تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

حقق كتاب «مئة وخمسون عاما من الإبداع» للمؤرخ المسرحى الدكتور عمرو دوارة، الذى صدر ضمن إصدارات الدورة الثانية عشرة من المهرجان القومى للمسرح المصرى عام 2019، صدى واسعا، متناولا مسيرة المسرح فى الفترة من 1870 – 2020، لكن للأسف لم يتم إيداع أى نسخة منه بالهيئة العامة لدار الكتاب والوثائق القومية، وبالتالى لم يتم الحصول على رقم إيداع خاص به، فقد صدرت الطبعة الثانية حديثا تحت عنوان «المسرح المصرى قرن ونصف من الإبداع» عن المجلس الأعلى للثقافة، والذي شارك ضمن إصدارات المجلس بمعرض القاهرة الدولى للكتاب في دورته الـ56، التي أقيمت في الفترة من 23 يناير الماضي واستمرت حتى 5 فبراير الجاري، بمركز مصر للمؤتمرات والمعارض الدولية في التجمع الخامس.

الطبعة الثانية تستكمل تفاصيل أجزاء الصورة المبعثرة وتكشف بدايات الحركة المسرحية فى مصر

وتعد هذه الطبعة الثانية من أهم وأفضل إصدارات المؤرخ المسرحي الدكتور عمرو دوارة المسرحية بمجالى النقد والتوثيق، وبمثابة المفتاح أو الدليل المرشد لأهم الإصدارات التوثيقية التى شرف بتقديمها «موسوعة المسرح المصرى المصورة» التى تتضمن ثمانية عشر جزءا وتقع فى ثمانية عشر ألف صفحة، وتضمن سبعة آلاف وخمسمائة مسرحية، وهذه الطبعة مزيدة ومنقحة عن الطبعة الأولى، بناء على توجيهات الدكتور هشام عزمى أمين عام المجلس الأعلى للثقافة السابق، والذى رأى ضرورة تحديث بعض البيانات بها واختتام الفصل الأخير حتى عام 2024 ليصبح مواكبا للأحداث المعاصرة، خاصة بعدما تأثرت عروض المسرح عالميا ومحليا بجائحة «كورونا».

ظل المسرح منذ بداياته عبر سبعة الآف سنة انعكاسا واضحا ومتميزا لأحداث الواقع، وكذلك أيضا ظل المسرح المصرى انعكاسا صادقا للمتغيرات والتطورات السياسية والاقتصادية والإنسانية والاجتماعية، لكن هذا الانعكاس يعد فقط أول أدواره التى تنمى وتتكامل مع أدواره الأخرى، ولعل من أهمها تقديمه وتناوله للقضايا المختلفة ونقده للأنظمة الحاكمة وكشفه للسلبيات والتجاوزات، وأيضا التحذير والإنذار من الأخطار المستقبلية المحتمل حدوثها، وهو بدعوته الدائمة للتطوير ولتحقيق غدٍ أفضل يساهم كذلك فى إيضاح الطريق لكيفية مواجهة هذه الأخطار، كما يعمل على حث ودعوة الجميع إلى المشاركة الإيجابية، وذلك عن طريق تأثيره الساحر وقدرته على شحذ الهمم وتجميع الطاقات.

ويبقى للمسرح - جماع الفنون - دائما تلك القدرة المتميزة والنادرة على مسايرة مختلف الأحداث والمتغيرات السياسية والاجتماعية، ولذلك فكثيرا ما نجحت العروض المسرحية المصرية فى التعبير ليس فقط عن آراء جماعات المثقفين من النخبة، ولكن أيضا عن نبض الشعبين المصرى والعربى.

والمتتبع لمسيرة المسرح المصرى يمكنه بسهولة رصد أن المسرح قد ظل ولسنوات طويلة رافعا راية الثورة ضد الظلم والطغيان ومطالبا بتغيير النظم الديكتاتورية، وكذلك داعيا لمساندة الرموز الثورية الوطنية والدفاع عن مكاسب الثورات الشعبية بانحيازه إلى حقوق الأغلبية فى الحياة الكريمة، وقد كان ذلك واضحا من خلال كتابات وعروض كل من مسارح المحترفين والهواة على السواء، حيث استطاع المسرح من خلال مبدعيه الكبار فى مختلف مجالات الفنون المسرحية أن يقوم بتقديم كثير من المعالجات الدرامية المتميزة التى تطالب بالحرية وحق تقرير المصير، كما تطالب بتطبيق العدالة الاجتماعية والمساواة والتخلص من عناصر الفساد الاجتماعى والسياسى.

كما قام أيضا خلال العقود الأخيرة بالقرن الماضى بتقديم معالجات درامية أخرى تنتقد مظاهر الانفتاح الاقتصادى وتحارب قوى الإرهاب، ومع بدايات هذا القرن في التعبير عن أهداف الثورة الشعبية التى قادها الشباب فى يناير 2011، وعن ثورة تصحيح المسار التى قادها المثقفون فى يونيو 2013.

وكيف لا يقوم المسرح ويشارك بهذا الدور، وهو جزء من المنظومة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بصفة عامة، ومن المنظومة الفنية والثقافية بصفة خاصة يتأثر بكل مظاهرها سواء بالانخفاض والانحدار والسقوط أو بالارتفاع والسمو والازدهار، فمما لاشك فيه أن الظاهرة المسرحية ككل الظواهر الثقافية والفنية الأخرى، نتاج تراكمات فنية واجتماعية متعددة، ليس من السهل حصرها بدقة علمية كاملة، كذلك من المستحيل دراستها فى فترة زمانية محددة، أو فصلها فصلا تاما عن مراحلها السابقة المؤثرة فيها سواء بالسلب أو بالإيجاب، وتجاهل طبيعتها الاستمرارية، والعوامل التى شاركت فى تكوينها وتطويرها وانضاجها فى فترات سابقة.

