جريدة الرؤية العمانية:
2025-05-03@04:11:26 GMT

عيد الحب.. بِدعة أم فرحة؟

تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT

عيد الحب.. بِدعة أم فرحة؟

 

 

 

بدر بن خميس الظّفري

@waladjameel

 

في كل عام، ومع اقتراب الرابع عشر من فبراير، تنقسم المجتمعات العربية والإسلامية، بين شخصٍ فرِحٍ يحتفي بعيد الحب، وآخر مُمتعض يرى في المناسبة ضربًا من التغريب والانحلال. ويتجدد الجدل، وتتوهج الكلمات بين مؤيد يراه فرصة للتعبير عن المشاعر، ومعارض يصنفه بدعة مستوردة لا تمت إلى القيم الإسلامية بصلة.

وبين هذا وذاك، يبقى السؤال العالق: هل عيد الحب متعة تُنير القلوب أم بدعة تُنذر بانحراف المجتمعات؟

يروي التاريخ أن العيد يعود إلى قصة القس فالنتاين، الذي تقول بعض الروايات إنه تحدى قوانين روما التي حرّمت الزواج على الجنود، فكان يُزوّجهم سرًا حتى كُشف أمره وسُجن ثم أُعدم. بينما تتردد في أوساط أخرى قصة أشد قسوة، تزعم أن هذا العيد مرتبط بفضيحة أخلاقية لقسيس فاسق، أُعدم على إثرها، فصار يوم موته مناسبة للاحتفاء بالعشق المُحرَّم!! وبين الروايات المتناقضة، يبقى الأصل محل جدل، لكن القضية الحقيقية ليست في الماضي؛ بل في واقع اليوم؛ حيث أصبح عيد الحب رمزًا لصراع ثقافي وأخلاقي عميق في المجتمعات الإسلامية.

يرى المعارضون للاحتفال أن الحب قيمة لا تحتاج إلى مناسبة، وأن هذا اليوم ليس سوى وجه آخر من وجوه العولمة الثقافية التي تتغلغل في المجتمعات المحافظة، محاولة أن تطمس هويتها وتمسخ قيمها. يستندون إلى رواية منسوبة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام يقول فيها: "من تشبه بقوم فهو منهم"، محذرين من أن الاحتفال بمثل هذه الأعياد يؤدي إلى ذوبان الهوية الإسلامية في نماذج ثقافية غربية لا تتوافق مع روح الدين. ويرون أن الحب في الإسلام شعور مقدس، لا ينبغي أن يُختزل في يوم محدد، ولا أن يُسَوّق له بأسلوب تجاري يُفرغه من معانيه العميقة ليجعله مجرد سلعة تباع وتشترى.

في المقابل، يرى المؤيدون أن الحب قيمة إنسانية لا جنسية لها، ولا حدود تحصره في إطار ثقافة معينة. ويرون بأن الحب، مثله مثل المودة والرحمة، جزء من الفطرة البشرية، وليس هناك ما يمنع من الاحتفاء به في يوم معين طالما لا يتجاوز ذلك حدود الأخلاق؛ بل يذهب البعض إلى القول إن الإسلام نفسه يُعزِّز فكرة التعبير عن المشاعر بين الأفراد، وإن تخصيص يوم لهذا الغرض لا يُعد انحرافًا، وإنما تأكيدًا على قيمة تحتاج إلى مساحة أكبر في الحياة اليومية.

من زاوية مختلفة، لا يتعلق الجدل فقط بالدين؛ بل أيضًا بالمجتمع وَقِيَمِهِ التقليدية التي تميل إلى كبت المشاعر أو على الأقل ضبطها ضمن قوالب صارمة. في المجتمعات العربية؛ حيث يُنظر إلى الحب العلني على أنه خروج عن المألوف، سواء أكان في يوم محدد أم على مدار العام. وتُحاط العلاقات العاطفية بجدران عالية من الأعراف؛ إذ يُسمح لها بالوجود لكن بعيدًا عن الأعين، وعندما تخرج إلى العلن تُقابل بانتقادات تتراوح بين السخرية والتوبيخ.

