رغم أن الدولة العثمانيَّة قد رفضت تسليم السيد جمال الدين الأفغاني إلى إيران، عشية مقتل الشاه ناصر الدين آل قاجار على يد ميرزا رضا كرماني، تلميذ السيد، بل وأخطرت السفير الإيراني رسميّا باستحالة تسليمه؛ لأن "الباب العالي لم يكن مُقتنعا بأن السيد رعيَّة إيرانيَّة"، أضف إلى ذلك أن السيد كان ضيفا في الآستانة؛ مما يجعل تسليمه إلى حكومة تنوي قتله بلا محاكمة -أسوة بمن سُلِّم قبله من "المتَّهمين" بقتل الشاه- عملا وحشيّا تنأى بنفسها عنه، بل وأُطلعَ السفير الإيراني آنذاك على "وثيقة رسميَّة" حصل عليها الباب العالي، مرسلة من السفارة الإيرانية في سان بطرسبرغ إلى الخارجيَّة الروسيَّة؛ تُفيد بأن السيد ليس رعيَّة إيرانيَّة(1)، بيد أن هذا كله لم يحسم الخلاف حول أصل السيد داخل روسيا نفسها، بحسب الأكاديمي الروسي-التتري ضمير شهابي(2)؛ إذ استمر هذا الجدل إلى اليوم بتأثير تدافُع التيارات الفكريَّة التجديديَّة هناك، والتي تأثَّرت بالسيد تأثرا هائلا، جعلها تسلُك مسلك محمد عبده وعبد القادر المغربي ورشيد رضا وجورجي زيدان من قبل؛ في نسبة السيد إلى أفغانستان وإلى المذهب الحنفي، ربما خوفا من تُهمة التشيُّع الجاهزة المعلَّبة.
ورغم أن كثيرا من القرائن التي وقفت عليها الدراسات الحديثة، تشهد بأن السيد إيراني الأصل، وأنه قد نشأ في بيئة إماميَّة المذهب، بل وتكشف بعض هذه الدراسات أن النخبة السياسيَّة العثمانيَّة نفسها كانت تُدرك ذلك بداهة؛ فإن هذا الرأي لا زال مُستبعدا من أكثر المفكرين والدارسين المسلمين السنَّة، الذين ينتمون إلى تيارات ترفع نسبها الفكري والحركي إلى السيد نفسه؛ ولم يتبناه إلا جيوب من الإسلاميين أكثرهم من أصحاب الميول السلفيَّة الوهابيَّة، الذين نقلوا دون تمحيص عن محمد محمد حسين، وكانوا مستعدين لمد الخط على أي امتداد "يشوه" سيرة الرجل، وذلك بحكم الخلفيَّة الأيديولوجية الاختزالية والاستسهال المعرفي المهيمن.
ويبدو أن الباب العالي كان يتلاعب بهذه المعرفة لحسابه، فيُقِرُّ بها متى شاء ويُنكرها متى شاء؛ دورانا مع مصلحته الآنيَّة، والتي تبدأ من محاولة توظيف السيد في مشروعات السلطان السياسيَّة، وتنتهي بتوجُّس عبد الحميد نفسه من نفي الأفغاني أو تسليمه لإيران؛ خشية أن يُصيبه ما أصاب ناصر الدين شاه من قبل على يد بعض تلاميذ السيد(3). وهذا هو السبب الأرجح عندنا في إصرار السلطان عبد الحميد على إبقاء الأفغاني "بجواره" في الآستانة، مُحدد الإقامة تحت المراقبة؛ وتفضيله ذلك على إطلاق سراحه والسماح بسفره.
وينبني ترجيحنا هذا على إدراك النمط السلوكي المهيمن على تصرُّفات عبد الحميد، والمُتسق كليّا مع ما تكشفه المصادر غير المألوفة عن شخصيَّة السلطان المهووس بأمنه الشخصي، ومنها -على سبيل المثال- كتاب إبراهيم المويلحي: "ما هنالك"؛ الذي نشرناه مُحقَّقا قبل شهور عن تنوير للنشر والإعلام. وفيه يكشف المويلحي جوانب من شخصيَّة عبد الحميد وسياساته قلَّما تطرَّق إليها الدارسون، وهي جوانب تعرَّت للمؤلف نتاج مُخالطته البلاط العثماني وأهله طيلة عقد كامل من الزمان.