الظاهرة المسرحية

والظاهرة المسرحية من ناحية أخرى ككل الظواهر الفنية شديدة التعقيد، تتفاعل فى تحقيق منجزها عناصر عديدة، بعضها ذاتى يعبر عن شخصية الفنان المبدع وثقافته ومزاجه الشخصي وموقفه من الحياة، وبعضها الآخر موضوعى يعكس طبيعة العصر، وعلاقة المؤسسات الحكومية غير الحكومية بهذا الإبداع الفنى، بل ويجب التنويه إلى أن الظاهرة المسرحية أكثر تعقيدا من بقية الظواهر الفنية، وذلك نظرا لطبيعة الفن المسرحى كفن مركب يساهم فى إبداعه مجموعة من المبدعين فى مختلف مفرداته البصرية والسمعية.

فالمسرحية الواحدة نتاج إبداع كل من المؤلف والمخرج ومصممى السينوغرافيا «الديكور، الملابس، الإكسسوارات، الإضاءة» ومصمم الاستعراضات والمؤلف أو المُعد الموسيقي والممثلين، بالإضافة إلى باقى مجموعة العاملين وراء الكواليس، وتضيف بعض الدراسات المسرحية الحديثة مساهمة الجمهور أيضا كعنصر مشارك فى صنع العرض المسرحى بإقباله عليه وإعلان إعجابه أو بمشاركته الفعلية طبقا لبعض المناهج المسرحية التى تحرص على تلك المشاركة.

وقد حرص «دوارة» بهذا الكتاب على رصد وتسجيل أهم الأحداث والظواهر المسرحية خلال خمسة عشر عقدا، وبالتحديد خلال الفترة من 1870 إلى 2024، مع محاولة استكمال جميع التفاصيل المتصلة بالإنتاج المسرحى والحياة المسرحية بصفة عامة.

والحقيقة التي يجب تسجيلها فى البداية هى أنه علي الرغم من ذلك الجهد الكبير الذى بذله بعض الأساتذة والمؤرخين لتوثيق بعض مراحل المسرح المصرى، وفى مقدمتهم كل من الأساتذة «محمد تيمور، فؤاد رشيد، د. محمد يوسف نجم، د. يوسف داغر، د. رمسيس عوض، د. على الراعى، فؤاد دوارة، سمير عوض، محمد الفيل، د. سيد على إسماعيل، محمد أبوالعلا السلامونى، د. نجوى عانوس، د. نبيل بهجت، أحمد عبدالرازق أبو العلا، شعبان حسين، ماهر زهدى، عبدالغنى داود» إلا أن هناك مساحات كبيرة بتاريخنا الفنى قد ظلت مجهولة، كما أن هناك بعض الفرق والعروض التى ما زالت ساقطة تماما من ذاكرتنا المسرحية، خاصة أننا للأسف نفتقد بمكتبتنا العربية لجميع أشكال الموسوعات المسرحية.  

والهدف من هذه الطبعة الثانية هى محاولة استكمال تفاصيل أجزاء تلك الصورة المبعثرة، ومحاولة الإجابة عن كثير من الاستفسارات وخاصة تلك المرتبطة ببدايات الحركة المسرحية فى مصر، وكيفية انطلاق الشرارة الأولى، وكيفية تشكل الظاهرة المسرحية ونجاحها فى استقطاب الجمهور بمختلف فئاته والتعبير عنه بتقديم عروض تعبر عن واقعه الاجتماعى والثقافى والسياسى، وذلك بفضل جهود عدد كبير من المبدعين بمختلف المفردات المسرحية.

أصحاب الفرق

ومما لاشك فيه أن الفضل الأول فى انتشار الظاهرة المسرحية وترسيخ جذورها بالتربة المصرية والعربية يعود بالدرجة الأولى – كما يتضح من التصنيف التاريخى للعروض بالموسوعة ولها الكتاب - لأصحاب الفرق «يعقوب صنوع، سليم النقاش، يوسف خياط، سليمان قرداحى، سليمان حداد، أبو خليل القبانى، اسكندر فرح، سلامة حجازى، عزيز عيد، أحمد الشامى، عبدالرحمن رشدى، منيرة المهدية، جورج أبيض، على الكسار، نجيب الريحانى، أمين صدقى، يوسف وهبى، فوزى منيب، فوزى الجزايرلى، يوسف عزالدين، أحمد المسيرى، أمين عطاالله، ملك»، ولمجموعة الكُتَّاب أصحاب الأقلام سواء بالترجمة أو بالتأليف ومن بينهم: «فرح أنطون، نجيب الحداد، أنطون الجميل، محمد عثمان جلال، إسماعيل عاصم، عباس علام، خليل مطران، محمد تيمور، إبراهيم رمزى، أمين صدقى، بيرم التونسى، محمد يونس القاضى، حامد السيد، بديع خيرى، إسماعيل وهبى، طه حسين، توفيق الحكيم» وآخرين.  

