تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

رفض العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بشكل دبلوماسي اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأن تسيطر الولايات المتحدة على قطاع غزة، بينما تستقبل دول أخرى الفلسطينيين الذين يعيشون هناك، ورغم هذا الرفض، فقد حرص العاهل الأردني على إبقاء العلاقات مع واشنطن في إطار دبلوماسي، إذ وصف الرئيس الأمريكي بأنه "ضروري للسلام في الشرق الأوسط" وتعهد باستقبال المزيد من الفلسطينيين المحتاجين إلى الرعاية الطبية في الأردن، ويبدو أن هذا النهج الدبلوماسي أقنع ترامب بالتراجع عن تهديداته السابقة بشأن قطع المساعدات عن الأردن إذا لم يقبل خطته.

ورغم ذلك، فقد سلط هذا الاقتراح الضوء على المعضلة التي يواجهها الأردن في التعامل مع القضية الفلسطينية، خاصة وأن العلاقة بين الأسرة الهاشمية الحاكمة والفلسطينيين كانت دائمًا معقدة، وتحولت في بعض الأحيان إلى صراع دموي. فالأردن، الذي استقبل موجات متتالية من اللاجئين الفلسطينيين منذ نكبة 1948، لا يستطيع تحمل تحولات ديموغرافية جديدة قد تؤدي إلى زعزعة استقراره الداخلي وإثارة التوترات السياسية والاجتماعية في المملكة. وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.

لماذا يشكل اقتراح ترامب تهديدًا للأردن؟

يعيش في الأردن عدد كبير من ذوي الأصول الفلسطينية، حيث يتراوح عددهم بين الربع والثلثين من إجمالي السكان. ومع أن الفلسطينيين في الأردن حصلوا على حقوق المواطنة، إلا أن اندماجهم الكامل في المجتمع الأردني ظل موضع جدل سياسي مستمر. ففي حين أن بعضهم يحتل مناصب بارزة في الاقتصاد والمجتمع، فإن الغالبية تعاني من الفقر والتهميش السياسي مقارنة بالمواطنين الأردنيين من أصول شرق أردنية.

زيادة أعداد اللاجئين الفلسطينيين قد تؤدي إلى تحولات ديموغرافية جديدة تزيد من حدة الانقسامات داخل المجتمع الأردني. فالملك عبد الله يسعى دائمًا إلى الحفاظ على التوازن الدقيق بين دعم القضية الفلسطينية من جهة، وحماية الهوية السياسية والمصالح الأردنية من جهة أخرى. وأي تغيير ديموغرافي كبير قد يؤدي إلى تقويض استقرار الحكم الهاشمي، خاصة وأن القوى المعارضة قد تستغل هذه القضية لانتقاد السياسات الحكومية.

الأردن واللاجئون الفلسطينيون.. تاريخ من الأزمات

منذ نكبة 1948، استقبل الأردن موجات من اللاجئين الفلسطينيين الذين فرّوا أو طُردوا من أراضيهم بعد قيام دولة إسرائيل. واحتل الأردن الضفة الغربية والقدس الشرقية وضمهما عام 1950، لكنه فقد السيطرة عليهما بعد حرب 1967 لصالح إسرائيل، مما أدى إلى نزوح جديد لعشرات الآلاف من الفلسطينيين إلى الأراضي الأردنية.

هذا التدفق المستمر للاجئين أدى إلى تصاعد التوترات بين الفلسطينيين والنظام الأردني، وبلغت ذروتها في أحداث أيلول الأسود 1970، عندما اندلعت مواجهات عنيفة بين الجيش الأردني والفصائل الفلسطينية المسلحة التي كانت تتخذ من الأردن قاعدة لعملياتها ضد إسرائيل. وبعد شهور من القتال، تمكنت القوات الأردنية من طرد منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان، مما شكل نقطة تحول في العلاقة بين النظام الأردني والفلسطينيين.

وفي عام 1988، أعلن الملك حسين فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية، مما أدى إلى إلغاء الجنسية الأردنية لبعض الفلسطينيين المقيمين هناك، في خطوة تعكس رغبة الأردن في تجنب تحمل مسؤولية مستقبل الضفة الغربية، التي كانت منطقة نزاع رئيسية مع إسرائيل.

هل يشكل الفلسطينيون تهديدًا للنظام الأردني؟

رغم أن الأردن كان دائمًا من أكبر المدافعين عن القضية الفلسطينية، إلا أن هناك مخاوف داخلية من أن يؤدي تدفق جديد للفلسطينيين إلى إعادة فتح جروح الماضي. فالتحدي الذي يواجهه الملك عبد الله ليس فقط التعامل مع ضغوط ترامب، بل أيضًا الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومنع أي تصعيد في التوترات السياسية والاجتماعية داخل المملكة.

الملك عبد الله الثاني يدرك أن دعم القضية الفلسطينية يجب أن يكون في إطار يحافظ على استقرار الأردن. فالمملكة تعتبر نفسها حامية للأماكن المقدسة في القدس، وتلعب دورًا رئيسيًا في الدبلوماسية الإقليمية، لكنها في الوقت ذاته لا تستطيع تحمل موجات جديدة من اللاجئين الفلسطينيين، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد.

