لماذا تسعى أمريكا للسيطرة على قطاع غزة ( 2 )؟
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
في المقال السابق، تناولنا الصراع العالمي بين النظام القائم بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها، والنظام القادم الذي تقوده الصين وروسيا، مدعومًا بمجموعة بريكس.
وأوضحنا أن "طريق الحرير الصيني" يمثل كلمة السر في إصرار واشنطن على السيطرة على غزة وتهجير سكانها، حيث تسعى لجعل القطاع مرتكزًا لوجستيًا وملاحيًا رئيسيًا في مشروع "الممر الاقتصادي الهندى الذي يربط آسيا بأوروبا وأمريكا.
هذا الصراع لا يقتصر على غزة وحدها، بل هو جزء من معركة أوسع للسيطرة على المنافذ البحرية، والممرات الملاحية، ومناطق الثروات والمعادن الاستراتيجية، وخاصة تلك التي تدخل في صناعة الرقائق الإلكترونية والطاقة الخضراء المتجددة. فهذه الصناعات تمثل العمود الفقري للاقتصاد العالمي القادم، وأي قوة تسيطر عليها ستتمكن من فرض نفوذها على المشهد الدولي.
في هذا السياق، تحتل مصر موقعًا محوريًا، إذ تعد الجسر الجغرافي الذي يربط بين ثلاث قارات، والمتحكم في شريانين ملاحيين استراتيجيين: البحر الأحمر والبحر المتوسط. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك مصر احتياطيات ضخمة من الرمال الغنية بمادة السيليكون، الأساسية في صناعة الرقائق الإلكترونية. وهذا ما جعلها ساحة رئيسية للصراع بين القوى الكبرى، التي تمارس عليها ضغوطًا اقتصادية وسياسية وعسكرية لإجبارها على الانسحاب من مجموعة بريكس، وهو الهدف الحقيقي وراء محاولات إقناعها بقبول توطين سكان غزة على أراضيها.
إدارة القيادة السياسية المصرية لهذا الصراع تمثل معادلة تاريخية معقدة ستكون محل دراسة في مراكز الأبحاث العالمية، ودوائر الاستخبارات وصنع القرار. فمصر، التي كانت قبل عقد من الزمان على شفا الانهيار، استطاعت خلال عشر سنوات فقط أن تصبح لاعبًا رئيسيًا يناطح أعتى القوى العالمية، وترفض الانصياع للإملاءات الخارجية، مما قد يساهم في إعادة تشكيل النظام العالمي وسقوط الهيمنة الأمريكية.
وفي هذا الإطار، جاء رفض الرئيس عبد الفتاح السيسي زيارة واشنطن في هذا التوقيت حسبما تردد ليعكس موقفًا مصريًا حاسمًا برفض أي ترتيبات تمس الأمن القومي المصري.
هذا القرار لم يكن مجرد رفض دبلوماسي، بل رسالة صريحة بأن القاهرة عازمة على الحفاظ على استقلالية قرارها السياسي، وأنها لن تخضع للضغوط أو الإغراءات.
ردًّا على هذا الموقف، استقبلت واشنطن رئيس وزراء الهند بحفاوة بالغة، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال اللقاء عن "إطلاق أحد أعظم مشاريع التجارة في التاريخ، والذي يمتد من الهند إلى إسرائيل، ثم إلى إيطاليا، وصولًا إلى الولايات المتحدة". وكان لافتًا أن ترامب لم يذكر السعودية أو الإمارات أو الاتحاد الأوروبي، على عكس ما كان قد أعلنه الرئيس السابق جو بايدن في سبتمبر الماضي، مما يشير إلى محاولة تجاهل أو الضغط على الدول التي أبدت تضامنًا مع الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من غزة.
بالتزامن مع ذلك، صعّدت واشنطن لهجتها ضد موسكو، حيث صرّح نائب ترامب، جي دي فانس، بأن الولايات المتحدة قد تفرض عقوبات قاسية أو حتى تتخذ إجراءات عسكرية ضد روسيا إذا لم يوافق بوتين على اتفاق يضمن استقلال أوكرانيا على المدى الطويل.
هذا التصعيد يعكس حالة القلق والاضطراب الأمريكي بسبب مجموعة بريكس، التي تهدد هيمنة الدولار على التجارة العالمية، ونفوذ الولايات المتحدة في المشهد الاقتصادي العالمي.
معركة غزة إذن ليست مجرد صراع إقليمي، بل هي المنفذ والمنقذ الوحيد للنظام العالمي القائم، الذي تعاني الولايات المتحدة من تراجعه. السيطرة على غزة تعني التحكم في أحد أهم المفاصل الجيوسياسية للتجارة الدولية، وتأمين موطئ قدم استراتيجي يسمح لواشنطن وحلفائها بتطويق النفوذ الصيني والروسي في المنطقة.
