سلوى حجازي التي رفضتها الإذاعة
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
تفاصيل كثيرة تدعو المرء للإعجاب بكتاب «سلوى: سيرة بلا نهاية» للباحث المصري كريم جمال، الصادر هذا العام عن مكتبة تنمية بالقاهرة في الذكرى الخمسين لاستشهاد المذيعة التلفزيونية والشاعرة المصرية سلوى حجازي، في حادثة إسقاط طائرتها المدنية القادمة من ليبيا من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في 21 فبراير 1973، في جريمة مروّعة هزت العالم آنئذ.
لكنني لضيق مساحة هذا العمود أولًا، ولرغبتي في الحديث عن اليوم العالمي للإذاعة الذي وافق يوم الخميس الماضي، ثانيًا - سأختار الحديث عن تفصيل واحد فقط استوقفني في سيرة سلوى المهنية؛ ألا وهو علاقتها بالإذاعة، التي أدهشتني في نقطتين تكادان تكونان نادرتين.
ربما كان جيلي، الذي وُلِد في سبعينيات القرن الماضي لا يعرف من هي سلوى حجازي، لكن المؤكد أن كل من وعى فترة الستينيات المهمة في التاريخ العربي يعرفها جيدا، فتلك الفترة كانت فترة المدّ القومي العروبي ومجابهة قوى الاستعمار والاستكبار العالمي، وهي أيضًا الفترة الذهبية للثقافة العربية أدبًا وفنًّا وسينما وغناءً وموسيقى، والتي أدى التلفزيون المصري دورًا كبيرًا في إبرازها، وكانت سلوى حجازي في القلب من هذا الدور، ويكفي أن نذْكُر قائمة من حاورتْهم من نجوم الفن والأدب خلال ذلك العقد المهمّ من التاريخ لنعرف حجم تأثيرها في المشهد الإعلامي العربي؛ خاصة أن بعض هؤلاء كانوا يظهرون للمرة الأولى في حوار على شاشة التلفزيون، وبعضهم كان يشترط أن تكون سلوى حجازي محاوِرتَه لا سواها؛ وتضم القائمة الموسيقار محمد عبدالوهاب والمطربة نجاة الصغيرة، والشاعر نزار قباني، والمطربة فيروز والأخوين رحباني، والشاعر والمسرحي بديع خيري، والشاعرين صلاح عبدالصبور وصلاح جاهين، والمطرب عبدالحليم حافظ والمترجم سامي الدروبي، وعشرات غيرهم، دون أن ننسى أنها كانت المذيعة التي رافقت كوكب الشرق أم كلثوم في حفلتيها في باريس عام 1967 بطلب من سيدة الغناء العربي التي خصّتها خلال تلك الرحلة بمقابلة تلفزيونية قصيرة مدتها عشر دقائق.
النقطة الأولى التي استوقفتْني في سيرة سلوى حجازي المهنية، والتي عليّ أن أذكِّر هنا أنها كانت شابة رائعة الجمال حين تقدمت لمسابقة اختيار المذيعات في صيف عام 1960 كما يسرد كريم جمال في كتابه، وكما تشهد صورة الغلاف المنتقاة بعناية، أن الذي اختارها لتكون مذيعة (مع 8 مذيعات أخريات من ضمن 1200 شابة تقدمن لهذه الوظيفة) هو خبير إذاعة لا تلفزيون، وهذا أمرٌ مفهوم؛ فحين أُعلِنَ عن المسابقة في الصحف لم يكن التلفزيون المصري قد تأسس بعد، وما هذا الإعلان إلا إحدى لَبِنات تأسيسه، وكان طبيعيًّا أن يُستعان بالخبرات الإذاعية. التفصيل المهمّ هنا أن سلوى حجازي لم تُخْتَر لجمالها فقط، بل لثقافتها العالية أيضا، وهذا ما أكّده الإذاعي المصري صلاح زكي (أحد أعضاء اللجنة المشرفة على عملية اختيار المذيعات) بعبارة كتبها في ورقة موضوعة أمامه: «قطة بلا مخالب، صوتها حلم، وثقافتها لا تقاوم»، لتطوف هذه الورقة على أعضاء اللجنة الآخرين إلى أن تصل إلى رئيسها عبدالحميد يونس فيؤشّر عليها بالموافقة، مضيفًا عبارة: «وجه جميل، ومثقف، ولائقة للعمل».
وإذن؛ قُبِلت سلوى حجازي مذيعةً تلفزيونية في 12 يوليو 1960، وهو اليوم الذي اختاره كريم جمال بذكاء ليبدأ به سرد سيرة حياتها، ورغم أنها نجحتْ في الدخول إلى قلوب المشاهدين بسهولة، إلا أنها ظلتْ خلال السنوات الأربع الأولى من عملها - وعلى عكس كثير من المذيعات في ذلك السن «لا ترى في الأضواء المبهرة، التي تحيط بها من كل جانب، إلا بريقا وقتيا زائلا» كما يروي كريم من خلال تحليله لقصائدها التي كُتِبتْ خلال تلك الفترة، و«أن تلك الشهرة المتزايدة ربما ستتلاشى قريبا، ويضيع اسمها ككثير من الأسماء التي فقدت قيمتها من قبل مع مرور الأيام»، وينقل كريم عن أستاذ علم نفس مصري وقتها أن ما عانتْه سلوى من قلق «ما هو إلا تناقض وجداني بسبب ذلك الصراع الكبير بين حساسيتها وشاعريتها المفرطة من جهة؛ ورهابها من الضوء وقيوده المتراكمة عليها بحكم دورها الإعلامي - من جهة أخرى».
