خطيب المسجد النبوي: الاستغفار هو أكبر الطاعات وأصل أسباب المغفرة
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور خالد بن سليمان المهنا عن فضل الاستغفار واقترانه برحمة الله لعباده وغفران الذنب وقبول التوبة، مبينًا أن الاستغفار من أعظم الحسنات، وأكبر الطاعات، التي ينال بها العباد أفضل الثواب، ويدفع عنهم بها سوء العذاب.
وأوضح الشيخ الدكتور خالد المهنا في خطبة الجمعة من المسجد النبوي اليوم، أن الله تعالى لما خلق آدم أبا البشر - عليه السلام - وخلق منه زوجه فطرهما على معرفته سبحانه ربًا خالقًا، وإلهًا أحدًا، مستحقًا لكمال المحبة والتعظيم مع غاية الذلّ، غير أنه سبحانه خلقهما وذريتهما مكلّفين مبتلين بالأمر والنهي، والشرّ والخير، إذ خلق سبحانه وتعالى النفوس، فأودع فيها الإرادة والحركة، والنيّة والهمّ، والحبّ والبغض، والتغيّر والتأثر، ولقد علِم سبحانه وهو الخلاّق العليم أن نفوس عباده وإن كانت مفطورةً على حبّ الخير واستحسانه إلا أنها لا تنفك عن إرادة الشر إذا ضلّت عن سواء السبيل، وأن لها إقبالًا على الطاعة، وإدبارًا عن المعصية، ورغبةً في الحسنة، وقصدًا إلى السيئة، ولكن رحمة الله تغلب غضبه سبحانه وتعالى.
وبيْن إمام وخطيب المسجد النبوي أن لرحمة الله الغالبة الواسعة، آثارًا عظيمةً على جميع خلقه في العالم السفلي والعلوي، وفي الدنيا وفي الآخرة، منها غفرانه تعالى ذنوب من شاء من عباده الموحدين المسلمين، فإنه جل وعلا واسع المغفرة، من أجل ذلك سمّى نفسه الغفور، والغفّار والغافر، وغفرانه جلّ جلاله الذنوب يكون بسترها عن أن يفضح بها أهلها في الدنيا والآخرة، مع محوها والتجاوز عنها، وعفوه عن العقوبة عليها، مالم تبلغ مبلغ الكفر أو الشرك الأكبر، فإنه الذنب الذي لا يغفر.
وذكر أن الاستغفار هو أصل أسباب المغفرة وأساسها، وأعظم موجباتها، من أجل ذلك أمر الله به خير خلقه، لتأتمر به أمته، وجعله تاليًا لأمره بالعلم بتوحيد، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كثير الاستغفار جدًا، وكان يُعدُّ له في المجلس الواحد مئة مرة قبل أن يقوم قوله :"رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور" وأخبر - صلى الله عليه وسلم - عن نفسه أنه يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة.
وأضاف أن لشرف الاستغفار وفضله ألهم الله ملائكته المكرمين أن يستغفروا لعباده المؤمنين، وقال عليه الصلاة والسلام :"والملائكة يصلون على أحدكم مادام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم ارحمه، اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، مالم يؤذ فيه مالم يحدث" كما أن لفضل الاستغفار أرشد الله أن تختم به الليالي والأعمار، وقد كان الاستغفار آخر جملةٍ تحرك بها لسانه الطاهر عليه الصلاة والسلام أن قال وهو يعالج سكرات الموت: "اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق الأعلى".
وأوضح الشيخ الدكتور خالد المهنا أن لفضل الاستغفار وعظم افتقار العبد إليه أرشد إمام المتقين أمته أن تفتتح به يومها وتختمه، فقال عليه الصلاة والسلام :"سيد الاستغفار أن تقول:- اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" مشيرًا إلى ما يتضمنه هذا الدعاء النبوي المبارك من موجبات قبول الاستغفار، من التوسّل العظيم لله بتوحيده في ربوبيته وألوهيته، والخضوع له بصفة العبودية، والإقرار لله بنعمته، واعتراف العبد بذنبه، وافتقاره إلى ربه في غفرانه، حيث لا يملك الغفران إلا هو سبحانه، وذلك من خصائص الربوبية التي ليست لأحد سوى الله.
