موقف موسكو والرياض من قيام الدولة الفلسطينية غير قابل للمساومة
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
فبراير 14, 2025آخر تحديث: فبراير 14, 2025
رامي الشاعر
لا شك أن الزلزال السياسي الذي تسببت فيه مكالمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنظيره الروسي فلاديمير بوتين قد أزعج كثيرين حول العالم، إلا أنه وفي الوقت نفسه أثبت صحة السردية الروسية للصراع.
دائما ما أكدت أنه لا يوجد ما يسمى بـ “الصراع الروسي الأوكراني”، وإنما هناك صراع “روسي-غربي”، هناك صراع ما بين روسيا و”الناتو” ويدير عملياته القذرة طغمة نازية في كييف تستند إلى عملية غسيل لأدمغة الشعب الأوكراني الشقيق بدأت في العام 1991، فور تفكك الاتحاد السوفيتي.
وأعتقد أن الساعة ونصف الساعة التي قضاها الزعيمان في مناقشة الوضع الراهن الدولي كان بمثابة يالطا الجديدة، أو تصوّر عمّا يمكن أن تكون عليه “يالطا – 2″، فالعالم لم يعد نفس العالم منذ ثمانين عاما، والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يعودا كما كانا وقت انتصار الاتحاد السوفيتي والحلفاء على ألمانيا النازية.
اليوم لم يعد هناك حلف وارسو، وأصبح “الناتو” المنظمة “الدفاعية” غير ذات فائدة، لغياب التهديد الذي كان يأتي من الاتحاد السوفيتي الذي لم يعد موجودا بالأساس، كذلك تبزغ الصين كمارد اقتصادي مؤثر وفاعل وتحد كبير للولايات المتحدة الأمريكية، ويبزغ مع الصين مراكز اقتصادية أخرى في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية دون أن يكون لهؤلاء تمثيل في مجلس الأمن الدولي.
الأحادية القطبية قد انتهت إلى غير رجعة، وهو ما أتصور أنه يتعين على الرئيس ترامب إدراكه في أسرع وقت ممكن، والتعددية القطبية حقيقة واقعة دامغة، وتتطلب الجلوس إلى طاولة المفاوضات حتى يتم إصلاح الأمم المتحدة، وربما تعديل هيكل مجلس الأمن ليضمن تمثيلاً عادلاً لكل القوى السياسية الفاعلة في المجتمع الدولي دون إملاءات أو عقوبات أو حصار أو ضغط.
إن مكالمة يوم أمس تعني ببساطة أن السردية التي طرحتها روسيا، والموقف الذي تبنته منذ مؤتمر ميونيخ للأمن عام 2007، وخطاب الرئيس بوتين الشهير، هي ثوابت لم ولن تتغير. فتمدد “الناتو” شرقاً، هو ما تسبب في كل هذه الكوارث والمآسي الإنسانية لملايين البشر، وتوقف “الناتو” عن تلك السياسة العدائية، وعن تهديد الأمن القومي الروسي، هو وحده ما يمكن أن يكون بداية جديدة يمكن البناء عليها من أجل أوروبا أكثر أمناً، ومن أجل عالم أفضل.
لقد واجهت روسيا الغرب الجماعي في عملية عسكرية وحرب ضروس وسط أوروبا بأموال غربية وأمريكية وأسلحة وتخطيط وأقمار صناعية وتكنولوجيا فائقة التطور، وتمكنت روسيا من الوقوف باقتصاد صلب متين أمام أعتى العقوبات التي أسمتها الإدارة السابقة للبيت الأبيض بـ “أم العقوبات”، وبلغت العقوبات 16 حزمة أو تزيد، دون أن يهتز الاقتصاد الروسي، بل حقق تقدما، بل وأسهمت العقوبات عن ظهور بدائل روسية في الصناعة، وانتعاش في أوساط الأعمال الروسية.
وظل الطابور الخامس الذي يعمل لصالح الغرب ينعق بسردية أن روسيا “في سبيلها للانهيار من الداخل”، وأن “الجبهة الداخلية الروسية تتفكك”، و”الاقتصاد الروسي سينهار خلال أسبوع”، إلا أن روسيا بقيادة الرئيس بوتين أثبتت العكس، حتى سمعنا يوم أمس الرئيس ترامب وهو يتحدث عن “ضرورة إنهاء الحرب”، وهو مطلب أمريكي/غربي لا روسي، فروسيا التي تتقدم على جبهة القتال، قادرة على أن تستمر في القتال، بعد أن هزمت الغرب بمستشاريه وأسلحته وتكنولوجيته وتدريباته منذ 2014 في أوكرانيا.
أعتقد أن ترامب “ملك الصفقات” يبحث اليوم عن الصفقات مع المنتصر، الصفقات مع روسيا والصين والهند. لقد نجحت رابطة “بريكس” في أن تُسمِع العالم صوت الأغلبية العالمية، الجنوب العالمي، الدول التي يجب أن يكون لها مكان تحت الشمس. ونجحت روسيا في أن يأتي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إليها بحثاً عن تسوية أتصور أنها لن تشمل مناطق العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا فحسب، ولن تشمل شبه جزيرة القرم، وإنما أعتقد وأتمنى أن تشمل صفقة أمنية واسعة النطاق ومستدامة تطال الأمن الأوروبي والأوراسي، والشرق أوسطي.