اغتيالات ومحاولات انقلاب.. لماذا يخشى الملك عبد الله من تكرار الماضي؟

التاريخ الأردني مليء بالحوادث التي توضح مدى حساسية العلاقة بين النظام الهاشمي والفلسطينيين. فقد اغتيل الملك عبد الله الأول عام 1951 في المسجد الأقصى على يد فلسطيني اتهمه بالتفاوض سرًا مع إسرائيل. كما واجه الملك حسين محاولات اغتيال وتهديدات بالانقلاب من الفصائل الفلسطينية التي رأت في النظام الهاشمي حليفًا غير موثوق به.

اليوم، يعتمد الملك عبد الله الثاني في شرعيته السياسية على كونه داعمًا للقضية الفلسطينية، كما أن زوجته الملكة رانيا ذات أصول فلسطينية، وهو ما يمنحه مصداقية إضافية في هذا الملف. ومع ذلك، فإن أي خطوة يُنظر إليها على أنها تقويض للحقوق الفلسطينية أو قبول لمشاريع التهجير قد تشكل تهديدًا لحكمه، خاصة وأن الحركات المعارضة في الأردن قد تستغل ذلك لإثارة الاحتجاجات الداخلية.

هل تتراجع واشنطن عن خطتها؟

مع رفض الأردن الصريح لمقترح ترامب، فإن مستقبل هذه الخطة يبدو غير واضح. فإدارة ترامب لم تكن متماسكة في طرحها لهذه الأفكار، كما أن مستشاريه فوجئوا بإعلانه عن اقتراح إجبار سكان غزة على مغادرة القطاع. ومن غير المرجح أن تستطيع الولايات المتحدة تنفيذ مثل هذه الخطة دون تعاون إقليمي واسع، وهو ما يبدو مستبعدًا في ظل المعارضة الأردنية والمصرية والفلسطينية.

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني دونالد ترامب اللاجئین الفلسطینیین القضیة الفلسطینیة الملک عبد الله فی الأردن

إقرأ أيضاً:

أستاذة علوم سياسية: التحركات المصرية ركيزةً للاستقرار في الشرق الأوسط

قالت الدكتورة نهى بكر، أستاذة العلوم السياسية، إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى قطر والكويت تأتي في إطار تحركات دبلوماسية تعكس الدور المحوري لمصر في المنطقة، وهي محملة برسائل سياسية واقتصادية، تتصدرها قضية غزة التي تشكل حجر الأساس في جدول المباحثات، حيث تسعى القاهرة جاهدةً إلى الدفع نحو وقف إطلاق النار وضمان تدفق المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب.  

وأكدت بكر، خلال حديثها مع الإعلامية عزة مصطفى ببرنامج "الساعة 6" على "الحياة"، أن زيارة الرئيس السيسي إلى قطر تحمل بعدًا سياسيًا عميقًا، لا سيما في ظل تقارب الرؤى بين البلدين فيما يخص الجهود الدبلوماسية الرامية إلى تهدئة الأوضاع في غزة، مشددة على أهمية السياق الإقليمي الذي لا يمكن عزله عن المشهد العام، حيث تبقى التحركات المصرية ركيزةً للاستقرار في الشرق الأوسط.  

وأضافت أن مصر، التي تتربع على موقع استراتيجي جعلها حجر الميزان في المنطقة، تنظر إلى الشق الاقتصادي كأحد ركائز علاقاتها الخارجية، فمع كل زيارة خارجية للرئيس السيسي، تتجدد المساعي نحو جذب الاستثمارات وتعزيز الميزان التجاري، بما يعكس مكانة مصر كسوق واسع وكيان صناعي رائد، يسعى بشكل دائم إلى توسيع آفاق التعاون الاقتصادي.  

مقالات مشابهة

  •  بدء نزع ملكية 86 عقارًا ضمن مشروع تطوير شارع الملك عبد العزيز بالقطيف
  • أستاذة علوم سياسية: التحركات المصرية ركيزةً للاستقرار في الشرق الأوسط
  • الأردن: الاحتلال يستخدم الجوع والحصار لتهجير الفلسطينيين قسريا
  • مفاوضات نووية حاسمة بين أمريكا وإيران في ظل تهديد ترامب بالحرب
  • لماذا تراجع ترامب عن الرسوم الجمركية لمدة 90 يومًا؟
  • وزير خارجية الأردن يؤكد رفض بلاده لتهجير الفلسطينيين ويشدد على ضرورة وقف الحرب على غزة
  • وزير الخارجية: الأردن الأقرب للفلسطينيين والقضية الفلسطينية على رأس أولوياتنا
  • استطلاع: 55 % من النمساويين يرون ترامب مصدر تهديد لأوروبا
  • مجموعة الاتصال الوزارية بشأن غزة تؤكد رفضها تهجير الفلسطينيين
  • الملك بلا تاج.. لماذا رفض الأمير عبد القادر عرش الشام؟.. قراءة في كتاب