بيد أن الاستقراء البصير لكلٍّ من مصادر دراويش "الإسلاميين" التي ترفض الإقرار بما كشفت عنه أكثر الدراسات الحديثة، ومصادرهم التي تتبنَّى نقيض ذلك أخذا بقشور هذه الدراسات دون تعمُّق، بما أن غرضها التشويه فحسب؛ يكشف أن الخصمان الأيديولوجيان يتبنيان هاتان الرؤيتان المُتباينتان ظاهرا، انطلاقا من أرضيَّة واحدة؛ أرضيَّة لا يُمكن إدراكها دون تفكيك خطابهما وأيديولوجياتهما، وإعادة تركيبهما عبر إدراكنا لحسابات تموضعهما في الحياة الفكرية والسياسيَّة اليوم.
وقد أمكننا تجريد عناصر ثلاثة تأسيسيَّة، يشترك فيها المعسكران المتخاصمان؛ وتنضح بها أكثر مواقفهما "المتناقضة" من السيد وفكره وحياته، ويُمكن عدها أهم منطلقاتهم الكامنة.
وأول عناصر هذه الرؤية المختلَّة؛ إعادة قراءة التاريخ "قبل الحديث" -بأمميته ورحابته- بشفرات ومعايير واقع التشظي القُطري الحديث، الذي بدأ بالهيمنة على ديار الإسلام عقب وفاة السيد بربع قرن تقريبا. وذلك أن الإسلاميين الذين يسعون لبناء مشروعات سياسيَّة قُطريَّة في دول يَغلِب عليها التسنُّن السوسيولوجي، لا يُمكنهم الإقرار بخلفيَّة السيد "الحقيقيَّة" وإن تيقَّنوا منها، وذلك حتى لا توظَّف ضدهم من خصومهم المذهبيين، أو -وهو الأسوأ- من أنظمة أغبى وأجهل وأعتى من نظام عبد الحميد الثاني. أما الذين لا يجدون غضاضة في الإقرار بهذه الخلفيَّة -على سبيل التشهير- إذ يتَّهمون السيد بـ"التأفغُن" طعنا في صدقه؛ فإنما غايتهم تمزيق روابط الفكر الإسلامي العابرة للمذهبيَّة وللحدود القُطريَّة، خدمة منهم للأنظمة التي ترعاهم، وإقرارا منهم بثِقَل الواقع المعادي للأمة، وعجزهم عن تجاوزه. وهما معا قد جرى استيعابهما كليّا في الأطر القطريَّة الحديثة، حتى صارا مُناهضين -دون وعي أحيانا- لأية تعبير عن الطبيعة الأممية لهذا الدين والعمل له.
وهذا بدوره يحملنا إلى العنصر الثاني في هذه الرؤية الاختزاليَّة؛ أي تكريسها النظام العالمي القائم، والحفاظ عليه؛ بما أن الدول القُطريَّة التي صار هذان الفريقان جزءا منها ومن "شرعيتها" الهشَّة هي اللبنات الأساسيَّة لهذا النظام، وقواعده التي لا يُمكن له الاستمرار دونها. فبدهي أن الإسلاميين أصحاب المشروعات السياسيَّة جلهم من الطامحين باعتراف النظام العالمي، الراغبين في العمل تحت عباءته، والاستمرار في إطار شرعيته، وتحت سقف مؤسساته؛ وهذا يجعلهم ينبذون تلقائيّا كافة العناصر الفكريَّة والحركيَّة التي تستعدي هذا النظام، أو حتى تُثير حساسيته! أما التيارات السلطوية الطاعنة في السيد، وانطلاقا من رغبتهم تمزيق الروابط الأممية التي تتهدَّد الأنظمة التي ترعاهم؛ فإنهم يُكرسون هذا النظام العالمي الكفري نفسه بوصفه نظامهم الخاص، ما دام سلطانهم يُقِرُّ ذلك ويأمر به، ويشارك بطبيعة الحال في جني بعض أرباحه. ولهذا، صار السيد عدوّا خطيرا لهؤلاء؛ يشحنون الجماهير ضده، ويوظفون الشحن السياسي والطائفي المعاصر في هذا الصدد.
وهذا يحملنا إلى العنصر الثالث في هذه الرؤية، وهو عنصرٌ "طبيعي" مُكمل لهذا الثالوث غير المقدَّس، ويتمثَّل في استصحاب ميراث الشحن الطائفي الخليجي طيلة نصف قرن تقريبا، ومداومة توظيفه، وذلك بعد إذ اصطفَّت أكثر الدول الكُبرى خلف دول الخليج، التي شكَّلت المزاج الديني المتأخر وخطابه بتمويلها السخي للجيوب الوهابية، بل وللأنظمة السلطوية. وهذا العنصر الديماغوغي لا يُيسر فحسب التوظيف العقدي للصراعات السياسية والشخصيَّة، بل يمول تأصيلها ويُكرس أصالتها زورا، في ظل تفشي الجهل وهيمنة الإعلام المأجور.
