسمية لأمريكا عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • ترامب يحمل أوكرانيا مسؤولية الحرب التي دمرت أراضيها ويدعو لإجراء انتخابات
  • النقابات بين المهننة والسياسة: متى تنتصر الكفاءات على المناكفات؟
  • كاتب صحفي: الجيش اللبناني انتشر في الأماكن التي انسحب منها الاحتلال الإسرائيلي
  • زيلينسكي في أنقرة.. زيارة تحمل رسائل سياسية في توقيت حساس
  • الخبراء يسعون لترميم المواقع الأثرية التي دمرتها الحرب في سوريا
  • عاجل | القناة 13 الإسرائيلية عن مصادر: الجيش سيتدخل بالأماكن التي لا يوجد فيها الجيش اللبناني وسيتعامل مع أي انتهاك
  • الجيش الإسرائيلي: سيسمح غدا للبنانيين بالوصول للقرى التي غادروها
  • وزير الدفاع التقى قائد الجيش بالنيابة ومدير المخابرات
  • خريطة الطريق التي لا تقود إلا إلى داخل المتاهة
  • إسرائيل تدفع قانونين يمنعان توثيق جرائم الحرب التي ترتكبها