شارك الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، في فعاليات مؤتمر: «قراءة في وثيقة المدينة المنورة» المنعقد بالعاصمة الدنماركية كوبنهاجن، بتوجيهات من  فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر. 

وقال الأمين العام خلال كلمته، إن وثيقة المدينة المنورة أعلى شهادة تضمنت مبادئ ترسيخ العدل والمساواة والتعايش السلمي التي أقرها الإسلام، لهذا كانت دستورا رائدًا، وضع إطارًا للحكم الرشيد على أسس وقواعد الاحترام المتبادل والمسئولية المشتركة بين جميع أطياف المجتمع، كما إنها أول الدساتير المكتوبة في التاريخ التي من شأنها رسم خرائط الأمن والتسامح والاندماج لمجتمع تعددي، فهي تمثل نقطة الارتكاز الأولى للفكر الإسلامي المستنير والمنفتح على الآخر، والذي لا يوجد من بين الثقافات ما يدعو لمثل ما يدعو إليه من انفتاح على الآخر، والعمل معه في ضوء القيم المشتركة.

وأضاف الأمين العام أن هذا الميثاق النبوي قد جمع المسلمين مع غيرهم من اليهود والمسيحيين وكافة أصحاب الديانات والمعتقدات الأخرى تحت لواء إنساني واحد، تم من خلاله تحقيق الحقوق الدينية والالتزام بالمسؤوليات الاجتماعية وحماية الأوطان بشكل تام الوضوح، لهذا نجد التاريخ الإسلامي زاخر بتسامح المسلمين في شتى المواقف حتى مع المخالفين، والتشدد تهمة اتفق المتشددون وخصوم الإسلام على رميه بها، في حين أن الذي حارب التشدد هو الإسلام وتعاليمه وكبار مفكريه في كل العصور.

وتابع: “يبقى دستور المدينة نموذجًا مشرقًا لتشكيل مجتمع متعايش متماسك ومنسجم لا يزدري دينا ولا يضيق على متدين مهما كانت ديانته، وهو  ما جعل القيم التي تضمنها هذا الوثيقة لا تزال ذات صلة كبيرة بعصرنا الحالي، حيث تقدم إرشادات خالدة لمعالجة تعقيدات عالمنا الحديث خصوصًا في ظل صراعاته التي تعكر صفو الحياة والمحبة والسلام فيه، وهو الأساس أيضا الذي قام عليه الفكر الإسلامي المتميز بالتجديد الدائم، من خلال  إعمال العقل في مستجدات الواقع وفق مناهج رصينة، في أصالة ومعاصرة، بما ييسر حياة الناس”.

وأوضح الجندي أنه من بين ما أكدت عليه وثيقة المدينة، العدالة وسيادة القانون، وحماية جميع الحقوق، وهي مبادئ ضرورية لأي مجتمع يسعى إلى السلام والاستقرار، واستلهمت منها كل حضارة جاءت بعد حضارة المسلمين، وهذه المبادئ ضمنت أن الجميع متساوون في نظر المجتمع، لهذا زخر التاريخ باعتماد المجتمعات الإسلامية على غير المسلمين من أصحاب التخصص والكفاءة، واعتلى كثير منهم أرفع المناصب في هذه المجتمعات.

وبيَّن أن دستور المدينة قد أرسى مبدأ المسئولية الجماعية، حيث كان جميع أفراد المجتمع مسؤولين عن الحفاظ على الأمن والاستقرار فيه وتعزيز حماية حقوق الضعفاء والمهمشين، وبرز في المجتمع فئات قامت بأدوارها واستوفت حقوقها بعد أن كانت منتقصة، كالمرأة التي حظيت بكامل حقوقها دون انتقاص أو امتهان، وكان هذا بداية التزام كل فئات المجتمع بواجباتهم كما نالوا حقوقهم، وهذا المبدأ ذو أهمية كبرى في واقعنا المعاصر، الذي نسعى فيه إلى إقامة مجتمعات منسجمة ومتماسكة، يتعاون الجميع في ظلها ولا يتخلف أحد فيها عن ركب الحضارة والتسامح والسلام.

ولستطرد قائلًا: “كما أن مبادئ دستور المدينة وقيمها، متجذرة في المنهج الإسلامي، لأن المسلمون لا يخشون الحوار والتواصل مع الآخر، فهم أصحاب قضايا قائمة على العدل والإنصاف، وهو المنهج الذي تقوم عليه المؤسسة الإسلامية الأكبر في العالم، مثل مؤسسة الأزهر الشريف الذي يمتلك تاريخًا طويلًا يزيد على ألف عام، ويحفل بانتهاجه التقارب والحوار والتواصل العلمي والحضاري، كما أن خريجوه وطلابه محصنون ضد الأفكار الهدامة بل هم دعاة حكمة ووسطية، ومن أهم محاربي التطرف في العالم”.

