العوائد الاجتماعية لسياسات المحتوى المحلي
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
يتصاعد الاهتمام منذ عقود بسياسات المحتوى المحلي، كإحدى سياسات تمكين الاقتصاد المحورية وذلك لدفع نمو قيمة ومساهمة العناصر المحلية واستفادتها في المجمل من النمو الاقتصادي، وفكرة المحتوى المحلي تركز على الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها مضاعفة مساهمة عناصر الإنتاج المحلية (العمل، الأرض، رأس المال، ريادة الأعمال) في مجمل عمليات الإنتاج والعمليات الاقتصادية، ووضعها في الآن ذاته كمستفيد أول من نتاج تلك العمليات؛ بما يعني زيادة مستويات الاكتفاء الذاتي، وتطوير القدرات المحلية، وتمكين الفرص الاقتصادية، والإبقاء على أكبر قدر من المال المنفق ضمن دورة السوق المحلية.
ومع اهتمام سلطنة عُمان بوضع أطر متكاملة – على المستوى الوطني – لسياسات المحتوى المحلي، فإنها تستفيد من إرث تجربة جيدة بدأت في قطاعات النفط والغاز (باعتبارها محور الثروة والعمليات الاقتصادية) منذ أكثر من عقد من الزمن، واستطاعت تعظيم قيمة بعض عناصر الإنتاج المحلية لهذه القطاعات، ولعل أهمها العنصر البشري، ولذا تسعى اليوم الموجهات الحكومية إلى سحب تلك التجربة ووضعها في إطار وطني شامل لكافة القطاعات الاقتصادية التي تتماس بشكل مباشر مع الإنفاق الحكومي والخاص، لتعزيز أكبر قدر من ذلك الإنفاق داخل السياق المحلي، ولتعظيم استفادة السوق المحلية – بما فيها رواد الأعمال – من الفرص الاقتصادية التي يتيحها ذلك الإنفاق بأشكاله المتعددة. نشهد ذلك الاهتمام باعتماد السياسة الوطنية للمحتوى المحلي، ومباشرة الجهات ذات العلاقة بتحويل مقاصد تلك السياسة إلى إطار استراتيجي يتضمن فرصا محددة وواضحة، عبر ما شهده مؤخرًا المختبر الوطني للمحتوى المحلي، وهي جهود – على المستوى الاقتصادي – نعتقد أن أثرها سيكون دافعًا لتعظيم قيمة عناصر الإنتاج المحلية.
في الواقع فإن قيمة التركيز وأثره في سياسات المحتوى المحلي يتجاوز منافعه الاقتصادية إلى جملة من العوائد والمنافع المرتبطة بالشق الاجتماعي The socio-economic impact وهذه العوائد تتصل في تقديرنا بتعزيز سعة وصلابة الطبقة الوسطى في المجتمع، وتمكين فئة رواد الأعمال، بالإضافة إلى المساهمة في حلحلة إشكالات البطالة، والاستثمار الجيد في المهارات، وتعزيز قيمة العلم والابتكار والتقانة في المجتمع، وتوسيع نطاق القدرة الشرائية بالنسبة للمؤسسات والأفراد، وتحقيق مستويات أعلى بين مؤسسات الاقتصاد والمجتمع. وسنحاول أن نشرح بعض هذه العوائد عبر الأمثلة والمقاربات. ففي نيجيريا على سبيل المثال؛ تم في عام 2010 سن قانون The Nigerian Oil and Gas Industry Content Development Act (NOGICDA) الذي يعنى بحوكمة المحتوى المحلي وتنظيمه في صناعات النفط والغاز النيجيرية، وكان من الآثار المباشرة لسن ذلك القانون – حسب ما تبينه الدراسات – أن المشاركة المحلية (دور عناصر الإنتاج المحلية) في القطاع كانت أقل من 10%، أما بعد صدور القانون فقد ارتفعت تلك النسبة إلى ما يقرب 45%. وفيما يتعلق بالأثر (الاقتصادي الاجتماعي) الذي نركز عليه؛ فإن التحليلات تشير إلى أنه في الماضي كانت الكفاءات الأجنبية تشغل نحو 90% من المناصب القيادية في صناعة النفط النيجيرية أما اليوم، فإن المعادلة قد تغيرت وأصبح 90% من المناصب القيادية في شركات النفط الكبرى يشغلها نيجيريون، مع الأخذ في الاعتبار الأسس والمعايير العالية لهذه القدرات للاشتغال في قيادة هذه الصناعة. وفي النرويج قاد الاهتمام بسياسات المحتوى المحلي في قطاع النفط طفرة كبيرة في نمو برامج التدريب المهني، وفي زيادة إقبال الأفراد عليها، لتمكين المهارات ومواكبة متطلبات الصناعة القائمة، وشحذ القدرات نحو القطاعات الأكثر طلبًا، ويمكّن الاهتمام بسياسات المحتوى المحلي وما