أعتقد أن الحديث والمفاوضات يجب أن تتطرق لوضع المناطق الجديدة في روسيا، ورفع العقوبات المجحفة من على روسيا، وكذلك الوضع حول جزيرة تايوان، والعلاقات الأمريكية الصينية، وربما حتى العلاقة بين كوريا الشمالية والجنوبية، وبالقطع لا بد أن يتطرق الحديث إلى إيران، وبرنامجها النووي، والعلاقة بين إسرائيل وإيران، وبالطبع لا بد أن يطال ذلك الوضع في غزة وإعادة الإعمار ورفض التهجير، ثم وضع الأكراد في سوريا، والقضية الفلسطينية، وربما التطبيع مع السعودية..
لكن، وفي هذا السياق، أود توضيح أنه إذا كان هدف ترامب من طرح الرياض مكاناً للقائه الأول مع الرئيس بوتين هو إعطاء زخم ومكانة متميزة للمملكة العربية السعودية دوليا، مع الوضع في الاعتبار مواهبه في “عقد الصفقات”، مراهناً في ذلك على إقناع المملكة للتطبيع مع إسرائيل في ظل الظروف الراهنة، فأريد التأكيد على أنه سيكون رهاناً فاشلاً. وأهمس في أذن الرئيس الأمريكي وأربابه الصهاينة، حال لم يكن لديهم علم بتلك الحقيقة، أن مكة المقدسة قبلة لجميع المسلمين ولا يمكن أن تتنازل عن ثاني القبلتين القدس الشريف، ولا عن قضية العالم الإسلامي والعربي وقضية كل الأحرار حول العالم القضية الفلسطينية.
وينبغي أن يتنازل الرئيس ترامب عن أي محاولات للتفكير في الالتفاف حول تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ذات الصلة. ويجب أن يكون على يقين تام أن الموقف الروسي بهذا الشأن هو الآخر موقف صلب وحاسم وثابت. ويجب أن يعلم أن روسيا ترحب بالدور الأمريكي إذا كان من نفس منطلقات الدور الذي لعبه الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت أثناء الحرب العالمية الثانية ومساعيه لتحقيق السلام العادل والشامل في جميع أنحاء العالم. وأقولها بصراحة أن اتباع مثل هذه النزاهة هي طريق ترامب الوحيد لما يشاع أنه يبحث عنه من جائزة “نوبل للسلام” أو تخليد اسممه في التاريخ على نحو مشرف. وجوهر ذلك هو القضية الفلسطينية، قضية العرب والمسلمين، ومقياس مصداقيته واي دور يسعى للعبه في المشهد الدولي.
أعلم أن تلك قضايا منفصلة لكنها في نهاية المطاف متشابكة وتتفرع من أصول واحدة، هي النظام العالمي الجديد، نظام التعددية القطبية، حيث كل الدول تتساوى في السيادة وفي الحقوق، وحيث يوضع ميثاق الأمم المتحدة موضع التنفيذ والاحترام ولا يتم التصرف بشكل أحادي دون مراعاة لمصالح الجميع.
أعتقد أننا مقبلون على حقبة تغيير وهزات أخرى ستتبع هذا الزلزال الذي وقع يوم الأربعاء الماضي. يحدوني أمل أن يتم الإعلان في السعودية عما تطمح المملكة وروسيا والعرب والمسلمين وجميع الأحرار حول العالم فيه وهو موافقته والاعتراف بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة. وأعتقد أن تلك الخطوة ستكون الخطوة الأولى الفعلية والعملية لقبول المملكة العربية السعودية مسار التطبيع مع إسرائيل، وربما تكون تلك الخطوة مفتاح انفراج دولي على صعد أخرى.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الرئیس الأمریکی أعتقد أن أن یکون
إقرأ أيضاً:
«وزير الخارجية الروسي» يعرب عن قلق موسكو بشأن مسار تنفيذ وقف إطلاق النار في غزة
أعرب سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي عن قلق موسكو جراء التهديدات المستمرة بشأن مسار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، اليوم الأربعاء، 12 فبراير 2025.
وقال «لافروف» في مؤتمر صحفي بموسكو مع نظيره السوداني علي يُوسف: «بالطبع ناقشنا القضايا الإقليمية، وعلى رأسها الموقف في منطقة النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، ويساورنا القلق بشأن كيفية تنفيذ الاتفاق في ظل اتهام كل طرف منهما الآخر بانتهاك الاتفاق، بجانب تهديد مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية باستئناف العملية العسكرية في غزة»، مشيرًا إلى أن «روسيا تعمل مع العرب وممثلي الدول الأخرى لدى الأمم المتحدة لمنع استئناف الحرب في غزة»، وفقًا لوكالة الأنباء (تاس).
واختتم: أن «القضية الفلسطينية تشكل أقدم صراع في الشرق الأوسط، وأنه لا يمكن حلها إلا من خلال تنفيذ الحق المشروع للفلسطينيين في إنشاء دولتهم الخاصة، بما يتماشى مع التعهد السياسي الرسمي الذي تم تقديمه لهم».
اقرأ أيضاً«القومي لحقوق الإنسان»: مصر والأردن يرفضان التهجير.. والقضية الفلسطينية وصلت منعطفا خطيرا
لا لتهجير سكان غزة.. موقف مصري ثابت تجاه القضية الفلسطينية رغم الضغوط
أحمد قذاف الدم: فكرة التهجير تستهدف إنهاء القضية الفلسطينية لغير رجعة