الجزيرة:
2025-02-19@08:39:24 GMT

قصة صناعة مصطلح الشرق الأوسط

تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT

قصة صناعة مصطلح الشرق الأوسط


لا يوجد مكان آخر أهم من الشرق الأوسط لحفظ التوازن بين العناصر المختلفة لسياستنا الخارجية.. فيها مصالح اقتصادية وسياسية وحتى روحية..

بواسطة ألكسندر هيغ

أمْرَكّة الشرق

إن مصطلح «الشرق الأوسط»، ابتُكر في عام 1902 على يد الأدميرال الأميركي ألِفرد ثاير مِهان (Alfred Thayer Mahan) (1804- 1914). قبل ذلك، كان الأميركيون والأوروبيون يشيرون إلى المنطقة بمصطلح "الشرق"، وكان هذا المصطلح يشير، دون تحديد دقيق، إلى مساحة الأرض الممتدة ما بين المغرب ومصر، ثم تنحني عبر الجزيرة العربية نحو الشام قبل أن تصل في النهاية إلى تركيا.

ولكن هذا التقسيم لم يقم تمامًا على جغرافية المكان؛ فالدار البيضاء مثلًا تقع إلى غرب مدريد، ومارسيليا، وروما، لذلك يمكننا القول إن مصطلح «الشرق»، كان يصف إقليمًا تجمعه حضارة مميزة، وأساليب حكم وهياكل اجتماعية، وأنماط من العمارة، والملبس.

وكان سكان تلك المنطقة معروفين للغربيين بمسميات عدة: العربِ، وأهل الشام، والجزائريين، والأمازيغ، والأتراك. وكان الاعتقاد السائد أنهم معادون للغرب، ويتحدثون لغة ذات وقع غريب على الأذن الأميركية.

أما ما كان يميز الشرق أكثر من مواصفاته السياسية، والفنية، أو اللغوية، فكان هذا الدين المسمى الإسلام. كان الأميركيون في القرن الثامن عشر، ينظرون إلى أتباع تلك العقيدة باعتبارهم «الآخر» المختلف عنهم تمامًا. كانوا من وجهة نظرهم كتلة غريبة غير متناسقة، وينحدرون من حضارة عظيمة انهارت منذ زمن طويل، إلى جانب أنهم بدائيون، يتميزون بالعنف والقسوة.

إعلان

قدم مِهان، المنظّر البحري الأميركي، رؤيته الإستراتيجية حول أهمية المنطقة، التي زارها عامي 1867 و1894، في كتابه "مشكلة آسيا"الصادر عام 1900.

حدد مِهان منطقة تقع بين خطي عرض 30 و40 شمالًا، تمتد من حوض البحر المتوسط غربًا إلى كوريا شرقًا، وأطلق عليها اسم "وسط آسيا". أشار إلى أن هذه المنطقة تضم أراضي ذات أهمية إستراتيجية ستظل محل تنافس دولي مستمر في المستقبل المنظور.

قسم مِهان هذه المنطقة إلى جزأين رئيسيين: النصف الشرقي، الغني بالموارد الطبيعية، والنصف الغربي، الذي يحتضن أهم خطوط الاتصال ووسائل النقل، مثل قناة السويس، البحر الأحمر، والخليج العربي، إضافة إلى إمكانات إنشاء خطوط حديدية برية. اعتبر مهان أن هذه الممرات الحيوية ضرورية للوصول إلى الشرق، وتعزيز النفوذ الدولي.

في مقال نشره عام 1902 في دورية ناشونال ريفيو (National Review)، قام مِهان بمراجعة وتطوير أفكاره حول المنطقة التي كان قد أطلق عليها سابقًا اسم "وسط آسيا". تناول المقال، الذي حمل عنوان "الخليج الفارسي في السياسة الدولية"، الأهمية الإستراتيجية للخليج العربي باعتباره نقطة محورية في شبكة خطوط الاتصال المستقبلية بين الشرق والغرب.

أشار مِهان إلى أن الخليج يمكن أن يصبح نهاية لخط سكة حديد مستقبلي يمتد عبر القارات، ليكون بديلًا محتملًا للطريق المائي الذي يمر عبر قناة السويس والبحر الأحمر.