وأكد الأمين العام في ختام كلمته أنه لا شك أن كل ما نناقشه ونتشاركه اليوم من رؤى السلام يعد مصدر إلهام لمزيد من المبادرات التي تعكس روح هذا الميثاق التاريخي، والذي ظهر جليًّا في مساعي فضيلة الإمام الأكبر أ. د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذي دافع بشجاعة عن قيم الأخوة الإنسانية وسخر كل إمكانات الأزهر لمواجهة التطرف وجاب العالم لمحاربته واقتلاعه من جذوره.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية خريجو الأزهر الدكتور محمد الجندي المزيد الأمین العام

إقرأ أيضاً:

حج النافلة أم الصدقة.. أمين الفتوى: العبادة التي يصل نفعها للغير أولى

أكد الشيخ هشام ربيع، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، أن تكرار الحج جائز، لكن في بعض الحالات التصدق بنفقاته أولى.

أمين الفتوى: لابد من النية الخالصة لله في الحج وليس للحصول على لقبهل الحج يُسقط الصلوات الفائتة؟.. الإفتاء تحذر من هذا الأمرحج النافلة أم الصدقة؟

وقال أمين الفتوى في بيان حكم الصدقة أم تكرار الحج أي حج النافلة، إن كل نَفْسٍ تشتاق لتكرار الحَجِّ والعمرة لري ظمأ النَّفْس بمشاهد الإيمان في الأماكن المقدسة -البيت العتيق والمقام الشريف-، ومع ذلك فالعلماء يُقرِّرون: أَنَّ "العبادة المتعدية أفضل مِن العبادة القاصرة".

وتابع: وهذا معناه: أنَّ عبادتَكَ المتعدية نفعها للغير أفضل من عبادة تكرار الحج أو العمرة التي تعود نفعها عليكَ فقط.

وأشار إلى أن أفضل العبادات المتعدية الآن لـمَنْ هم في هذه الحالة "التَّبرُّع لأهلنا في فلسطين"، فلنجعلها شعارًا لنا قائمًا على الود والتراحم والترابط.

حكم تكرار الحج

وورد إلى دار الإفتاء المصرية، سؤال يقول (أيهما أفضل تكرار الحج والعمرة أم التصدق على الفقراء والمحتاجين؟

استشهدت دار الإفتاء، في إجابتها على السؤال، بقول الله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ [البقرة: 125]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: «الْحَجُّ مَرَّةً، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ» رواه أحمد، وقال صلوات الله وسلامه عليه وآله: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ» متفق عليه.

ذكرت دار الإفتاء، أن معنى الآية الكريمة السابقة: أن الله تعالى جعل البيت الحرام مثابة للناس يعودون إليه شوقًا بعد الذهاب عنه أي أن الله جعله محلًّا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه ولا تقضي منه وطرًا ولو ترددت إليه كل عام؛ استجابة من الله تعالى لدعاء إبراهيم عليه السلام في قوله: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ [إبراهيم: 37]، إلى أن قال: ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ [إبراهيم: 40]. فهناك تطمئن الأفئدة وترتاح النفوس وتزول الهموم وتتنزل الرحمات وتغفر الزلات.

أوضحت، أن معنى الحديث الأول: أن الحج فرض على القادر المستطيع مرة واحدة في العمر، فمن زاد فتطوع ونافلة في التقرب إلى الله، وكذلك العمرة مطلوبة في العمر مرة وتسمى الحج الأصغر وهي في رمضان أفضل لمن أرادها دون حج، ولا يكره تكرارها بل يندب ويستحب تكرارها للحديث الثاني: «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ.. إلخ» متفق عليه. لأنها كما ورد تمحو الذنوب والخطايا. وقد أداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع مرات.

أما بشأن التصدق على الفقراء والبائسين: فقد روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» رواه مسلم.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» متفق عليه.

مقالات مشابهة

  • البحوث الإسلامية: افتتاح معرض الكتاب الدائم ومقر لجنة الفتوى بجامعة الأزهر
  • مجمع البحوث الإسلامية: لا تقل هذه الكلم .. تطردك من رحمة الله
  • البحوث الإسلامية يشارك في مؤتمر اللغة العربية بجرجا حول جهود علمائها في خدمة العلوم الإنسانية
  • أخنوش يدعو إلى تعزيز التواصل الإعلامي: “لا نترك المجال لأصحاب البوز السياسي”
  • صحن الحداثة.. كيف ابتلع الدش المدينة؟
  • مسؤولة أوروبية تؤكد ضرورة معالجة جذور الكراهية ضد المسلمين التي تصاعدت مع حرب غزة
  • اللجنة العربية الإسلامية تطالب بتوحيد غزة والضفة تحت حكم السلطة الفلسطينية
  • حج النافلة أم الصدقة.. أمين الفتوى: العبادة التي يصل نفعها للغير أولى
  • مشروع تخرج بإعلام القاهرة يطلق حملة توعوية تهدف إلى نشر ثقافة تقبل الآخر في المجتمع
  • خطيب الجامع الأزهر: المسلمون عبر تاريخهم لم يقاتلوا إلا دفاعا عن أوطانهم