ما الواجب المباشر تجاه الفكر الحر في ظل استمرار السردية التكفيرية؟
قراءة في كتاب (عبد الله الفكي البشير، محمود محمد طه: من أجل فهم جديد للإسلام)، دار محمد علي للنشر، صفاقس، تونس/ ومؤسسة الانتشار العربي، بيروت، لبنان، 2024
(4-13)

إهداء المؤلف لكتابه:
"إلى شعوب السودان والإسلام والإنسانية جمعاء، وهي تتوق إلى التحرير والتغيير، فإني أهديكم هذا الكتاب، مستدعياً مقولة المفكر التونسي الدكتور يوسف الصديق: (محمود محمد طه هو المنقذ)".

المؤلف

بقلم سمية أمين صديق

كما ورد في الحلقة الماضية، ونستكمل اليوم فإن موقف المفكر محمود محمد طه من الاستعمار، يعبر عنه شعاره، القائل: لا تفاوض.. لا تعاون.. لا مهادنة مع المستعمر، وإنما المواجهة والمقاومة والصدام. يقول عبدالله: "لقد جسَّد المفكر محمود محمد طه هذا الشعار، قولاً وفعلاً، لا مجازاً أو تمنيات، كما ظل يدعو قادة الحركة الوطنية للتضحية، وهو (أي الأستاذ محمود)، القائل: (التضحية في سبيل الوطن تمنع الانتهازية في الممارسة السياسية)". وأضاف المؤلف بأن الأستاذ محمود كان ينظر للتضحية باعتبارها إحدى شروط الوحدة حيث الشراكة بين أبناء الوطن الواحد من مختلف ثقافاته وأقاليمه في النضال والكفاح، غير أن قادة الحركة لم يستجيبوا، كون روح التضحية وروح الوطنية لم تكن ضمن تربيتهم. ثم أوضح المؤلف تعليل ذلك من خلال ما كتبه الأستاذ محمود. قال المؤلف كتب محمود محمد طه، قائلاً: "الشعب السوداني شعب أصيل، وأريد بذلك أن الشعب السوداني سليم المعدن، فإذا أُحسن صقاله ظهرت نفاسته، ومع أن ساسته منه وهم بذلك يشاركونه أصالته إلا أن سادتهم، قد زيفوهم تزييفاً.. علموهم فأفسدوا تعليمهم وربوهم فأساءوا تربيتهم ولم تكن روح الخدمة العامة ولا روح التضحية ولا روح الوطنية الحقة عنصراً من عناصر تعليمنا ولا عاملاً من عوامل تربيتنا على يد مستعمرينا".
ثم قدم المؤلف تفصيلاً موسعاً عما ورد أعلاه، وعن موقف الأستاذ محمود ورؤيته تجاه المعرفة الاستعمارية. وهنا يدفع المؤلف بسؤال يتصل بمحور موقف الأستاذ محمود من الاستعمار ومن المعرفة الاستعمارية، يقول المؤلف: "هذا المحور يخاطب سؤال تكرر طرحه عليَّ في العديد من المنابر، يقول السؤال: مع موقف محمود محمد طه المصادم للاستعمار، هل يفهم من ذلك أن محمود محمد طه جاء للفكر من باب السياسة؟ يقول دكتور عبد الله: "ما أن قضى محمود محمد طه شهرين بعد خروجه من السجن الأول يوم الاثنين 22 يوليو 1946، إلا وعاد إليه ثانية بسبب مقاومته للمجلس الاستشاري لشمال السودان، ورفضه لما صدر عنه من تشريعات، وكان المجلس قد أصدر ثلاثة تشريعات، منها تشريع عن الحفاض الفرعوني، سُجنت بموجبه امرأة بمدينة رفاعة. وكان محمود محمد طه قد سبق ونشر بياناً بعنوان: "بيان الحزب الجمهوري عن مشروع قانون الحفاض الفرعوني"، في 10 ديسمبر 1945، وبيَّن فيه أن العادات الموروثة لدي الشعوب لا تُحارب بالقانون و البوليس، و إنما بالتوعية والتعليم. كما أوضح بأن الاستعمار من خلال هذا التشريع يسعي لتبرير استمراره، من خلال إظهار أهل السودان للعالم بأنهم شعب متخلف وهمجي، ويحتاج لمن يأخذ بيده و يُمدّنه، وهذا ما يتطلب استمرارهم في السودان. فقاد محمود محمد طه ثورة بمدينة رفاعة، عُرفت بثورة رفاعة، وقد اندلعت في نهار الجمعة 20 سبتمبر 1946.