ومجموعة المخرجين ومن بينهم: «عزيز عيد، زكى طليمات، عبدالعزيز خليل، عمر وصفى، فتوح نشاطى، جورج أبيض، عبدالرحمن رشدى، أحمد الشامى، يوسف وهبى، نجيب الريحانى، على الكسار» وآخرين، والنخبة من كبار الممثلين ومن بينهم: «سلامة حجازى، منيرة المهدية، مريم سماط، ميليا ديان، روز اليوسف، عبدالله عكاشة، أحمد فهيم، محمد بهجت، أحمد علام، سليمان نجيب، حسين رياض، نجيب الريحانى، على الكسار، بشارة واكيم، محمد عبدالقدوس، حسن فايق، إستيفان روستى، عباس فارس، عبدالوارث عسر، فؤاد شفيق، حسن البارودى» وآخرين، ومجموعة الممثلات من بينهن: «هيلانة بيطار، ميليا ديان، استر شطاح، صالحة قاصين، مريم سماط، إبريز وألمظ استاتى، لطيفة عبدالله، منيرة المهدية، بديعة مصابنى، روز اليوسف، فيكتوريا موسى، فيكتوريا كوهين، فيكتوريا حبيقة، فاطمة سرى، فاطمة ورتيبة وأنصاف رشدى، نعيمة ولعة، زينب صدقى، دولت أبيض، زوزو حمدى الحكيم، علوية جميل، أمينة رزق، روحية خالد، فردوس حسن، زوزو نبيل، ميمى وزوزو شكيب» وأخريات.

دراسة الإنتاج المسرحي

ويتضح مما سبق، أنه يمكن من خلال دراسة الإنتاج المسرحى بكل مرحلة من المراحل التاريخية المختلفة الاستفادة من فصول هذا الكتاب وتوظيف كثير من بياناته لرصد مدى تأثره بالظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولعل ذلك يتضح جليا من خلال توقف الإنتاج المسرحى تقريبا خلال الثورة العرابية وبداية الاحتلال الإنجليزى «1882- 1884»، وكيفية مشاركته فى التعبير عن أحداث دنشواى 1906 ومؤازرة جهود الزعيم مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطنى، وكذلك كيفية تأثره كما وكيفا بأحداث ثورة 1919، ثم بنفى زعيمها سعد زغلول وإقالة حكومة الوفد، كما يتضح أيضا مدى تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية فى منتصف ثلاثينيات القرن الماضى على الإنتاج المسرحى مما دفع كثيرا من الفرق إلى وقف نشاطها أو تنظيم رحلات فنية إلى بعض الدول العربية، خاصة وقد امتد هذا الـتأثير إلى ظهور وانتشار «مسرح الصالات»، وأيضا تأسيس أول فرقة تابعة للدولة «الفرقة القومية عام 1935».

وكان من المنطقي أن يتصدى المسرح أيضا لقضية «الصراع العربى الصهيونى» منذ نكبة فلسطين عام 1948، كما واكب بعروضه الحروب والمعارك المهمة التى خضناها معه وبالتحديد معركة «بورسعيد» عام 1956، والخامس من يونيو عام 1967، والسادس من أكتوبر عام 1973، ويحسب للمسرح المصرى أنه لم يكن فقط مجرد انعكاس لأحداث العبور العسكرى العظيم فى أكتوبر 1973، بل كان أيضا مشاركا فعالا فى صنعه والتمهيد له، حيث استطاع المسرحيون أن يقوموا بدور حيوى ومؤثر بعد نكسة يونيو 1967 «أثناء مرحلة حرب الاستنزاف»، وذلك حينما قاموا بتقديم عروضهم الوطنية خلال تلك الفترة، لمواجهة مشاعر اليأس والإحباط، والعمل على تعبئة الجماهير لمعركة جديدة لاسترداد الكرامة.

فإن هذا التأثر يتضح جليا أيضا خلال النصف الثانى من القرن العشرين والذى شهد عدة تغيرات محورية ولعل من أهمها: نجاح ثورة 23 يوليو وإعلان جمهورية مصر العربية، وتأميم قناة السويس، والتصدى لمعركة العدوان الثلاثى، وكذلك تأسيس فرق التليفزيون المسرحية فى بداية الستينيات، مرورا بنكسة 1967 ثم عودة الكرامة المصرية بنصر أكتوبر 1973، ثم ما أعقب ذلك الانتصار خلال فترة النصف الثانى من السبعينيات من تغيرات سياسية باتخاذ سياسة الانفتاح الاقتصادي منهجا وماتبع ذلك من تغير أساسى لطبقات المجتمع المصرى، وبالتالي تغيرت أيضا فئات ومستويات المشاهدين للعروض المسرحية، مما أثر كثيرا على طبيعة ونوعية العروض المسرحية، ولذ فقد كان من الطبيعى أن تنتشر ظاهرة العروض التجارية التى تعتمد على أرخص أشكال الفنون للترفيه عن الأشقاء العرب، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة المسرحيات المصورة التى تنتج خصيصا للتصوير خلال عرض واحد أو عرضين فقط فى أفضل الأحوال، التى تفاقمت وتعاظمت سلبياتها منذ منتصف العقد الأخير بالتحديد منذ عام 2014 بتنافس بعض القنوات الفضائية على إنتاج ما سمى بـ«تياترو مصر» أو «مسرح مصر».

عروض احترافية

إن مجموع العروض الاحترافية التى تم إنتاجها منذ بداية المسرح المصرى عام 1870 بداية من إسهامات «يعقوب صنوع» وحتى نهاية عام  2019 قد وصل إلى ما يقرب من ستة آلاف وخمسمائة عرض، والمقصود بعروض الفرق الاحترافية هى جميع العروض التى شارك فى تقديمها نخبة من الفنانين المحترفين «أعضاء نقابة المهن التمثيلية»، وتم تقديمها للجمهور نظير مقابل مادى «شباك تذاكر»، وذلك سواء تم عرضها بالعاصمة أو ببعض الأقاليم، وكذلك سواء تم عرضها جماهيريا لفترات  طويلة أو عرضت لليلة واحدة بهدف التصوير التليفزيونى، وبالتالى فهى تضم جميع عروض الفرق الخاصة وأيضا فرق مسارح الدولة منذ تأسيس فرقة المسرح القومى عام 1935.

