عيد الحب.. بِدعة أم فرحة؟
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
بدر بن خميس الظّفري
@waladjameel
في كل عام، ومع اقتراب الرابع عشر من فبراير، تنقسم المجتمعات العربية والإسلامية، بين شخصٍ فرِحٍ يحتفي بعيد الحب، وآخر مُمتعض يرى في المناسبة ضربًا من التغريب والانحلال. ويتجدد الجدل، وتتوهج الكلمات بين مؤيد يراه فرصة للتعبير عن المشاعر، ومعارض يصنفه بدعة مستوردة لا تمت إلى القيم الإسلامية بصلة.
يروي التاريخ أن العيد يعود إلى قصة القس فالنتاين، الذي تقول بعض الروايات إنه تحدى قوانين روما التي حرّمت الزواج على الجنود، فكان يُزوّجهم سرًا حتى كُشف أمره وسُجن ثم أُعدم. بينما تتردد في أوساط أخرى قصة أشد قسوة، تزعم أن هذا العيد مرتبط بفضيحة أخلاقية لقسيس فاسق، أُعدم على إثرها، فصار يوم موته مناسبة للاحتفاء بالعشق المُحرَّم!! وبين الروايات المتناقضة، يبقى الأصل محل جدل، لكن القضية الحقيقية ليست في الماضي؛ بل في واقع اليوم؛ حيث أصبح عيد الحب رمزًا لصراع ثقافي وأخلاقي عميق في المجتمعات الإسلامية.
يرى المعارضون للاحتفال أن الحب قيمة لا تحتاج إلى مناسبة، وأن هذا اليوم ليس سوى وجه آخر من وجوه العولمة الثقافية التي تتغلغل في المجتمعات المحافظة، محاولة أن تطمس هويتها وتمسخ قيمها. يستندون إلى رواية منسوبة للنبي محمد عليه الصلاة والسلام يقول فيها: "من تشبه بقوم فهو منهم"، محذرين من أن الاحتفال بمثل هذه الأعياد يؤدي إلى ذوبان الهوية الإسلامية في نماذج ثقافية غربية لا تتوافق مع روح الدين. ويرون أن الحب في الإسلام شعور مقدس، لا ينبغي أن يُختزل في يوم محدد، ولا أن يُسَوّق له بأسلوب تجاري يُفرغه من معانيه العميقة ليجعله مجرد سلعة تباع وتشترى.
في المقابل، يرى المؤيدون أن الحب قيمة إنسانية لا جنسية لها، ولا حدود تحصره في إطار ثقافة معينة. ويرون بأن الحب، مثله مثل المودة والرحمة، جزء من الفطرة البشرية، وليس هناك ما يمنع من الاحتفاء به في يوم معين طالما لا يتجاوز ذلك حدود الأخلاق؛ بل يذهب البعض إلى القول إن الإسلام نفسه يُعزِّز فكرة التعبير عن المشاعر بين الأفراد، وإن تخصيص يوم لهذا الغرض لا يُعد انحرافًا، وإنما تأكيدًا على قيمة تحتاج إلى مساحة أكبر في الحياة اليومية.
من زاوية مختلفة، لا يتعلق الجدل فقط بالدين؛ بل أيضًا بالمجتمع وَقِيَمِهِ التقليدية التي تميل إلى كبت المشاعر أو على الأقل ضبطها ضمن قوالب صارمة. في المجتمعات العربية؛ حيث يُنظر إلى الحب العلني على أنه خروج عن المألوف، سواء أكان في يوم محدد أم على مدار العام. وتُحاط العلاقات العاطفية بجدران عالية من الأعراف؛ إذ يُسمح لها بالوجود لكن بعيدًا عن الأعين، وعندما تخرج إلى العلن تُقابل بانتقادات تتراوح بين السخرية والتوبيخ.