لكن الإرادة المصرية، ومعها إرادة القوى الصاعدة، قد تُعيد رسم قواعد اللعبة، لتكون غزة، بدلًا من أن تكون جسرًا للهيمنة الأمريكية، نقطة تحول في انهيار النظام العالمي القديم، وبزوغ عالم جديد أكثر تعددية وتوازنًا.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: روسيا الولايات المتحدة الصين جمال رشدي غزة الصراع العالمي الممر الاقتصادي الولایات المتحدة
إقرأ أيضاً:
لماذا يواجه سوق المطاط العالمي نقصًا متوقعًا في 2025؟
تسلط Euronews Business الضوء على العوامل المؤثرة في سوق المطاط هذا العام، مستكشفة دور الممارسات الزراعية المستدامة، مثل الحراجة الزراعية، في تشكيل مستقبل هذه الصناعة.
من المتوقع أن يستمر نقص إنتاج المطاط الطبيعي مقارنة بالطلب العالمي للعام الخامس على التوالي في 2025. ووفقًا لرابطة الدول المنتجة للمطاط الطبيعي (ANRPC)، فمن المرجح أن يرتفع الإنتاج العالمي بنسبة طفيفة تبلغ 0.3% خلال العام، بينما سيقفز الطلب العالمي بمعدل أكبر يصل إلى 1.8%، مما يعمّق الفجوة بين العرض والاستهلاك.
ويُستخدم المطاط الطبيعي على نطاق واسع في العديد من الصناعات، بما في ذلك قطع غيار السيارات، السلع الصناعية، الأحذية، أحزمة النقل، المعدات الطبية، والأرضيات، نظراً لمتانته ومرونته العالية، فضلاً عن مقاومته للماء وسهولة صيانته. ووفقًا لتقرير صادر عن Grand View Research، من المتوقع أن يصل حجم سوق المطاط العالمي إلى 65.7 مليار دولار (60.3 مليار يورو) بحلول عام 2030، مما يعكس تزايد أهميته في الاقتصاد الصناعي العالمي.
في الأسواق الدولية، يتم تداول نوعين رئيسيين من المطاط: المطاط الاصطناعي، الذي يُنتج من الغاز الطبيعي والمشتقات البتروكيماوية، والمطاط الطبيعي، الذي يُستخرج من الأشجار الاستوائية. وتتصدر تايلاند، إندونيسيا، فيتنام، وماليزيا قائمة الدول المنتجة للمطاط الطبيعي، إلى جانب مساهمات مهمة من الصين، الهند، ساحل العاج، سريلانكا، الكاميرون، والفلبين.
وعلى الرغم من الطلب المتزايد، شهدت العقود الآجلة للمطاط انخفاضًا حادًا بنسبة 4% هذا الأسبوع، حيث تم تداول الكيلوغرام عند 195 سنتًا أمريكيًا صباح الجمعة، مسجلاً أدنى مستوى له منذ منتصف فبراير. كما تراجعت الأسعار بنسبة 4.8% على أساس شهري، مع استمرار الأسواق في موازنة مخاوف العرض مقابل تداعيات الرسوم الجمركية التجارية.
Relatedمظاهرة في بروكسل: مزارعون يعارضون اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسوما مشكلة مزارعي الاتحاد الأوروبي مع اتفاق التجارة الحرة مع ميركوسور؟ وما الذي تحاول فرنسا فعله؟"احذروا الأدوية المزيفة".. يوروبول تكشف عن تجارة بأكثر من 11.1 مليون يورو تهدد صحة الأوروبيينلماذا انخفض إنتاج المطاط الطبيعي مؤخرًا؟ويُعزى النقص المتوقع في إنتاج المطاط الطبيعي لعام 2025 إلى تأخر الإنتاج في العديد من الدول الرئيسية المنتجة، مثل فيتنام وإندونيسيا، حيث تعاني هذه الدول منذ سنوات من ظروف مناخية قاسية أثّرت سلبًا على المحاصيل.
في تايلاند، على سبيل المثال، أدت موجة حر شديدة في بداية العام الماضي إلى تمديد فترة الإنتاج المنخفض، التي تمتد عادة بين فبراير ومايو، مما أضرّ بمحاصيل المطاط. كما تسببت درجات الحرارة المرتفعة في تباطؤ نمو أشجار المطاط، ما زاد من تعقيد المشكلة. ولم تقتصر التحديات المناخية على الجفاف، إذ أعقبت موجة الحر فيضانات غزيرة وأمطار كثيفة مطلع عام 2024، ما أثر بشكل مباشر على إنتاج المطاط خلال موسم الذروة، وهدد بتقليص كميات اللاتكس المنتجة سنويًا.