وتحسب لهذه الطبعة اقتحامها لمناطق مجهولة من حياتنا المسرحية ورصد بعض الظواهر المسرحية لأول مرة ومثال لذلك «مسارح الصالات» فى منتصف الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضى، التى قدمت ما يزيد علي ثلاثمائة وخمسين مسرحية، شارك فى تقديمها كبار الكُتَّاب «بيرم التونسى، أمين صدقى، بديع خيرى، أبو السعود الإبيارى»، وقام بإخراجها كبار المخرجين «عزيز عيد، بشارة واكيم، عبدالعزيز خليل» كما شارك بالتمثيل فيها نخبة من كبار النجوم وفى مقدمتهم: «على الكسار، فاطمة رشدى، بديعة مصابنى، فتحية أحمد، رتيبة وأنصاف رشدى، ببا عزالدين، فهمى آمان، بشارة واكيم، عبدالحليم القلعاوى، عقيلة راتب، ثريا حلمى، تحية كاريوكا، حامد مرسى، إسماعيل يس»، وأيضا ظاهرة «المسرحيات المعلبة» أو «المصورة»، ويقصد بهذا المصطلح تلك المسرحيات التى يتم إنتاجها خصيصا بهدف العرض التليفزيونى، وبالتالى يتم تقديمها على خشبة المسرح لمدة ليلة واحدة أو فى أفضل الظروف لمدة ثلاثة أيام فى وجود الجمهور.

فى حين تضمنت أيضا بعض الإشارات لعروض بعض الفرق المجهولة التى قام بتأسيسها بعض النجوم وقدمت بعضها عرضا واحدا أو ثلاثة عروض على أكثر تقدير، ومن بينها فرق النجوم: «حسن البارودى، حسن فايق، محمد كامل المصرى «شرفنطح»، نجمة إبراهيم، نيللى مظلوم أول فرقة للرقص الحديث بالوطن العربى، نجوى سالم، فريد شوقى، بدر الدين جمجوم، كمال الشناوى، حسن يوسف، ليلى طاهر»، بالإضافة إلى فرق بعض نجوم الكوميديا ومن بينها: «الكوميدى المصرية» لمحمد عوض، أمين الهنيدى، المدبوليزم لعبدالمنعم مدبولى، محمد نجم، فرقة «مصر» لسعيد صالح.

وأخيرا يتضح من خلال الفصل الأخير بهذه الطبعة مدى تأثر عروض المسرح المصرى كما وكيفا بثورات الربيع العربى خلال الفترة من 2011- 2013، وكذلك مدى تأثرها بوباء كوفيد19 والإجراءات الاحترازية الخاصة به، التى استدعت حظر التجوال بعد الفترات، وأيضا إغلاق كثير من المسارح خلال موسم 2019 - 2020.

لذا تعد هذه الطبعة سجلا توثيقيا لمسرحنا المصرى منذ بداياته وحتى الآن «1870 – 2024»، فهذا جهد موسوعى يحتاج إلى تضافر جهود جميع العاملين والباحثين بأحد المراكز البحثية، لكن فى الحقيقة أن تلك الثقة الغالية التى منحتها وزارة الثقافة ممثلة فى إدارة الدورة الثانية عشرة للمهرجان القومى للمسرح المصرى بتكليف المؤرخ عمرو دوارة بتقديم هذا الكتاب كانت خير دافع له على الإقدام على هذه المهمة الشاقة، لاستكمال مسيرته فى مجال التوثيق المسرحى، التى توجت بالانتهاء من إعداد «موسوعة المسرح المصرى المصورة»، وبالتالى فإن هذا الكتاب يعد قراءة أولى أو مسودة لمرجع كبير يتضمن كثيرا من التفاصيل المهمة، التى يسعى لرصدها وتوثيقها فى الأيام المقبلة. 

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: المسرح المصرى الطبعة الثانية عمرو دوارة المسرح الطبعة الثانیة المسرح المصرى عروض المسرح هذه الطبعة على الکسار هذا الکتاب الفترة من من خلال کثیر من

إقرأ أيضاً:

8 سنوات على رحيل السيد ياسين.. أستاذ الباحثين

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق إرث فكرى وثقافى وإسهامات تجاوزت حدود الزمنالكاتب والمفكر الراحل السيد يسين

لما يقارب قرن من الزمان، امتدت رحلة الكاتب والمفكر الراحل السيد يسين الفكرية، كانت حافلة بالقراءة والكتابة والمساهمات المؤثرة، ليس فقط فى المجال الأكاديمي، بل أيضًا فى تكوين أجيال واعية بما يدور حولها من تحديات وصراعات، ومدركة للأخطار التى واجهت الوطن فى لحظاته الحرجة، والمراحل التى احتاج فيها إلى البناء والتطوير. 

كان السيد ياسين بالنسبة لرواد علم الاجتماع السياسى بمثابة شيخ المشايخ، إذ ساهمت أبحاثه الاستراتيجية فى تشكيل الخطاب الثقافى وصياغة الوعى المجتمعي. ومنخلال موقعه كمدير لمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الذى تولاه منذ منتصف السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات، لعب دورًا يفوق تأثير العديد من الوزراء والسياسيين، حيث أسهمت رؤاه فى وضع الخطط التى شكلت الأسس الثقافية للمجتمع المصري؛ كما أثرى وجوده المركز العربى للبحوث والدراسات بمؤسسة "البوابة نيوز"، والذى تولى مسؤوليته فى المحطة الأخيرة من رحلته الحافلة. فىأعقاب نكسة 1967،شهد السيد ياسين حالة الإحباط التى سادت المجتمع، لكنه لم يتوقف عند حدود الشعور بالهزيمة، بل رأى أن مفتاح الفهم يكمن فى دراسة العدو. لذلك،التحق بمركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بمؤسسة الأهرام عام 1968، وهو المركز الذى تحول لاحقًا إلى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والذى ترأسه منذ تأسيسه حتى عام 1994.

