أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، أن الادعاء بعدم الحاجة إلى الدين والاكتفاء بالمشتركات الإنسانية هو شبهة قديمة متجددة، يلجأ إليها البعض ممن ينظرون إلى التعاليم الدينية على أنها عائق أمام تحقيق الأهواء والرغبات.  

وأوضح مفتي الديار المصرية، في تصريح له: "خلينا نقول إن هذا الموضوع لم يكن وليد هذا العصر، وإن هذه المقولة ليست جديدة، بل هي شبهة قديمة متجددة يلجأ إليها البعض ممن ينظرون إلى التعاليم الدينية على أنها حاجز يمنعهم من الانطلاق نحو تحقيق الأهواء والرغبات، حسب ما يدّعون".


وتابع: "لكن الواقع أن الإنسان،  مركّب من جانبين: جانب مادي له أوصافه، وله غذاؤه الخاص، وله أشواقه ورغباته، وجانب معنوي أو روحي يحتاج أيضًا إلى ما يغذّيه من قيم ومعانٍ ومسلك، بالتالي، وجدنا أن أكثر الجماعات الهمجية، وأقربها إلى عدم التحضر والتمدن، تلتمس قوة تلجأ إليها وقت الشدة، وتبحث عنها عند الحاجة، حتى إننا وجدنا علماء ومفكرين، مسلمين وغير مسلمين، ملحدين وغير ملحدين، ينتهون إلى هذه النتيجة: أن في الطبع الإنساني جوعًا إلى الدين، تمامًا كجوع المعدة إلى الطعام".  

وأكمل: "يمكنك إدراك أهمية الدين، وأن الحياة لا تستقيم إلا به، من خلال عدة أمور، أولها: القراءة المتأنية للتاريخ الإنساني، وأنا هنا لا أتحدث فقط عن التاريخ الإسلامي، بل عن التاريخ الإنساني ككل، حيث نجد أن الإنسان منذ القدم كان يبحث عن الدين من خلال محاولة الإجابة عن الأسئلة الوجودية الصعبة، مثل:  لماذا خُلقنا؟، ما المصير الذي سنؤول إليه؟، عبر التاريخ، اضطربت الأفهام في الإجابة عن هذه الأسئلة، فمنهم من بحث عنها في الماء، أو الهواء، أو النار، أو التراب، أو الذرة، أو الموسيقى، أو حتى في الإنسان، أو الحيوان، أو النبات، أو الجماد، لكن عندما أدركت بعض العقول أن الإجابة تكمن في حقيقة هذا المصدر الذي أوجد هذا العالم وهو في السماء، اختلفت التصورات حول طبيعة هذا المصدر".  

وأضاف: "عندما نعود إلى زمن بعثة النبي ﷺ، نجد أن الناس كانوا يبحثون عن الإله، لكنهم انقسموا إلى فريقين في تصوّرهم له: فريق المعطّلة أو المجردة: عطّلوا الله تعالى عن مباشرة اختصاصاته في هذا العالم، وجردوه من كل كمال وصفة، بحجة أن العالم مليء بالشرور، بينما الله خير، والخير لا يصدر عنه إلا الخير، فأنكروا أي علاقة بين الله والعالم، والثاني فريق المشبّهة والمجسّمة: شبّهوا الله بخلقه، وزعموا أنه يحتاج إلى الطعام والشراب والراحة، فوقعوا إمّا في التشبيه أو في التجسيم، لكن الدين جاء بعبارة واضحة وسهلة تخاطب الناس على اختلاف مستوياتهم: "ليس كمثله شيء".  

