عربي21:
2025-02-15@08:36:48 GMT

هل يمكن أن تتخلى سوريا عن القضية الفلسطينية؟

تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT

إن المشهد السياسي المتغير في سوريا يمثل منعطفا حاسما ليس فقط لمستقبلها الداخلي بل وأيضا للديناميكيات الإقليمية الأوسع نطاقا، وخاصة فيما يتصل بالقضية الفلسطينية. وبينما تشق سوريا طريقها عبر مرحلة ما بعد الصراع، فإن دورها المتطور في الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط قد يعمل إما على تجديد دعمها التاريخي لفلسطين أو يجعلها تتراجع إلى الانشغالات المحلية.

ويتطلب فهم هذا التحول تحليلا عميقا لإعادة تقييم سوريا داخليا وخارجيا، والمصالح الاستراتيجية للاعبين الإقليميين، والفرص والتحديات المحتملة في الاستفادة من نهضة سوريا لصالح التطلعات الفلسطينية.

إن تصريح الرئيس السوري أحمد الشرع فتح مجالا كبيرا للأمل بأنّ القضية الفلسطينية ستبقى محورية بالنسبة لدمشق، خصوصا عندما استنكر الشرع خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير أهل غزة، مؤكدا أنها لن تنجح.

الدور التاريخي لسوريا والعامل الإسرائيلي

تاريخيا، حافظت سوريا على موقف ثابت ضد الاحتلال الإسرائيلي وكانت داعما نشطا لحركات المقاومة الفلسطينية. ومع ذلك، أدى الصراع السوري المطول إلى إضعاف قدراتها العسكرية وتعطيل نفوذها الإقليمي، مما جعلها عرضة للتدخلات الإسرائيلية. إن هذا الضعف ينعكس في العمليات العسكرية الإسرائيلية المستمرة ضد الأهداف السورية، حتى بعد تحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل في تفكيك الكثير من البنية التحتية العسكرية السورية. إن الاستهداف المنهجي لدمشق من قبل القوات الإسرائيلية حتى بعد سقوط نظام بشار الأسد يؤكد على استراتيجية تل أبيب طويلة الأجل لضمان بقاء سوريا ضعيفة وغير قادرة على إعادة تأكيد نفسها كلاعب إقليمي هائل.

وبعيدا عن العدوان العسكري، تعكس سياسات إسرائيل في جنوب سوريا استراتيجية أوسع للتوسع الإقليمي والتلاعب المحلي. إن احتلال الأراضي السورية بحجة إنشاء "منطقة عازلة" يوضح هذه النية. وفي حين يزعم المسؤولون الإسرائيليون أن هذا الاحتلال مؤقت، فإن السوابق التاريخية تشير إلى خلاف ذلك. إن استمرار احتلال مرتفعات الجولان وفيما بعد جبل الشيخ، على الرغم من الاعتراضات الدولية، يعد بمثابة تذكير صارخ بطموحات إسرائيل الإقليمية طويلة الأجل. إن رفض سكان قرى الجنوب السوري للمساعدة الإسرائيلية يسلط الضوء بشكل أكبر على العداء الراسخ وانعدام الثقة تجاه مناورات إسرائيل لمحاولات ترسيخ الاحتلال في الجنوب السوري.

المشهد السياسي المتغير في سوريا وإعادة التموضع الإقليمي

إن إعادة إعمار سوريا بعد الصراع تجلب معها إعادة تقييم حتمية لتحالفاتها السياسية وأولوياتها الاستراتيجية. ويبقى السؤال: هل يمكن أن تعمل إعادة دمج سوريا في السياسة الإقليمية كمحفز للمناصرة الفلسطينية، أم أن المخاوف المحلية ستطغى على التزاماتها التاريخية؟

إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية تمثل تحولا كبيرا، وتوفر فرصة للتأثير على الموقف العربي الجماعي تجاه فلسطين. ونظرا للحقائق الجيوسياسية المتغيرة في الشرق الأوسط، حيث قامت بعض الدول العربية بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، فإن إعادة دمج سوريا يمكن أن توفر توازنا لهذا الاتجاه. ومع ذلك، فإن الكثير يعتمد على كيفية وضع دمشق نفسها داخل جامعة الدول العربية، وما إذا كانت قادرة على إحياء الدعم العربي الجماعي لحقوق الفلسطينيين.