وبعد مغادرته مركز الأهرام، واصل مسيرته البحثية عبر المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، ثم أسس فى 2012 "المركز العربى للبحوث والدراسات" بالتعاون مع الكاتب الصحفى عبد الرحيم علي، ليضم مجموعة من أبرز الباحثين فى مجالات الاقتصاد، السياسة، الاجتماع، والإعلام.

ترك السيد ياسين إرثًا فكريًا غنيًا، من بينه مؤلفات مهمة فى علم الاجتماع والسياسة، ساهمت فى تشكيل وعى أجيال من الباحثين والمفكرين. وعلىمدار مسيرته الفكرية، نال العديد من الجوائز والتكريمات، منها وسام الاستحقاق الأردنى من الطبقة الأولى عام 1992، ووسام العلوم والفنون والآداب عام 1995، وجائزة الدولة التقديرية فى العلوم الاجتماعية عام 1996. واستمر عطاؤه حتى آخر أيامه. وفىصباح يوم 19 مارس 2017، رحل عن عالمنا، تاركًا وراءه إرثًا فكريًا سيظل مصدر إلهام للأجيال القادمة. "البوابة" تحتفى بذكرى الأستاذ الذى يظل باقياً بيننا بأفكاره وإرثه الغنى سواء بمؤلفاته أو بالعديد من الباحثين الذين ساروا على الدرب وما زالوا يواصلون دورهم التنويرى والفكرى.. حيث يكتب خصيصاً فى هذه الذكرى إثنان من كبار الباحثين المرموقين واللذان عملا لسنوات مع الأستاذ الراحل الكريم، وهما المفكران الكبيران نبيل عبد الفتاح ود. يسرى العزباوى.

نبيل عبدالفتاح يكتب: السيديسين.. كبيرنا الذي علمنا السحرنبيل عبدالفتاح

نظرة طائر على مسارات تطور الفكر المصرى الحديث منذ منتصف القرن الثامن عشر، وأواخر القرن التاسع عشر، حتى القرن العشرين، تشير إلى أدوار بعض الأساتذة الكبار المعلمين الذين أسهموا فى نقد الموروثات التقليدية التى يُعاد إنتاجها على الرغم من أنها مستمدة من سياقات واقع تاريخى قديم منذ قرون، حاملةً معها ظروف عصرها، وثقافته وقيمه وأسئلته، من خلال الاجتهادات الفقية أو الكلامية وأعراف الجماعات فى هذه العصور الماضية، ويراد لها أن تحكم حياة المصريين، والمجتمعات العربية، على الرغم من التحولات الكبرى والقطيعة مع هذه العصور التى مضت. على عديد المستويات .

هذا الدور النقدى الخلاق، ظل محصوراً فى بعض هؤلاء الأساتذة الكبار، الذين صدموا العقل المصرى النقلى المسيطر، وخاصةً لدى رجال الدين، بعضهم الآخر ساهم فى محاولة بناء الجسور بين متغيرات العصر الحديث، والمعاصر، وبين النص المقدس من خلال آليات التأويل للنصوص الدينية المقدسة والسّنوية من خلال المقاربة التوفيقية، التى تحولت لدى بعضهم إلى التلفيق بين بعض المتناقضات. بعضهمالاخر لعب دوره النقدى، والتحليلى، من خلال الاطلاع على مصادر التجديد، والتطور فى العلوم الاجتماعية، والقانونية، والسياسية، والفلسفية والسيوسيولوجية والأدبية، وفى ذات الوقت قاموا بدور المعلمين، من خلال دورهم فى نقل المعارف الحداثية وشبه الحداثية فى تخصصاتهم، أو فى عديد من فروع العلوم الاجتماعية، إلى أجيال متعاقبة من تلاميذهم، سواء فى الجامعة ومراكز البحث، أو الصحافة، وكتاباتهم الصحفية، أو مؤلفاتهم العديدة.

الأستاذالمعلم السيد يسين، يمثل واحداً ممن جمعوا فى أعطافهم، وأدوارهم العامة، وإنتاجهم العلمى، غالب هذه الأدوار فى فكره وشخصه.

جاء السيد يسين من مصادر تكوينية متعددة، من الفكر الإسلامى، ومصادره من خلال الانخراط فى أثناء دراسته الثانوية، فى بعض الفكر الإسلامى النقلى مع مقاربات جماعة الإخوان المسلمين، من خلال أحد أساتذته من ذوى العقول المنفتحة، على الرغم من أنه كان ضريراً لكن عقله المتميز، كان يطرح الأسئلة المختلفة، ويحاول الإجابة عليها.

كانت بصيرة أستاذه حادة، حتى بعد دراسته فى كلية الآداب، من هنا استلهم السيد يسين من أستاذه رحابة العقل النقدى، ومعرفة بعض الموروث الفقهى والكلامى، وثقافة السؤال. انتقلالسيد يسين من مقاربة بعض الخطاب فى المسجد، إلى كلية الحقوق، وامتلك ملكة الخطابة الشفاهية، المحمولة على الأسئلة. منخلال الدرس الأكاديمى فى كلية الحقوق بجامعة الأسكندرية، حيث عالم التجريد، والانضباط فى التفسير والتأويل للأنساق القانونية، والنصوص فى كافة فروع القانون العام، والمدنى، والدولى، والتجارى، والبحرى، والشريعة الإسلامية.

عالم كلية الحقوق والدرس الأكاديمى فى رحابها، هو عالم النصوص والنظريات، والمفاهيم، والاصطلاحات، والأهم ملكات التحليل والتأويل والتفسير، والانضباط .عالمسيادة التجريد، والشكلانية – إلا بعض الاستثناءات -،وهو ما أجاده "الأستاذ المعلم"،وأيضاً مع معرفته بالشريعة، والتناقضات بين عالم النقل، والعقل، بين الأشاعرة، والمعتزلة.