الصين، التي تحتل المرتبة الخامسة عالميًا في إنتاج المطاط، واجهت بدورها اضطرابات مناخية مشابهة، حيث تسببت الأعاصير والأمطار الغزيرة في تدمير مناطق زراعية رئيسية مثل تشنغ ماي ولين غاو في جزيرة هاينان، ما أثر سلبًا على الإمدادات. ومع استمرار الظواهر الجوية المتطرفة، يواجه القطاع الزراعي تحديات متزايدة، قد تؤدي إلى تفاقم الفجوة بين العرض والطلب في السوق العالمية للمطاط الطبيعي.
Relatedبعد فوز ترامب.. قمة أوروبية لبحث الملفات ذات الصلة بالولايات المتحدة.. كالتجارة والناتو وأوكرانياالصين والمجر تخططان لعقد 18 اتفاقا في مجال التجارة والصناعة والطاقة لجنة التجارة الدولية الأمريكية توصي بحظر استيراد بعض نماذج ساعة "آبل" الذكيةوفقًا لمعهد الغابات الأوروبي، شهدت تايلاند تراجعًا في المساحة المخصصة لزراعة المطاط بنسبة 4.5% بين عامي 2017 و2022، نتيجة مجموعة من العوامل البيئية والاقتصادية. فقد أسهمت ارتفاع درجات الحرارة، تقلص الأراضي الزراعية المتاحة، الكوارث الطبيعية، وارتفاع تكاليف العمالة في هذا الانخفاض، إلى جانب التأثير المدمر لمرض تدفق الأوراق، الذي يقلل بشكل كبير من إنتاجية أشجار المطاط.
كما أدى التحوّل نحو محاصيل أكثر ربحية، مثل أشجار النخيل المستخدمة في إنتاج زيت النخيل، إلى تراجع إنتاج المطاط في العديد من بلدان جنوب شرق آسيا. ومع موت أعداد كبيرة من أشجار المطاط بسبب العوامل البيئية، أصبح العديد من المزارعين يفضلون التحول إلى محاصيل بديلة أكثر استدامة من الناحية الاقتصادية.
وتواجه صناعة المطاط الطبيعي تحديات أخرى لا تقل خطورة، من بينها إزالة الغابات، استغلال العمالة، تقلب الأسعار، والمنافسة المتزايدة مع المطاط الاصطناعي، مما يهدد استقرار هذا القطاع الحيوي على المدى الطويل.
هل يمكن أن تكون الحراجة الزراعية هي مفتاح تعزيز إنتاج المطاط؟تلعب الحراجة الزراعية، وهي ممارسة زراعة الأشجار والمحاصيل في نفس الأرض، دورًا مهمًا في تعزيز إنتاج المطاط الطبيعي من خلال تحسين صحة التربة، مما يؤدي إلى أشجار أكثر قوة وإنتاجية. يمكن دمج أشجار المطاط مع محاصيل متنوعة مثل الخيزران، القهوة، الشاي، أو حتى أشجار الفاكهة والأخشاب، ما يسهم في تحسين النظام البيئي الزراعي وزيادة العائدات.
إلى جانب تعزيز الإنتاج، توفر هذه الممارسة مقاومة أكبر للظروف المناخية القاسية، مما يقلل من تأثير التغير المناخي ويحمي دخل المزارعين من التذبذب. كما أنها تتيح تنويع مصادر الدخل، مما يقلل من الاعتماد على محصول واحد، ويشجع المزارعين على الاستمرار في زراعة المطاط بدلاً من التحول إلى محاصيل أكثر ربحية.
علاوة على ذلك، تساعد الحراجة الزراعية في تحسين إنتاجية الأراضي وتقليل الحاجة إلى المبيدات الكيماوية والأسمدة، بفضل تعزيز دورة المغذيات والمكافحة الطبيعية للآفات. كما أنها تساهم في إطالة عمر أشجار المطاط، ما يزيد من استدامة القطاع الزراعي على المدى الطويل.
في خطوة لدعم هذه الممارسات، أعلنت المنصة العالمية للمطاط الطبيعي المستدام (GPSNR)، وهي هيئة صناعية تسعى إلى تطوير سلسلة إمداد أكثر استدامة، عن تمويل برنامج تدريبي يستهدف 1000 مزارع تايلاندي على تقنيات الحراجة الزراعية بحلول عام 2025، في محاولة لتعزيز الإنتاج وتحقيق استدامة بيئية واقتصادية لقطاع المطاط.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية "الجميع سيعاني"..لاغارد تحذر من تداعيات اقتصادية جراء سياسات ترامب التجارية كيف استطاعت إسبانيا التفوق على باقي أوروبا وأن تزدهر اقتصاديًا بفضل المهاجرين؟ فون دير لاين تقود وفدا أوروبيا إلى الهند.. شراكة اقتصادية أم إعادة ترتيب التحالفات؟ الأسواقتايلاندالصينفيتنام