تحدي ترامب في "قمَّة القاهرة"
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
د. عبدالله الأشعل **
الصراع الحالي في فلسطين يختلف عن جميع المراحل السابقة؛ حيث أدركت المقاومة أنه لا سند للشعب الفلسطيني إلّا المقاومة، وأنه لا جدوى من المفاوضات مع إسرائيل، وكأنها اكتشفت جذور المشروع الصهيوني؛ فالمقاومة هذه المرة تُعلن أن فلسطين كلها إمَّا لإسرائيل وإما للفلسطينيين، لأنها صراع وجود.
ولج المثقفون العرب في متاهات حول طبيعة الصراع، فمن قائل إنه صراع حضاري وأن الصهاينة هم الذين أغاروا عليها، ومن قائل إنه صراع حدود تتعمد إسرائيل ألّا يكون لها حدود وأن حدودها قائمة على أساس القوة والخطط الصهيونية، ولم يقل أحد قبل ذلك إنه صراعٌ بين الحق والباطل، وأنه صراع بين وجود إسرائيل وتحرُّر فلسطين، فإمَّا أن تزول إسرائيل وإمَّا أن تتربع إسرائيل في كل فلسطين وما جاورها من الأراضي العربية.
ومهما كانت نتيجة هذا الصراع الآن، فإن كانت إسرائيل الغالبة، فإنها نتيجة مؤقتة، وسوف ينتصر الحق على الباطل بزوال إسرائيل، وتراجع القوة العظمى الأمريكية، ونشأة النظام الدولي الجديد، الذي تتصارع الدول على نشأته، وسوف تبرُز مصر كقوة عظمى إقليمية في هذا النظام، لكن بعد زوال إسرائيل؛ لأن إسرائيل ومصر لا يُمكن أن يتعايشا، فإن سيطرت إسرائيل على مصر، كان ذلك مؤقتًا، وإن سيطرت مصر على إسرائيل انتهى ذلك بزوال إسرائيل. أما مصر التي تريد إسرائيل زوالها، فإنها كالناطح في الصخرة المتجذرة في التاريخ، وترنو إلى مستقبل لا يكون فيه إسرائيل.
ولا شك أن انتصار المقاومة على إسرائيل، رغم كل شيء، واضح في عجزها عن تحقيق الأهداف التي وضعتها من حرب الإبادة، لكن نُحذِّر من أن بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب متفقان على إزالة المقاومة وهي أكبر مُهدِّد لوجود إسرائيل، وليست الجيوش العربية؛ لأن إسرائيل وأمريكا تستطيعان التعامل مع الجيوش العربية، كما حدث في السابق.
صورة إسرائيل لدى العالم أنها دولة مَفيَاوِيَّة وأن ديمقراطيتها هي ديمقراطية العصابة، وأنها نجحت تمامًا في ترسيخ صورتها الصهيونية وأصبحت أكثر بُعدًا عن اليهودية في نظر العالم؛ بل إن الولايات المتحدة بدأت تُدرك أن الآلة الإسرائيلية لا تقوى على الصمود أمام إصرار صاحب البيت، وأن جميع الشعوب العربية بدأت تدرك ذلك، وأنها تُكِن الكراهية لأمريكا وإسرائيل، وأن العالم أجمع أدرك أن إفراط الولايات المتحدة في الانحياز لإسرائيل أفقدها كل شيء، وأنها شريك كامل في جرائم إسرائيل؛ فتلطخت صورة إسرائيل وأمريكا خلال ملحمة غزة، وأدرك العالم كله حقيقة الصراع في فلسطين، بين اللص وصاحب الأرض.