المُفكِّرة المصرية نوال السعداوي، في كتابها "كسر الحدود"، تُناقش كيف أن المجتمعات الذكورية تخشى الحب لأنه يمنح المرأة حرية الاختيار، وهو ما يتعارض مع النظام الأبوي الذي يُحدِّد لها متى وأين ومن تحب! وترى السعداوي أن الحب ليس مجرد شعور؛ بل هو شكل من أشكال المقاومة؛ حيث تتحدى المرأة عبره القيود التي تُفرَض عليها باسم الدين والتقاليد. وتُوضِّح كيف يُحارَبُ الاحتفالُ بعيد الحب في بعض الدول الإسلامية، بينما يُحتفلُ بمناسبات أخرى لا أصل لها في الإسلام، دون أن يُثار الجدل نفسه. بالنسبة لها، المشكلة ليست في العيد ذاته؛ بل في كيفية تعامل المجتمع مع فكرة الحب، الذي يُنظر إليه كخطر يستوجب القمع لا كحق طبيعي يجب الاحتفاء به.

أما صامولي شيلكه الباحث الفنلندي في الأنثروبولوجي، في كتابه "عيد الحب في مصر: قراءة في الجدل الديني والثقافي"، فيُقدِّم رؤية أكثر تحليلية للظاهرة، مُتناولًا كيف تحوَّل عيد الحب إلى مناسبة يحتفي بها الشباب المصري، رغم المعارضة الدينية والاجتماعية. ويناقش كيف أن وسائل الإعلام والسينما والأغاني أسهمت في نشر ثقافة الحب الرومانسي، حتى بات عيد الحب جزءًا من مشهد الحياة العاطفية في المدن العربية الكبرى. لكنه في الوقت نفسه يسلط الضوء على كيف أن هذه الظاهرة- وإن بدت غير ضارة- فإنها تثير قلق المؤسسات الدينية، التي تخشى من أن تكون بوابة لتغيير أوسع في القيم المجتمعية.

أما الروائية نُهى إبراهيم، في روايتها "الحب وماذا بعد"، فتغوص في أعماق الحب في المجتمع العربي، وتقدم صورة عن كيف أن العاطفة تُختزل أحيانًا في يوم محدد، بينما تبقى العلاقات العاطفية محكومة بالانتظار والترقب والخوف من العواقب. وتصف كيف أن الحب في الأدب العربي كان دائمًا مقترنًا بالفراق والمعاناة، كما في قصة "مجنون ليلى"، بينما الحب في العصر الحديث، حتى وإن بدا أكثر انفتاحًا، فإنه لا يزال محاصرًا بقيود المجتمع والأسرة والاقتصاد وحتى السياسة.

ما يجعل عيد الحب أكثر إثارة للجدل هو أنه يُسلط الضوء على التناقضات في الاحتفالات الاجتماعية في العالم العربي. ففي حين يُنظر إليه كبدعة مستوردة من الغرب لا تتماشى مع الدين، يحتفلُ بأيام أخرى دون إثارة الاعتراضات نفسها.

عيد الأم، على سبيل المثال، مناسبة تحتفي بها معظم الدول العربية، رغم أنها فكرة مستوردة من الغرب، لكنها تُعدُّ مقبولة لأنها تعزز القيم التقليدية للأسرة.

يوم المعلم يُحتفى به كرمز للتعليم والمعرفة، ويوم الشجرة كدعوة لحماية البيئة، دون أن يُتهم أحد بتقليد الغرب أو بالخروج عن القيم الإسلامية.

هذه الازدواجية تُظهر أن القضية ليست في كون العيد مُستورَدًا؛ بل في دلالاته وما يمثله في المجتمع؛ فالمناسبات التي تكرِّسُ النظام التقليدي تُقبَل بسهولة، بينما المناسبات التي تفتح الباب أمام أسئلة حول الحب والحرية تُواجَه بالرفض والتشكيك.

