تهجير أهل غزة في النظرية الترامبية.. العالم في اليوم التالي لتنصيب ترامب2
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
ردّا على سؤال بشأن السلطة التي تخوّله السيطرة على قطاع غزة، قال ترامب: "بموجب السلطة الأمريكية".
منذ أسابيع وترامب يصرح وينظّر لفكرة تهجير أهل غزة للأردن ومصر، وكان لقاء الرئيس الأمريكي بملك الأردن فرصة لكي يطرح الفكرة مجددا، بعد أن أكدها مرارا وإصرارا في صورة الواثق بأن كلامه نافذ، واستغل وجود ملك الأردن بجواره في مؤتمر صحفي ليقول للإسرائيليين قبل العالم: "أدي الجمل وأدي الجمال"، ويعيد على ضيفه أنه سيستقبل الفلسطينيين، والضيف في استحياء من المضيف يكرر أن لدى مصر والعرب خطة لحل الأزمة وإعادة الإعمار سنعرضها عليك بعد أن نلتقي في الرياض، لكن الأنا الترامبية أعلى من أن تمرر حلولا دبلوماسية تُخرج الضيف من ورطته أمام العالم الحر قبل شعبه، حتى اضطر، ربما، إلى اختلاق فكرة استقبال ألفي طفل من غزة للتداوي في الأردن.
إحدى الصحفيات اللاتي حضرن اللقاء بين الملك عبد الله والرئيس الأمريكي، قالت إن الحديث مع الصحفيين الذي جرى خلال اللقاء لم يكن مجدولا، وإن اللقاء كان من المفترض أن يكون مغلقا أمام الصحافة، لكنه "فُتح فجأة أمامهم". وهو ما يؤكد تلك الحالة التي كان عليها الملك، وهذه الصفاقة التي يتمتع بها راعي البقر الأمريكي وأظهرها أمام العالم من خلال استدعاء الصحافة، وهي رسالة مفادها أنني هنا الأقوى وكلامي هو النافذ، وأن لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا إلى مزيد من الصراع. في ظاهر كلامه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، فحديثه عن رحمته بالملونين الذين يعيشون في غزة وحل أزمتهم بتهجيرهم، إنما هو كرحمة الطبيب تاجر الأعضاء الذي يرى في قتل الرضيع وسرقة أعضائه رحمة له بدلا من أن يتلطم في الشوارع وهو لقيت، وحاشى لغزة وأهلها أن يكونوا كذلكوفي ظاهر كلامه الرحمة وباطنه من قبله العذاب، فحديثه عن رحمته بالملونين الذين يعيشون في غزة وحل أزمتهم بتهجيرهم، إنما هو كرحمة الطبيب تاجر الأعضاء الذي يرى في قتل الرضيع وسرقة أعضائه رحمة له بدلا من أن يتلطم في الشوارع وهو لقيت، وحاشى لغزة وأهلها أن يكونوا كذلك.
مع أواخر القرن العشرين بزغ نجم الــ"نيوليبراليزم" أو الليبرالية الجديدة، وكان من روادها في الولايات المتحدة الأمريكية الرئيس ورونالد ريجان، وهي باختصار نظرية اقتصادية، وإن شئت فلنسميها أيدلوجية اقتصادية تؤكد على الأسواق الحرة، وإلغاء القيود التنظيمية، وترسخ الخصخصة، والحد من تدخل الحكومة، وإطلاق يد أصحاب الأموال، ليزدادوا توحشا، لا على مستوى أقاليمهم، ولكن على الصعيد العالمي، فيما عرف بالعولمة، والتي قُننت تجاريا باتفاقية التجارة الحرية التي أُجبر العالم الفقير قبل الغني في التوقيع عليها، وهي صورة من صور تقنين الاحتلال، والتوقيع على شروطه في معاهدة استسلام أبدية.