أما صورة المقاومة، فقد ارتفعت، ولا يُجدي معها الأوصاف الصهيونية والأمريكية بأنها مُنظمات إرهابية، ولا أبالغ بالقول إن هذه المقاومة التي انتصرت على أكبر قوة في الشرق الأوسط تُساندها أكبر قوة على وجه الأرض، انتصرت أولًا بفضل الله، وأن كلمة الله هي الحق، عندما قال عز وجل "كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 249). أما صبر المقاومة وصمودها فهو ناجم من الثلاثي: الإيمان بالله وبنصره، والإيمان بالقضية وأنه صاحب الحق، والثالث أن العالم كله الرسمي يقف ضدها، وأنه أدرك الحقائق لأول مرة. وهذا الثلاثي أفقد الجندي الإسرائيلي الثقة في نفسه وفي قوته وفي السلاح الذي يحمله، وظهر ذلك في المعارك بين المُقاوِم الفلسطيني واللص الإسرائيلي مباشرة من "المسافة صفر". يُضاف إلى ذلك أن صورة المقاومة وهي تُسلِّم الأسرى الإسرائيليين للصليب الأحمر في قلب غزة وفي ميدان فلسطين وسط احتفالية لا تُخفى آثارها على أحد، أرعبت إسرائيل، وبثت الرعب في قلوب جنودها.
والمقارنة بين حال الأسرى الإسرائيليين الذين احتفظت بهم المقاومة رغم المخاطر ورغم حملة التجويع وانعدام مقومات الحياة، أضافت إلى صورة المقاومة الإيجابية لدى العالم، ولا أُبالغ إذا قُلت إن المقاومة كانت خير دعاية للسلوك الإسلامي القويم؛ ولذلك نتوقع أن يدخل الناس في أوروبا وغيرها في الإسلام بسبب المقاومة، خصوصًا وأنها لا تَخفِي أنها مقاومة إسلامية، وتلتزم بقواعد الإسلام، مقابل آلاف الأسرى الفلسطينيين الذين يتعرضون لكل أنواع التنكيل في سجون الاحتلال، حتى إن المنظمات الحقوقية العالمية انتقدت سلوك إسرائيل تجاه الأسرى الفلسطينيين، خاصة وأن نصف الشعب الفلسطيني على الأقل ذاقوا ويلات الأسر الإسرائيلي. وهذا هو الفارق بين سجون العصابة التي لا تلتزم بقانون ولا دين ولا أخلاق، وبين سلوك المقاومة الملتزمة بالسلوك الإسلامي القويم. كما أن ظهور مختلف أنواع السيارات كانت دليلًا على كذب إسرائيل، في أنها أَنْهَتْ المقاومة وقضت على قدراتها، رغمًا عن أن فريق المقاومة المصاحب للأسرى كان بكامل ملابسه وعدته وتسلح بالسلاح الإسرائيلي الذي تُسلِّح به إسرائيل النخبة من جنودها، والذي حصلت عليه المقاومة خلال المواجهات العسكرية بين الجنود الإسرائيليين والمقاومة. ومعلوم أن الرعب في قلوب الاعداء جُند من جنود الله لقوله تعالى "سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ" (آل عمران: 151)، وقوله تعالى: "وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ" (المدثر: 31).
الخلاصة أنه في هذه الموجه كسبت القضية الفلسطينية الآتي:
أولًا: إن العالم أدرك حقيقة إسرائيل وأسباب طمسها لحقائق القضية الفلسطينية.
ثانيًا: كذب الرواية الإسرائيلية منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، وسقوط المبررات التي ساقها الغرب لتجميل صورة إسرائيل ورسالتها في المنطقة.
ثالثًا: أظهرت الولايات المتحدة أنها لا ترقى للمستوى الأخلاقي للدولة العظمى، وأنها تشيع الفوضى في العلاقات الدولية وتهدر هيبة القانون الدولي.
رابعًا: إن المقاومة أثبتت بسلوكها وصمودها أنها صاحبة الحق، وهذا أول مصادر شرعية المقاومة، وأنها كذبت دعاوى إسرائيل بأنها منظمة إرهابية؛ فقد ظهر أن كل من يحارب الباطل يُعد إرهابيًا في نظر أمريكا وإسرائيل.
