ترامب لا يحتاج لإسقاط رئيس كولومبيا.. اندفاعه سيفعل ذلك!
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
قد يُسرع البعض إلى القول إن الأيام الحالكة التي تمرّ بها حكومة الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو مؤخرًا، أول أثمان تجرُّئه على مواجهة الرئيس الأميركي ترامب، لكن الأمر في الحقيقة، غير ذلك بالمرّة.
ولا يدري حلفاء الرئيس بيترو أنفسهم، إن كان الرئيس ترامب سيكلّف نفسه جهدًا في الإجهاز على أحلام زعيمهم في الترشح مجددًا لرئاسة كولومبيا، أم إن الرجل سيُجهز على نفسه وعلى أحلام التيار اليساري بأكمله، بعد استقالة ثلاثة وزراء في نفس اليوم، وتلويح آخرين باتخاذ نفس القرار، بسبب "عناد" الرئيس بيترو، كما صرّحوا!
ويبدو أن الظروف التي أدّت إلى هذه الاستقالات، قد تُبرز إلى حدّ ما عدم توفيق الرئيس بيترو في بعض القرارات التي غالبًا ما وُصفت بالاندفاعية، حيث فاجأ الرئيس وزراءه ليلة الأربعاء الماضي بنقل اجتماعه بهم على الهواء مباشرة لستّ ساعات متتالية، في خطوة أراد من خلالها إطلاع الكولومبيين بكل شفافية على تطور عمل الحكومة، لكنها أتت بنتيجة عكسية، وكشفت بما لايدع مجالًا للشك الشرخ الواسع الذي تعيشه الدائرة الضيقة للرئيس، وتنامي الخلافات بينهم؛ بسبب إصرار الرئيس بيترو على الاحتفاظ، بل بمنح صلاحيات أكبر لاِسمَين، من خارج المشروع اليساري لطالما أثارا الجدل في كل الأوساط السياسية.
وما يعمّق أزمة الرئيس بيترو في كولومبيا في الحقيقة، هو تنامي حجم النقد المُكثّف والممنهج من قبل التيار اليميني وترسانته الإعلامية التي استعادت جزءًا كبيرًا من ثقة الرأي العام بها، من خلال ترصّد ما يعتبرونه أخطاء وزلّات الرئيس، ولا سيما مع بداية أحداث "طوفان الأقصى" واتخاذ الرجل موقفًا صريحًا وشجًاعا يُجرّم الحكومة الإسرائيلية ويطالب بمحاسبتها، على عكس هوى عموم الكولومبيين.
نجحت تلك الآلة الإعلامية في رسم صورة للرئيس بيترو لدى الأغلبية، بالـ "فاشل" و"الفاسد"، وغيرهما من النعوت المُشينة. وإن تصدّى أنصاره للوقوف في وجه هذه الحملات الخبيثة، إلّا أن انكشاف بعض تفاصيل المطبخ الداخلي للحكومة وخلافات الدائرة الضيقة للرئيس، جعلا حماس هؤلاء يتراجع، ولا سيما مع حالة الانسداد السياسي في البرلمان، وتعطّل أغلب مشاريع قوانين الرئاسة.
فقد أكدت تصريحات بعض الشخصيات اليسارية البارزة في الاجتماع الوزاري "المشؤوم"، أن أزمة الحكومة داخلية، وأن الرئيس بيترو يمثّل أحد أسبابها الأساسية. حيث سجّل النقاش على الهواء، بين الرئيس والوزراء مواجهات كانت "تستر" إلى وقت قريب، حجم الصراع الأفقي بين الوزراء واستعداد الرئيس للتضحية ببعض الأسماء القريبة جدًا منه، مقابل الحفاظ على "دخيلَيْن" على قائمة "رفاق النضال".
