بين أحلام ترامب والإرادة الفلسطينية والموقف العربي
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
ما زال صدى أحلام ترامب وطموحاته في احتلال غزة وتحويلها إلى «ريفييرا» الشرق الأوسط محل جدل عالمي واسع؛ فأجمع كل العالم بما فيهم ساسة أمريكيون على عدم منطقية هذه التصريحات التي تخرج من لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية التي تعكس عزيمة على تنفيذ أكبر تطهير عرقي - بعد نكبة 1948- عبر إجبار أصحاب الأرض على النزوح، وتتوجه الأنظار - في هذه القضية - إلى دول عربية مجاورة أدخلها الرئيس الأمريكي في حسابات هذا المشروع الاحتلالي الجديد الذي يأتي هذه المرة بلباس أمريكي خالص بعد فشل تنفيذه بواجهة إسرائيلية، فيعد إقحام دول عربية مثل جمهورية مصر العربية والمملكة الأردنية الهاشمية في هذه المعادلة لتوفّر مساحات جغرافية بديلة تحوي النازحين الغزيين بمثابة تهديدات وجودية تطال دولا عربية كبيرة، وكذلك اقتراح رئيس وزراء الكيان الصهيوني في مقابلة معه تخصيص مساحة من أراضي المملكة العربية السعودية لتكون وطنا بديلا للفلسطينيين؛ لتضاف مع المحاولات الصهيونية الخطيرة التي تخفي في كواليسها مخططات أكبر تعقيدا من المسألة الفلسطينية، ولهذا؛ فإن موقف الدول العربية - حتى اللحظة - كان واضحا وصارما رافضا لكل هذه المقترحات الاستيطانية الرامية إلى صناعة نكبة جديدة كبرى تمسح الوجود الفلسطيني الجغرافي.
حتى اللحظة، لم تتجاوز رغبات ترامب وأحلامه الرامية إلى احتلال غزة وطرد أهلها حدود لسانه التي لم تسلم من تهديداتها دول كبرى أخرى مثل كندا ودول أمريكا اللاتينية التي يمكن أن نراها من زاوية أخرى - غير سياسية - تعكس شخصية ترامب التجارية المرتبطة بنفوذه السياسي الكبير عبر فلسفة التفاوض الابتزازي برفع مستوى الطلبات إلى درجات غير معقولة لإجبار الطرف الآخر للرضوخ إلى مستويات أقل تحقق أهدافا منشودة للطرف الأول، وكأن الرجل يبحث عن وسيلة - وإن غاب عنها المنطق والعقل - في ترجمة طموحه السابق بجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى عبر سياسة العصا، ولكن المؤشرات تجزم أن مساره الحالي وتهديداته بمعاقبة المختلف معه بجانب الكيان المحتل وتهديداته باحتلال الدول الأخرى لن تجلب للولايات المتحدة المجد المنشود، وإنما ستجلب سخط دول العالم الحر وشعوبه الواعية، وتأتي غزة وكل فلسطين في مقدمة هذه الدول والشعوب الرافضة لنقص السيادة والمتمسكة بالأرض والوطن، فتأتي رسائل المقاومة الفلسطينية واضحة بأنها لن ترضخ لأي تهديد أو إغراء يحاول أن يمس من حريتها وأرضها، ويضاف مع هذا الصمود الفلسطيني الموقف العربي المشرّف الذي خرج من خارجيات معظم الدول العربية بما فيها سلطنة عُمان التي أكدت على موقفها الثابت غير المتزعزع بحق الشعب الفلسطيني في تحقيق وجود أرضه ودولته المستقلة ورفضه لكل أنواع الاحتلال والقهر الذي يمارسه الكيان، ويأتي الموقف المصري - بجانب المناورات الأردنية المناوئة لخطة التهجير رغم الضغوط الأمريكية - سادًّا كل هذه الأحلام برفضه القاطع لأي محاولة لإخراج الشعب الفلسطيني من أرضه، وكذلك أظهر بيان الخارجية السعودية موقفه القوي الرافض لهذه الطموحات ليعبّر عن توافق عربي مطلوب يمكن أن يسد الطريق على الأحلام الصهيونية، ولا غرو أن الدول العربية - حكومات وشعوبا - مدركة أيما إدراك مخاطر هذا المشروع الذي - إن نُفّذ - لن يقف عند أهداف محو القضية الفلسطينية، ولكنه سيمتد إلى دول عربية أخرى داخلة في حسابات المعادلة الصهيونية.
لعلّ مثل هذه الأحداث وما تحويه من تهديدات أمريكية لمنطقة الشرق الأوسط بأجمعها مدعاة إلى توجيه العرب إلى مسار أكثر حزما في التعامل مع مجموعة من المسائل أولها قضية فلسطين وأرضها المحتلة وشعبها المظلوم، ومسألة اعتبار الكيان المحتل عدوا لا يمكن قبول أيّ طريق للسلام والتطبيع معه، ومسألة تصحيح الوحدة العربية وتوحيد كلمتها فيما يخدم مصالحها لا مصالح غيرها الذي يقود إلى إعادة النظر في مستويات علاقات الدول العربية مع الدول المعادية لمبادئ سيادتها ومصالحها وأولها الولايات المتحدة الأمريكية التي آثرت أن تكون في صف الكيان المحتل بكل عنجهية وغرور دون أيّ مبالاة لمصالحها مع الدول العربية ومستقبل علاقاتها معهم؛ ليفتح هذا المشهد تساؤلات كثيرة عن التوجّه العربي في علاقاته مع الولايات المتحدة في ظل تنامي هذا العداء ولغة التهديد، والبدائل المحتملة الممكنة للتحالفات الاستراتيجية الأكثر أمانا واستقرارا مع دول أكثر قدرة على ممارسة الاحترام المتبادل وفق سياسة المصالح المتبادلة التي تحفظ للدول وشعوبها حقوقها وسيادتها. لا أستبعد أن مثل هذه التساؤلات وحلوها المقترحة محل طرح متزايد في أروقة مؤسسات صناعة القرار العربية، فلم تعد تحتمل المنطقة المزيد من الاحتقانات السياسية والصراعات العسكرية وتصاعد وتيرة التهديدات التي باتت تطال معظم دول الشرق الأوسط.