بعد تخرجه من كلية الحقوق،عُين بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية، وانتقل إلى عالم فكرى أوسع، حيث دراسة الظواهر الاجتماعية، والمشكلات والأزمات المجتمعية، وعالم ماوراء النظام القانونى الكلى، وأنظمته الفرعية، حيث فضاءات القوة، والسلطة، والمصالح الطبقية، المسيطرة التى تفرض نفسها بقوة فى القانون، والسياسة، والاجتماع ومسارات الحياة والتمييزات الطبقية الحادة والقاسية فى مجتمع متخلف تاريخياً.. إلخ.

درس السيد يسين علم الاجتماع وفروعه، ومارس البحث الحقلى والتطبيقي، ومعه علم الاجتماع القانونى، فى تكوين ذى مستويات رفيعة وعميقة، ومعه تغيرت مقارباته للقانون ،والسياسة، والسلطة، والأدب، والفنون، والثقافة.. إلخ.

تعرفت على أفكار الأستاذ المعلم السيد يسين من خلال كتابه "السلوك الإجرامى ومعاملة المذنبين"،وأنا طالب فى كلية الحقوق فى السنة الأولى، ومن خلاله فتح أمامى افاق واسعة فى دراسة السلوك الإجرامى والعقابى من خلال التحليل السوسيو قانونى والواقعى مستصحباً الواقع الموضوعى، واختلالاته ومصادره التى تنتج السلوك الإجرامى.

ثم كتاب "أسس البحث الاجتماعى" مع آخرين، و"التحليلالاجتماعى للأدب"،و"الشخصيةالعربية بين مفهوم الذات وصورة الآخر (١٩٧٣)، والسياسة الجنائية المعاصرة.. كتب تفتح آفاق جديدة أمام العقل والوعى السياسى والقانونى والاجتماعى.

ثم تعرفت شخصياً عليه من خلال أستاذى الكبير الدكتور حسام عيسى، الذى رشحنى إليه، وذهب معى إلى منزله، وتحاورنا، وطلب خطة بحث عن الصراع بين القانون الحديث، وبين التقاليد فى مصر واليابان، وذلك بعد نقاشات وأسئلة، ومحاولته استكشاف عقل هذا المحامى الشاب الذى يعمل فى مكتب سابا باشا حبشى، أحد أكبر رجال القانون المصريين الذين عرفتهم المحاماة، وهاجر إلى أمريكا مع زميله الأستاذ سامى فهمى الذى عمل مستشاراً لشركة أرامكو، وكان سابا باشا قد وضع اتفاقيات النفط بين الشركة والحكومة السعودية، وعمل سابا باشا أستاذاً للشريعة الإسلامية فى جامعة كولومبيا، وفتح مكتباً للمحاماة فى نيويورك، وتسلم المكتب فى القاهرة تلامذته عادل كامل وشفيق إلياس. كانالمكتب أحد مدارس المحاماة والقانون فى مصر والشرق الأوسط كله.

الأستاذالمعلم بعد أن طلب وضع خطة للبحث، وقمت بها – ١٧ صفحة بخط اليد – طلبنى لمقابلته مساءاً فى منزله بجوار المركز القومى للبحوث القانونية والاجتماعية وكان قريباً من منزلنا بالمساكن الشعبية بالكيت كات، وكان يُعد للسفر فى فجر ذات اليوم لأحد المؤتمرات فى الولايات المتحدة، وقال لى: هل ستستمر فى طلب الدخول إلى النيابة العامة، أم حسمت أمرك للعمل فى مجال البحث العلمى الاجتماعى؟، قلت بحسم: أناأقرب إلى عالم العقل والبحث والأفكار.. كرر السؤال مراراً، قلت: حسمت أمرى.. قال: عندما أرجع من المؤتمر بأمريكا، سوف أعينك مع وحيد عبد المجيد.. وفعلها الأستاذ المعلم، وانتقلت للعمل باحثاً بالمركز مع أخى وصديقى العزيز الباحث الكبير والمثقف البارز منذ شبابه وحيد عبدالمجيد.. كان سمت الأستاذ المعلم هو علامة السيد يسين، يبدع الأفكار، ويتابع تطورات الفكر العالمى على نحو ما تشير كتبه، حول ظواهر وتحولات عالمنا المتغير، وواقعنا الاجتماعى والسياسى المضطرب منذ عصر السادات إلى أن توفاه الله.

كان الأستاذ المعلم صارماً فى الأمور العلمية، ويتابع مطالعات الباحثين ووالخبراء فى المركز للكتب والمقالات العلمية ،وغيرها من القراءات فى الأدب والفنون والتاريخ والفلسفة.. إلخ. كان –ما أصعب كان- هو المؤسس الحقيقى لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، وواضع أسسه العلمية، وكان يختار الباحثين بعناية فائقة، وبناءاً على اختبارات بحثية وعقلية متتالية، ولا يعين شخصاً إلا بعد إثبات جدارته بالانتماء للمركز.

كان الأستاذ المعلم صارماً فى مساءلة أى باحث أو خبير عن عمله وأدائه البحثى.. كان يجمع بين دور المعلم، ومدير المركز، وبين الكاتب المبدع فى كتاباته، وكتبه العديدة.. كانت معارفه الواسعة بالقانون والسياسة والاستراتيجية والأدب والفنون، تشكل روافد معرفية وأسلوبية فى كتاباته، وفى نسقه اللغوى المتفرد.