ويتمثّل الاسم الأول، في "لاورا سارابيا"، الذراع اليمنى للرئيس بيترو، والقادمة من بيئة عسكرية، ولا تملك خبرة سياسية، عيّنها الرئيس بيترو مديرة لمكتبه الخاص منذ توليه المنصب في صيف 2023، وغيّبها عن الأنظار لبضعة أشهر؛ بسبب انشغالها بحسم قضايا خاصة بها مع الشخصية الثانية التي سنذكرها لاحقًا، ثمّ عادت لتتولى وزارة التنمية الاجتماعية، وبعدها تولت منصب مديرة عامة لمؤسسة الرئاسة، وها هو يهبها منصب وزيرة للخارجية، بعد يومين فقط من اندلاع الأزمة الدبلوماسية مع إدارة البيت الأبيض.
إعلانويبدو أن هذه "المكافأة" الأخيرة لسارابيا، كانت القطرة التي أفاضت كأس رفاق الرئيس، وحرّكت غيرتهم من الشابة التي لا ميزة نضالية لها سوى أنها كانت الرقم الثاني في تنظيم الحملة الانتخابية للرئيس، كصفقة تجارية بحتة، فبات "أسيرًا" لها وللشخصية الثانية، منذ فوزه.
وبينما يرى أعضاء حكومة بيترو، أن سارابيا تبقى "غريبة" عن خلية النضال العريقة، حتى تحصل على تلك "الحظوة" لدى الرئيس، ترى المعارضة أن تعيين الشابة ذات الثلاثين سنة على رأس وزارة بحجم الخارجية هو عنوان "إفلاس" للرئيس بيترو، وعدم تقدير للظروف الجيوسياسية التي تمر بها البلاد والمنطقة والعالم، لا سيما مع فوز الرئيس ترامب وإعلان الصين وكولومبيا تدشين خط تجاري بحري يربط موانئ شنغهاي في الصين، بميناء بوينافنتورا غرب كولومبيا، على إثر مستجدات القرارات الأميركية الصينية بشأن قناة بنما.
وقد تجلّى الخلاف الذي لا يوحي بانفراج، بين الوزراء وسارابيا، حين انفجرت نائبة الرئيس فرنسيا ماركيز غضبًا، واشتكت من أن سارابيا لا تحترم أحدًا ولا تحترمها حتى هي نائبة الرئيس، بسبب الامتيازات التي منحها لها الرئيس، وهو ما أكده أغلب الوزراء، ووصل الأمر بأحدهم بنعتها بالكاذبة والخبيثة على الهواء.
وقد كانت اللحظات مُثيرة لغضب عارم حول شخصية سارابيا، لكن موقف الرئيس كان أكثر استفزازًا، حيث واجه تلك الزوبعة بالقول إنها خلافات شخصية، أدت إلى خلق "أحلاف" داخل الجسم الواحد، ما فُهم على أنه تعزيز لمكانة سارابيا.
أما الشخصية الثانية التي فجّرت الأزمة بحجم يتجاوز ما أحدثته سارابيا، فهو أرماندو بينيديتي، مدير الحملة الانتخابية للرئيس بيترو في 2023، ومدير سارابيا، عندما كان على رأس مكتب المحاماة الذي يملكه وكانت هي ذراعه اليمنى.
وقد انتهت علاقتهما بسبب معركة شخصية بينهما ومعركة قضائية فُتحت ضدهما بعد سنة من فوز الرئيس بيترو، ووجهت لهما تُهم "استخدام نفوذ" و"امتلاك مبالغ مالية غير قانونية"، وتمّ التلميح في ذلك الوقت إلى استخدام أموال من عصابات المخدرات في حملة الرئيس.
إعلانورغم أنه تمّ غلق ملفات تلك التهم، إلا أن بينيديتي واجه دعوى أخرى في إسبانيا، بسبب تعنيف زوجته، ما جعله "شيطانًا" في نظر الصفوف اليسارية والحقوقية، ما ضاعف اللوم على الرئيس بيترو الذي لم يتخلص منه رغم كل مشاكله.
مع كل هذا، تصدّر بينيديتي الاجتماع، في المقعد المحاذي مباشرة للرئيس بيترو، نظرًا لتعيينه مديرًا لمؤسسة الرئاسة خلفًا لسارابيا، وسط موجة عارمة من رفض أغلب الوزراء لوجوده على نفس الطاولة، لكن الرئيس برّر إصراره على تعيينه بـ"إعطائه فرصة ثانية" إيمانًا منه بأنه شخصية يُعوّل عليها، واعترافًا له بوقوفه في وقت سابق إلى جانبه في مسيرته السياسية التي كان فيها بينيديتي إعلاميًا وسياسيًّا مخضرمًا ورئيسًا للبرلمان في 2010.
