زوايا
حمّور زيادة
مع بداية الشهر الثالث والعشرين للحرب في السودان، انقسمت القوى السياسية، وحلّت تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) نفسَها لتتحوّل الى جسميْن برؤيتين مختلفتين. الجانب الذي يضم أغلبية القوى المدنية، والتي كانت جزءاً من تحالف قوى الحرية والتغيير، أعلن برئاسة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك تكوين جسم جديد يسعى إلى محاولة وقف الحرب.
المدينة التي تشهد وقفة القوات المشتركة لحركات دارفور المسلحة، الخصم القديم والرئيسي لقوات الدعم السريع، تضم مئات آلاف من النازحين، وتقف عقبة أمام إعلان الحكومة الموازية. ورغم المناشدات الدولية والعقوبات، تمضي قوات الدعم السريع في استهداف المدينة، منذرةً بإبادة تواجهها أعراق دارفورية، في استكمالٍ لحرب الإبادة التي دعمها نظام عمر البشير السابق وجنرالات الجيش الحاكمون.
يبدو العالم كما لو ترك الفاشر لمصيرها. تقرّر عن نفسها وعن آخر شكل لوحدة سياسية هشة خرّقتها ثقوب الرصاص. فامتناع المدينة عن قوات الدعم السريع ربما يعيق قليلاً إعلان الحكومة الموازية. وهو ما يبقي السودان، اسمياً فقط، تحت سلطة عسكرية واحدة تحكم من العاصمة البديلة. بينما تُظهر التقارير الإعلامية كيف تحوّلت العاصمة القديمة إلى ركام. استطاعت حربٌ لم تكمل العامين بعد تدمير المدينة التي عاشت حوالي 200 عام، وتوشك أن تدمّر وحدة البلد المنهك بالحروب الأهلية أكثر من نصف قرن.
انقسام القوى السياسية التي اتحدت تحت شعار محاولة وقف الحرب يبدو منطقياً، بعدما تجاوزت الحرب خانة المخاوف، فكل ما تحذّر منه القوى السياسية حدث. وعربة الحرب المندفعة داست على حلم التحوّل الديمقراطي، وأصبح البلد المناضل منذ العام 1958 للخروج من نار الحكم العسكري مندفعاً لمنح السلطة للجيش مقابل الأمان في جانبٍ منه، ومهرولاً لتقسيم البلاد بحكومة محمية ببندقية متهمة بارتكاب جرائم الحرب والتطهير العرقي في جانب آخر.
صادرت البندقية العملية السياسية. وحدثت جرائم الاستهداف العرقي. وزادت قوة المليشيات القديمة والجديدة التي حلّت مكان مليشيا "الدعم السريع" في التحالف مع الجيش. ونظّم قادة الجيش والحركة الإسلامية أكبر عملية غسيل سمعة ليتحول من اعتُبروا سنواتٍ "أعداء الشعب وطغاته" إلى منقذيه وأبطاله.
في الوقت نفسه، يمضي الجيش السوداني في تأكيد احتكاره السلطة المستقبلية، فقائده الذي أعلن، السبت، أن "القوى المساندة للجيش لن تختطف السلطة بعد الحرب"، عاد ليؤكّد، الخميس، أن "الجيش لن يتخلى عن الذين حملوا السلاح وقاتلوا بجانبه، وأنهم سيكونون جزءاً من الترتيبات السياسية المقبلة". تُخبر هذه التصريحات بأن السلطة للجيش، وهو من يحدّد من يشارك معه فيها، وهو من يطمئن القلقين على حصّتهم. يحدُث هذا مع تنامٍ غير مسبوق لتيار شمولي يؤيد بلا تحفظ استمرار الحكم العسكري ظنا أنه جالب الأمان والمظهر الأخير لوحدة السودان.
ما بدأ باشتباكات مسلحة في قلب الخرطوم قبل حوالي عامين تحوّل اليوم إلى أكبر أزمة نزوح في العالم، وحرب تهدّد تماسك البلاد. ولم تنجح القوى السياسية في وقف الحرب، إنما كانت ضحيتها الأولى. تاركة البلاد تواجه مصيرها المحتوم بين بنادق المتقاتلين.
قسّمت الحرب الأهلية الأطول في تاريخ القارّة الأفريقية (1955 – 2005)، السودان إلى بلدين، شمال وجنوب. وتبدو الحرب الأهلية الحالية ماضية إلى تقسيم جديد، شرق وغرب. وهو تقسيم قد لا يصمد سياسياً وقتاً طويلاً، لكن أثره المباشر سيكون مدمّراً على البلاد التي لم يبق فيها ما يُدمّر.
نقلا عن العربي الجديد
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوى السیاسیة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
هل تربك سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود حسابات الجيش؟
على نحو متسارع تمكنت قوات الدعم السريع من السيطرة على مدينة النهود في غربي البلاد، بعد أن كانت تحت سيطرة قوات الجيش التي تعتزم استعادة المدينة، الغنية بالموارد الطبيعية، والتي تمثل مفتاح الوصول إلى مدن غرب كردفان وشمال دارفور.
