مشاركون بمنتدى الجزيرة يدعون لمشروع عربي موحد يقود عملية بناء سوريا
تاريخ النشر: 16th, February 2025 GMT
الدوحة- اتفق مشاركون في منتدى الجزيرة الـ16 بالدوحة على أن سقوط نظام الأسد هو فرصة لبناء مشروع عربي مشترك يحقق الأمن القومي العربي ويفيد الشعب السوري، معتبرين أن عملية إعادة بناء سوريا الجديدة وتحقيق الاستقرار لن تكون سهلة، خاصة أن تعدد المكونات.
وشددوا على أن القوى الإقليمية ستلعب دورا مهما في تحديد شكل النظام السياسي الجديد وطريقة فرض الحلول السياسية، خاصة أنها قد تكون بحد ذاتها أحد التحديات التي تواجه عملية التحول، إذ من الممكن أن تتحول إلى وقود لإشعال الساحة إذا لم يتم الأخذ بعين الاعتبار على الأقل بجزء من مصالحها.
ويرى المشاركون في المنتدى، الذي يعقد على يومين تحت عنوان "من الحرب على غزة إلى التغيير في سوريا: الشرق الأوسط أمام توازنات جديدة"، أن إسقاط النظام السوري يعد مرحلة وليس كل شيء، وأن التحدي الآن أكبر وليس أقل من إسقاط النظام الذي ترك دولة مدمرة كليا على كافة الجوانب، الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية.
وفي الجلسة الثانية من أعمال المنتدى تحت عنوان "تغيير النظام في سوريا: آثاره في الداخل وأبعاده الإقليمية"، أكد الأمين العام لملتقى العدالة والديمقراطية والقيادي بالجماعة الإسلامية في لبنان عزام الأيوبي، أهمية إيجاد قاعدة مشتركة بين الدول العربية متعلقة بالأمن القومي العربي، وكيفية التعاطي مع المشاريع الموجودة في المنطقة، ومنها المشروع الإسرائيلي الاحتلالي التوسعي، والمشروع الإيراني الذي يستفيد من الفراغ الموجود في العالم العربي، وغيرهما.
وقال الأيوبي للجزيرة نت إن غياب المشروع العربي يفسح المجال أمام المشاريع الأخرى للتمدد داخل المنطقة، وبالتالي تهديد الأمن العربي، لذلك يجب استغلال سقوط نظام الأسد، والجلوس من أجل إيجاد مشروع يوحّد العرب ويحقق أمنهم.
إعلانوأكد أهمية ذلك خاصة أن بعد تعرض العالم العربي "لابتزاز واضح وصريح يمس أمنه القومي بسبب المقترح الأميركي تهجير الفلسطينيين، وهو مشروع صهيوني سيهدد بقاء أنظمة عربية ومنها الأردن ومصر" حسب وصفه.
وأضاف أن بعض الأنظمة العربية ما زالت تسير في الاتجاه المعاكس، وضد مصلحة النظام العربي وضد نفسها، بحيث تحقق مصالح مشاريع أخرى، كما كان يفعل النظام السوري السابق للمشروع الإيراني، لكنه شدد على أن التوصل إلى مشروع عربي مشترك قد يستطيع على الحد الأدنى، أن يدفع التحديات والمخاطر التي تأتي من المشاريع الأخرى في المنطقة.
وأوضح أن بناء سوريا الجديدة وتحقيق الاستقرار لن يكون بالأمر السهل، خاصة أن مكونات الشعب السوري ليست واحدة، وأن الإدارة السورية الحالية -حتى اليوم- لا تسيطر على كل الأرض السورية، "فهناك الشرق السوري الذي تسيطر عليه تنظيمات الأكراد المدعومة أميركيا، والجنوب السوري الذي يضم قوى خارج إطار الإدارة، حتى المكونات التي كانت جزءا من النظام السابق لم تنته وما زالت موجودة".
ووفقا للأيوبي "لا يمكن بناء سوريا الجديدة دون الأخذ بعين الاعتبار كل التحديات المتعلقة بالبنية التحتية المدمرة والظروف الاقتصادية المتدهورة والأمنية الهشة".