علمًا أن الرئيس بيترو كان قد عيّن بينيديتي عند فوزه بالرئاسة سفيرًا لكولومبيا بفنزويلا، ثم ممثلًا لدى منظمة الأغذية والزراعة، في محاولة لتجنب ما يمكن أن يحدثه وجوده بين الوزراء.
رغم أن الأزمات التي تعيشها كولومبيا تحتاج بشدة، حكومة منسجمة الرؤى وتركيبة وزارية تزخر بالكفاءات لخدمة البلد، فإن الاجتماع الوزاري الذي تابعه كل الكولومبيين، سهّل عمل المعارضة، وجعل من أزمة الحكومة الداخلية وإصرار الرئيس بيترو على اختياراته، مبرّرًا جاهزًا لاتهام الحكومة ورئيسها بالفشل، ووأد كل أحلام اليساريين في الفوز ثانية بانتخابات 2026.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الرئیس بیترو
إقرأ أيضاً:
رئيس الوزراء الفلسطيني من مؤتمر ميونيخ: سيطرة حماس على غزة كانت استثناء ويجب أن تنتهي
أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى في تصريحاته خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن يوم الجمعة، أن حركة حماس لا ينبغي أن تستمر في السيطرة على قطاع غزة. وأوضح أن سلطته، برئاسة محمود عباس، جاهزة لتولي المسؤولية في غزة، مشيرًا إلى أن حكومته تعمل على خطط لإعادة إعمار القطاع وتطويره.
وأضاف مصطفى أن غزة هي جزء من دولة فلسطين ومن صلاحيات السلطة الفلسطينية وفقًا للشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة واتفاقية أوسلو، مؤكدًا أن سيطرة حماس على غزة في الماضي كانت وضعًا استثنائيًا ويجب أن ينتهي.
وفي رده على سؤال من الصحفية الأمريكية كريستيان أمانبور حول خطة الرئييس دونالد ترامب لغزة، قال مصطفى إنه حصل على تطمينات من الأردن ومصر بأنهما ليس في نيتهما إجبار الفلسطينيين على مغادرة القطاع.
وأكد أن الفلسطينيين يجب أن يبقوا في وطنهم رغم الظروف الصعبة التي يواجهونها.
Relatedبعد مرور أكثر من 10 أشهر على الحرب.. عباس يعلن عزمه زيارة قطاع غزة ويدعو القادة العرب إلى مرافقتهترامب يجدد خطته لتهجير سكان غزة.. والعاهل الأردني يترقب موقف القادة العربعباس من نيويورك: لن نسمح لإسرائيل باقتطاع سنتيمتر واحد من غزة ونرفض إنشاء مناطق عازلةمهندس "خطة الجنرالات": إسرائيل فشلت بتحقيق أهدافها في غزةوذكر رئيس الوزراء الفلسطيني استعداد السلطة لاستعادة السيطرة على غزة بسرعة، مشيرًا إلى أن الحكومة الفلسطينية كانت تدير العديد من الوزارات والوكالات في القطاع رغم سيطرة حماس على الأجهزة الأمنية.
وكان ترامب قد أشار الأسبوع الماضي إلى أن الولايات المتحدة يجب أن تتولى إعادة بناء غزة، مشيرًا إلى أن المنطقة دمرت بسبب الحرب وأن بلاده ستشرف على إعادة إعمارها.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية شح المساعدات يدفع سكان غزة للركض وراء شاحنات الإغاثة علّهم يظفرون ببعض الغذاء والدواء هل تنتهك خطة دونالد ترامب بشأن غزة القانون الدولي؟ صفقة التبادل بين التململ الإسرائيلي وخطة ترامب وتصعيد حماس.. فهل تندلع الحرب مجددا في غزة؟ قطاع غزةمحمود عباسحركة حماسإسرائيلالصراع الإسرائيلي الفلسطيني حركة فتح