كان أستاذى العظيم رغم صرامته الظاهرة وهيبته ذات الظلال المهيمنة على كل من حوله، يمتلك حساً ساخراً، يفجر الضحكات من قلب التناقضات، وتفاهات بعض من فى السلطة، وكان يجيد ببراعة التعامل مع منطق الدولة، ويناور، ويحتوى، ويهاجم فى براعةٍ وذكاء.

كان أستاذنا العظيم، هو كبيرنا الذى علمنا السحر، فى البحث، والكتابة، والمعرفة، ومصادرها المتنامية والمتطورة فى الغرب، وعالمنا العربى. وأيضاًفى فهم عقل الدولة، والبيروقراطية - أصدر كتاباً بالإنجليزية مع الصديق المرحوم د. على ليلة وأستاذ أمريكى - وكيفية التعامل معها مناورةً، وتجاوزاً، ونقداً.

كبيرنا الذى علمنا السحر، أحد بناة العقل المصرى المعاصر منذ النصف الثانى من القرن العشرين، حتى سفره الطويل فى الغروب، ولا يزال أثره قائما فى حياتنا الفكرية المصرية والعربية ،وسيأتى الوقت للكتابة الضافية عنه وعن مركزنا، وغيره من الشخصيات والعقول الكبرى التى تقابلت معها وعرفتها عن قرب.. السلام إلى روحك، وعقلك الكبير أيها المعلم الكبير والمثقف البارز مصرياً وعربياً، وأنت فى سفرك الطويل فى الغروب، أيها الأستاذ المعلم كبير المكانة ورفيع المقام السلام.. السلام.. السلام لروحك الجميلة وعقلك المبدع الوثاب.

د. يسرى أحمد العزباوى يكتب:المفكر الكبير والموبقات السبع للإخواند. يسرى أحمد العزباوى

تمر علينا فى هذه الأيام المباركة الذكرى الثامنة لرحيل المفكر وعالم الاجتماع السياسى الكبير السيد يسين. وفىظل هذه الذكرى العطرة أجد صعوبة بالغة، فى ظل مشاعر غامرة وفياضة، عن أى جانب يمكن الحديث من خلاله عن عالم فذ، ومفكر موسوعي، وباحث متجدد، صاحب مواقف ورؤى، وخط فكرى وعلمى لم يحد عنه يومًا من الأيام. خاضمعارك فكرية عديدة من أجل التنوير والنهضة والحداثة والأمة، ومستقبل أفضل للدولة الوطنية المصرية.

وكان السؤال الذى دار فى خلدي، هل أتحدث عن السيد يسين الإنسان، أم عن المشروع العلمى الثقافى الاجتماعى السياسى المتكامل، الذى أفنى فيه حياته البحثية والعلمية على مدار أكثر من ٦٠عامًا. أمأتناول علاقتنا التى تحولت إلى علاقة أبوية علمية كان يسودها الاحترام المتبادل والتقدير. فلميغضب منى يومًا من رأى أخالفه فيه، وهو من هو، بل على العكس كان دائم التشجيع لى، ولغيرى من أبنائه الباحثين الذين لا يزالون فى مقتبل العمر المهنى والعلمي، وأنا بالطبع منهم. كانلدى الأستاذ فضيلة لم أجدها فى غيره، وهى قيامه بالاتصال بما لا يعرفهم من الباحثين والكتاب تليفونيًا ليثنى على أفكارهم ودراساتهم، وذلك بعد تحمل عبء محاولة الوصول إلى وسيلة الاتصال بهم.

السيد يسين كان حالة وشخصية استثنائية، عادة لا تتكرر، تحمل فى طياتها العزة والكرامة والشموخ والهيبة والطيبة والتلقائية التى كان يتمتع بها عمن سواه من معشر الجماعة البحثية. فهوكان لأبناء جيلى من الباحثين والخبراء فى مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بمثابة أستاذ الأساتذة، كبار الباحثين والخبراء أمامه، يسودهم التواضع العلمى والمعرفي، ولم لا وهو الذى ساعدهم ليتبوأ كل منهم مقعده فى الجماعة البحثية المصرية. ولميبخل على أحد منهم بما يتمتع به من علم ومعرفة، بل والنصيحة، والمساعدة العلمية لإعداد مشروعه العلمى من ماجستير أو دكتوراة، وما بعد الدكتوراة.

لا تزال أفكار ونظريات عالمنا الجليل، فى المجالين الاجتماعى والثقافى تحديدًا، نبراسًا للكثير من الباحثين وطالبى العلم فى مختلف أرجاء الوطن العربي. وأتذكرجيدًا حينما جلست مع أحد الأصدقاء من الدول العربية الشقيقة أو تحاورنا حول قضية من قضايا وطننا الأكبر إلا وتم استدعاء نظريات الأستاذ وأفكاره، كأحد الحلول والمقترحات للخروج من نفق الأزمات التى يعج بها وطنا العربي، فى ظل مرحلة خطيرة يمر بها النظام الدولي.

كان للأستاذ موقف واضح من ثورة يناير، فهو كان دائمًا التأكيد على أن العبرة بالنتائج والخواتيم وليس بالمقدمات أو بالصوت العالي. لميسقط أبداً الأستاذ تحت وطأة فخ ضغط شباب الثورة أو أفكارهم الجامحة، بل حاول ترشيدها ووضعها فى أطر واضحة فى إطار قراءته التاريخية للثورات المختلفة، بما فيها الثورة الفرنسية والبلشفية. وشاركتمعه فى حوارات مع العديد من المجموعات الشبابية التى ظهرت بقوة على السطح بعد ١١يناير، خلال جلسات حوارية عقدها فى المركز العربى للبحوث والدراسات ومركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ومن خلال تلك المناقشات مع الشباب دائمًا كان يعبر عن تخوفه من الطموح الزائد عن الحد فى ظل نقص وغياب المعرفة لدى هؤلاء الشباب بالواقع المصري، والمحيط الإقليمي، والتغيرات الدولية. فالأستاذكان يؤمن بضرورة الإصلاح التدريجى دون تخوين أو إقصاء. وكاندائم التأكيد على ضرورة دمج الشباب وإعدادهم لتحمل المسئولية تدريجيًا حتى تخرج مصر من عنق الزجاجة إلى بر الأمان فى ظل رغبة بعض الدول فى إضعاف الدولة المصرية فى ظل استمرار موجات من الاضطرابات.