كما أشار إلى دور القوى الإقليمية التي تعد بحد ذاتها أحد أهم تحديات عملية التحول، "لذلك لا يجوز أن نأخذها على أنها بمثابة تدخل خارجي أو توزيع حصص، لأنها قد تعيق عملية الاستقرار، وتحول الأمر من حالة بناء لسوريا إلى صراع داخلي قد لا ينتهي" وفقا للأيوبي.
اعتبر الأكاديمي والمحامي والدبلوماسي السابق حسام حافظ أن هناك حاجة ملحة لمشروع عربي موحد تجاه الدولة الجديدة التي تخلق في سوريا، يساعد على سلمية عملية التحول والاستقرار في البلاد على كافة الجوانب، سواء كانت سياسية أو أمنية أو اجتماعية أو اقتصادية، ومن ثم ينعكس إيجابيا على الأمن القومي العربي.
إعلانوشدد حافظ للجزيرة نت على "ضرورة صياغة مشروع عربي إيجابي من شأنه أن يخفف من حالة الاحتقان في سوريا، ويخرج البلاد من حالة الصراع ويحافظ على هذه التجربة، ويساهم في عملية البناء، وكذلك يدعم القضية الفلسطينية، والأمن القومي العربي".
وأضاف أن "الاستقرار في سوريا مصلحة عربية عامة، لذلك يجب الحفاظ على أسس معينة في بناء الدولة الجديدة، ومنها العدالة الانتقالية، وإعلان دستوري يحدد ملامح الفترة المقبلة، خاصة أن الوصول إلى حالة انتقالية منضبطة ودولة ديمقراطية ما زال بعيدا".
وأوضح حافظ -خلال الجلسة- أن الرهان كبير على الشعب السوري لإنجاح هذه التجربة، وضمان عملية التحول السلمي، "خاصة أنه يضم مكونات وقوى مختلفة، وأنه من الصعب في الفترة المقبلة أن يحكم البلادَ مكون واحد من جديد"، لافتا إلى أن التحديات كبيرة بعدما ترك النظام البلاد مدمرة كليا.
رأى مؤسس ومدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني أن "سوريا تعيش حاليا مرحلة تغيير جذري، بعد إسقاط نظام دكتاتوري ظل مدة 50 عاما"، وأضاف أن "التحديات أمام الشعب السوري ما زالت كبيرة جدا، لذلك الأمر يحتاج إلى توافق عربي لإنجاح هذه التجربة"، حسب وصفه.
وأوضح أن أكبر تحدٍّ هو إعادة الحياة الاقتصادية، "لأنه لا يواجه الحكومة فقط، وإنما يواجه المواطن السوري سواء داخل أو خارج البلاد، فضلا عن العقوبات المفروضة على النظام السوري والتي تمثل عائقا كبيرا أمام إعادة الإعمار".
وتوقع أن تتحول سوريا من نظام حكم الفرد إلى التعددية والديمقراطية، لكنه شدد في الوقت نفسه على أن هذا الأمر يواجه تحديات كبيرة، منها معالجة الوضع الأمني الهش، عبر جمع القوات العسكرية المختلفة تحت مؤسسة واحدة تابعة للدولة، وكذلك بناء تحالفات إقليمية جديدة تساهم في تسريع عملية التحول السلمي للبلاد.
إعلانأما الأستاذ المشارك في قسم العلوم السياسية بجامعة السلطان قابوس، إسماعيل نعمان تلجي، فقد شدد على أن الدول العربية وخاصة دول الخليج بمواردها الاقتصادية، ستلعب دورا مهما في إعادة بناء سوريا، حيث إنها ستحاول الانتفاع من ذلك في زيادة وتقوية نفوذها الإقليمي في ظل اضمحلال النفوذ الإيراني.
وقال تلجي إن قطر والسعودية متحمستان لدعم الإدارة السورية الجديدة، وإن هناك مجالات كثيرة للتعاون، خاصة في الناحية الاقتصادية التي تمثل حاجة ملحة للسوريين حاليا، مشيرا إلى أن "الملف الأمني مهم جدا في ظل وجود فلول لتنظيم الدولة الإسلامية، لذلك يجب التعامل معه بطريقة فعالة وسليمة، كي لا يشكل تهديدا على نجاح التجربة السورية خاصة وأمن المنطقة عامة".