قامت ثورة رفاعة بقيادة الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري، بينما سمتها الإدارة الاستعمارية بالشغب في رفاعة. وعن تعامُل الإدارة الاستعمارية مع ثورة رفاعة (والتي وصفتها بالشغب) يحدثنا المؤلف بقوله: "أنشأت الإدارة الاستعمارية محكمة بمدينة ود مدني، وسط السودان، برئاسة القاضي محمد أحمد مصطفي أبورنات ( 1902-1979)، وكانت التهمة :إثارة الشغب في مدينة رفاعة. حكم القاضي على محمود محمد طه، قائد الثورة بالسجن لمدة عامين بالإضافة إلى وضعه تحت المراقبة لمدة سنة أُخري بعد إتمام مدة السجن، كما حُكم على رفاقه لمدد متفاوتة. ويصف عبد الله، ثورة رفاعة بأنها مثلت حلقة من حلقات نضال الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري، الذي تبني مبدأ المواجهة والصدام مع الاستعمار، وظل الحزب مواجهاً لوجود الاستعمار و سياساته و تشريعاته. امتدت فترة سجن الأستاذ محمود محمد طه، الذي عُرِف في أدبيات الجمهوريين، بالسجن الثاني، لمدة (731) يوماً، امتدّت من الأحد 22 سبتمبر 1946 وحتى الثلاثاء 21 سبتمبر 1948. كان السجن عند الأستاذ محمود بمثابة اعتكاف إمتد لمدة عامين، أتبعه بثلاث سنوات بمدينة رفاعة، بعد خروجه من السِجن. يقول عبدالله: "لقد وصف محمود محمد طه شعوره عندما استقر به المقام في السجن، وكيف أن السياسة، حيث عقوبة السجن، ساقته على قدر ليخلو إلى ربه، و من ثم يجيء إلينا بفكر جديد كل الجدة. وكتب محمود محمد طه قائلاً: "لقد شعرت، حين استقر بي المقام في السجن، أني قد جئت على قدر من ربي، فخلوت إليه ..حتي إذا ما انصرم العامان، وخرجت، شعرت بأني أعلم بعض ما أُريد..ثم لم البث، و أنا في طريقي إلى رفاعة، أن أحسست بأن عليّ أن اعتكف مدة أخرى، لاستيفاء ما قد بدأ..و كذلك فعلت" ثم بيّن في مقاله، السبب الذي حبسه قائلاً:
"هل حبسني ابتغاء المعرفة؟ لا والله !!و لا كرامة .. و إنما حبسني العمل لغاية هي أشرف من المعرفة.. غاية ما المعرفة إلا وسيلة إليها ..تلك الغاية هي نفسي التي فقدتها بين ركام الأوهام، و الأباطيل .. فإن عليَّ أن أبحث عنها على هدي القرآن -أريد أن أجدها.. و أريد أن أنشرها .. و أريد أن أكون في سلام معها قبل أن أدعو غيري إلى الإسلام..ذلك أمر لا معدي عنه .. فإن فاقد الشيء لا يعطيه".
ظل الأستاذ محمود محمد طه في اعتكافه بمدينة رفاعة حتي خرج في الأسبوع الأول من أكتوبر 1951، فعاد إلى الخرطوم ليبدأ نشاطه الفكري والسياسي، بنشر المقالات في الصحف. و
وفور وصوله للخرطوم، أعلن عن مشروعه الفكري: الفكرة الجمهورية/ الفهم الجديد للإسلام، في اجتماع عام للحزب الجمهوري، عُقد الاجتماع بمنزل الشاعر منير صالح عبد القادر (1919- 1994) بالخرطوم شرق في مساء الجمعة 30 نوفمبر 1951. مثَّل الإسلام المرجعية الفكرية للمشروع. و يواصل المؤلف بالشرح :( ولكن الإسلام ليس بالفهم السائد والمألوف، حيث الرسالة الأولي من الإسلام، كما يسميها محمود محمد طه، التي تقوم على آيات الفروع/ قرآن الفروع / الآيات المدنية)، و إنما بالمستوى العلمي حيث الرسالة الثانية من الإسلام، التي تقوم على آيات الأصول/ قرآن الأُصول (الآيات المكية) التي ظل يدعو لها. أخذ محمود محمد طه يفصل في مشروعه الفكري ويدعو له بمعية تلاميذه الإخوان الجمهوريين والأخوات الجمهوريات، وذلك عبر الكتاب، والمحاضرة، والمقال، والمساجلات والمؤتمرات، وأركان النقاش (الحوار الحر في الفضاء العام).