وأردف: "نحن في حاجة إلى الدين لأنه هو الذي يمنحنا الراحة والطمأنينة، وهو الذي يجيب عن الأسئلة التي قد نبحث طويلًا عن إجاباتها بلا جدوى، وإذا نظرنا إلى التاريخ الإنساني، من مرحلة الهمجية والبداوة إلى مرحلة التقدم والتحضر، سنجد أن الأفهام اضطربت حول هذه الأسئلة، حتى جاءت الأديان والشرائع السماوية فأجابت عنها بوضوح، وبأسلوب راقٍ يتناسب مع كمال الله تعالى، ليس هذا فحسب، بل إذا نظرنا إلى الطبيعة الإنسانية، سنجد أنها تميل أحيانًا إلى الاستعلاء والكبر، والإنسان بطبعه كائن اجتماعي، لا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين، فهو يحتاج إلى رفقة، وإلى جماعة يتعاون معها لعمارة الكون وتحقيق احتياجاته الأساسية. ولكي تستقيم هذه العلاقات، لا بد من ضابط، وهذا الضابط هو الدين".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: الدين مفتي الجمهورية الادعاء المفتى المزيد إلى الدین

إقرأ أيضاً:

المفتي: العلم النافع يبني الإنسان وينمي شخصيته ويقوي عقله ويخدم المجتمع

ألقى الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية ورئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، كلمة خلال الندوة التي نظمتها مديرية التربية والتعليم بمحافظة كفر الشيخ، بحضور الدكتور علاء جودة، وكيل وزارة التربية والتعليم، والأستاذ أمين الدسوقي، مدير عام الأنشطة الثقافية والفنية والاجتماعية بوزارة التربية والتعليم، وذلك برعاية اللواء الدكتور علاء عبد المعطي، محافظ كفر الشيخ.


وقد استهل كلمته بالترحيب بالحاضرين، موجهًا الشكر للسيد محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، والدكتور علاء جودة، وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة كفر الشيخ، والأستاذ أمين الدسوقي، أمين عام الأنشطة الثقافية والاجتماعية.


وأكد المفتي أن هذا اللقاء يمثل له ميزة خاصة، حيث يلتقي بأبنائه الطلاب للحديث عن مقصد عظيم من مقاصد الإسلام، وهو بناء الإنسان، موضحًا أن العقيدة الصحيحة هي أساس بناء الإنسان؛ إذ تجعله ثابتًا لا تزعزعه الأهواء، وتمنحه القوة لمواجهة التحديات، مشيرًا إلى أن الله تعالى بدأ ببناء الإنسان من خلال ترسيخ العقيدة، وضرب فضيلته مثالًا بأن الطالب إذا أراد أن يكون طبيبًا أو مهندسًا، فلا بد أن يؤمن بهذا الهدف إيمانًا راسخًا، ثم يسعى لتحقيقه، موضحًا أن رسوخ العقيدة يحمي الإنسان من الانحراف الفكري والتطرف.
وأوضح فضيلته أن العبادة تقوي العلاقة بين الإنسان وربه، وتمنحه التوازن النفسي والروحي، مؤكدًا أن الإسلام يسر العبادات ولم يجعلها مشقة، مستشهدًا برخصة قصر الصلاة وجمعها. 


كما أكد أن العبادة ليست مجرد طقوس، بل إنها تهذب السلوك، وتدفع الإنسان إلى الإخلاص، والمراقبة الذاتية، والاجتهاد في العمل، مشيرًا إلى أن الزكاة ليست فقط تطهيرًا للمال، بل هي وسيلة لنشر التكافل الاجتماعي، والقضاء على الفجوة بين الأغنياء والفقراء، مما يؤدي إلى تعزيز الاستقرار المجتمعي. وأن الصوم ينمي في الإنسان الإخلاص والمراقبة الذاتية؛ إذ إنه عبادة لا يطلع عليها إلا الله، مستشهدًا بالحديث القدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به".