* * *
وعندنا أن نسبة السيد نفسه للأفغان، وهي الأشهر فيما استعمله من ألقاب؛ رجحت على ما عداها لأن النموذج النفسي والأخلاقي الذي رسمه لهم في كتابه: "تتمة البيان في تاريخ الأفغان"، لحض المصريين على مجاهدة البريطانيين(4)؛ هو النموذج الذي يرتضيه لأمم الإسلام في مواجهة المعتدين. ورغم مثالب الأفغان، التي لا يكاد يُخفيها نموذجه؛ فهي عنده نسبة الفخر والرضا بهذا النموذج المركَّب، الذي أسهم في تكوين السيد وبناء شخصيته وتعيين غايته في الحياة، أضف إلى ذلك مركزية هذا النموذج الواضحة في تصوره، وضرورة هيمنته سوسيولوجيّا، بسبب بمقدرته الفائقة على تحقيق غايات السيد السياسية المناوئة للهجمة الكولونياليَّة، وهذا يتجلَّى بوضوح شديد في التتمة.
أما النموذج الإيراني، الذي كان السيد يرى أنه نموذج اعتراه الاضمحلال -آنذاك- وفقد مكامن عظمته التاريخيَّة، كما يؤكد في خاطراته هناك؛ فهو نموذج لم يرتض نسبة نفسه إليه(5). هذا ناهيك عمَّا تُبرهن عليه نصوصه الخاصَّة من تجاوزه هو شخصيّا للمذهبيَّة، كما كان أهل عصره لا يكترثون بالحدود "الوطنية"؛ إيمانا بما يُمكننا اليوم تسميته بـ"الجنسية الإسلامية"، التي يعمل حاملها للأمة، ويضعها في رأس أولوياته فوق الوطن والعرق والعشيرة. وهي الرحابة الإسلامية الفطرية، التي انتكس عنها "المتدينون" السذج؛ الذين يجهدون أنفسهم اليوم لمحاكمة ما يعجزون عن إدراكه، بلوازم لا تُلزمه!
__________
(1) Azmi Özcan (1995), Jamaladdin Afghani’s honorable confinement in Istanbul and Iran’s demands for his extradition, The Journal of Ottoman Studies XV.
(2) Damir Shagaviev, “Remarks on the origins of Sayyid Jamal-ud-Din in a number of Russian Sources”, in: The Life and Thought of Sayyid Janal-ed-Din Assadabadi, Iranian Institute for Social and Cultural Studies, 2009.
(3) للمزيد حول ملابسات طرد الأفغاني من إيران إبَّان مرضه، والتي كانت أحد أسباب اغتيال ناصر شاه؛ يُراجع مقالنا المطوَّل: عبد الرحمن أبو ذكري، لمحات من حياة الأفغاني؛ وهو متاح على شبكة الإنترنت.
(4) راجع: تتمة البيان في تاريخ الأفغان، السيد جمال الدين الأفغاني (تنوير للنشر والإعلام، 2025م)، التصدير.
(5) راجع: خاطرات السيد جمال الدين الأفغاني في إيران (تنوير للنشر والإعلام، 2025م)، تقرير فرصة الدولة الشيرازي، فصل تاريخ إيران العام.
x.com/abouzekryEG
facebook.com/abouzekry
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الأفغاني إيران إيران اسلامي شخصية الأفغاني مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد سياسة رياضة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عبد الحمید أن السید ة السید ة التی
إقرأ أيضاً:
هل تكون البروتوكولات المفتوحة نهاية احتكار فيسبوك وتويتر؟
في عالم يتسم بالاعتماد المتزايد على منصات التواصل الاجتماعي، بدأت البروتوكولات المفتوحة تظهر بصفتها تقنية قادرة على إعادة تشكيل كيفية تفاعل المستخدمين وتبادل البيانات عبر هذه المنصات.
وبدلا من الاعتماد على البروتوكولات المغلقة والمركزية، توفر هذه البروتوكولات بديلا غير مركزي وشفاف، وهذا يسمح بإيجاد بيئات تواصل تتمتع بالحرية والأمان للمستخدمين.
وصممت هذه البروتوكولات بهدف أن تكون متاحة للجمهور، وأصبحت أساسية في عالم التكنولوجيا، واكتسبت شعبية بسبب مزاياها العديدة مقارنة بالبدائل التقليدية.