في هذا المقال، قدّم مِهان مصطلحًا جديدًا للمنطقة، واصفًا إياها بـ"الشرق الأوسط". وأوضح أن هذا المصطلح لم يكن مألوفًا له من قبل، لكنه اعتمده كجزء من رؤيته الإستراتيجية. استندت هذه الصياغة الجديدة إلى المفاهيم الغربية التي ركزت على أهمية الهند والخليج العربي كمحاور إستراتيجية ضمن شبكة المصالح الدولية.

شرق أوسط أم شرق أدنى!

في مقاله التحليلي، قدم مِهان رؤية استشرافية لأهمية "الشرق الأوسط" كمنطقة إستراتيجية في الصراعات العالمية المستقبلية. توقع مِهان أن المنطقة ستكون محور التنافس بين بريطانيا العظمى، التي ستشترك معها الولايات المتحدة في الحفاظ على مصالحها، وبين القوى البحرية المتصاعدة مثل ألمانيا الإمبريالية، إضافة إلى التهديد البري الذي تمثله روسيا.

إعلان

اعتبر مهان أن إدراك أهمية هذه المنطقة يجب أن يكون جزءًا من إستراتيجية أميركية شاملة تؤهلها للعب دور أكثر تأثيرًا على المسرح العالمي.

بعد أن أبرز ألفرد ثاير مهان أهمية الشرق الأوسط المتزايدة، سارعت وزارة الخارجية الأميركية إلى إعادة تصور المنطقة، واعتبارها منطقة حيوية للمصالح الاقتصادية والإستراتيجية للولايات المتحدة.

في عام 1909، أنشأت الوزارة قسمًا خاصًا بشؤون الشرق الأدنى، والذي شمل في ذلك الوقت مصالح الولايات المتحدة في الإمبراطوريات العثمانية، والروسية، والألمانية، والنمساوية- الهنغارية، بالإضافة إلى مناطق أخرى مثل إيطاليا، واليونان، البلقان، الحبشة، فارس، مصر، ومستعمرات بريطانيا وفرنسا في حوض البحر المتوسط.

بيد أن سلسلة من إعادة التنظيم على مدى السنوات الخمس والثلاثين التالية نتج عنها إنشاء مكتب لشؤون الشرق الأدنى، وأفريقيا عام 1944، ثم تم تقسيمه بعد ذلك إلى ثلاثة أقسام:

شؤون الشرق الأدنى: وضم تركيا، العراق، فلسطين، شرق الأردن، سوريا، لبنان، مصر، السعودية، ودول شبه الجزيرة العربية الأخرى، إلى جانب اليونان. شؤون الشرق الأوسط: شمل أفغانستان، بورما، سيلان (سريلانكا)، الهند، وإيران. شؤون أفريقيا: ركز على بقية القارة الأفريقية.

مع تعمق مشاركة الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، اعتمدت على «مركز الإمدادات» البريطاني في القاهرة لتسهيل عمليات الإمداد والتموين في شمال أفريقيا، وجنوب أوروبا، وشبه الجزيرة العربية، وبقيه أنحاء ما كان يعرف سابقًا بالشرق الأدنى.

أدى هذا التعاون إلى ترسيخ استخدام مصطلحي «الشرق الأدنى»، و«الشرق الأوسط» بشكل متبادل في الأوساط السياسية والشعبية.

بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح مصطلح «الشرق الأوسط» سائدًا (وفي الولايات المتحدة الأميركية، يستعمل أيضًا التعبير الصحفي المختصر له: Mideast)؛ وهو يتمتع الآن برنين أكثر معاصرة، بينما أصبح مصطلح «الشرق الأدنى»، يبدو كموضة قديمة، مثلما تقادم مصطلحا «الليفانت»، و«الشرق»، في فترة سابقة.

إعلان

لا شك أن تسمية هذا الجزء من سطح الأرض بالشرق الأوسط، لا يقل تعسفًا عن تصويره كجزء من الشرق. فهو يضم مساحة واسعة ذات تنوع بيئي واسع، من جبال تحاصرها الثلوج إلى صحراوات قاحلة إلى وديان أنهار خصبة وسهول ساحلية تروى بالأمطار، ويضم مدنًا بالغة الضخامة إلى جانب عدد وافر من البنادر، والقرى، وتسكنه شعوب مختلفة كثيرة لها لغات، وثقافات، وطرق حياة متميزة.

