تولسي جابارد- من العسكرية إلى قيادة الاستخبارات الوطنية الأمريكية
تاريخ النشر: 15th, February 2025 GMT
تعيين تولسي جابارد كمديرة للاستخبارات الوطنية الأمريكية في 2024 لم يكن مجرد حدث روتيني، بل تحولًا استراتيجيًا يعكس رغبة إدارة ترامب في توظيف شخصيات "خارج الصندوق" لقيادة مؤسسات حيوية. الدور الجديد لجابارد، الذي يشرف على تنسيق عمل 17 وكالة استخباراتية، يضعها في قلب صناعة القرار الأمني الأمريكي. لكن الجدل حولها لا ينفصل عن تاريخها العسكري المليء بالإشادات، وسياساتها الخارجية المثيرة للانقسام، وعلاقاتها الدولية التي يرى البعض أنها تتعارض مع مبدأ الحياد الاستخباراتي.
أولًا: المسيرة العسكرية – من ساحات الحرب إلى الدبلوماسية العسكرية**
البدايات والتضحيات
التحقت جابارد بالحرس الوطني للجيش عام 2003 رغم إمكانية تأجيل تجنيدها كعضو في مجلس ولاية هاواي. اختارت الخدمة في العراق (2004-2005) والكويت (2008-2009) كضابطة طبية، حيث تعرضت لتفجيرات وكمائن متكررة، وهو ما شكل وعيها بثمن الحروب البشرية. حصولها على وسام النجمة البرونزية جاء بعد قيادتها فرقة إسعاف تحت النيران في معركة الفلوجة، مما أكسبها احترامًا واسعًا في الأوساط العسكرية.
الدور التدريبي
في 2015، قادت برامج تدريب لقوات خاصة في الإمارات والأردن، ركزت على مكافحة الإرهاب والتعامل مع الأسلحة الكيميائية. هذه الخبرة عززت توجهاتها المناهضة لتمويل الميليشيات في سوريا واليمن، والتي عبرت عنها لاحقًا في الكونغرس.
الإرث العسكري في سياستها
لم تكن خبرتها العسكرية مجرد "شهادة شرف"، بل أساسًا لفلسفتها التي ترفض "الحروب بالوكالة"، وتدعو لاعتماد الدبلوماسية الوقائية. في كتاباتها، تشير إلى أن التدخلات الأمريكية في الشرق الأوسط زادت من تفكك المجتمعات، وهو ما استغلته الجماعات المتطرفة.
ثانيًا: المسيرة السياسية من هاواي إلى واشنطن بين التمرد والانتماء
التجربة المحلية
كأصغر نائبة في مجلس ولاية هاواي (2002)، قادت حملات لحماية البيئة البحرية ودعم الطاقة المتجددة، مستفيدة من ثقافة هاواي المحافظة على الطبيعة. لكن استقالتها عام 2004 للخدمة العسكرية أظهرت أولوية "الوطنية" في سرديتها الشخصية.
الصعود إلى الكونغرس
في 2012، فازت بمقعد الكونغرس ببرنامج يجمع بين الليبرالية الاجتماعية (كحقوق المثليين) والحمائية الاقتصادية. لكن مواقفها من الشؤون الخارجية بدت أكثر محافظة:
- عارضت إسقاط نظام القذافي في ليبيا (2011)، ووصفته بـ"الفشل الاستراتيجي".
- صوتت ضد فرض عقوبات على روسيا بعد ضم القرم (2014)، بحجة أن ذلك يعيق الحوار.
- دعت لوقف تمويل المتمردين السوريين، معتبرة إياهم "إرهابيين محتملين".
الانشقاق عن الحزب الديمقراطي
استقالتها من اللجنة الوطنية الديمقراطية في 2016 لم تكن فقط احتجاجًا على تفضيل هيلاري كلينتون، بل تعبيرًا عن رؤية مختلفة لسياسة الحزب، التي وصفها أعضاء في فريقها بأنها "خاضعة لنخبة واشنطن". علاقتها المتوترة مع أوباما – خاصة بعد انتقادها لسياسة "التغيير النظامي" في الشرق الأوسط – جعلتها شخصية هامشية داخل الحزب.