لكن السؤال الجدير بالطرح الآن: هل ترامب نيوليبرالي؟
الناظر إلى سياسات ترامب وأوامره التنفيذية سواء في ولايته الأولى أو الآن الأكثر حدة، نجد أن الرجل تبنى، نعم، بعض السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، إلا أنه لا يعتبر من "النيوليبراليزم"، وذلك لتبنيه، مع سياسات تخفيضات الضرائب على الشركات، إلغاء القيود التنظيمية سواء فيما يتعلق بالصناعة أو البيئة وانسحابه من اتفاقية باريس للمناخ، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهي ترتب حقوقا وضوابط، قد يرى أنها تعيق طموحاته كرجل أعمال قبل أن يكون رجل دولة، إلا أن ترامب رغم تبنيه هذه السياسات لا يمكن تصنيفه كنيوليبرالي، نظرا لخطابه الشعبوي، وتبنيه القومية الاقتصادية، ورفعه شعار "أمريكا أولا" و"اجعل أمريكا عظيمة مجددا". وحتى لا نكرر يمكن مراجعة فكر الرجل من رفع هذه الشعارات في المقالين "العالم في اليوم التالي لتنصيب ترامب" و"من دولار نيكسون إلى ميم كوين ترامب"، فيبدو أن الرجل يؤسس لنظام عالمي جديد غير ذلك الذي أسسته الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، والذي ارتضينا به كأمم محتلة.
حديث ترامب عن شرق أوسط خال من الصراعات باحتلاله غزة، وإعادة إعمارها هو حديث، وإن كان يبتعد عن القواعد القانونية في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فإنه كذلك يبتعد عن فهم ووعي أي إنسان عاقل أو مدرك، ناهيك عما لو كان قارئا، لطبيعة هذا الشعب
حديث ترامب عن شرق أوسط خال من الصراعات باحتلاله غزة، وإعادة إعمارها هو حديث، وإن كان يبتعد عن القواعد القانونية في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، فإنه كذلك يبتعد عن فهم ووعي أي إنسان عاقل أو مدرك، ناهيك عما لو كان قارئا، لطبيعة هذا الشعب، وهذه الأمة التي لا ترضى الهوان، وتمرض ولا تموت، أمة تتخذ من عقيدتها منطلقا، حتى ولو أُلهيت بفعل محتاليها أو محتليها. كلام ترامب ينطلق من كونه مطورا عقاريا، وهو ما صرح به أمام ملك الأردن، وهو ما يلعب عليه نتنياهو، ومن ثم فإن الرجل يقدم العرض، ترحيل عدد لا بأس به من الفلسطينيين لإفساح المجال لمشاريعه العقارية على المدينة ذات الوجهة البحرية، كما وصفها، وهو في ذلك يؤسس للنظرية "الترامبية" التي لا تعبأ لا بقوانين ولا اتفاقيات، ويؤسس معها للفوضى في العالم.
في مقال "معركة ما بعد الحرب في غزة" والمنشور في 23 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي تحدثت عن ضرورة أن تدشن حملة شعبية لإعادة ترميم كل غزة.. كل غزة بما فيها وما عليها وما تحتها، وعلى كل مخلص أن يتحرك للبدء الآن لتأسيس الشبكات ووضع الخطط لإيصال كل المعونات التي يحتاجها كل أهلنا في غزة لكي يصمدوا على أرضهم، فطالما لا نستطيع نصرتهم والدفاع عنهم فعلينا أن نمدهم بما يعينهم كي يستعيدوا قدراتهم وقواهم، ويثبتوا في الأرض، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، وتستطيع الشعوب أن تذب عنهم.
لعلي أطرح سؤالا لكل من فرح بعودة ترامب: هل ما زلتَ فرِحا بعودته إلى البيت الأبيض وامتلاكه لقوات في كل البحار والمحيطات، وعلى الأرض في محاور التجارة والنفوذ في العالم بعد ما أفصح عنه لا في القضية الفلسطينية وحسب، بل في كل ما عرضنا في المقالين السابقين؟!
لقد استطاع الرجل في شهرين بعد توليه مقاليد منصبه أن يحيي العالم في حيرة من أمره شرقا وغربا، لكن أخشى ما أخشاه أن يكون ترامب هو ذاك الرجل الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم؛ يسلطه الله علينا، فيبعثه فينا يفتنا به، فيجعل الحليم فينا حيران، فلا أرى فرِحا بعودة ترامب إلا الحمقى والدكتاتوريين، وحتى الصنف الأخير بدأوا بالاكتواء بناره.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة ترامب تهجير مصر الليبرالية مصر الاردن امريكا غزة تهجير مقالات مقالات مقالات اقتصاد صحافة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة یبتعد عن فی غزة
إقرأ أيضاً:
لكي تقود العالم..على أوروبا التخلي عن تفكيرها الاستعماري
ثمة شبكة هائلة من اتفاقات التبادل التجاري والمعونات تربط الاتحاد الأوروبي بأكثر من سبعين بلدا. فبوسع الاتحاد أن يصبح لاعبا عالميا مستقلا مهما، بل إن بوسعه أن يزدهر في عالم متعدد الأقطاب. لكن عليه أولا أن ينبذ رؤى العالم ذات المركزية الأوروبية، وينبذ سياسات التساهل، والمعايير المزدوجة.