الإخوان الجمهوريون: من أين جاءت التسمية؟ ومتي بدأ أطلاقها؟

للإجابة على هذا السؤال يقول عبدالله: "الإخوان الجمهوريون هم تلاميذ محمود محمد طه، و الأخوات الجمهوريات هُن تلميذاته. إن تسمية الإخوان الجمهوريين هي تطوير لاسم الحزب الجمهوري الذي أسسه محمود محمد طه مع رفاقه، واختاروه رئيساً للحزب". وعن دعوة الحزب يواصل المؤلف؛ كانت دعوة الحزب الجمهوري تنبع من مفهوم إسلامي، فكل أفكاره في السياسة وفي الاقتصاد و في الاجتماع تنطلق من مفهوم الإسلام. وكان ذلك قبل أن يُعلن الأستاذ محمود محمد طه عن مشروعه الفكري في عام 1951. ويقول عبد الله: إن الحزب الجمهوري كاسم كان يضيق عن المحتوي الذي يحمله من الفكر، ومن المناشط المختلفة التي كان يقوم بها الجمهوريون. يوضح المؤلف، أنه بعد إعلان المشروع الفكري في العام 1951، لم يطلق الجمهوريون على تنظيمهم، اسم الإخوان الجمهوريين حتى لا يحدث لبس مع أسم الإخوان المسلمين الذين شوهوا الاسم :( يقول محمود محمد طه: كان يمكن أن يكونوا الإخوان الجمهوريون من وقت متقدم، لكن وجود الإخوان المسلمين قد يحدث لبس، فينصرف الاسم للإخوان المسلمين. وأضاف، قائلاً: "الشاهد أن مسألة الإخوان الجمهوريين مرحلة تطور للاسم من الحزب الجمهوري إلى الغاية التي تنشدها بأن يكون محتوى إنساني، يدعو إلى مفهوم إنساني وحضارة إنسانية تشمل البشرية كلها، وهي قائمة على الإسلام بمعناهُ الواسع، الذي هو دين الفطرة التي فطر الله الناس عليها". أوضح دكتور عبد الله، بأن تسمية الإخوان الجمهوريين لم تظهر في الساحة السودانية إلا في أواخر النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، و لكنها شاعت وتوسع استخدامها، بعد انقلاب الرئيس جعفر محمد نميري (1930-2009)، في 25 مايو 1969 حلت حكومة مايو الأحزاب السودانية ومنعت نشاطها، فأصبحت التسمية السائدة هي الإخوان الجمهوريين.

بعض أهم مرتكزات الفهم الجديد للإسلام
الفرد في مرتبة الغاية، والمجتمع في مرتبة الوسيلة

قدم الدكتور عبد الله الفكي في هذا المحور بعض أهم مرتكزات الفهم الجديد للإسلام باختصار موجز مع حثه القراء للرجوع إلي المصادر للإحاطة بالموضوع بتوسع. يقول عبدالله: "وصف محمود محمد طه مشروعه الفكري: الفهم الجديد للإسلام، بأنه دعوة إنسانية كوكبية، تسعى إلى إحداث التغيير و التطوير و التحرير و التجديد والحيوية، عبر آليات ووسائل فصلها ضمن كتاباته و أحاديثه، و ذلك من أجل تلبية حاجة الإنسان المعاصر، و متطلبات العصر". ويرى محمود محمد طه، بأن الحضارة الغربية الراهنة، بنظاميها الرأسمالي والشيوعي، قد برعت في صُنع الآلة، وانجزت انجازاً كبيراً، في المجال المادي، والتقني، "ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً، في حل مشكلة الإنسان المعاصر". وأحالته إلى آلة إنتاج، واستهلاك، واستعباد، ففقد روحه وحريته. ويمضي عبد الله قائلاً: "إن طه أرجع الفشل إلى التفكير المادي، إذ يقول إن فكرة النظامين: الفكرة الشيوعية، والرأسمالية و إن اختلفتا، في ظاهر الأمر، فإنهما تقومان على أديم واحد، و تنطلقان من منطلق واحد هو التفكير المادي. وقد عجز التفكير المادي بشقيه، عن استيعاب طاقة إنسان اليوم، وتلبية حاجاته. ولهذا رشح الأستاذ محمود محمد طه الإسلام ليبعث المدنية الجديدة المقبلة. ذلك لامتلاك الإسلام، كما يقول، لعنصر الروح، عنصر الأخلاق، ذلك العنصر الذي بفقدانه جُردت الحضارة الغربية من فرصة قيادة مستقبل البشرية. كما أن الإسلام بوضعه الفرد في مرتبة الغاية، و المجتمع في مرتبة الوسيلة، قد أعطى منزلة الشرف للحرية ، و الحرية هي قضية إنسان اليوم. ثم لأن الإسلام يملك المنهاج الذي يمكن به حل مشكلة اغتراب الإنسان ويمكن تحريره من حالة القلق والاضطراب. وقد فصل عبد الله في ذلك مبينناً بأن الفردية هي مدار التكليف ومدار التشريف.
أورد بعض مرتكزات الفهم الجديد للإسلام، ومنها:
أولاً: الإسلام رسالتان:
"إن الإسلام سلاح ذو حدين إذا أُخذ عن علم و معرفة رفع الناس إلى أوج الرفعة و الإنسانية و الرقي و إذا أخذ عن جهل ارتدّ بالناس إلى صور من التخلف البشع الذي يُحارب باسم الله كل مظهر من مظاهر التقدم و الفهم"
محمود محمد طه، نوفمبر 1958.