خامسًا: إن القضية الفلسطينية بحقائقها أصبحت في كل بيت في العالم وأصبح المنضمون لنصرتها بالملايين وأنها كسرت حاجز الطمس الذي أرادته أمريكا وإسرائيل لها؛ فأصبحت كالشمس التي لا يمكن للنفخ أن يطمسها مصداقًا لقوله تعالى "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (التوبة: 32).
سادسًا: إن المقاومة بسلوكها الأخلاقي النبيل أسهمت استراتيجيًا في زوال إسرائيل، فلم تعد إسرائيل ضحية التواجد في بحر من البربرية العربية كما تزعم، ولم يعد الفلسطينيون وحوشًا كما كانت تصفهم إسرائيل، وسقطت جميع الأساطير المحيطة بإسرائيل والتي تنال من المقاومة.
السؤال الختامي والفاصل هو: هل سلوك نتنياهو المهزوم وإسرائيل الآفلة يؤدي إلى رقصة الموت والعودة عن صفقة وقف الإبادة؟ وما مصير إسرائيل والمقاومة في هذه الحالة؟
نعتقدُ أن الإجابة تتكون من عاملين؛ الأول: يأس إسرائيل وهي مُندهشة من سلوك المقاومة وإقبال الفلسطينيين على خرائب غزة، والعنصر الثاني يتمثل في التمسك بالصفقة مع تعديل التنفيذ، بحيث تبدو إسرائيل في نظر الرأي العام الإسرائيلي مُنتصرة أو أنها تخطط لتحقيق أهداف الإبادة.
والواقع أن المقاومة عمومًا فقدت الكثير من أوراقها؛ فتتصور إسرائيل أنها حاصرت مصادر دعم المقاومة في لبنان وفي فلسطين، لذا المطلوب من العرب أن يُفوِّتوا الفرصة على إسرائيل وأن يتحدوا في مواجهة مخططات ترامب؛ ذلك النيرون الجديد، وأن يُحسِّنوا علاقاتهم مع إيران، ويتفاهمون على دعم المقاومة؛ لأن المقاومة أداة ناجعة لحفظ كرامة العرب، بصرف النظر عن كُره أو قبول المقاومة.
** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الخطيب: ندعم الرئيس السيسي في موقفه التاريخي تجاه فلسطين
أعلن محمود الخطيب ، رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي، دعمه لموقف الدولة المصرية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي تجاه اهلنا في غزة.
وأضاف الخطيب أن الدور التاريخي لمصر يدعم الأشقاء في فلسطين، مشيرا إلى أن هناك من يتشدق بحقوق الإنسان ، ولكن غض الطرف عما حدث في غزة وشدد على أنه ضد التجهير، ولا بد من الحفاظ على الحقوق التاريخية للشعب العربي.
وقال إنه كان يتمنى التقاط صورة تذكارية لكأس العالم للأندية مع الرئيس، ولكن الظروف الحالية حالت دون ذلك.
وضع حجر الأساس لاستاد النادي الأهلي الجديد
جاء ذلك في حفل تدشين استاد النادي، المقام حاليا في معبد حتشبسوت بالدير البحري بالأقصر احتفاءً بالنسخة الأصلية من كأس العالم للأندية التي وصلت مصر صباح الثلاثاء الماضي.
وتم عمل برنامج خاص لهذا الحدث العالمي، كما تشهد الاحتفالية اليوم الإعلان عن وضع حجر الأساس لاستاد النادي الجديد وانطلاق بنائه وذلك بالتزامن مع وجود كأس العالم للأندية في القاهرة.
وأبرز الشخصيات التي وجه لهم مسئولو النادي الأهلي الدعوة، الجنوب أفريقي باتريس موتسيبي رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم "كاف" والدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة، وهاني أبو ريدة رئيس اتحاد الكرة المصري، بجانب حسن حمدي ومحمود طاهر رئيسي النادي السابقين.