وعلاوة على ذلك، فإن خيارات السياسة الخارجية السورية في السنوات القادمة ستكون حاسمة. وفي حين تسعى إلى إصلاح العلاقات مع القوى الإقليمية مثل المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة، تظل هناك إمكانية الاستفادة من هذه العلاقات للدفع نحو موقف عربي أكثر توحدا ضد السياسات الإسرائيلية.

السبل المحتملة لدعم فلسطين

مع الاستقرار السياسي المتوقع في سوريا، تبرز العديد من الفرص الاستراتيجية لتعزيز دورها في القضية الفلسطينية:

الدعوة الدبلوماسية: يمكن تسخير الحضور الإقليمي والدولي المستعاد لسوريا للدفاع عن الحقوق الفلسطينية. من خلال المشاركة النشطة في المنتديات الدولية والدفع نحو قرارات تدين التوسع الإسرائيلي، يمكن لسوريا إعادة تموضع نفسها كمدافع في الخطوط الأمامية عن السيادة الفلسطينية.

وسائل الإعلام والتعبئة العامة: يمكن تحويل المشهد الإعلامي السوري، الذي يتوسع تدريجيا إلى ما هو أبعد من روايات زمن الحرب، إلى منصة قوية للدفاع عن الفلسطينيين. من خلال تنشيط الخطاب العام حول فلسطين من خلال الحملات الإعلامية، يمكن لسوريا أن تلعب دورا محوريا في تشكيل الرأي العام العربي.

تعزيز شبكات المقاومة: تاريخيا، قدمت سوريا الدعم اللوجستي والسياسي لفصائل المقاومة الفلسطينية. والسؤال الآن هو ما إذا كان من الممكن تنشيط هذا الدعم بطريقة تتماشى مع حقائق ما بعد الحرب في سوريا. إن تعزيز التحالفات مع الفصائل الفلسطينية دون تعريض مكانة سوريا الجيوسياسية الأوسع للخطر سيكون بمثابة عمل توازن دقيق ولكنه ضروري.

الاستفادة من عضوية جامعة الدول العربية: إن عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية توفر وسيلة للتأثير على السياسات الإقليمية فيما يتعلق بفلسطين. ومن خلال العمل على مواجهة الاتجاه المتزايد للتطبيع العربي مع إسرائيل، يمكن لدمشق أن تلعب دورا في إحياء الإجماع العربي على الحقوق الفلسطينية.

التحديات التي يتعين التغلب عليها والمضي قدما

في حين أن هذه الفرص موجودة، فإن العديد من التحديات قد تعيق قدرة سوريا على تبني القضية الفلسطينية بشكل كامل:

القيود الدولية والإقليمية: لا تزال سوريا خاضعة لعقوبات اقتصادية كبيرة، تفرضها في المقام الأول القوى الغربية. وأي دعم صريح للمقاومة الفلسطينية قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الدبلوماسية والاقتصادية، مما يجعل من الضروري لسوريا أن تبحر في هذه القيود بعناية.

الأولويات المحلية: إن الحاجة إلى إعادة البناء الاقتصادي والاستقرار السياسي قد تحول تركيز القيادة السورية بعيدا عن القضايا الخارجية. ونظرا لمدى الدمار الذي لحق بالبنية الأساسية، فمن المحتمل أن تتراجع أهمية المناصرة الفلسطينية إلى مرتبة أدنى من الاهتمامات الأكثر إلحاحا بإعادة البناء الوطني.

السياسة الفلسطينية المجزأة: تشكل الانقسامات الداخلية بين الفصائل الفلسطينية تحديا آخر. كانت سوريا تاريخيا داعما قويا للفصائل المعارضة للمفاوضات الإسرائيلية، ولكن المشهد السياسي الفلسطيني المتغير يتطلب نهجا أكثر دقة، وسوف تكون المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ضرورية حتى تتمكن سوريا من الدفاع عن قضيتها بفعالية.

التوصيات الاستراتيجية لتعظيم المكاسب الفلسطينية

لضمان بقاء القضية الفلسطينية أولوية في الحسابات الجيوسياسية المتطورة في سوريا، يمكن اتخاذ عدة خطوات استراتيجية:

مأسسة العلاقات السورية الفلسطينية: إن إنشاء آليات رسمية للحوار والتعاون بين الحكومة السورية والقيادة الفلسطينية من شأنه أن يضمن استمرار المشاركة في القضايا الرئيسية.

توسيع نفوذ وسائل الإعلام: ينبغي لوسائل الإعلام السورية أن تعمل بنشاط على مواجهة الروايات الإسرائيلية والتحيز الغربي ضد المقاومة الفلسطينية، مع التأكيد على الظلم التاريخي والانتهاكات الحالية لحقوق الفلسطينيين.