يقول عبد الله: "يقرر محمود محمد طه بأن الإسلام رسالتان. و يُبين بأن "الإسلام كما هو في القرآن "ليس رسالة واحدة، و إنما هو رسالتان : رسالة في طرف البداية، أو هي مما يلي طرف اليهودية. ورسالة في طرف النهاية أو هي مما يلي طرف المسيحية" فهو وسط بين اليهودية والنصرانية، كما يخبرنا الله تبارك وتعالي حين يقول :( وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ). وقد جاء القرآن في سياقه بالجمع بين خصائص اليهودية وخصائص المسيحية. يقول عبد الله عن التبليغ : "أما بشأن تبليغ الرسالتين، فيقول محمود محمد طه : لقد بلغ المعصوم الرسالتين معاً، بالقرآن، وبالسيرة التي سارها بين الناس، ولكنه فصل الرسالة الأولي في تشريعه، و أجمل الرسالة الثانية، اللهم إلا ما يكون من أمر التشريع المتداخل بين الأولي والثانية، فإن ذلك يُعتبر تفصيلاً في حق الرسالة الثانية أيضاً، ومن ذلك، بشكل خاص، تشريع العبادات جميعه. وتقوم الرسالة الأولي عنده، على فروع القرآن (الآيات المدنية) أما الرسالة الثانية، فتقوم على أصول القرآن (الآيات المكية).. وقدم عبدالله تفصيلاً موسعاً في ذلك، ثم دفع بالسؤال القائل: هل الرسالة الثانية من الإسلام رسالة جديدة؟
أوضح المؤلف بأن هذا السؤال من الاسئلة المتكررة، وكثيراً ما توقف الناس عندها، وللإجابة على هذا السؤال، يقول عبد الله : "يوضح محمود محمد طه، قائلاً: "إن الرسالة الثانية من الإسلام، ليست جديدة، فهي موجودة في القرآن، و إنما الجديد هو الحديث عنها". يوضح عبد الله الفكي :( والرسالة الثانية من الإسلام هي سنة النبي الكريم، عليه أفضل الصلاة و أتم التسليم، في خاصة نفسه، فقد عاشها، كونها تكليفه، في مستوي آيات الأصول، التي هي آيات الإسماح والحرية وكرامة الإنسان، وهي ذات الخطاب الكوكبي والإنساني، بينما كان تكليف أمته في مستوي ما تطيقه، وهو مستوي الشريعة، مستوي آيات الفروع. وقد قدم عبدالله تفصيلاً لا يسع المجال لإيراده. كما فصل في ضوابط التمييز بين القرآن المكي والقرآن المدني التي وضعها الأستاذ محمود.

ثانياً: الدعوة إلى تطوير الشريعة الإسلامية:
"لابد من تطوير الشريعة لمواجهة تحديات العصر و مطالب الإنسان"
محمود محمد طه، نوفمبر، 1968.