وجاءت سيطرة الدعم السريع على مدينة النهود، بعد معارك استمرت يومين شنت خلالها هجمات بالقصف المدفعي والمسيرات قاذفة الصواريخ، مما دفع الجيش للانسحاب إلى مدينة الخوي وإخلاء مقر اللواء 18 بمدينة النهود.
وقد تمكن الجيش في اليوم الأول من الدفاع عن المدينة عبر حامياته في اللواء 18 وفي اليوم الثاني للمعركة انسحب خارج المدينة التي خضعت كليا لسيطرة الدعم السريع.
وعقب دخول قوات الدعم السريع مدينة النهود، تحدثت مصادر عن عمليات قتل واسعة إلى جانب أعمال نهب نفذتها قوات الدعم السريع.
ووفقا لبيان صادر من شبكة أطباء السودان، التي قالت إن الدعم السريع قتل أكثر من 100 مدني بينهم نساء وأطفال فضلا عن نهب السوق والمستشفى وحرق عدد من المحال التجارية، في حين نشر ناشطون على منصات التواصل صورا قالوا إنها لبعض القتلى المدنيين.
كما ذكرت مصادر طبية أن من ضمن الذين قتلوا في الأبيض صحفي يعمل في إحدى الوكالات الإعلامية المحلية وطبيب وضابط بشرطة المدينة.
إعلانفي الأثناء قال مصدر عسكري للجزيرة نت، إن الجيش انسحب من قيادة اللواء 18 بالنهود إلى الخوي بعد تعرضه لقصف بمسيّرات حديثة لا تتوفر لجيوش دول أفريقيا.
واتهم المصدر جهات دولية بتوفير مسيّرات إستراتيجية لقوات لدعم السريع، أسهمت في ترجيح كفتها في معارك النهود، مشيرا إلى أن الجيش "كبّد المليشيا خسائر في الأرواح في معركة المدينة في اليوم الأول".
عمليات كردفانوعقب انتصار الجيش في وسط السودان خاصة في ولايات سنار والجزيرة بدأ الجيش التخطيط للتقدم في إقليم كردفان الذي يضم 3 ولايات وهي شمال وجنوب وغرب كردفان ونجح الجيش في التوسع والانتشار في شمال كردفان بعد استعادته مدن أم روابة والرهد وفك حصار الأبيض.
ثم أعلن الجيش في بيان صحفي لاحقا، عزمه التوجه نحو مدن كردفان الأخرى الخاضعة لسيطرة الدعم السريع لا سيما في غربها مثل الفولة والمجلد، غير أن التطورات المتسارعة في غرب كردفان أربكت حسابات الجيش.
ويسيطر الجيش على معظم مدن ولاية جنوب كردفان مثل كادوقلي والدلنج وأبو جبيهة والعباسية تقلي وكالوقي في حين يسيطر الجيش في غرب كردفان على بعض المدن مثل بابنوسة التي توجد بها قيادة الفرقة 22 مشاة والخوي وهجليج والنهود قبل سقوطها فضلا عن سيطرته على مناطق واسعة في شمال كردفان مثل الأبيض والرهد والسميح وأم روابة.
وإزاء هذا، كان يسعى الجيش لتقدم وإزالة وجود الدعم السريع في كردفان ومن ثم الانتقال الى دارفور القريبة من كردفان والخاضعة بنسبة 90% لسيطرة الدعم السريع.
مدينة إستراتيجية
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي يوسف عبد المنان للجزيرة نت إن مدينة النهود مفتاحية للوصول إلى كل مدن غرب كردفان وشمال دارفور وهي غنية بالموارد الطبيعية ومنطقة لسوق الفول السوداني.
وأضاف أن سيطرة الدعم السريع على النهود سيعيق تحرك رتل الصياد التابع للجيش السوداني والمنتشر في مدن كردفان قائلا "ستكون هناك معارك حرب مدن ويتطلب من رتل الصياد قوة نوعية من الأسلحة والرجال".
إعلانكما أكد عبد المنان أن السيطرة على مدينة النهود تعني الضغط على قيادة الفرقة 22 التابعة للجيش بمدينة بابنوسة بغرب كردفان إذ كانت المدينة تمثل سندا للفرقة 22 بابنوسة قائلا إن خسارة الجيش للمدينة سيؤثر سلبا على أي معارك قادمة في كردفان ودارفور.
وفي ظل هذا، تظل تأكيدات مصادر بالجيش للجزيرة نت، بأن العودة إلى مدينة النهود قادمة، بالنظر إلى ما حدث في ود مدني وسنجة وبقية مدن السودان.
ويقول مصدر عسكري إن الجيش لا ينسحب من أي مدينة إلا وفق تقديرات "دقيقة"، خاضعة لحسابات منها تجنب الخسائر البشرية، مؤكدا أن الجيش يسيطر على نطاق واسع من كردفان وهو ما سيمكنه من استعادة النهود وكل مدن كردفان الخاضعة لسيطرة الدعم السريع.
في الأثناء قالت قوات الدعم السريع في بيان صحفي إن سيطرتهم على مدينة النهود يمثل منعطفا مهما في مسار الحرب، مشيرة إلى أنها عازمة على التقدم ميدانيا في كردفان ودارفور.