ومعظم سكان هذا الإقليم مسلمون (ولكن من مذاهب مختلفة)، ولكنه يضم كذلك كثيرًا من غير المسلمين، ويعيش معظم المسلمين خارجه، في أرض ليست شرق أوسطية، مثل: إندونيسيا، والهند، وباكستان، وبنغلاديش، وبالتالي لا يصح الدين كسمة أساسية لتعريف الإقليم. وفي نفس الوقت تكشف تسمية هذا الإقليم بـ«الشرق الأوسط» بداهة عن منظور أوروبي المركز: فهو «متوسط»، و«شرقي»، فقط من حيث علاقته بأوروبا الغربية.

هكذا، تطور مصطلح «الشرق الأوسط» بشكل ملحوظ من كونه مجرد وصف جغرافي إلى مفهوم سياسي وإستراتيجي يعبر عن مصالح القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من التحولات الدلالية التي مرَّ بها، فإنه لا يزال يعكس رؤية غربية تضع المنطقة في إطار يخدم الأجندات الدولية بدلًا من أن يعبر عن هويتها الحقيقية. ومع ذلك، يظل «الشرق الأوسط»، بتنوعه الثقافي والجغرافي، محورًا للتنافس العالمي، مما يجعل المصطلح أداة أساسية لفهم الديناميات الجيوسياسية الحالية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الولایات المتحدة الشرق الأوسط الشرق الأدنى م م هان

إقرأ أيضاً:

كيف تُثير «صدمات ترامب» الفوضى في الشرق الأوسط؟

منذ دخوله البيت الأبيض في 20 يناير (كانون الثاني) 2025، والرئيس دونالد ترامب يُوقِّع كل يوم عشرات الأوامر التنفيذية، ويُطلق العديد من التصريحات الإعلامية التي تُثير الجدل وتُشعل الخلافات والصراعات في الداخل الأمريكي ومع الدول الأخرى.

ويتعارض كثير من هذه التصريحات بشكل صريح مع قواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وتقاليد السياسة الخارجية الأمريكية. وهو ما يمكن القول معه إن سياسات ترامب في حال استمرارها على هذا النحو سوف تؤدي إلى تقويض أركان النظام الدولي الراهن، وزيادة مخاطر الفوضى والصراع وعدم الاستقرار في العالم.
ولا يُعد ترامب رئيساً عادياً، وإنما له أفكاره وخططه الصادمة التي تبعث على الدهشة والمفاجأة والالتباس. فهي عادةً أفكار عامة تشير إلى هدف دون توضيح كيفية وطريقة تنفيذه، ولا تستند إلى أُسس قانونية أو واقعية، ويتغير محتواها وتفاصيلها من تصريح لآخر، ويُكررها بعبارات واثقة من وقت لآخر؛ مما يؤدى إلى إشاعة مناخ الغموض والريبة وعدم الثقة. وتُمثل هذه التصريحات نوعاً من «المغامرة المحسوبة»، التي تُوجِد مناخاً من «الفوضى المنظمة» التي يتصور ترامب أنه يستطيع تحقيق أهدافه في سياقها، وإبرام الصفقات التي يريدها.

تهجير الفلسطينيين

لعل أول قضية في هذا الشأن هي ما سماه ترامب «نقل» الفلسطينيين من قطاع غزة إلى مصر والأردن، واختلفت تصريحاته ما بين أنه «نقل» مؤقت لحين إعادة تعمير غزة، أو الإبعاد النهائي والدائم لهم عنها. كما اختلفت ما بين أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تُسيطر على غزة، أو أنها سوف تشتريها أو أنها سوف تمتلكها دون توضيح كيفية هذا الامتلاك. واختلفت أيضاً ما بين أنه «ليس في عجلة من أمره»، وإعادة طرح الموضوع بقوة في المؤتمر الصحفي الذي سبق اجتماعه مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، وتأكيده أنه ملتزم بفكرته وعازم على تنفيذها وبقدرته على إقناع الدول العربية ذات الصلة بها. وأضاف ترامب أيضاً أنه قد يُعطى مناطق من غزة لدول أخرى للمساهمة في عملية البناء، وأنه يتواصل مع عدد من الدول لنقل الفلسطينيين إليها ليعيشوا في أمن ولا يتعرضوا للقتل، حسب تعبيره.
ويستخدم ترامب تعبيراً دبلوماسياً وهو «نقل»، الذي يعني في الواقع تهجير الفلسطينيين خارج بلادهم. وينظر ترامب إلى غزة من منظور المُطور العقاري، الذي وجد فيها منطقة تحتل موقعاً متميزاً على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، فرسم لها صورة ساحرة جذابة تقارب الريفييرا الفرنسية.
والمشكلة في هذه الفكرة أن الفلسطينيين لا يرغبون في مغادرة ديارهم، ويعرفون أن من يغادر أرضه لا يعود إليها، وأن الدول العربية ترفض قبول التهجير إليها لأنه يعني تصفية القضية الفلسطينية. وثمة أسئلة بديهية لا يُجيب عليها ترامب، فكيف سوف تمتلك الولايات المتحدة أو تُسيطر على غزة؟ ومن سوف يتحمل نفقات إعادة التعمير في ضوء أنه لن يستخدم الموازنة الأمريكية لهذا الغرض ورفض الدول العربية المشاركة في تنفيذ خطته؟ ومن سوف يُجبر الفلسطينيين على الرحيل وكيف؟