وسائل التواصل الاجتماعي زادت من انتشار الاحتفال بعيد الحب؛ إذ أصبحت العواطف تُعرض على العلن من خلال الصور والمنشورات والهدايا المتبادلة عبر الإنترنت. لكن في الوقت نفسه، أتاحت هذه المنصات أيضًا مساحة للمعارضة؛ حيثُ تتكرر الفتاوى والدعوات لمقاطعة العيد كل عام، في مشهد يعكس الصراع الثقافي بين الأجيال.

الشباب يميلون إلى الاحتفال بالمناسبة كجزء من ثقافة عالمية، بينما تحاول التيارات المحافظة مقاومة هذا التوجه الشبابي، خشية أن يكون بداية لانفتاح أكبر على عادات لا تتماشى مع النسق الاجتماعي السائد.

ما يجعل هذا النقاش مستمرًا هو أنه لا يتعلق فقط بعيد الحب؛ بل بمعركة أوسع حول الحب نفسه، وكيف يُنظر إليه في المجتمعات العربية.

هل الحب خطر يستوجب القمع، أم قيمة يجب أن تُعاش بحرية؟ هل الخوف من عيد الحب هو حقًا بسبب أنّ أصله غربي، أم لأنه يعكس تحولات في نظرة الشباب للعاطفة والعلاقة بين الجنسيْنِ؟

هذه الأسئلة تظل مفتوحة، والإجابات عليها تتغير مع الزمن، لكن ما يبقى ثابتًا هو أن الحب، مهما تغيرت مظاهره، سيظل حاضرًا؛ سواء بقلوب تخفق في الخفاء، أو وَرداتٍ تُباعُ في العلن.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

الحب في زمن التوباكو (6)

 

مُزنة المسافر

غرقتُ يا جولي في مياهٍ راكدةٍ، ووقعتُ على وجهي، ونسيتُ أنه حولي، وادَّعيتُ أنني ميتة، وجاء لينقذني ألف مرة من بركٍ راكدة، وبحيرات جامدة، وبراكين خامدة.

جوليتا: وماذا حدث بعد ذلك يا عمتي؟

ماتيلدا: علمني كلمة لم اسمعها من باقي الرجال في ذلك الزمن الغابر، كنتُ أعتقدُ أن حظي- يا إلهي- عاثرٌ حتى وجدني رجل القطار، وكانت مقطورة حياتي من المفترض أنها الأفضل على الإطلاق؛ لأنه علمني لغاتٍ فرنجية، وسلوكًا مُهذَّبًا مع الغرباء، وكنتُ أنوي أن أراه كل ليلة قبل أن أُغني، وكُنَّا نحتسي القهوة سويةً كل نهار، ونقول بكلمات السعادة، كنتُ أضحكُ كثيرًا يا جولي، وكانت عيناي تلمعان دائمًا، كنتُ لطيفةً وآلامي صغيرة، وأفكاري كثيرة، ومشاعري مثيرة وأردتُ أن أُنير حياتي بشيء متوقد غير الحب.

جوليتا: ما هو يا عمتي؟

ماتيلدا: صوتي صار بطبقةٍ حلوةٍ للغاية، وكنتُ أستمتعُ وأنا أسمعه جيدًا كل ليلة على المسرح مع الميكرفون والجوقة والبشر الذين جاءوا ليُردِّدوا كلماتٍ كتبتُها، كنتُ أكتبُ القصص الممتعة أكثر من الغناء بالآهات.. كل يومٍ كان لي بطلٌ وقصة، وبطلة ونص.

وكان أبطال مغناي يتكررون ويتعاظمون، ويحملون السيوف أو يعتلون الخيول، وأحيانًا كنتُ أنسجُ أُحجيات غريبة، وأمنيات عميقة، وكان جمهوري يزيد ويريد الكثير من صوتي.