ما البروتوكولات المفتوحة؟البروتوكولات المفتوحة هي تقنية تسمح لمختلف المنصات والخدمات بالتفاعل فيما بينها من دون الحاجة إلى سلطة مركزية، وتتيح هذه البروتوكولات للمستخدمين إنشاء الحسابات والتفاعل عبر المنصات المختلفة من دون الحاجة إلى الالتزام بمزود خدمة واحد.
وتوفر هذه البروتوكولات معايير تقنية مشتركة تسمح للأنظمة المختلفة بالتواصل فيما بينها بسلاسة.
ومن أبرز هذه البروتوكولات بروتوكول إنشاء الشبكات الاجتماعية غير المركزية "أكتيفيتي بوب" (ActivityPub) و بروتوكول مشاركة المحتوى عبر الإنترنت "ماتريكس" (Matrix)،
وعلى سبيل المثال، عند نشر منشور عبر منصة تدعم بروتوكول "أكتيفيتي بوب"، تستطيع مشاركته تلقائيا مع مستخدمين عبر منصات أخرى متوافقة.
إعلانويقلل هذا النوع من النشر المتبادل من الحاجة إلى وجود احتكار تقني ويفتح المجال أمام تطوير منصات جديدة أكثر تنوعا.
التأثير في منصات التواصل الاجتماعيتعاني المنصات التقليدية الحالية من عدد من المشكلات، مثل التحكم المركزي، وانعدام الشفافية، والرقابة والتحيز، وضعف الأمان.
وتتحكم المنصات الكبرى في البيانات والخوارزميات، وهذا يحد من حرية المستخدمين. كما لا يعرف المستخدمون كيف تُستخدم بياناتهم أو كيف تعمل الخوارزميات.
وقد تفرض المنصات المركزية رقابة أو تفضل محتوى معينا لأسباب تجارية أو سياسية. كما أن البيانات المركزية تكون أكثر عرضة للاختراقات والاستغلال.
وتعيد البروتوكولات المفتوحة تشكيل منصات التواصل الاجتماعي عبر تقديم نماذج شفافة وغير مركزية، وهذا يتيح للمستخدمين حرية كبيرة في إدارة الحسابات من دون التقيد بمنصة واحدة.
وتسمح البروتوكولات المفتوحة للمستخدمين بإنشاء الحسابات من دون الاعتماد على الشركات الكبرى، كما تحد من الرقابة المركزية، وتسمح للمجتمعات بوضع سياساتها لإدارة المحتوى.
وتمنح هذه البروتوكولات الأفراد القدرة على التفاعل مع الجمهور من دون الحاجة إلى الالتزام بسياسات المنصات الكبرى، مثل "فيسبوك" أو "إكس".
ومن خلال تعزيز النشر المتبادل، يستطيع المستخدمون التفاعل عبر منصات متعددة من دون الحاجة إلى إعادة بناء الشبكات الاجتماعية من الصفر.
وتتيح البروتوكولات المفتوحة للمستخدمين التفاعل بين منصات مختلفة بسلاسة، وهذا يقلل من الاحتكار ويمنح المستخدمين حرية أكبر.
وعلى سبيل المثال، يستطيع مستخدم عبر منصة "ماستادون" (Mastodon) التفاعل مع مستخدمين عبر منصات أخرى تدعم بروتوكول "أكتيفيتي بوب".
وتقلل هذه الميزة من الحاجة إلى إنشاء حسابات متعددة عبر منصات مختلفة، وهذا يجعل تجربة المستخدم أكثر تكاملا، كما توفر هذه البروتوكولات مستوى مرتفع من الخصوصية والأمان، حيث لا تتحكم شركة واحدة في جميع بيانات المستخدمين.
إعلانوتوفر البروتوكولات المفتوحة خيارات تخزين بيانات غير مركزية، وهذا يقلل من مخاطر اختراق البيانات. كما تمنح هذه البروتوكولات المستخدمين تحكما كبيرا في البيانات، حيث لا توجد سلطة مركزية تجمع المعلومات لأغراض إعلانية أو تجارية.
وبدلا من تخزين البيانات في خوادم شركات ضخمة، يستطيع المستخدمون اختيار خوادمهم أو الاعتماد على أنظمة تخزين مشفرة، وعلاوة على ذلك، تسهم في ظهور نماذج اقتصادية جديدة تبتعد عن الإعلانات التقليدية، مثل نماذج الاشتراكات أو التمويل الجماعي.
كما يمكن للمنصات غير المركزية تقديم نماذج اشتراك أو مكافآت مباشرة للمحتوى بدلا من الاعتماد على الإعلانات،
وعلى سبيل المثال، يستطيع المبدعون تلقي الدعم بطريقة مباشرة من الجمهور باستخدام العملات الرقمية أو أنظمة الدفع المباشر.