ثالثًا: الانتخابات الرئاسية 2020 – حملة الأجندة المناهضة للحرب
الخطوط العريضة لبرنامجها
رغم فشلها في تحقيق انتشار واسع، قدمت جابارد رؤيةً فريدةً تجمع بين:
الانعزالية العسكرية: سحب القوات من سوريا وأفغانستان، وإغلاق 800 قاعدة عسكرية أمريكية خارجية.
التقدمية الداخلية:- التأمين الصحي الشامل، وإصلاح نظام العدالة الجنائية.
النقد الجذري للمؤسسة :- هاجمت "الصناعة العسكرية-الأمنية" ووصفتها بـ"المافيا التي تبتلع الميزانية".
الاتهامات بالولاء لروسيا
تصريحها بأن "روسيا لا تشكل تهديدًا وجوديًا لأمريكا" عام 2019، ولقاؤها المثير مع بشار الأسد في دمشق (2017)، دفعا البعض للشك في نواياها. تقارير إعلامية أشارت إلى تمويل غير مباشر لحملتها عبر جماعات ضغط موالية لموسكو، لكن لم تثبت أدلة قاطعة.
تراجع التأييد:
انسحابها من السباق الرئاسي ودعمها لبايدن في 2020 لم يُنهِ الانقسام حولها. انتقدها الليبراليون لتصويتها ضد مساءلة ترامب في قضية أوكرانيا، بينما رأى المحافظون فيها "ديمقراطية معتدلة" يمكن التعاون معها.
رابعًا: مديرة الاستخبارات الوطنية – التحديات والسيناريوهات المحتملة
سياساتها المتوقعة
إعادة هيكلة الوكالات:- تخطط لدمج أقسام مكافحة الإرهاب في CIA وNSA تحت إدارة موحدة، لتجنب التكرار.
تحديث الأساليب- تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات، مع تشديد إجراءات حماية الخصوصية.
التركيز على الصين:- في أول خطاب لها، وصفت الصين بأنها "الخصم الاستراتيجي الأول"، مما أثار تساؤلات عن توجهها لتصعيد الاستخبارات في المحيط الهادئ.
الإشكالات القانونية:-
معارضوها في الكونغرس يستندون إلى:
نقص الخبرة و عدم عملها سابقًا في مجتمع الاستخبارات، على عكس أسلافها مثل دان كوتس.
التحيز المحتمل وهنالك تقرير من "مركز النزاهة الحكومي" أشار إلى تلقّيها تبرعات من جماعات ذات صلة بتركيا وأذربيجان خلال حملاتها الانتخابية.
التأثير الدولي
و هنالك دول مثل أوكرانيا وإسرائيل تعرب عن قلقها من تعيينها، خوفًا من تغيير الأولويات الأمريكية. في المقابل، رحبت روسيا والصين بالتعيين، معتبرتين أنها "تفهم مصالحهم الأمنية".
ما بين العسكرية والاستخبارات – أي مستقبل لسياسة أمريكا؟
تعيين جابارد قد يمثل تحولًا في فلسفة الاستخبارات الأمريكية من "التركيز على التهديدات الخارجية" إلى "إعادة تقييم الأولويات الداخلية"، مثل مكافحة التطرف اليميني وتأثير التغير المناخي على الأمن. لكن نجاحها مرهون بقدرتها على تجاوز الانقسامات السياسية، خاصة مع اقتراب انتخابات النص الثاني وسواءٌ أثبتت جدارتها أو سقطت تحت وطأة الجدل، فإن تجربتها ستكون درسًا في إدارة التوازن بين الخلفية العسكرية والحياد الاستخباراتي.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
حرب اليمن تعمق الانقسام داخل الكونغرس الأمريكي
يمانيون../
لأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، شهد الكونغرس الأمريكي، انقساماً حاداً بين اعضاءه على خلفية الحرب العدوانية التي يشنها المجرم ترامب على اليمن دفاعاً عن الكيان الصهيوني.