تتضمنه من محددات لنقل الابتكار والتكنولوجيا وإعطاء سعة أكبر لشراكة الشركات الكبرى مع بيوت الابتكار سواء كانت شركات طلابية، أو حاضنات، أو مؤسسات صغيرة ومتوسطة من الدفع بأهمية قيمة الابتكار، وبربط الشباب المبتكرين، والفاعلين الصاعدين في هذا المجال بالشبكات والشركات الكبرى، مما يعزز بدوره قيمة العلم، والإنتاج العلمي، كما أن الدور الذي تركز عليه سياسات المحتوى المحلي فيما يتعلق بتجزئة سلسلة التوريد (الاعتماد على سلسة توريد محلية متكاملة) يمكن أن يوجه رواد الأعمال والشركات الصغيرة والناشئة إلى الفرص الحقيقية، التي تضمن أن تتوجه معها أفكارهم إلى خدمات ومنتجات أكثر طلبًا، وهو ما يعزز السوق المحلية واكتفاءها من ناحية، ويفتح الفرص للشباب في سن العمل للانطلاق إلى حقل ريادة الأعمال بثقة، ودون هواجس مرتبطة بضعف الطلب في السوق أو عدم قبول المنتجات والخدمات، أو إلى تحمل كلفة المخاطر، وهذا بدوره على المدى البعيد يمكن الطبقة الوسطى التي يشكلها هؤلاء الفاعلون الاقتصاديون مع أسرهم ضمن سياق بنية المجتمع.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
أمنستي: سياسات المحتوى الجديدة لميتا تؤجج العنف الجماعي والإبادة
قالت منظمة العفو الدولية إن سياسات المحتوى الجديدة لشركة "ميتا" تخاطر بتأجيج المزيد من العنف الجماعي والإبادة الجماعية، وذكرت بمساهمة الشركة في الفظائع التي حلت بالمسلمين في ميانمار.
ووفق المنظمة، فإن سياسة المحتوى المعلنة مؤخرا للشركة المالكة لفيسبوك "تشكل تهديدا خطيرا للمجتمعات الضعيفة على مستوى العالم وتزيد بشكل كبير من خطر مساهمة الشركة مرة أخرى في العنف الجماعي وانتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، تماما كما فعلت في ميانمار في عام 2017".
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2محامون مغاربة يطالبون باعتقال وزيرة إسرائيلية مدعوة لمؤتمر دولي بالمملكةlist 2 of 2عمره 15 عاما.. الاحتلال يسجن طفلا مقدسيا 18 عاما وهذه تهمتهend of listوأشارت المنظمة إلى أن "المساهمة الكبيرة للشركة في الفظائع التي عانى منها شعب الروهينغا (المسلم) موضوع شكوى جديدة من المبلغين عن المخالفات تم تقديمها للتو إلى لجنة الأمن والحماية في النظم الإلكترونية (إس إي سي)".
وفي السابع من يناير/كانون الثاني، أعلن المؤسس والرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ عن مجموعة من التغييرات على سياسات المحتوى الخاصة بشركة ميتا، "تهدف على ما يبدو إلى كسب ود إدارة ترامب الجديدة".
وتشمل هذه التغييرات، وفق المنظمة، رفع الحظر عما كان محظورا من قبل، مثل التشهير ومضايقة الأقليات العنصرية. كما أعلن زوكربيرغ عن تحول جذري في ممارسات تعديل المحتوى، مع التراجع بشكل كبير عن تعديل المحتوى الآلي.
إعلانوفي حين تم تنفيذ هذه التغييرات في البداية في الولايات المتحدة، أشارت ميتا إلى أنه قد يتم طرحها دوليًا. وقالت المنظمة الحقوقية إن هذا التحول يمثل تراجعا واضحا عن التزامات الشركة المعلنة سابقا بشأن حوكمة المحتوى.
ونسبت المنظمة إلى موظف سابق في ميتا قوله "أعتقد جازما أن هذه مقدمة للإبادة الجماعية […] لقد رأينا ذلك يحدث. ستتعرض حياة الناس الحقيقيين للخطر بالفعل".
وقالت المنظمة إنها وثقت، مع آخرين، أن خوارزميات ميتا "تعطي الأولوية لبعض المحتوى الأكثر ضررا وتضخمه، بما في ذلك الدعوة إلى الكراهية، والمعلومات المضللة، والمحتوى المحرض على العنف العنصري".
وأوضحت أن كل ذلك يأتي تحت اسم " تعظيم مشاركة المستخدم"، وبالتالي "الربح". وأظهرت الأبحاث أن هذه الخوارزميات "ترفع باستمرار المحتوى الذي يولد ردود فعل عاطفية قوية، الذي غالبا ما يكون على حساب حقوق الإنسان والسلامة".
وأضافت أنه مع إزالة ضمانات المحتوى الحالية، "يبدو أن هذا الوضع سينتقل من سيئ إلى أسوأ".