ولم يكن لي الوقت لأرى رجل القطار أو أسيرُ بين المعجبين الجُدد، كان لي جمهور باسمي، ويردد ما تقوله نفسي، ويعبرون ويخبرون عني كل الخير. وحين جاءت الانتخابات، كان الساسة ورجال كثر يتجمعون، يطالبون أن أغني في محافل مهمة، وأقول بكلمات وجلة حول شخص ما، ومنحوا لي تذكرة لباخرة كانت مغادرة إلى آفق غريب.

كنتُ أذهبُ وأعودُ، لا يمكنني أن أرحل كثيرًا، كان غنائي لهذا الجمهور الذي يسأل عني حين كنتُ أعتذرُ في أيام العلل، وكان جمهوري لا يشعر بالملل، ويحب أن يردد مغناي دون كللٍ.

وكنتُ أحبُ ذلك كثيرًا يا ابنة أخي.. كان مجدًا مُهمًا، وكان وَجدي قد اتخذ صندوقًا محكمًا داخل قلبي، فلم أشعر أنني بحاجة إلى رجل القطار، وكان قلبي لا يقفز أبدًا إلّا للحن والكلمات؛ لأنه كان أكل عيشي، والمكان الذي أشعرُ فيه أنني أعيشُ بكل حواسي وإحساسي، وكنتُ أكتبُ دون توقفٍ، أغنياتٍ جميلةً، حرفًا بجانب حرفٍ، وقافية ناصية في كل سطر، وألحانًا عاصية على النسيان. كان همِّي الكبير أن أكون أصدق إنسان، وأن أحكي ما يشعرُ به المستضعفون والبشر الذين فقدوا عطايا الله من أحباء وأصدقاء، وكان لي رغبة كبيرة- يا جولي- أن أُشعلَ حياتهم بشموع الحياة، وأراهم سعداء، كنتُ أسمعُ صلواتهم أحيانًا في آحادٍ وحيدةٍ، وفي دروبٍ بعيدة، وأرى آلامهم متكررة، وأحزانهم متوسِّدة، وكان خوفي أن تسقط مني كلمة جارحة، كنتُ أخشى أن أقول لهم أنني أراهم للقريحة، واتخذ من مشاعرهم موطنًا لها. وغيَّرتُ سلوكي وقلتُ إنَّ شعوري ليس للقصائد ولوسائد اللحن العظيم؛ بل هي للأرواح الضائعة، والهائمة، والقائمة على الخير، والراغبة رغبة كبيرة في أن يكون هذا الكون متوازنًا، وأنني لن أكتب شيئًا مستعجلًا؛ بل سأكتبُ للنبلاء من الناس، ولمن نسوا الخيلاء، ولمن يحب الكبرياء والكرامة، ولمن يسيرون في هذه الحياة بسلامة.

مقالات مشابهة

  • فرحة التخرج تغمر طلاب وطالبات جامعة جازان بدموع الفخر .. فيديو
  • بينما تُباد غزة وتشحن سوريا طائفيا.. هل نكرر أخطاء التاريخ ونخوض المعارك الخطأ؟
  • الأميرة ريما تشارك مبتعثة فرحة تخرجها بعد غياب أسرتها … فيديو
  • قرناص: عار الدولة ولذّة الطاعة
  • أميركا تريد استئناف المساعدات الإنسانية إلى غزة بينما تواصل دعم الحرب
  • بنيكران يستغرب لذبح أخنوش 60 خروفا في "أكوراي" بينما الملك أعفى المغاربة من ذبح أضحية العيد
  • الصين تحشد العالم ضد واشنطن بينما يوسع ترامب صفقاته التجارية
  • الحب في زمن التوباكو (6)
  • شقق بـ 15 مدينة جديدة.. «الإسكان» تعلن موعد حجز وحدات مشروع ديارنا
  • اقليم كوردستان يدخل موسوعة غينيس من بين المجتمعات الأكثر وعياً بالصحة