يحدثنا المؤلف في هذا المحور عن أن الأستاذ محمود محمد طه، دعا إلى تطوير التشريع/تطوير الشريعة الإسلامية، ثم يطرح الأسئلة الآتية: ما هو تطوير الشريعة الإسلامية؟ و ما هي الحكمة من هذا التطوير؟ و أين يقع؟ ويجيب عبد الله: (إن تطوير الشريعة الإسلامية هو الانتقال بالتشريع من نص فرعي في القرآن الكريم خدم غرضه حتي استنفذه، وهي آيات الفروع ( الآيات المدنية) ، قرآن الفروع، إلى نص أصلي في القرآن الكريم مُدَّخر لحياة الناس اليوم، و هي آيات الأصول (الآيات المكية)، قرآن الأُصول حيث الخطاب الإنساني. ويقوم التطوير عنده استناداً على النظر إلى الحكمة من وراء النص، و مدي مواءمته للواقع. وعن أين يقع التطوير؟ كتب المؤلف، قائلاً: "يقول محمود محمد طه : لا يقع التطوير في أمر العبادات إلا على الزكاة ذات المقادير، وما ذاك إلا لأنها ليست ركناً تعبدياً إلا لعلة أن الناس لم يكونوا يطيقون أفضل منها، و إلا فإن الركن التعبدي إنما هو زكاة المعصوم. ولا يقع التطوير على تشريع المعاوضة، و ما ذاك إلا لأنه أصيل، وقد بني على الأصول الثوابت من الدين. و إنما يقع التطوير في تشريع المعاملات، كالحقوق الأساسية للأفراد، و كالنظم الاقتصادية و السياسية، إلى آخر ما يرتبط بتحولات المجتمع، وما يسرع إليه من التغيير من هذه النظم التي يجب أن تواكب المجتمع في حيوية، واقتدار على التجدد، والنمو، و التطور.
و أضاف المؤلف موضحاً: وبالشريعة الإسلامية المطورة يكون الجهاد ليس أصلاً في الإسلام، وإنما فرع، والرق ليس أصلاً في الإسلام، و إنما فرع، و الرأسمالية ليست أصلاً في الإسلام، و إنما فرع، و عدم المساواة بين الرجال و النساء ليس أصلاً في الإسلام، و إنما فرع، و تعدد الزوجات ليس أصلاً في الإسلام، و إنما فرع، والطلاق ليس أصلاً في الإسلام إنما فرع ، و الحجاب ليس أصلاً في الإسلام، و إنما فرع، و المجتمع المنعزل رجاله عن نسائه ليس أصلاً في الإسلام، وإنما فرع، والشريعة الجماعية ليست أصلاً، و إنما الأصل الشريعة الفردية، ذلك وبنفس القدر الذي به الجماعة ليست أصلاً، و إنما الأصل الفرد. وفصل المؤلف في ذلك.

ثالثاً: الدعوة لتحقيق المساويات الثلاث وبناء المجتمع الصالح:

من بين مرتكزات الفهم الجديد للإسلام الدعوة لتحقيق المساويات الثلاث: المساواة الاقتصادية (الاشتراكية)، والمساواة السياسية (الديمقراطية)، والمساواة الاجتماعية. ويوضح دكتور عبد الله، قائلاً: (يري محمود محمد طه بأن المساواة بين كافة الناس مهما كانت الفوارق بين دياناتهم ولغاتهم وألوانهم …إلخ، ويقول محمود محمد طه: إن من يتحدث عن الديمقراطية، والاشتراكية، في الإسلام، من غير أن يتحدث عن تطوير الشريعة السلفية من مستوي آيات الفروع، إلى مستوي آيات الأصول إنما يدلي بباطل، ويتحدث فيما لا يعلم". وقد فصل عبدالله في المساويات الثلاث، ثم أشار إلى العنصر الرابع الذي يقوم عليه المجتمع الصالح وهو الرأي العام السمح الذي لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة، لدي النماذج البشرية المتباينة، ما دام هذا السلوك لا يعود إلا بالخير والبركة على المجتمع. وعن الرأي العام يوضح المؤلف :( و للرأي العام، كما يري محمود محمد طه، أحكام تصدر من وراء حكم القانون، وهي غير ملزمة لأحد، و لا مُنفذة بسلطة، ولكنها قد تكون مع ذلك، أكثر فعالية من القانون، في ردع الشواذ والمارقين. و يمكن للرأي العام بالطبع أن يصدر حكمه على أي سلوك لا يوافق عليه، ولكن يحذر محمود محمد طه، من العنف، فقد دعا إلى تجنب العنف عند إحداث أي تغيير ويري بأن " العنف لا يبعث إلا إحدي خصلتين:" إما العنف مِنْ مَنْ يطيقون المقاومة، أو النفاق من العاجزين عنها، وليس في أيهما خير". ثم لدي الضرورة يمكن لأحكام الرأي العام، والعرف الجماعي، أن تدخل حرم القانون، و ذلك باقتراح التشريعات التى تسد النقص الذي بدأ لمن شاء، و بالطبع لن تكون التشريعات غير دستورية. و دستورية القانون معروفة لدينا.) .
ماهي الديمقراطية عند الأستاذ محمود محمد طه؟
يبين المؤلف، ونورد هنا حديثه بإيجاز شديد، ان الديمقراطية عند الأستاذ محمود كما عرفها، قائلاً: (الديمقراطية هي حق الخطأ.. وفي قمة هذا التعريف جاء حديث المعصوم "إن لم تخطئوا و تستغفروا فسيأت الله بقوم يخطئون ويستغفرون فيغفر لهم" وأورد عبد الله قول الأستاذ محمود محمد طه : "تجئ كرامة الإنسان من كونه أقدر الأحياء على التعلم والترقي، و إنما تجئ كرامة الديمقراطية من كونها، كأسلوب للحكم أقدّر الأساليب لإتاحة الفرص للإنسان ليبلغ منازل كرامته و شرفه، و إنما يتعلم الإنسان من أخطائه، وتلك هي الطريقة المُثلي للتعليم.. وأوضح عبدالله بأن آية الشورى، كما يرى محمود محمد طه، ليست ديمقراطية ، وأورد قول الأستاذ محمود الذي كتب، قائلاً: "هناك أمر خطير يجب تقريره هنا، و هو أن الشريعة الإسلامية ليست ديمقراطية، ولا هي اشتراكية، و إنما هي تقوم، في السياسة على آية الشوري". ثم فصل عبدالله تفصيلاً موسعاً في ذلك، وهذا ما يمكن الرجوع إليه في الكتاب.
نلتقي في الحلقة الخامسة.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الأستاذ محمود محمد طه الحزب الجمهوری یقول عبد الله یقول عبدالله فی الإسلام فی القرآن فی مرتبة الذی ی فی ذلک

إقرأ أيضاً:

بنك أم درمان الوطني بمدني يعلن مزاولة أعماله وأنشطتة الأحد المقبل

بحث الأستاذ عاطف محمد إبراهيم أبو شوك مدير عام وزارة المالية والإقتصاد والقوى العاملة بولاية الجزيرة الوزير المكلف لدى لقائه بمكتبه الخميس الأستاذ عصام الدين محمد عبد الله المدير العام لبنك أم درمان الوطني بولاية الجزيرة الترتيبات الجارية لإنطلاق العمل بالبنك يوم الأحد المقبل ومزاولة كل أعماله وأنشطتة وتطبيق التطورات الإلكترونية التي شهدها البنك مؤخراً في فتح الحسابات والتحويلات الإلكترونية .من جانبه أشاد الوزير بالتطور التقني الكبير الذي حققه البنك مما سهل إجراءات عملاء البنك .فيما أعلن مدير البنك جاهزية البنك لتسهيل إجراءات فتح الحسابات للمؤسسات والجمعيات الخيرية والأفراد عبر الرقم الوطني.سونا إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • محمود عباس يعرب عن تقديره لثبات الموقف المصري تجاه الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني
  • التسامح في الإسلام.. كيف يعكس العفو عن الناس رحمة الله؟ -(فيديو)
  • موعد مباراة الاتحاد ضد الوحدة في الدوري السعودي وقنوات البث المباشر
  • محمود الخطيب: أشكر الرئيس السيسي على موقفه تجاه القضية الفلسطينية
  • التسامح في الإسلام.. كيف يعكس العفو عن الناس رحمة الله؟.. فيديو
  • بنك أم درمان الوطني بمدني يعلن مزاولة أعماله وأنشطتة الأحد المقبل
  • الأحد.. احتفالية ومعرض 200 عام على ميلاد نوبار باشا بمكتبة مصر العامة بالدقي
  • من الليالي المباركة في الإسلام.. «أوقاف أسيوط» تحتفل بليلة النصف من شعبان
  • الصحفيين تنظم ندوة لمناقشة كتاب في مواجهة الإسلام السياسي