المُفكِّرة المصرية نوال السعداوي، في كتابها "كسر الحدود"، تُناقش كيف أن المجتمعات الذكورية تخشى الحب لأنه يمنح المرأة حرية الاختيار، وهو ما يتعارض مع النظام الأبوي الذي يُحدِّد لها متى وأين ومن تحب! وترى السعداوي أن الحب ليس مجرد شعور؛ بل هو شكل من أشكال المقاومة؛ حيث تتحدى المرأة عبره القيود التي تُفرَض عليها باسم الدين والتقاليد. وتُوضِّح كيف يُحارَبُ الاحتفالُ بعيد الحب في بعض الدول الإسلامية، بينما يُحتفلُ بمناسبات أخرى لا أصل لها في الإسلام، دون أن يُثار الجدل نفسه. بالنسبة لها، المشكلة ليست في العيد ذاته؛ بل في كيفية تعامل المجتمع مع فكرة الحب، الذي يُنظر إليه كخطر يستوجب القمع لا كحق طبيعي يجب الاحتفاء به.
أما صامولي شيلكه الباحث الفنلندي في الأنثروبولوجي، في كتابه "عيد الحب في مصر: قراءة في الجدل الديني والثقافي"، فيُقدِّم رؤية أكثر تحليلية للظاهرة، مُتناولًا كيف تحوَّل عيد الحب إلى مناسبة يحتفي بها الشباب المصري، رغم المعارضة الدينية والاجتماعية. ويناقش كيف أن وسائل الإعلام والسينما والأغاني أسهمت في نشر ثقافة الحب الرومانسي، حتى بات عيد الحب جزءًا من مشهد الحياة العاطفية في المدن العربية الكبرى. لكنه في الوقت نفسه يسلط الضوء على كيف أن هذه الظاهرة- وإن بدت غير ضارة- فإنها تثير قلق المؤسسات الدينية، التي تخشى من أن تكون بوابة لتغيير أوسع في القيم المجتمعية.
أما الروائية نُهى إبراهيم، في روايتها "الحب وماذا بعد"، فتغوص في أعماق الحب في المجتمع العربي، وتقدم صورة عن كيف أن العاطفة تُختزل أحيانًا في يوم محدد، بينما تبقى العلاقات العاطفية محكومة بالانتظار والترقب والخوف من العواقب. وتصف كيف أن الحب في الأدب العربي كان دائمًا مقترنًا بالفراق والمعاناة، كما في قصة "مجنون ليلى"، بينما الحب في العصر الحديث، حتى وإن بدا أكثر انفتاحًا، فإنه لا يزال محاصرًا بقيود المجتمع والأسرة والاقتصاد وحتى السياسة.
ما يجعل عيد الحب أكثر إثارة للجدل هو أنه يُسلط الضوء على التناقضات في الاحتفالات الاجتماعية في العالم العربي. ففي حين يُنظر إليه كبدعة مستوردة من الغرب لا تتماشى مع الدين، يحتفلُ بأيام أخرى دون إثارة الاعتراضات نفسها.
عيد الأم، على سبيل المثال، مناسبة تحتفي بها معظم الدول العربية، رغم أنها فكرة مستوردة من الغرب، لكنها تُعدُّ مقبولة لأنها تعزز القيم التقليدية للأسرة.
يوم المعلم يُحتفى به كرمز للتعليم والمعرفة، ويوم الشجرة كدعوة لحماية البيئة، دون أن يُتهم أحد بتقليد الغرب أو بالخروج عن القيم الإسلامية.
هذه الازدواجية تُظهر أن القضية ليست في كون العيد مُستورَدًا؛ بل في دلالاته وما يمثله في المجتمع؛ فالمناسبات التي تكرِّسُ النظام التقليدي تُقبَل بسهولة، بينما المناسبات التي تفتح الباب أمام أسئلة حول الحب والحرية تُواجَه بالرفض والتشكيك.
وسائل التواصل الاجتماعي زادت من انتشار الاحتفال بعيد الحب؛ إذ أصبحت العواطف تُعرض على العلن من خلال الصور والمنشورات والهدايا المتبادلة عبر الإنترنت. لكن في الوقت نفسه، أتاحت هذه المنصات أيضًا مساحة للمعارضة؛ حيثُ تتكرر الفتاوى والدعوات لمقاطعة العيد كل عام، في مشهد يعكس الصراع الثقافي بين الأجيال.