وأكد أن ارتكاب الذنوب ظلم للنفس، وذلك أن النفوس مفطورةٌ على حبّ الخالق وتعظيمه، فإذا ارتكب العبد الذنب فقد ظلمها بمخالفة من فطرت على حبّه وتعظيمه، وعرضها لعذاب الدنيا والآخرة، فالدعاء المشتمل على الاعتراف بالذنب مع الثناء على الربّ والتوسل إليه بصفاته، هو دعاء العارفين العظيم قدره وثوابه، الدال على معرفة المستغفر بعيوب نفسه، وندمه على خطيئته، وانكسار قلبه، وذهاب العجب عنه، وهو الدعاء المرجو إجابته، الواجد قائله برد الغفران، مبينًا أن الاستغفار هو ترجمان ما في القلب من ندم على الذنب، وتقصير في حق الرب.
وتابع مذكرًا أن من تأمل صفتي المغفرة والرحمة لله جلّ جلاله، وجدهما مقترنتين في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى، تربو على سبعين آية، إذ تجيء صفة الرحمة فيها تاليةً صفة المغفرة، وسرُّ ذلك والله أعلم أن رحمة الله تعالى بعبده أقرب ما تكون إليه حين يستغفره، فالاستغفار موجب الرحمة، فتحلُّ على المستغفرين رحمة الله التي لاحدّ لها من سِترِ الذنب والتجاوز عنه، ومنع العذاب الذي يوجبه الذنب، وتبديل السيئة حسنة، والهداية لنور الطاعة وحبها وإلفها، وكُره المعصية والنفرة منها.
وحثّ على فعل الأسباب من الأعمال الصالحة التي توجب مغفرة الله جلّ وعلا، سمبينًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل ربّه موجبات رحمته وعزائم مغفرته، وهي أعمال البر والطاعة وأفعال الخير التي تتأكد بها مغفرة الذنوب وتتعزم، وتدلّ على صحة توبة العبد وصدق إنابته.
واختتم خطبة الجمعة موصيًا العباد إلى الإكثار من الصلاة والسلام على النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - ليغفر لهم الذنوب، ويكفيهم الهموم، داعيًا الله جلّ وعلا أن يحفظ بلادنا وقيادتها ولاة أمرنا من شرّ الأشرار، ومكر الماكرين الحاقدين الفجّار، وأن ينصر إخواننا في فلسطين على الصهاينة الغاصبين، ويُبدل فزعهم أمنًا، ويكشف كربهم، ويرفع عنهم الغمّة، وأن يحفظ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين المتربصين، وأن يحفظ جميع بلاد المسلمين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المسجد النبوي الاستغفار التوبة فضل الاستغفار الذنب الطاعات المزيد صلى الله علیه وسلم الصلاة والسلام المسجد النبوی
إقرأ أيضاً:
نور على نور
#نور_على_نور
د. #هاشم_غرايبه
عندما يقرأ المرء في قصة أهل الكهف قوله تعالى: “قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا”، يتساءل لماذا قال الله مسجدا مع أن الرسالة المحمدية لم تكن نزلت آنئذ، لماذا لم يقل: “كنيسة”!؟ ان كان هؤلاء المؤمنين من أتباع النصرانية.
في حقيقة الأمر لم يرد مسمى الكنيسة اطلاقا في القرآن، كما لم ترد في أي من كتب الله السابقة، كما لم يرد مسمى أتباع الرسل السابقين بنسبتهم الى رسولهم، كأن يقال ابراهيميين أو موسويين أو مسيحيين، بل بصفتهم الايمانية الموحدة (عباد الله المؤمنين)، لذا فكل ما لم يذكر في القرآن هو مستحدث من قبل البشر، وباطل ما أنزل الله به من سلطان.