وأضاف أن تركيا تدعم منذ البداية الثورة السورية، ولم توقف إطلاقا هذا الدعم، وأنها ستسعى خلال الفترة المقبلة لمساعدة سوريا في الوصول إلى الحوكمة والديمقراطية والاستفادة من التجربة التركية، وكذلك تقوية المؤسسات والتعددية، حيث إن الوضع الديمقراطي سيكون الأكثر حكمة لسوريا، وسيجعلها أكثر اندماجا في المنطقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات سوریا الجدیدة القومی العربی عملیة التحول الشعب السوری بناء سوریا مشروع عربی فی سوریا وأضاف أن خاصة أن على أن
إقرأ أيضاً:
مجالس الصلح في سوريا.. تساند القضاء وتحل النزاعات وديا
ريف دمشق – بهدف تسوية النزاعات الأهلية والمجتمعية والتحكيم العادل في القضايا العالقة بين المتنازعين، شكَّل وجهاء وحقوقيون وزعماء دينيين مجالس صلح عامة في مدن وبلدات سورية، ويزاول عدد من تلك المجالس أعماله بالتنسيق مع النيابة العامة التابعة لوزارة العدل السورية.
ويعد مجلس الصلح في مدينة دوما، إحدى ضواحي دمشق ومركز ريفها، مثالا نموذجيا لتلك المجالس، حيث شُكّل في فبراير/شباط الماضي وتمكن حتى الآن من التسوية والفصل في عشرات القضايا المعروضة عليه من قبل الأهالي في الغوطة الشرقية.
ويضم المجلس قضاة ومحامين وزعماء دينين ورجال أعمال، ويعمل على تجاوز إرث التفرقة الذي خلَّفته سياسات النظام السوري المخلوع بين السوريين على مدى 14 عاما، وعلى احتواء الصراعات المختلفة التي نشأت بعد سقوط بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وعودة آلاف المهجرين لمنازلهم في ريف دمشق.
ويهدف مجلس الصلح لإعادة بناء الثقة بين كافة مكونات المجتمع السوري، وتجاوز التحديات الراهنة، وإرساء قواعد تضمن استمرارية المسار الإصلاحي بعد انتصار الثورة السورية، وذلك بالاعتماد على مجموعة من الخبرات المحلية في دوما.
وحول أسباب تأسيس مجلس الصلح في دوما، يقول مؤسس المجلس المهندس نزار الصمادي إن "الدافع الأساسي يكمن في إرساء الصلح المجتمعي لأهميته في بناء مجتمع مستقر وتعزيز السلم الأهلي بعد انتصار الثورة في سوريا".
ويضيف الصمادي للجزيرة نت أن ذلك يتم "عبر حل الخلافات التي نشأت جراء انقسام المجتمع في سوريا بين مؤيد ومعارض بسبب الدور الخبيث الذي لعبه النظام البائد عبر تكريس الخلافات الأفقية بين السوريين في المجتمع والبلدات وحتى ضمن أفراد الأسرة الواحدة".
إعلانويتابع أن المجلس يعمل على تكريس الصلح الذي ينهي الخلافات بين المتخاصمين بطرق "ودية وبناء على مبادئ العدل والرحمة والحكمة".
كما أن المجلس قد يلجأ للتحكيم، إذا استحال الصلح بين المتخاصمين، وسيلةً لحل النزاعات خارج المحاكم القضائية بتنسيق مع النيابة العامة التي تجعل من قرار المجلس "ملزما" عند حضور الطرفين وتوقيعهما على صك القبول.
ويؤكد الصمادي أنه تم اختيار أعضاء المجلس بعناية، حيث يتألف من 16 شخصا، مقسمين لثلاث لجان، وكل لجنة تضم زعيما دينيا ومحكّما وقانونيا (قاضيا أو محاميا) وخبيرا عقاريا إضافة لأحد وجهاء البلدة.
وعن آليات التحكيم، يقول الصمادي إنها تبدأ بتوقيع الطرفين المتنازعين على صك تحكيم يقضي بقبولهما حكم المجلس، ومن ثم تُدون الوقائع بين المتخاصمين، والاستماع للشهود وجميع الأطراف قبل اللجوء إلى الصلح أو إصدار الحكم.
وتأتي أهمية المجلس من التزامه بمبدأ تغليب الصلح ما استطاع أعضاؤه ذلك، وحل القضايا في وقت قصير نسبيا مقارنة بالمحاكم، وتسهيل الإجراءات القانونية، وتقليل التكاليف الباهظة لإجراءات المحاكم، وتخفيف العبء عن الجهات المختصة.