ولقد كان للأستاذ الكبير السيد يسين موقف واضح من جماعة الإخوان. فقدكان يرى أن مشروعها الذى كان يسمى "بالنهضة" سيفشل لا محالة، ليس فقط بسبب عدم وجود مشروع من الأصل، وأنه "فنكوش" على حد تعبيره، ولكن أيضًا لأنه مشروع يعبر عن جماعة وفئة وليس مشروعا للأمة المصرية، فضلاً عن ارتكاب الجماعة لما أسماه الموبقات السبع، وهي: محاولة الانفراد بالسلطة، ووضع دستور على مقاس الجماعة، وممارسة العنف، والامتداد الخارجى للجماعة، وانفرادها بالبرلمان، والتحالف مع الجماعات المتطرفة، وتولى الجماعة سدة السلطة الرئاسية.

الأستاذكان يؤمن بأن الجماعة فى طريقها للزوال، ولم لا، فهو أدرى الناس بها، حيث بدأ حياته عضواً بها، ويحفظ عن ظهر قلب مبادئها وأفكارها غير المعلنة. لكنهسرعان ما تبرأ منها، فهو كان يرى فيها الجمود والخمول الفكري، والاستبداد، وحب الانفراد بالسلطة، وأن سعيها لما تسميه "أستاذية العالم" هو مشروع وهمى ليس له أى أسس ومرتكزات فى العصر الحديث، التى تتمتع فيه الدولة الوطنية بالحق الشرعى فى التحكم فى المقدرات المادية والبشرية دون غيرها من الجماعات الأخرى.

وفى السياق ذاته، أيد الأستاذ خروج المجتمع عن بكرة أبيه فى ثورة ٣٠يونيو والإطاحة بالإخوان. ورأىأن أهم منجزات ثورة يونيو هو استعادة للدولة المصرية المخطوفة من الجماعة التى سعت لتأسيس دولة دينية، يحكمها مكتب الإرشاد، والتنظيم الدولى للجماعة. وأتذكرجيدًا عندما زار الأستاذ فى مكتبه المستشار السياسى للرئيس الإندونيسى فى أواخر عام ٢٠١٣والذى كان له موقف غير مؤيد لثورة ٣٠يونيو، قال له الأستاذ بالحرف "هى ثورة حقيقية قام بها الشعب المصري، والذى يمتلك رأياً مخالفاً يحتفظ به لنفسه، والمقابلة انتهت.. اتفضل". وهو موقف تكرر مع عدد من الباحثين الأجانب الذين زاروا الأستاذ للتعرف على حقيقة ما يحدث بعد ٣٠يونيو.

وفى إطار هذا الحماس لـ٣٠ يونيو حمل الأستاذ على كتفيه مشروعا علميا بارزا داخل المركز العربى للبحوث والدراسات حمل عنوان "إعادة إنتاج الدولة التنموية"،شارك فيه عدد كبير من كبار الباحثين والخبراء فى مختلف التخصصات العلمية، تم خلاله رصد أهم التحديات والمشكلات التى تواجه الدولة المصرية، ووضع سياسات بديلة لها، وتصور شامل أمام صناع القرار للاستدلال به علميًا ومنهجيًا فى التعاطى مع قضايا ومشكلات مصر الثقافية والسياسية والاجتماعية.

كان للأستاذ الكبير، ومنظر العولمة الأول فى الوطن العربي، أو الكاهن الأكبر، كما كان يحب أن يداعبه المفكر الكبير نبيل عبد الفتاح، معاركه الخاصة مع الجهل والكراهية ومع مدعى المعرفة والثقافة، وهى تلك المعارك التى خاضها بشرف كبير، وانتصر فيها انتصاراً ساحقًا.

وفى النهاية، كم كنت أتمنى أن يلقى الأستاذ التكريم المستحق من الدولة المصرية، بإطلاق اسمه على أحد المحاور الرئيسة فى القاهرة أو الإسكندرية، فهو يستحق عن جدارة مثل هذا التكريم، لما قدمه طوال مسيرته العلمية والمهنية فى خدمة مصر الحبيبة. وأتمنىأن يجد هذا المقترح صدى لدى المسئولين فى الدولة المصرية الآن!

مقالات مشابهة

  • نهى زكريا تكتب: مو صلاح ومحمد رمضان والاستثمار الأجنبي
  • 8 سنوات على رحيل السيد ياسين.. أستاذ الباحثين
  • قصور الثقافة تختتم ليالي الإبداع الرمضانية بالدقهلية وسط أجواء مبهجة.. صور
  • رحيل أنطوان كرباج.. أيقونة المسرح اللبناني بعد صراع مع الزهايمر
  • محمد نور يعلق على انتقال بن شرقي إلى الأهلي المصري
  • مسرح الفجيرة يستضيف عروض المسرحية “الكرة بملعبكم” خلال العيد
  • لأول مرة.. عرض تجربة الخبز المصري القديم بـ المتحف المصري بالتحرير
  • فقر الإبداع و الأفكار المستهلكة تنتقل من المسلسلات إلى سوق الإشهار بالمغرب
  • محمد رجب يعلن لأول مرة: تزوجت دانا حلبي من سنة ونصف
  • المنشد ياسين التهامي يستعد لإحياء حفل في دار الأوبرا