ومنذ ما يقارب الشهر يواصل الطيران الأمريكي عدوانه على اليمن، حيث نفذ مئات الغارات التي استهدفت منازل المواطنين والمصانع والمنشآت والاعيان المدنية، مخلفة العشرات من الشهداء والمدنيين الأبرياء غالبيتهم من النساء والأطفال في العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، وهو ما عمق من ورطة أمريكا في اليمن وجعل الوضع يبدو وكأنه أشبه بكارثة حقيقية لها، وما زاد الأمر تعقيداً هو استخفاف واشنطن بقدرات اليمنيين وتلقيها صدمات غير متوقعة في البحر الأحمر جعلت منها أضحوكة أمام العالم.
وأمام ذلك، طالب مشرعون في الكونغرس الأمريكي الرئيس دونالد ترامب، بتبرير الأساس القانوني للضربات العسكرية التي نفذتها إدارته في اليمن منذ منتصف مارس الماضي.
وبحسب موقع “ذا إنترسبت”، حذر مشرعين في الكونغرس الرئيس “ترامب” من خطر انخراط الولايات المتحدة في “صراع غير دستوري” في الشرق الأوسط، في إشارة إلى الحرب الإجرامية التي يشنها على اليمن.
وقال الموقع في تقرير نشره، إن الرسالة الموجهة من النواب “براميلا جايابال”، و”روخانا” ، و”فال هويل” وانضم إليهم 30 نائباً من أعضاء الكونجرس، إلى البيت الأبيض، حيث تجاوز انتقادهم لدردشة سيجنال سيئة السمعة، وطالبوا بمعرفة المبرر القانوني لترامب في استمرار ضرباته باليمن.
وطالبت الرسالة من إدارة ترامب تقديم مبرراتها القانونية للضربات غير المبررة، وشرح ردها على الاختراق المحتمل للأمن القومي لرسائل سيجنال المرسلة إلى محرر مجلة أتلانتيك، جيفري غولدبرغ، وتقدير تكاليف الضربات وشرح كيفية دفع الإدارة لها؛ وشرح سبب ادعاء جنرال كبير بأنه “لم تكن هناك أي مؤشرات على أي إصابات بين المدنيين” خلال غارة جوية أسفرت عن مقتل العشرات.
كما طالبت الرسالة إدارة ترامب بـ “التوقف الفوري” عن استخدام القوة العسكرية دون تفويض، والرجوع إلى الكونغرس قبل اتخاذ أي خطوات عسكرية إضافية، تهدد بتعريض أفراد الجيش الأميركي في المنطقة للخطر.
وأشارت الرسالة إلى أن القانون يُلزم الرؤساء بالتوجه إلى الكونغرس للحصول على إعلان حرب أو أي تفويض قانوني آخر. الاستثناء الوحيد هو “حالة طوارئ وطنية” تنطوي على غزو – وهي حالة يُشير الموقعون على الرسالة إلى عدم وجودها.
وأوضح موقع “ذا إنترسبت” الأمريكي أن الرسالة قد تمهّد الطريق أمام تحرك ديمقراطي لإنهاء أو تقييد الضربات الأمريكية المستقبلية في اليمن، خاصة بعدما وردت تقارير عن استهداف مناطق سكنية مكتظة في العاصمة صنعاء والحديدة وصعدة وذمار وبعض المحافظات.
وبين الموقع أن الرسالة حظيت بدعم كبير من الجماعات التقدمية والمناهضة للحرب، بما في ذلك لجنة خدمة الأصدقاء الأمريكية، ومنظمة “كودبينك” ومنظمة “ديمند بروجرس”، والمجلس الوطني الإيراني الأمريكي، ومعهد كوينسي لفن الحكم المسؤول، ومنظمة “الفوز بلا حرب”.