"الملكية" أكثر النزاعاتويقول محمود هارون، أحد أعضاء مجلس الصلح، للجزيرة نت إن "الخلافات كبيرة بين الناس، وهناك ضغط كبير على القضاء، ولذلك أنشئ المجلس، وأهم ما نلتزم به هو إرضاء طرفي النزاع قدر المستطاع، وأن يُلزم الحل أو الحُكم كليهما".
واستقبل المجلس منذ إنشائه قضايا مختلفة شملت خلافات أسرية، وفض شراكات، وقضايا اقتتال، ونزاعات ملكية، وحوادث سير، وهي قضايا "حُلّت أغلبها بفضل الله"، حسب هارون.
في حين يشير نزار الصمادي إلى طغيان "نزاعات الملكية" على سائر القضايا الأخرى المعروضة على المجلس، وذلك بسبب مرسوم فرضه "النظام البائد" كان يقضي بعدم الاعتراف بعقود البيع والشراء التي صدرت في المناطق الخارجة عن سيطرته عام 2012.
إعلانويضيف الصمادي، الذي ترأس بلدية دوما وكان عضوا في المجالس المحلية في الغوطة الشرقية عندما سيطر عليها الثوار، أنهم عملوا آنذاك على تسجيل تلك العقود في حينها، لكن مع عودة الغوطة الشرقية لسيطرة النظام عام 2018، ألغى الأخير كافة العقود التي أشرفت عليها المجالس المحلية.
ويقول "كما زوَّر كثير من ضعاف النفوس عقود بيع وشراء ظنا منهم أن المُهجَّرين قسرا لن يعودوا إلى بلداتهم، لهذا تأتينا الكثير من نزاعات الملكية".
وإلى جانب قضايا الملكية، هناك شكاوى مرتبطة بصراعات بين المؤيدين والمعارضين للنظام السابق، وقضايا خلاف أسري، التي يلجأ المجلس إلى التحكيم فيها وفق مبدأ "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"، مما يسهم في بناء مجتمع مستقر انطلاقا من الأسرة وصولا إلى الدوائر الكبرى كحل الخلافات والنزاعات بين بلدات بأكملها.
ويختلف هذا المجلس عن مجالس الصلح الأخرى التي تأسست بعد سقوط النظام بسبب دمجه لجان المصالحة مع التحكيم في آن واحد، في حين تعتمد المجالس الأخرى على إجراءات الصلح فقط، وقد لا تتضمن اختصاصين أو تحكيما ملزما.
مهام المجالسوتشهد مدن وبلدات عدة في سوريا إنشاء مجالس صلح عام منذ سقوط نظام بشار الأسد، كمجلس الصلح في ناحية الحمراء في ريف حماة الشرقي، ومجلس الصلح في منطقة الصبيخان في محافظة دير الزور، ومجلس الصلح في منطقة السفيرة في محافظة حلب.
وتعمل معظم هذه المجالس بالتنسيق مع "مجلس الصلح العام" في منطقة حارم بمحافظة إدلب، والذي تم تأسيسه مطلع عام 2024 بالتنسيق مع الجهات المختصة في مدينة إدلب التي كانت حينها تخضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية المسلحة.
ويحدد مجلس الصلح العام مهامه في تعزيز القيم الإسلامية والأخلاقية كالعفو والتعاون والتسامح والمودة، واحتواء النزاعات وحلها بعيدا عن العنف، وتعزيز وحدة وتماسك أفراد المجتمع والحفاظ على توازنه، وتخفيف العبء عن دُور القضاء ومنحها تركيزا أكبر للتعامل مع القضايا الكبرى، ونبذ الكراهية والتعصّب ونشر ثقافة التسامح والتعايش بين الأهالي، وتقليل الكلفة المادية للقضايا التي يكون المال شرطا لحلها.
إعلانكما تعزز هذه المجالس الاستقرار في عموم سوريا، وتنشر ثقافة حل المنازعات بالطرق السلمية دون الانجراف للعنف، وذلك في ظل جمود مسار العدالة الانتقالية الرسمية في بلاد مزقتها الحرب، وفرَّقت وخلقت العداوات بين سكانها طيلة 14 عاما.