هزيمة أخرى مُني بها الطائش ترامب يوم أمس، وارتد تلويحه للمقاومة بالجحيم ما لم تفرج عن كل أسرى الكيان الصهيوني عليه، إذ ظهر تصريحه عقب إتمام عملية التبادل خجولا متذبذبا ومنكسرا وهو يُعيد قرار تنفيذ التهديد إلى «اسرائيل».
في كل الأحوال سيستمر ترامب في ملاحقة المحيط العربي للكيان بتصريحاته السمجة التي استهجنها كل العالم، في محاولة لإعادة تشكيل ديموغرافية المنطقة، وفق مخطط الشرق الأوسط الجديد، إلا أن ذلك لا يعني نجاحه في الوصول ذلك.
والأكيد أن تعامل ترامب الفوقي تجاه الدول العربية لا ينطلق من فراغ وإنما من واقع تجربة ومن خلفية معرفة، فهم- كما يراهم- لا يفعلون شيئا، وهُم أصحاب مشاريع وطموحات خاصة لذلك فإن عامل الخوف يبقى مسيطرا عليهم ومخيما على قراراتهم.
ينشَدّون للداخل، ولا يرون في الصمت عن ما يتعرض له أي قطر عربي آخر أي حرج، لذلك تَهُون عليهم أنفسهم وأوطانهم ليأتي شخص مثل ترامب فيرسم سياسات المنطقة ويفرض مخططاته فينصبّوا على محاولة تكييف واقعهم وفق هذه المخططات، يحدث هذا عيانا بيانا، ولذلك لم يتوقف ترامب منذ وصوله للبيت الأبيض عن وضع رؤاه وتمريرها إلى الدول العربية، ووصوله حد الصفاقة باتخاذ قرار تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه.
اليوم.. هناك حالة ترقب من الجميع إلى القمة العربية الطارئة المزمعة لمناقشة ما يحاول الرئيس الأمريكي فرضه من مستجدات تُغيّر في المنطقة وتحقق للكيان الصهيوني ما تمنى، على أن الأهم من هذا أن يأتي النقاش لوضع حدا لهذا التطاول الأمريكي على أبناء المنطقة بشكل حاسم لا مواربة فيه، فالمعالجات الجزئية والوقتية لن تجدي شيئا وسيظل ترامب يعكر صفو الواقع العربي بتصريحاته غير المسؤولة وسلوكه الصبياني.
القمة التي يفترض أنها طارئة ستنعقد مع نهاية الشهر، ولا ندري ما الحكمة من تأخيرها كل هذا الوقت وهي طارئة، فداعي اللقاء واضح ومعلوم، والمخاطر واضحة والمزعج معروف.
ربما لو أن الوزن غير الوزن والقيمة غير القيمة، لكان اللقاء حتى على مستوى المندوبين كاف، بحيث يصير هناك معنى للقول بأنها طارئة، مع ذلك ينسف الأمل بتَخَلُّق جديد وجاد للعمل العربي أي تساؤلات، ويبقى الأمل بأن يأتي اللقاء بحجم تطلع الشارع العربي لواقع لا يمكن تجاوزه أو الاستخفاف به من قبل أعداء الأمة وبحيث تصير النديّة هي سيدة العلاقات مع الآخرين.
بالأمس واصلت المقاومة تنفيذ اتفاقية تبادل الأسرى مع الكيان الصهيوني وبشروطها، بعد أن حاول مسنودا بأمريكا جس النبض لمعرفة ما إذا كان لا تزال هناك أصوات يمكنها أن ترتفع ضد ما كان من استهداف حيواني صهيوني لقطاع غزة وسكانه، وللكرامة العربية بتصريحات ترامب الهوجاء بشأن احتلال القطاع، ليأتيهم الصوت من داخل غزة ومن صنعاء، حيث لا مساومة على الكرامة ولا تراجع عن المبادئ، ولا فرصة بعد السابع من أكتوبر لأن يكون الواقع مستباحا كما قبله.