والفكرة لها مخاطرها السياسية والأمنية، وتأثيراتها السلبية في العلاقات العربية الأمريكية، وفي الاستقرار بالشرق الأوسط، ويُمثل طرحها تهديداً لتنفيذ اتفاقية وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس، وتُهدد بعودة القتال مرة أخرى واشتعال العنف في المنطقة. ثم إن مصر والأردن ترفضان التعاون في تنفيذ هذه الفكرة. ومعنى ذلك أنه سوف يكون على واشنطن أن تُمارس الضغوط السياسية والاقتصادية على الدولتين، كما هدد ترامب بالفعل؛ وهو ما سوف يؤدى إلى توتر العلاقات الثنائية معهما ويؤثر في المصالح الاستراتيجية الأمريكية بالمنطقة.
ويؤكد ذلك أن مجمل الدول العربية، وهم من شركاء وأصدقاء واشنطن، يرفضون فكرة التهجير، وأوضحوا مواقفهم في البيانات التي أصدروها. وانعقد مؤتمر لوزراء خارجية دول مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر، بمشاركة ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية والأمين العام لجامعة الدول العربية، في أول فبراير (شباط) الجاري، والذي رفض بيانه الأفكار المتعلقة بتهجير الفلسطينيين، مؤكداً أن الحل هو إقامة دولة فلسطينية على الأراضى المُحتلة في يونيو 1967، وبعث وزراء خارجية الدول الخمس بخطاب إلى وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، تضمَّن تلك المعاني. وبدأت الاتصالات لعقد مؤتمر قمة مُصغر في الرياض يعقبه مؤتمر قمة عربية طارئة في القاهرة يوم 27 فبراير الجاري.

