لجريدة عمان:
2025-02-19@05:14:47 GMT

بيت حانون.. تقاتل و تنهض من تحت الأنقاض

تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT

وقف عبد الحميد الزعانين، الرجل الخمسيني، على أطلال منازله المدمرة، يحدق فيما تبقى من جدرانه المتصدعة. لم يكن المشهد صادمًا بقدر ما كان قاسيًا.

يقول بصوت مثقل بالوجع خلال حديثه لـ«عُمان»: «لم نجد ديارنا الثلاث، كلها دُمرت، وجدنا فقط نصف دار متبقية، نحاول تنظيفها للإقامة فيها، رغم الحرب والدمار والبهدلة وانعدام الخدمات بالكامل».

يتحدث عبد الحميد عن معاناة يومية تكاد تكون مستحيلة: «لا كهرباء، لا ماء، لا صرف صحي، لا مقومات للحياة، فقط ركام وأمل لا نعرف كيف نصنع منه حياة جديدة. نعاني صعوبة كبيرة في الحصول على مياه الشرب، فكل نقطة ماء نحصل عليها تأتي بعد عناء شديد».

تبدو العودة أشبه بولادة جديدة لكنها محفوفة بالعذاب، فهو وأسرته يحاولون التكيف مع هذا الواقع القاسي، يحاولون إقناع أنفسهم بأن العيش فوق أنقاض منازلهم، مكومين في نصف بيت، أفضل من النزوح والتشرد، لكن الحياة هنا لم تعد تشبه الحياة، بل أقرب إلى صراع يومي من أجل البقاء.

في كل زاوية من المكان الذي كان يومًا منزلًا، تحضر ذكريات العائلة، صوت الأطفال، رائحة الخبز الطازج، وضحكات الأهل والجيران. اليوم، كل ذلك تحول إلى صمت مطبق لا يكسره سوى وقع أقدام العائدين وسط الركام.

بيت حانون.. العودة إلى المجهول

مع بزوغ فجر كل يوم، يخطو أهالي بيت حانون خطواتهم الثقيلة فوق الركام، عائدين إلى أرضهم بعد شهور طويلة من النزوح القسري. يعودون محملين بالشوق إلى منازل لم يبقَ منها إلا الحجارة المتناثرة، وأحياء كانت تعج بالحياة قبل أن تتحول إلى ساحات خراب.

العائلات تقتحم مشهد الدمار بإرادة لا تنكسر، تحاول ترتيب بقايًا البيوت، تجمع ما تبقى من أثاث، وتبحث عن أي زاوية تصلح للسكن وسط غياب تام للبنية التحتية. لا ماء، لا كهرباء، لا خدمات أساسية، فقط تحدٍّ يومي للبقاء.

بينما يتأمل العائدون مدينتهم المدمرة، يدركون أن معركتهم الحقيقية لم تنتهِ بعد، بل بدأت من جديد. إنها معركة من أجل البقاء، حيث لا مجال للاستسلام.

معركة من أجل أبسط مقومات الحياة

عودة طال انتظارها، تأتي وسط مشاعر متضاربة بين السعادة بلقاء تراب الأرض التي اشتاقوا إليها، وبين الوجع لما فقدوه خلال أشهر الحرب. في بيت حانون، الحزن مؤجل إلى حين، فالانشغال بتجهيز خيمة أو تعبئة جالون ماء هو سيد المشهد. إنها ليست مدينة تقاتل من أجل النجاة فحسب، بل تصارع من أجل أبسط مقومات الحياة.

وسط هذا الدمار، يبحث الأطفال عن أماكن للعب بين الأنقاض، بينما يحاول الرجال والنساء العثور على ما يمكن استخدامه لإعادة ترتيب أماكن الإقامة البديلة. ويواجه الأطفال والنساء والشباب يوميًا رحلة بحث عن الماء والغذاء، حيث باتت هذه المتطلبات البسيطة رفاهية لا تُتاح بسهولة.

يقطع بهاء قزعاط، الشاب العشريني، نحو خمس كيلومترات يوميًا من أجل الحصول على بضع جالونات من المياه الصالحة للشرب.

يقول بصبر وعزيمة، وهو يقف في طابور توزيع المياه أمام سيارة البلدية: «نعم، نحن نعيش فوق الركام، ولكننا لن نغادر، سنظل هنا صامدين. بيت حانون ستنهض من جديد مهما حاولوا إبادتها».

رغم ذلك، لا يخفي بهاء إحساسه بالإحباط مشيرا لـ«عُمان»: «كنا نعيش حياة طبيعية، كنا نملك بيوتًا، وظائف، وأحلامًا. اليوم، كل شيء تغير. حتى الماء، أصبحنا نحصل عليه بصعوبة، وكأنه كنزٌ ثمين علينا القتال من أجله يوميًا».

خراب فوق خراب

هذه المنازل التي تحولت إلى ركام تحمل حجارتها المهدمة كثيرًا من الحكايات التي عاشتها المدينة بحلوها ومرها، هنا، يخفون حسرتهم لما آلت إليه أوضاعهم، ويسعون إلى ترتيب حياتهم وسط الخراب. ليس لديهم خيار سوى التعايش مع ما هو متاح، رغم قسوة الظروف.

بينما يجلس حسن عايش، المواطن الأربعيني، فوق بقايا جدار منزله، يمرر يده فوق حجارة صامتة تشهد على ما كان هنا يومًا ما. يقول بحسرة: «هذا ليس بلدًا منكوبًا، بل كأن تسونامي اجتاحه. هذه البلدة قبل حرب السابع من أكتوبر كانت جنة، مليئة بالحياة والمعمار والخدمات. اليوم، لم يتبقَ منها شيء، فقط خراب فوق خراب».