ويساعد هذا النموذج في تقليل هيمنة الإعلانات التجارية ويوفر بيئة مستدامة لصناع المحتوى.
في حين أن البروتوكولات المفتوحة قادرة على إعادة صياغة مستقبل منصات التواصل الاجتماعي، إلا أنها تواجه العديد من التحديات التي تعيق تطورها وانتشارها على نطاق واسع.
وتعد ضعف تجربة المستخدم واحدة من أبرز هذه التحديات، حيث غالبا ما تكون المنصات غير المركزية صعبة الاستخدام مقارنة بالمنصات المركزية، وهذا يتطلب تحسينات كبيرة في واجهات الاستخدام لجذب المستخدمين العاديين.
وبالإضافة إلى ذلك، لا تزال بعض هذه البروتوكولات تعاني من مشكلات تقنية تؤثر في القدرة على التوسع.
وتعاني هذه البروتوكولات من التبني البطيء، حيث تواجه صعوبة في جذب الجماهير الكبيرة مقارنةً بالمنصات المركزية، مثل "فيسبوك" و"إنستغرام"، وهذا يتطلب حملات توعية إعلامية لزيادة استخدامها، بالإضافة إلى ضرورة دعمها من قبل المطورين والمستثمرين لضمان استمراريتها.
إعلانوفي ما يخص إدارة المحتوى والإشراف، فإن عدم وجود سلطة مركزية يعقد عملية إدارة المحتوى غير المرغوب فيه أو الضار، وهذا يسبب مشكلات في مكافحة المعلومات المضللة وخطاب الكراهية.
وبينما تعتمد بعض الأنظمة على حلول جماعية أو خوارزميات مفتوحة المصدر لتقديم آليات رقابة من دون المساس بحرية المستخدمين، فإن ذلك لا يزال يشكل تحديا كبيرا في هذا السياق.
أمثلة على نجاح البروتوكولات المفتوحةتعد تجربة "ماستادون" مثالا بارزا على نجاح البروتوكولات المفتوحة في تقديم بديل عملي لمنصات التواصل الاجتماعي التقليدية.
وتعتمد "ماستادون" على بروتوكول "أكتيفيتي بوب"، الذي يتيح التفاعل مع المنصات الأخرى الداعمة لنفس البروتوكول، وهذا يعزز من إمكانيات التواصل بين المستخدمين عبر منصات متعددة.
وشهدت المنصة ارتفاعا كبيرا في عدد المستخدمين بعد استحواذ إيلون ماسك على "تويتر" عام 2022، حيث بدأ العديد من المستخدمين بالبحث عن بدائل توفر الخصوصية والحرية.
وتقدم "ماستادون" تجربة غير مركزية بالكامل، حيث يمكن لأي شخص تشغيل خادمه وإدارة مجتمعه وفقا لسياساته، وهذا يعزز من حرية الاختيار والتحكم.
وقد أبرز نجاح "ماستادون" الحاجة الملحة إلى زيادة التوعية حول البروتوكولات المفتوحة وإمكاناتها، إذ بدأ المستخدمون باستكشاف بدائل جديدة بعيدا عن احتكار الشركات الكبرى.
مستقبل البروتوكولات المفتوحةمع تطور هذه البروتوكولات وزيادة وعي المستخدمين بأهميتها، قد نشهد تحولا تدريجيا نحو منظومة تواصل اجتماعي منفتحة.
وقد تصبح المنصات غير المركزية بديلا رئيسا للخدمات التقليدية، وخاصة مع تزايد الاهتمام بالخصوصية وحرية التعبير. كما أن البروتوكولات المفتوحة قد تؤدي إلى زيادة التكامل بين الخدمات المختلفة.
ومع ازدياد دعم المؤسسات التقنية لهذه الأنظمة، فإننا قد نشهد حقبة جديدة من منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتحكم المستخدمون في البيانات بدلا من أن تتحكم بها الشركات الكبرى.
إعلانفي الختام، تمثل البروتوكولات المفتوحة تغييرا جذريا في عالم التواصل الاجتماعي، لأنها تقدم بديلا يركز على المستخدم، ورغم التحديات، فإنها قادرة على إعادة تشكيل كيفية تفاعلنا عبر الإنترنت، وهذا يعيد التحكم إلى أيدي المستخدمين ويعزز الابتكار.
كما أنها تمثل خطوة واعدة نحو فضاء رقمي يمنح المستخدمين الحرية والتحكم في البيانات والتجارب، وفي ظل زيادة وعي المستخدمين، قد تصبح هذه البروتوكولات حجر الأساس للجيل القادم من منصات التواصل الاجتماعي.