فهل هناك من تحد أعظم من التحذير المباشر الذي أطلقه السيد القائد، لأمريكا الخميس الماضي وتوجيهه القوات المسلحة للاستعداد للتدخل العسكري، وهل هناك من تحد أعظم من قيام المقاومة الفلسطينية بنقل الأسرى الصهاينة الثلاثة على متن مركبة تابعة للعدو تم اغتنامها في عملية «طوفان الاقصى»؟
ما حدث أمس كرّس معادلة المقاومة وأثبت أنها لا تزال الأكثر تأثيرا في المواجهة، كما وعزز داخل نتنياهو وترامب بأنهما لا يزالان خارج نطاق القدرة على توجيه مسار الأحداث وفق قواعدهما.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
ماذا يعني صمود المقاومة استراتيجيا للمنطقة؟
المقاومة ستخوض جولة القتال الثالثة لأنها فُرضت عليها من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يرفض المضي قدما نحو المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، في حين أن جيش الاحتلال والإسرائيليون يخوضون الحرب لأن نتنياهو أرادها للخروج من مأزقه السياسي الذي بلغ ذروته بتعثر إقرار الموازنة العامة، ورفض رئيس الشاباك رونين بار الإقالة -أسوة برئيس الأركان هرتسي هاليفي- ومن خلفه المستشارة القانونية غالي بهاراف ميارا التي أعلنت الحرب على نتنياهو برفضها تمرير قرار الإقالة دون اعتراض أو صخب.
الحماسة التي يبديها نتنياهو للعودة للحرب لا تظهر بالقدر نفسه عندما يتعلق الأمر بالشارع الإسرائيلي وجيش الاحتلال وجنوده من الاحتياط، فهم لا يرغبون خوض غمار الحرب من أجل نتنياهو وبقائه السياسي، فالحماسة للقتال أضعف بكثير مما كانت عليه بداية الحرب والعدوان على قطاع غزة قبل سبعة عشر شهرا، وهي العجلة التي يحاول نتنياهو إعادة صناعتها بحديثه، خلال لقائه يوم الأربعاء مجندين في قوة المستعربين الناشطة في الضفة الغربية، عن توسعة العمليات العسكرية في الضفة الغربية، ومن خلال تسويقه لعمليات نقل الجرحى الفلسطينيين من حاملي الجنسيات الأجنبية عبر مطار رامون بالقرب من ميناء أم الرشراش (ايلات)؛ على أنها أولى عمليات التهجير الناجحة للفلسطينيين.
المواجهة وتجدد القتال والعدوان على قطاع غزة لن يتوقف عند حدود القطاع والضفة الغربية أو اليمن والبحر الأحمر، بل سيمتد نحو العراق وإيران ككرة الثلج المتدحرجة في محاولة نتنياهو المتواصلة للهروب إلى الأمام، فالإقرار بالفشل ووقف الحرب سيعني نهاية الحياة السياسية لنتنياهو وهو خطر لا زال يلاحقه في كل خطوة يتخذها وطريق يختاره، وهنا يطرح السؤال: هل هذا هو السيناريو الوحيد المقبل للمنطقة ودولها؟
الجواب يكمن في مآل مسار التفاعلات السياسية والاقتصادية الداخلية في الكيان الإسرائيلي، والتفاعلات الخارجية أيضا فيما بين الكيان وشركائه وحلفائه الدوليين وعلى رأسهم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فالقصور الناجم عن ضعف الحماسة للحرب وأهدافها المتغيرة والمخاطر الناجمة عن اتساع نطاقها وصعوبة السيطرة على مخرجاتها ومدخلاتها، سيبقى المسألة الحاسمة اليوم والغد.
المواجهة أعادت حركة أنصار الله إلى الصدارة وإيران إلى الواجهة الإقليمية ومصر إلى الفعل الإقليمي بعد جولة التطبيع الايراهيمية الأخيرة، وسيرافقها تنامي الدور الإقليمي التركي خصوصا إذا امتدت الحرب إلى الأرضي السورية واللبنانية لأشهر طويلة، وهي معادلة لم تكن قائمة قبل أشهر قليلة. الكثير تغير وسيتغير في المنطقة على نحو يعيد رسم موازين القوة التي اعتقد البعض أنها اختلت لصالح الاحتلال، متناسين أن صمود المقاومة في قطاع غزة كان المبتدأ ولا زال الخبر والعنصر الفارق في المشهد الإقليمي، صمود هو مصدر القلق للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة كون المقاومة عصية على التطويع، ما يؤكد أن المقاومة كانت ولا زالت بصمودها اللاعب الأساسي والمؤثر القادر على تعويض حالة العجز والشلل العربي المزمنة.
ختاما.. مصير المنطقة يقرره إلى حد كبير قدرة الشعب الفلسطيني وحركة حماس على الصمود في وجه الماكينة العسكرية الإسرائيلية برفض الخضوع للإملاءات الأمريكية مرة تلو الأخرى، والتي إن نجحت في فرضها على الشعب الفلسطيني فإنها ستتمكن من رسم خارطة المنطقة وفقا للرؤية الإسرائيلية الممتدة من بحر قزوين والأسود وصولا إلى الحافة الغربية لنهر النيل.
x.com/hma36