الشباب يميلون إلى الاحتفال بالمناسبة كجزء من ثقافة عالمية، بينما تحاول التيارات المحافظة مقاومة هذا التوجه الشبابي، خشية أن يكون بداية لانفتاح أكبر على عادات لا تتماشى مع النسق الاجتماعي السائد.
ما يجعل هذا النقاش مستمرًا هو أنه لا يتعلق فقط بعيد الحب؛ بل بمعركة أوسع حول الحب نفسه، وكيف يُنظر إليه في المجتمعات العربية.
هل الحب خطر يستوجب القمع، أم قيمة يجب أن تُعاش بحرية؟ هل الخوف من عيد الحب هو حقًا بسبب أنّ أصله غربي، أم لأنه يعكس تحولات في نظرة الشباب للعاطفة والعلاقة بين الجنسيْنِ؟
هذه الأسئلة تظل مفتوحة، والإجابات عليها تتغير مع الزمن، لكن ما يبقى ثابتًا هو أن الحب، مهما تغيرت مظاهره، سيظل حاضرًا؛ سواء بقلوب تخفق في الخفاء، أو وَرداتٍ تُباعُ في العلن.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
«دعيت لشيخ الأزهر».. فرحة «زينب» بعد عودتها من العمرة مع ابنها المصاب بـ«العظم الزجاجي»
فرحة كبيرة ملأت قلب زينب الشربيني وابنها عبدالمنعم، بعد عودتهما من أداء مناسك العمرة، والتي قدمها لهم الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، كدليل على تقديره لمشاعر الأمومة، وحملها لابنها على كتفها كل يوم لتسلك معه طريقه نحو العلم، على الرغم من مرضه الصعب، وصعوبة الحركة نتيجة إصابته بالعظم الزجاجي.
لحظات لا تُنسى لدى زينب الشربيني حينما رأت الكعبة الشريفة لأول مرة في عمرها، إذ شعرت في تلك اللحظة كأنها ملكت العالم بأكمله، وكأن هناك يدا تطبطب عليها، بالعوض وتحقيق الحلم الذي عاشت تتمناه من الله كل يوم وهو زيارة بيت الله الحرام.
مشاعر لا توصف بالكلمات ولكن توصف بالفرحة العارمة المرسومة على وجه زينب الشربيني ابنة بلقاس بالدقهلية، إذ تقول لـ«الوطن» إنها عاشت أجمل أيام حياتها خلال أداء مناسك العمرة ولم تنسَ بدعائها أي شخص، بل دعت للجميع وعلى رأسهم الشيخ أحمد الطيب والذي جعله الله سببا في حصولها على تلك الفرصة الذهبية.
وكأن الله يكافئها على رحلتها مع ابنها عبدالمنعم وحمله على كتفها لمدة 28 عاما، منذ أن ولد حتى الوقت الحالي منها 22 عاما نحو المدارس والجامعة، فتشق طريقه للجامعة، حاملة إياه على كتفها كل يوم من محافظة إلى أخري حتى ينال العلم ويحقق ذاته.
ويستمر الامل في عين زينب الشربيني لآخر نفس في عمرها مع ابنها عبد المنعم: «معه لآخر نفس في عمري، ولغاية ما أطمن إنه خلاص بقى في مكان عالي، ومعه وظيفة حكومية يقدر يستند عليها، ويعيش حياة كريمة وسط الجميع كأي إنسان طبيعي».
«ربنا جعلني سبب مع عبد المنعم، وجعل الشيخ الطيب سبب في طلوعنا وتحقيق حلمي وهو إني أطلع عمرة»، بتلك الكلمات عبَّرت زينب عن تحقيق حلمها في أداء مناسك العمرة، وتحول مرض عبد المنعم لمنحة لها وله ليتمكنا من أداء العمرة.
وتؤكد «الشربيني» أنها تمكنت من تحقيق حلمها منذ الصغر في عبد المنعم: «اتحرمت من التعليم، وكان حلمي طول عمري، علشان كده مقدرتش أحرم ابني من الحلم ده، وساعدته بكل عزيمة وقوة علشان يحقق حلمه، ولسه مكملة معه لآخر نفس في عمري».