علينا أن نعي مغزى المقولة التاريخية: «أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض»، فتعكس رمزية هذه السردية واقعا يمكن أن تعيشه كل أمم الأرض بما فيها الحيوانات والبشر؛ لتجسّد معنى أن يتخلى العرب عن قضايا داخلية مهمة - مثل قضية فلسطين - وأن نبحث عن قوتنا خارج سربنا - العربي - الذي يحتوينا حتى وإن تطلب ثمنه أن تكون التضحية بقضية من أهم قضايا أمتنا ظنا من بعضنا أننا سنحقق بعض المصالح والمنافع، ولكن في واقع الأمر - كما يؤكد التاريخ وتجاربه - سيكون مثل الذي يحفر قبره بيده، ليكتشف أنه بدأ بحفر قبره منذ أول خطوة يخطوها خارج سربه الذي ينتمي إليه. يهمني أمن وطني واستقراره، وكذلك يهمني أمن إخوتي العرب - دولا وشعوبا - واستقرارهم؛ فما سيضرهم سيمتد ضرره إليّ بشكل مباشر أو غير مباشر، ولا سبيل لتجنّب مثل هذا الضرر إلا عن طريق الوحدة وتوحيد الجهود التي نضمن بها القوة، وتأتي الجهود في وجوه كثيرة بعضها عاجل مثل مواجهة التهديدات التي تطال ما تبقى من الأراضي الفلسطينية وسيادة دول شقيقة مثل المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية اللتان بذلتا وما تزالان تبذلان جهودا لا يمكن إنكارها لأجل القضية الفلسطينية، وهناك وجه آخر للجهود التي نحتاج أن نعمل عليها - وسبق طرحها مرارا وتكرارا - تتمثل في التنمية التعليمية وتطويرها والاقتصادية والصناعية عبر آلية التعاون المشترك اللامحدود لبناء القدرات العلمية والصناعية التي ستضمن استقلالا عربيا صناعيا واقتصاديا وعسكريا.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الدول العربیة
إقرأ أيضاً:
وزير الصحة: جامعة الدول العربية شريك مهم لمصر في دعم القضية الفلسطينية
تفقد الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة والسكان، مركز الخدمات اللوجستية التابع للهلال الأحمر المصري، بمحافظة شمال سيناء، يرافقه الدكتورة مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، واللواء أركان حرب خالد مجاور، محافظ شمال سيناء، والسفير حسام زكي، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، والسفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية ورئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، ووفد من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وعدد من قيادات الوزارتين.
المساعدات الإنسانية للأشقاء في قطاع غزةوأوضح الدكتور حسام عبدالغفار، المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان، أن الوزير أثنى على الدور الحيوي الذي يقوم به الهلال الأحمر المصري، في إيصال المساعدات الإنسانية للأشقاء في قطاع غزة، وعلى دور المتطوعين في المتابعات اليومية، لمطابقة المساعدات لمواصفات الجودة والسلامة، وكذلك المتابعة والتأكد من اشتراطات دخول الشاحنات لقطاع غزة.
شرح مفصل عن دور مركز الخدمات اللوجستيةوأشار «عبدالغفار» إلى أن الوزير استمع إلى شرح مفصل عن دور مركز الخدمات اللوجستية، الذي يعتبر النقطة الأولى التي يتم من خلالها تجميع المساعدات، ومتابعة تطابق المستندات الخاصة بحمولات الشاحنات، وأخذ عينات منها، بالإضافة إلى متابعة خط سير الشاحنات، من خلال فريق مدرب من متطوعي الهلال الأحمر المصري الذين يقدر عددهم بـ36 ألف متطوع على مستوى الجمهورية، منهم 1500 متطوع يعملون على الاستجابة لقطاع غزة.
ولفت إلى أن الوزير اطلع على بعض المساعدات من المواد الغذائية، كما اطلع على طرق تخزين السلع، للتأكد من طرق التخزين المطابقة لمواصفات سلامة الغذاء، بالإضافة إلى التأكد من حفظ الأدوية والتطعيمات في سلاسل التبريد بمركز الخدمات اللوجستية.
ونوه إلى أن الوزير أكد دور جامعة الدول العربية، تجاه القضية الفلسطينية باعتبارها شريكٌا لمصر في كل الجهود المبذولة لتقديم أوجه الدعم كافة للأشقاء الفلسطنين، لافتا إلى دور مجلس وزراء الصحة العرب المهم، في إيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، الذي يتضمن توفير سيارات إسعاف لدعم قطاع غزة ونقل المصابين.
ومن جهتها، توجهت السفيرة هيفاء أبو غزالة، الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، ورئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، بالشكر للدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة، على المجهودات المصرية المبذولة لإيصال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
وكان وزير الصحة والسكان، قد وصل محافظة شمال سيناء، صباح اليوم السبت، يرافقه الدكتورة مايا مرسي وزيرة التضامن الاجتماعي، ووفد من الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وكان في استقبالهم بمطار العريش، اللواء أركان حرب خالد مجاور محافظ شمال سيناء.