المسجد لغويا هو المكان الذي تقام فيه الصلوات لله، واخذ مسماه من فعل السجود الذي هو أبرز الأركان الظاهرة الدالة على أداء المرء الصلاة.
من الخطأ الاعتقاد بأن الصلاة في شكلها الحالي هي مخصوصة بأتباع الرسالة المحمدية، فقد كانت هي وباقي الأركان الأخرى من صيام وزكاة وحج مفروضة على المؤمنين من أتباع الرسالات السابقة أيضا.
فقد قال المسيح عليه والسلام في أول نطق له وهو في المهد: “وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا” [مريم:31]، كما أمر الله تعالى ابراهيم وإسماعيل بتهيئة بيته الحرام للحج وللصلاة: “وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ” [الحج:26]، وقال: يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ” [آل عمران:43]، كما قال تعالى في وصف المؤمنين بالله من أهل الكتاب: “إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّداً” [الإسراء:107]، ولم يختلف الأمر في وصف عبادات أتباع الرسالة الختامية: “وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ” [المائدة:55].
إن بحثنا في القرآن الكريم عن مسميات أماكن العبادة سنجد المعرّفة بمسمى المسجد ثلاثة:
الأول هو بيت الله المحرم الواقع في مكة، وهو أول بيت وضع للناس لعبادة الله، وسماه تعالى المسجد الحرام: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا” [التوبة:28]، لذلك فالله تعالى هو من وضع تسمية المسجد.
الثاني هو المسجد النبوي وهو أول مسجد بناه المسلمون في المدينة المنورة: “لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ” [التوبة:104].
الثالث هو المسجد الأقصى، وبقع في القدس، وهو ثاني مسجد بني للناس، وكان معروفا قبل الدعوة الإسلامية بمسمى بيت المقدس، والله تعالى هو من سماه بالمسجد: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا” [الإسراء:1]، ونلاحظ أن الله قد بارك في البلاد المحيطة به إكراما لمكانته عنده تعالى، لذلك فلا يمكن التشكيك في قدمه، وباطل ما يدعيه الغرب مؤسسو الكيان اللقيط من تسمية التلة المقام عليها بمسمى (جبل الهيكل) في إشارة الى المعبد الذي أقامه سليمان عليه السلام ويدّعون أن اسمه (هيكل)، لأن هذه التسمية وثنية وتعني المكان الذي يقام لعبادة الآلهة المنحوتة (الوثن)، وأبرز جزء فيه هو المذبح الذي كانت تذبح فيه القرابين من البشر أو الحيوانات تقربا من تلك الآلهة المزعومة، وبالطبع لا يمكن للنبي الذي أرسله الله أن يبني معبدا وثنيا.
ما يؤكد ذلك ان الله تعالى لم يذكر أي من المسميات لأماكن عبادته غير الثلاثة المعرّفة بمسماها الصريح المبينة آنفا، وغير تلك الواردة في قوله تعالى بصيغة التنكير: “وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا” [الحج:40].
نستنتج أن هذه هي المسميات للأماكن الدينية عند الله، ولأن كل الرسالات السماوية دعت الى الدين ذاته الذي دعت إليه الرسالة الخاتمة، فلا تسمية غير ما جاءت في كتاب الله، ولا تتناقض قطعا مع كتبه السابقة قبل تحريفها، وذلك تفسير أن الله تعالى ذكر البناء الذي بني على فتيان الكهف بمسمى المسجد.
المستغرب أن كل أماكن العبادة الأثرية القديمة في بلادنا التي يكتشفها لنا علماء غربيون يسمونها كنيسة، مع أنه لا يوجد أي أثر مادي يدل على ذلك، ومع أن فترة انتشار النصرانية لا تتعدى ثلاثة قرون، فيما التحول الى الاسلام مضى عليه خمسة عشر قرنا.