صناعة الفوضى

أدت تصريحات ترامب ومواقفه من قضايا الشرق الأوسط، منذ توليه منصبه، إلى حالة من عدم الاستقرار، تمثلت فيما يلي:
1- تصاعد التوتر في العلاقة بين إسرائيل والدول العربية التي أقامت علاقات دبلوماسية معها، خصوصاً بعد انتقاد رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتانياهو، موقف السعودية، وزعمه أنها إذا كانت حريصة على إقامة دولة فلسطينية فيمكنها أن تفعل ذلك داخل أراضيها الشاسعة. وهي التصريحات التي وصفها بيان وزارة الخارجية المصرية «بغير المسؤولة» و«المستهترة» و«المنفلتة» و«المتهورة»، وأنها «مرفوضة جملة وتفصيلاً»، ووصفها بيان دولة الإمارات بـ«المستفزة» و«غير المقبولة»، مؤكداً رفض الدولة القاطع لها. وفي نفس الاتجاه، صدرت بيانات مماثلة من الأردن والبحرين والمغرب والسودان.
 2- توقف محاولات ترامب إقناع دول عربية أخرى بإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل وأبرزها السعودية، وهي المحاولات التي استمرت خلال إدارة الرئيس السابق بايدن، وأراد ترامب أن يُعطيها دفعة جديدة. فقد ربطت المملكة موقفها بموافقة إسرائيل على حل الدولتين، وأكد بيان وزارة الخارجية السعودية في 5 فبراير الجاري أن المملكة لن تُقيم علاقات مع إسرائيل دون موافقتها على إقامة دولة فلسطينية.
3- دعم أفكار ترامب الجناح اليميني المتطرف في إسرائيل، وفتح شهيته لمزيد من التوسع وضم الضفة الغربية، وخاصةً بعد تصريحاته المتعلقة بصغر مساحة إسرائيل. وظهر ذلك في لقاء ترامب مع نتانياهو في واشنطن يوم 4 فبراير الجاري، والدعم السياسي والعسكري الذي وفره لإسرائيل. ومن أمثلته، رفع القيود التي فرضتها إدارة بايدن على بيع بعض الأنواع المتقدمة من الأسلحة والذخائر، فأقر ترامب صفقة أسلحة جديدة بقيمة 7.4 مليار دولار، تشمل قنبلة (GBU-43/B) التي تزن الواحدة منها 11 طناً، ولها قوة تفجيرية هائلة، وتُعد من أقوى الأسلحة غير النووية والمخصصة لتدمير المخابئ والتحصينات العميقة تحت الأرض، والتي يُمكن أن تستخدمها إسرائيل في ضرب المواقع النووية والصاروخية في إيران.
وكان من شأن هذا الدعم الأمريكي، ازدياد شعور نتانياهو بالقوة، كما كشفت عن ذلك تصريحاته عن انتهاء فكرة الدولة الفلسطينية بعد 7 أكتوبر، وادعاؤه أن السلام يتحقق من خلال القوة، وأنه عندما تُكمل إسرائيل القضاء على «المحور الإيراني»، حسب تعبيره، فإن ذلك سيُمهد للاتفاق مع السعودية ودول أخرى. وتوسع نتانياهو في توجيه التُّهم لدول عربية، مثل السعودية كما ورد، ومصر التي اتهمها بأنها «تحافظ على أهالى غزة في سجن كبير وترفض السماح لهم بالخروج»، على حد زعمه، وهو ما استدعى رداً مصرياً قوياً استهجن هذه التصريحات، متهمة إياها بأنها محاولة للتضليل المتعمد لإخفاء ما قامت به إسرائيل من تدمير قطاع غزة.
4- تفاقم الأزمة الممتدة بين ترامب وإيران، فقد اتخذ الرئيس الأمريكي موقفاً جمع فيه بين الوعد والوعيد. ففي يوم 4 فبراير الجاري، وقّع ترامب مذكرة رئاسية بإعادة فرض «العقوبات القصوى» على طهران بسبب جهودها في تطوير السلاح النووي، والتي تضمنت إلغاء الإعفاء الممنوح إلى العراق لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران، وعدم تمكين طهران من استخدام النظام المالي العراقي للتهرب من العقوبات، وعدم استخدام موانئ دول الخليج كنقاط شحن لصادراتها. وصرح ترامب بأن الولايات المتحدة تمتلك الحق في منع إيران من بيع النفط إلى الدول الأخرى بما فيها الصين، ودفع صادراتها من النفط إلى «الصفر». وحذر من أنه إذا حاولت إيران اغتياله «فسوف نقضي عليها»، وأضاف أنه يأمل في عدم اتخاذ القرار بتنفيذ هذه المذكرة وأنه يسعى للوصول إلى اتفاق مع إيران.
ثم كرر ترامب تهديده مرة أخرى في 6 فبراير الجاري، مشيراً إلى أنه وضع خطة محكمة لمحو إيران في حال تعرضه للاغتيال. وفي تصريح آخر، قال إنه يفضل الاتفاق مع إيران بدلاً من قصفها، مضيفاً أن إسرائيل لن تقوم بتوجيه ضربة ضد إيران إذا تم الوصول إلى اتفاق مع واشنطن.