يزفر حسن بغضب قبل أن يضيف لـ«عُمان»: «لكننا لن نستسلم. سنعيد بناءها كما فعلنا مرات عديدة من قبل. سنبني من جديد، حتى لو اضطررنا للعيش فوق الأنقاض لسنوات».

بيت حانون.. مدينة على خط الصراع

تعد مدينة بيت حانون من المدن الحدودية مع الداخل الفلسطيني المحتل، ولطالما تعرضت للتجريف والتدمير من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وفي كل مرة كان أهلها يعيدون بناءها من جديد. منذ سنوات النكبة وحتى اليوم، كانت بيت حانون دائمًا في قلب الصراع، تدفع ثمن موقعها الاستراتيجي.

على مدار العقود الماضية، كانت المدينة ساحة للمواجهات المتكررة، حيث شهدت اجتياحات عسكرية عدة، وكانت هدفًا للغارات الجوية والقصف المدفعي. رغم ذلك، بقي أهلها متشبثين بأرضهم، يعيدون بناء بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم، في مشهد يعكس صلابة الفلسطينيين وإرادتهم التي لا تُكسر.

وخير شاهد على هذا التاريخ من الصمود الفلسطيني في بيت حانون، هو مصطفى عبدالهادي، المسن السبعيني، الذي التقيناه متكئًا على عصاه بينما ينظر إلى الدمار من حوله.

يقول لـ«عُمان»: «منذ طفولتي، وأنا أشهد بيت حانون تُدمر ثم تُبنى من جديد. الاحتلال يهدم ونحن نعيد الإعمار، لم نستسلم يومًا، ولن نستسلم الآن».

يتذكر مصطفى كيف كانت المدينة مليئة بالحياة، الأسواق تعج بالبائعين، المدارس تكتظ بالطلاب، والمزارع الخضراء تحيط بالمكان. يغلق عينيه في أسى، ثم يقول بصوت خافت: «اليوم، كل شيء تحول إلى ركام». قبل أن يستدرك بصوت عالٍ: «لكن الإرادة لا تزال حاضرة. بيت حانون لن تموت، سنعيدها كما فعلنا عشرات المرات».

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: بیت حانون لـ ع مان من جدید من أجل

إقرأ أيضاً:

بـ387 مليون ريال.. رفع طاقة محطة هيت في الرياض إلى 400 ألف م³ يوميًا

أنهت شركة المياه الوطنية، ممثلة بقطاعها الأوسط، تنفيذ المرحلة الثالثة من محطة معالجة مياه الصرف الصحي جنوب الرياض وذلك في إطار جهودها المستمرة لتعزيز البنية التحتية للخدمات البيئية وتحسين الكفاءة التشغيلية، وذلك بتكلفة إجمالية تجاوزت 387 مليون ريال.
وأوضحت الشركة أن المرحلة الثالثة من المحطة تعمل بتقنية المعالجة الثلاثية لمياه الصرف الصحي، بطاقة تصميمية تصل إلى 200 ألف متر مكعب يوميًا، مما يرفع القدرة الاستيعابية الإجمالية للمحطة في مراحلها الثلاث إلى 400 ألف متر مكعب يوميًا.
أخبار متعلقة يوم التأسيس.. رحلة دولة عريقة انطلقت قبل ثلاثة قرون نحو الازدهارمصحوبة برياح.. "الأرصاد" ينبه من أمطار على منطقة عسيروأكدت أن المشروع يهدف إلى تحسين جودة الخدمات البيئية، ودعم التوازن البيئي، ومعالجة مياه الصرف الصحي بكفاءة عالية.
.article-img-ratio{ display:block;padding-bottom: 67%;position:relative; overflow: hidden;height:0px; } .article-img-ratio img{ object-fit: contain; object-position: center; position: absolute; height: 100% !important;padding:0px; margin: auto; width: 100%; } بـ387 مليون ريال.. رفع طاقة محطة هيت في الرياض إلى 400 ألف م³ يوميًا - أرشيفيةتطوير منظومة المعالجةوأشارت إلى أن المشروع يعد من المشاريع الاستراتيجية التي تسهم في تطوير منظومة معالجة مياه الصرف الصحي، وتحسين كفاءة التشغيل، واستيعاب التدفقات المتزايدة الناتجة عن النمو العمراني والسكاني المتسارع في العاصمة الرياض.
وأكدت الشركة التزامها بتنفيذ خططها الاستراتيجية لتعزيز البنية التحتية ورفع مستوى الخدمات البيئية وفق أعلى معايير الجودة، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.

مقالات مشابهة

  • إعادة تدوير الأنقاض.. عضو استشارية المهندسين يكشف تصور إعمار غزة
  • تعز تنهض: مشاريع تنموية وخدمية تتجاوز تكلفتها ملياري ريال خلال 2024م
  • انتشال جثامين 23 شهيداً من تحت الأنقاض في قرى حدودية
  • دخول 5 معدات ثقيلة لقطاع غزة عبر معبر رفح البري لإزالة الأنقاض
  • بمساعدة مصرية.. جيش الاحتلال: قافلة من الجرافات تبدأ عملها لإزالة الأنقاض في غزة
  • بـ387 مليون ريال.. رفع طاقة محطة هيت في الرياض إلى 400 ألف م³ يوميًا
  • كم مليون دولار يخسر الاحتلال يوميًا خلال الحرب؟
  • انهيار عقار كرداسة.. أرواح تحت الأنقاض بسبب «أنبوبة بوتجاز» والنيابة تحقق (صور)
  • ضحايا أسفل الأنقاض.. انفجار عقار في كرداسة وانتشال متوفين ومصابين| صور
  • المفتي: الأمم تنهض بالأخلاق والعلم النافع هو السبيل لقيادة ركب التطور وبناء الوعي الصحيح