وأضاف أن الأخلاق هي أساس استقرار المجتمعات، مستشهدًا بالدول التي أهملت الأخلاق، مما أدى إلى انهيارها. وأشار إلى أن الأخلاق تُكتسب من الدين والعرف والبيئة، مستشهدًا بسلوك الطلاب قديمًا في احترام المعلم، وتغيير الطريق عند رؤيته، والنزول عن الدابة احترامًا له، داعيًا إلى إعادة هذه القيم في المجتمع. كما شدد على الابتعاد عن الغش، والكذب، والخداع، والحقد، والحسد، لما لها من آثار مدمرة على الفرد والمجتمع.

دعاء الأيام البيض في شعبان.. أفضل 110 أدعية للرزق والتحصين وتيسير الأموردعاء مكتوب لتحصين المنزل من السحر والحسد.. ردده كل يوم يحفظك الله ويحميك
وأكد أن العلم هو أساس تقدم الأمم، مشيرًا إلى أن رسالة الوحي بدأت وانتهت بالعلم، حيث كانت أول الآيات نزولا في القرآن الكريم قوله تعالى: {اقْرَأْ}. 


وفي الجانب الأخلاقي للعلم حذر فضيلته من مافيا الأدوية والفيروسات، واستغلال العلم في الإفساد بدلًا من الإصلاح، مؤكدًا أن العلم النافع هو الذي يبني الإنسان، وينمي شخصيته، ويقوي عقله، ويخدم المجتمع.


وشدد على أهمية استخدام العقل في التعامل مع العادات والتقاليد والمجتمع، محذرًا من اتباع الأفكار الهدامة دون تفكير أو وعي، مستشهدًا بقوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا..}. محذرا من الانخداع بالشائعات أو الأفكار المتطرفة، الذي ينتج عن تنحية العقل عن التمييز بين الحق والباطل، داعيًا الطلاب إلى التفكير النقدي والتحليل السليم للمعلومات.


ونبه على أهمية الاهتمام بالصحة البدنية، والابتعاد عن العادات الضارة مثل التدخين والمخدرات، مشيرًا إلى نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر. كما حذر فضيلته الطلاب من السهر الزائد أمام وسائل التواصل الاجتماعي، وإدمان المواقع الإباحية. وأكد أن الحفاظ على صحة البدن يعين الإنسان على القيام بواجباته الدينية والدنيوية بكفاءة.


وطالب بأهمية احترام التنوع والاختلاف بين الناس في الجوانب العلمية، والمالية، والاجتماعية، محذرًا من الأحقاد والغيرة. 


واختتم المفتي حديثه محذرًا من إهمال العبادات والقيم الأخلاقية، لما له من أثر سلبي على الفرد والمجتمع، داعيًا إلى الاستفادة من شهر رمضان في تقوية الإرادة، والتحصيل العلمي، والتقرب إلى الله.

من جانبه رحب الدكتور علاء جودة، وكيل وزارة التربية والتعليم، بالطلاب قائلًا: "أنتم أغلى ما تملكه الأمة، فأنتم في أهم موقع من مواقع صناعة المستقبل، وبناء الإنسان والمجتمع، وغرس القيم، وامتلاك مفاتيح النهضة والتقدم".



 

مقالات مشابهة

  • المفتي: الدين منهج حياة شامل وليس مجرد مجموعة من العقائد
  • الادعاء العام: "عملية الدهس في ميونيخ تمت بدوافع دينية متطرفة والمشتبه به أفغاني هتف الله أكبر"
  • «المفتي» يرد على عدم الحاجة إلى الدين: الإنسان يحتاجه كالطعام والشراب
  • هل يمكن أن تحل الدساتير الوضعية محل الدين؟ المفتي يجيب
  • المفتي قبلان: ما يجري في المطار خطير ولن نقبل بلعبة إعدام تطال وجودنا
  • مشروع رفيق الحريري... الذي انتقم له التاريخ!
  • فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • يحيى عطية الله: الأهلي يمتلك جينات الفوز بالبطولات.. وأتمنى كتابة التاريخ
  • المفتي: العلم النافع يبني الإنسان وينمي شخصيته ويقوي عقله ويخدم المجتمع