التواصل الدبلوماسي: ينبغي لسوريا أن تستفيد من علاقاتها مع القوى الناشئة مثل الصين وروسيا للدفع نحو المزيد من الدعم الدولي لفلسطين، وخاصة داخل المؤسسات العالمية مثل الأمم المتحدة.

التعبئة الشعبية: إن تشجيع المظاهرات العامة والمبادرات الثقافية التي تسلط الضوء على النضالات الفلسطينية من شأنه أن يعزز الدور التاريخي لسوريا كمركز للنشاط المؤيد للفلسطينيين.

اغتنام الفرصة من أجل فلسطين

إن التحول السياسي في سوريا يمثل فرصة فريدة لتنشيط دورها التاريخي في دعم القضية الفلسطينية. ومع ذلك، فإن تحقيق هذه الغاية يتطلب تحقيق توازن دقيق بين الاستقرار الداخلي والنشاط الإقليمي. ومن ناحية أخرى، يتعين على القيادة الفلسطينية أن تتعاون بشكل استباقي مع سوريا لضمان بقاء فلسطين اعتبارا رئيسيا في أجندة السياسة الخارجية السورية.

مع استمرار تحول الديناميكيات الإقليمية، من الأهمية بمكان أن تعمل سوريا وفلسطين جنبا إلى جنب لمواجهة التوسع الإسرائيلي والحفاظ على القضية الفلسطينية في طليعة المناقشات الإقليمية. وبفضل الدبلوماسية الاستراتيجية، وتأثير وسائل الإعلام، والتعبئة الشعبية، يمكن لسوريا أن تبرز مرة أخرى كلاعب محوري في الدعوة إلى حقوق الفلسطينيين، مما يضمن بقاء القضية مصدر قلق دائم ومركزي في السياسة في الشرق الأوسط.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا الفلسطينية الإسرائيلي العربية العلاقات سوريا إسرائيل فلسطين علاقات عرب مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة رياضة رياضة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جامعة الدول العربیة القضیة الفلسطینیة فی سوریا من خلال

إقرأ أيضاً:

أحمد رفعت: التاريخ سيذكر ما تفعله مصر بشأن القضية الفلسطينية

قال الكاتب الصحفي أحمد رفعت كاتب صحفي، إنّ التاريخ سيذكر ما فعلته وتفعله مصر بشأن القضية الفلسطينية، مؤكدًا  أننا نحتاج إلى موقف عربي حازم وصارم.

وأضاف أحمد رفعت، في مداخلة هاتفية عبر قناة «إكسترا نيوز»، أنّ مصر تمتلك أكبر مساحة اشتباك مع الأزمة في فلسطين والعدوان الإسرائيلي، مشيرا إلى أنّ السياسة الخارجية منخرطة الآن في عدة قضايا وهي قضية التهجير، واستمرار اتفاق الهدنة، المساعدات، وملف الجرحى، وملف المرضى، وملف المرافقين.

وأوضح أنّ هناك الجهد السياسي والإعلامي من أجل الحفاظ على حل الدولتين، ومستقبل القطاع، وإعمار القطاع دون تهجير الفلسطينيين، في ظل الحديث عن إعمار عاجل يسمح ببقاء الفلسطينيين حتى يتم الإعمار الكامل، وهو ما يحتاج إلى تمويل واتصالات وتشاور.

مقالات مشابهة

  • دفاع النواب: مصر ركيزة استقرار الشرق الأوسط ولن تتخلى عن القضية الفلسطينية
  • وتقابل حبيب يتناول أزمة الخيانة الزوجية: هل يمكن إعادة بناء الثقة بينهما؟
  • خبير: جهود الدبلوماسية المصرية لا تتوقف عن دعم القضية الفلسطينية
  • سوريا.. لجنة مؤتمر «الحوار الوطني» تحدد أولوياتها والقوات الإسرائيلية تتوغّل في الجنوب
  • مدبولي: مصر تتحرك على عدة محاور لدعم القضية الفلسطينية
  • أحمد رفعت: التاريخ سيذكر ما تفعله مصر بشأن القضية الفلسطينية
  • التربية السورية تشرح لشفق نيوز آلية إعادة الطلبة المهجرين إلى الدراسة
  • الرئيس السيسي وملك الأردن يؤكدان على دعم إعادة إعمار غزة ووقف الممارسات الإسرائيلية
  • باحث استراتيجي: دور مصر فى القضية الفلسطينية أساسي ولا يمكن لأمريكا تجاهله