من جانبها، فهمت طهران أن ما يقصده ترامب هو «التفاوض من موقع القوة وتحت تهديد الضغوط الاقتصادية والسلاح». وكان رد المرشد الأعلى الإيرانى، علي خامنئي، في 7 فبراير الجاري، بأن المفاوضات مع واشنطن ليست أسلوباً ذكياً ولا حكيماً ولا شريفاً، وأن مشكلات إيران لن تُحل بالتفاوض مع ترامب، وذلك من واقع خبرة التعامل معه وقراره بالانسحاب من الاتفاق النووى الإيراني في مايو 2018. وبعدها بثلاثة أيام، صرح الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، بأن دعوة ترامب غير صادقة، كما أكد وزير خارجيته عباس عراقجي أن إيران لن تتفاوض تحت الضغط والتهديد باستخدام القوة، وأن هدف واشنطن هو «التفاوض على الاستسلام».
ولم تكتف إيران بإعلان المواقف والتصريحات السياسية، وإنما بعثت برسائل أخرى. ففي 2 فبراير الجاري، كشفت طهران عن صاروخ «اعتماد» الذي يصل مداه إلى 1700 كيلومتر، ويُمثل أحدث صواريخها البالستية بعيدة المدى، وعن قاعدة للصواريخ المضادة للسفن تحت الأرض، وتقدمها في مجال الأقمار الاصطناعية. وفي 8 فبراير الجاري، استقبل المرشد الأعلى وفداً من حركة حماس قدم له التهنئة بمناسبة ذكرى قيام الثورة الإيرانية.
5- عدم استقرار أسعار النفط، في ضوء دعوة ترامب للسعودية ودول منظمة «أوبك» إلى زيادة إنتاج النفط لخفض أسعاره. ففي خطابه الذي ألقاه عبر الإنترنت أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس يوم 23 يناير الماضي، طالب ترامب بخفض أسعار النفط وأنه إذا حدث ذلك فستنتهي حرب أوكرانيا. وكان تعليق وزير الاقتصاد السعودي في نفس المؤتمر أن هدف المملكة و«أوبك» هو استقرار سوق النفط على المدى الطويل. ويبدو أن سياسات ترامب أدت إلى عكس ما يهدف إليه، فقد كان من شأن قراره في 10 فبراير الجاري بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على جميع واردات الصلب والألومنيوم إلى الولايات المتحدة، ارتفاع أسعار النفط.
6- إثارة التوتر وعدم اليقين في قضايا إقليمية أخرى، ومنها تصريح ترامب في 30 يناير الماضى أنه يدرس استمرار وجود القوات الأمريكية في سوريا ويعتزم اتخاذ قرار بشأنها قريباً. ومنها أيضاً، تصريحات نائبة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، في بيروت التي دعت إلى عدم مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية؛ مما دفع الرئاسة اللبنانية إلى إصدار بيان نأت فيه بنفسها عن هذه التصريحات. هذا فضلاً عن توجيه ترامب لوزارة الخارجية الأمريكية بتعليق جميع المساعدات التي تقدمها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إلى الدول النامية، وقد تأثر بذلك آلاف الطلاب ومئات الجمعيات الأهلية.
ختاماً، يمكن القول إن الصورة التي يرسمها هذا المشهد للشرق الأوسط قلقة ومليئة بالأخطار والتوترات السياسية واحتمالات الفوضى والصراع المُسلح. وكثير منها سابق على وصول ترامب إلى الحكم، لكن أفكاره الصادمة وتصريحاته الاستفزازية رفعت درجة سخونتها، وبعضها من صنعه كتلك المُتعلقة بتهجير الفلسطينيين، وتحويل قطاع غزة إلى «ريفييرا الشرق الأوسط»، على حد وصفه. والنتيجة شيوع مناخ عدم اليقين والشك وانتشار الفوضى، بحيث يُمكن القول إن الشرق الأوسط يعيش فوق صفيح ساخن.

مقالات مشابهة

  • الخلل القاتل في الشرق الأوسط الجديد
  • د. وليد عبد الحي يرسم خارطة طريق مستقبل ترامب والإنعكاسات على الشرق الأوسط
  • مواصفات كاديلاك إسكاليد 2025
  • كيف تُثير «صدمات ترامب» الفوضى في الشرق الأوسط؟
  • منتدى الجزيرة.. إدارة ترامب تسعى لإنجازات زائفة عبر سلام غير عادل في أوكرانيا وغزة
  • تحذيرات استخباراتية لترامب وبايدن.. ماذا تخفي إسرائيل؟
  • علي الفاتح يكتب: المشروع المصري لإنقاذ الشرق الأوسط!
  • خبراء يوضحون مصير المشروع.. مؤامرة «ريفييرا» الشرق الأوسط إلى أين؟
  • الصدام بين رؤية ترامب للسياسة الخارجية وواقع الشرق الأوسط
  • تداعيات خطة ترامب لتحويل غزة إلى ريفييرا الشرق الأوسط على العراق