وإذن، ورغبةً في الهروب من الأضواء تقدمت سلوى حجازي بطلب التحول من مذيعة تلفزيونية إلى مذيعة في الإذاعة في إبريل من عام 1964، وهذه هي النقطة الثانية التي أثارتْ اندهاشي في سيرتها المهنية، ذلك أننا اعتدنا في مشهدنا الإعلامي العربي أن يتألق المذيع أمام ميكروفون الإذاعة أولًا ويتأسس فيها، ثم ينتقل بعد ذلك إلى أضواء التلفزيون، والأمثلة على ذلك عديدة، فكثير من نجوم قناة الجزيرة على سبيل المثال - كمحمد كريشان وفيصل القاسم وسامي حداد بدأوا مذيعين في الإذاعة قبل أن يصبحوا نجومَ تلفزيون، وهكذا أيضًا بعض نجوم شاشتنا العُمانية مثل محمد المرجبي وخالد الزدجالي.
لكن سلوى حجازي قلبتْ الآية، فقد تألقتْ تلفزيونيًّا أولًا ثم سعت لأن تكون إذاعية، «وأقنعت نفسها أنها وجهة مناسبة لها» كما يشرح مؤلف الكتاب؛ «فوراء الميكروفون الإذاعي لا قيود تُفرَض على المذيعة، أو على الأقل ليس بقدر ما تعانيه من قيود الكاميرات؛ فهناك، لا قلق من الصورة، ولا مساحيق إجبارية لا مفر منها، ولا ابتسامة زائفة تخالف حقيقة مشاعرها أحيانًا».
وإذا كنا نتفهّم هذه الدوافع من سلوى للرغبة في التغيير فإننا نتفهم أيضًا رد عبدالحميد الحديدي مدير عام البرامج في الإذاعة المصرية آنئذ على طلبها: «إن الإذاعة يسعدها أن تضم مذيعة ناجحة إلى أسرتها، ولكن التلفزيون أيضًا يجب ألا يُفرِّط في نجومه اللامعين الذين أحبهم الجمهور»، لذا فإنه لا يمكن أن يقبل ذلك الطلب، ولا يمكنه أن يخطف من التلفزيون أنجح مذيعات جيلها في سنوات تكوينه الأولى.
وحسنًا فعل الحديدي، فكم من الحوارات التلفزيونية الثرية كنا سنخسر لو أن سلوى حجازي انتقلت للإذاعة في ذلك الوقت المبكِّر من مسيرتها المهنية.
سليمان المعمري كاتب وروائي عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
مناصرو فلسطين يرشقون مبنى BBC بالطلاء الأحمر احتجاجا على انحيازها للاحتلال
احتج ناشطون مناصرون لفلسطين على انحياز هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" للاحتلال الإسرائيلي في تغطيتها للتطورات في قطاع غزة عبر طلاء المقر الرئيسي للهيئة الواقع في العاصمة لندن.
واحتشد أعضاء من مجموعة "العمل الفلسطيني" (بالستاين أكشن) أمام مقر هيئة الإذاعة البريطانية في لندن حيث ألقوا الطلاء الأحمر على الواجهة الخارجية للمبنى في إشارة إلى دماء الضحايا الفلسطينيين.
نشطاء العمل الفلسطيني يستهدفون بالطلاء الأحمر مقر هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) في بورتلاند بلايس، لندن، بسبب تحيزها الإعلامي للاحتلال الاسرائيلي . #عرب_لندن pic.twitter.com/mKFqvppgrd — Arab-London عرب لندن (@arablondon4) February 17, 2025
وأقدم النشطاء المناصرون لفلسطين في احتجاجهم الذي انطلق مساء الاثنين، على تحطيم بعض نوافذ مقر "بي بي سي" في لندن، متهمين الإذاعة البريطانية بالانحياز إلى دولة الاحتلال والتستر على جرائم الحرب التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
وقال مناصرو فلسطين في بيان، إن هيئة الإذاعة البريطانية "تضلل الأحداث في غزة وتنقلها بشكل مغاير للحقيقة"، إضافة إلى أنها تخفف من وطأة جرائم الحرب التي ترتكبها دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين.
وقال متحدث باسم المجموعة إن "تغطية بي بي سي المنحازة ليست مجرد خطأ صحفي، بل مسألة تؤثر على حياة الناس"، معتبرا أن "بي بي سي التي تبرئ إسرائيل من جرائمها شريكة في الإبادة الجماعية التي تحدث في غزة".
يشار إلى أن هذه هي المرة الثانية التي يستهدف بها نشطاء "العمل الفلسطيني" مقر "بي بي سي"، بعد احتجاجهم في أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عقب أيام من انطلاق العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، وفقا لوكالة الأناضول.
وأصدرت شرطة لندن بيانا أفادت فيه بتلقيها بلاغا عن "إتلاف ممتلكات" في مبنى "بي بي سي" بالمدينة، مبينة أن واجهته الخارجية تعرضت للرش بطلاء أحمر، كما تحطمت بعض نوافذه.
وأكد بيان الشرطة أن التحقيقات في الحادث لا تزال جارية، في حين لم تقم "بي بي سي" بإصدار أي تعليق فوري بشأن الحادثة.
وبدأ سريان اتفاقية وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين حركة حماس ودولة الاحتلال الإسرائيلي في 19 كانون الثاني /يناير الماضي عقب وساطة قطرية ومصرية وأمريكية.
ويتكون الاتفاق الذي جرى التوصل إليه بعد 15 شهرا من العدوان الإسرائيلي، من 3 مراحل مدة كل منها 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة وصولا لإنهاء حرب الإبادة.
وكانت دولة الاحتلال الإسرائيلي شنت حرب إبادة جماعية على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول /أكتوبر عام 2023، ما أسفر عن 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على الـ14 ألف مفقود.