إقرار رسمي بالفشل العسكري في اليمن:
وتأتي تحركات أعضاء الكونغرس الأمريكي لوقف الحرب على اليمن، تزامناً مع تواصل الاعترافات التي يدليها قادة الجيش الأمريكي بشأن فشلهم في اليمن، وتعرضهم إلى خسائر فادحة جراء العمليات العسكرية التي تنفذها القوات المسلحة اليمنية ضد سفن واشنطن الحربية وفي المقدمة حاملة الطائرات “هاري ترومان”، وذلك في إطار الدعم والاسناد المقدم للشعب الفلسطيني.
وفي آخر تلك التصريحات، قال قائد العمليات الخاصة الأمريكية الجنرال “برايان فينتون” في تصريح صحفي اليوم الجمعة: “خصومنا يستخدمون طائرات مسيرة بقيمة 10 آلاف دولار ونسقطها بصواريخ بقيمة مليوني دولار”، في إشارة إلى قوات صنعاء.
وأضاف قائد العمليات الخاصة الأمريكية: “هذا المنحى من حيث التكلفة والفائدة مقلوب “.
وكان قادة عسكريون أمريكيون قد عبروا أمس الأول عن قلقهم الشديد من أن الحملة في اليمن ستؤدي إلى استنزاف أسلحتهم.
ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول أمريكي، قوله، إن البحرية وقيادة منطقة المحيطين الهندي والهادئ “قلقتان للغاية” بشأن السرعة التي يحرق بها الجيش الذخائر في اليمن، مؤكداً أن الجيش الأمريكي يواجه صعوبة في موازنة موارده أثناء قصفه لليمن.
وأشار المسؤول العسكري الأمريكي إلى أن البنتاغون استهلك ذخائر بقيمة 200 مليون دولار تقريبًا في الأسابيع الثلاثة الأولى فقط، مبيناً أن تكاليف حملة القصف على اليمن خلال 3 أسابيع تتجاوز مليار دولار عند أخذ النفقات التشغيلية والبشرية في الاعتبار.
وذكر أن صيانة المعدات الأساسية أصبحت مشكلة في ظل هذه الظروف القاسية، موضحاً أن البنتاغون سيحتاج قريبًا إلى نقل أسلحة دقيقة بعيدة المدى من المخزونات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى الشرق الأوسط، لافتاً إلى تضرر الولايات المتحدة بسبب نشر البنتاغون للسفن الحربية والطائرات في الشرق الأوسط.
إلى ذلك سلطت مجلة “ناشيونال إنترست”، الضوء على حرب ترامب في اليمن، موضحة أن عمليات اليمنيين في البحر الأحمر تبرز الوضع الصعب الذي تواجهه البحرية الأمريكية، فبعد أن فقدت مكانتها كأكبر قوة بحرية في العالم- وتخلت عن هذه المكانة للصين- تبحث البحرية عن أساليب جديدة للتعامل مع الطائرات المسيّرة والصواريخ المضادة للسفن؛ فقد أثبتت حاملات الطائرات والسفن الحربية القديمة، المجهزة بطائرات مأهولة باهظة الثمن ومتطورة وأنظمة صواريخ، أنها غير مُلائمة تماماً لهذا العصر الجديد من الحروب، ويُعدّ تطوير هذه الأسلحة لمواجهة تلك الصواريخ والمسيّرات عملية قد تستغرق سنوات من البحرية والكونغرس في التطوير والتحسين.
وأفادت المجلة أن الدرس الذي قدمته معركة البحر الأحمر هو أن البحرية مُرهَقةٌ للغاية، فقد اضطرت إلى إبقاء ما يصل إلى مجموعتين من حاملات الطائرات مُرابطتين في منطقة البحر الأحمر لمواجهة عمليات قوات صنعاء المنفذة ضد السفن الحربية والتجارية، ورغم هذه القوى الجبارة، لا يزال البحر الأحمر مُغلقاً تماماً.
هاني أحمد علي – المسيرة