ثمة نذر مختلطة. لقد أعلنت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، خططا لإقامة «اتحاد أوروبي جديد» قادر على صياغة فعالة لنظام عالمي مختلف. واعترفت بأن «الغرب مثلما عرفناه لم يعد له وجود» وبأنه لا بد للاتحاد الأوروبيين من أن يعتاد على نظام عالمي أشد تعقيدا.
يناصر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «الاستقلال الاستراتيجي» لأوروبا، ويقول المستشار الألماني الجديد فريدريتش ميرتز ـ برغم تصلبه في الإيمان بالسياسات الأطلنطية ـ: أوروبا لا بد أن تستعيد استقلالها عن الولايات المتحدة. وفي خضم هذه الفوضى الجيوسياسية، فإن من الأنباء السارة تزايد الدعم الشعبي للاتحاد الأوروبي حيث يرى فيه الكثيرون من الجنوب العالمي لاعبا جيوسياسيا مهما.
لكن بعض البلاد، من قبيل إيطاليا والمجر وبولندا ودول البلطيق الثلاث لا تزال تتوق إلى الحياة في ظل حماية من الولايات المتحدة. فضلا عن أن بروكسل لم تفند بعد ما قاله وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار متذمرا من ذهنية الاتحاد الأوروبي. فقد قال بعد غزو روسيا لأوكرانيا سنة 2022 إن أوروبا تظن أن «مشاكلها هي مشاكل العالم، ولكن مشاكل العالم ليست مشاكل أوروبا».
يشعر كثيرون في جنوب العالم بالغضب الشديد من عدم إدانة الاتحاد الأوروبي ـ على سبيل المثال ـ للإبادة الجماعية في غزة حتى وهو يشيد بالالتزام بحقوق الإنسان في أوكرانيا. ومثلما قال لي الأكاديمي كارلوس لوبس المقيم في جنوب إفريقيا، وهو مؤلف كتاب صدر أخيرا عن العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإفريقيا، فإن الاتحاد الأوروبي يتمسك بـ«موقف تفوق استعماري» عميق الجذور «يظهر في نوع من فوقية العطف والإيثار».
غير أن الاتحاد الأوروبي يبقى مرتبطا بقواعد التبادل التجاري العالمي، ولديه اقتصاد يسجل نموا متواضعا، ولديه سوق داخلي موحد يتسم بالجاذبية والحيوية. ولقد حان الوقت لترقية علاقات الاتحاد الأوروبي بالجنوب العالمي، ولكن قواعد الاشتباك القديمة بحاجة إلى تغيير عاجل.
تزعم فون دير لاين أن العالم «يتأهب» للعثور على فرص عمل آمنة مع أوروبا تلتزم بسيادة القانون في الوقت الذي ينثر فيه ترامب بذور الفوضى في الأسواق العالمية. ولكنني بتركز عملي الصحفي طوال أغلب حياتي المهنية على علاقات الاتحاد الأوروبي، يتضح لي أن صناع السياسات في الاتحاد لا بد أن يتوقفوا عن الوعظ ويبدأوا في الإنصات. وإلى جانب حماية التبادل التجاري، فإن لدى الاتحاد الأوروبي فرصة لا تسنح إلا مرة في العمر لإعادة تقييم ما لديه من أوراق اعتماد القوة الناعمة، وإن تكن الآن ملوثة بالعنصرية ورهاب الإسلام ومعاداة السامية والهجمات على حقوق النساء.
بعد سنوات من التفاوض، تبدو اتفاقيات التجارة الحرة المحتملة بين الاتحاد الأوروبي وإندونسيا وماليزيا وتايلند والهند مبشرة. ولكن فقط إذا ما سعى المفاوضون الأوروبيون إلى شخصيات من قبيل الرئيس الإندونيسي السابق جوكو ويدودو وهم يواجهون ما يقال إنه قهر من الاتحاد الأوروبي وافتراض من بروكسل بأن «معاييري أفضل من معاييركم». فلقد أبرم الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال أو هو يسعى إلى إبرام اتفاقيات مواد خام مهمة مع بلاد غنية بالموارد من قبيل رواندا وناميبيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. وأوروبا بحاجة إلى حماية تحولها الأخضر والرقمي، لكن هذه الاتفاقيات تنطوي على خطر التحول إلى محض استيلاء استعماري جديد على الموارد: فلا عجب في أن إندونيسيا وبعض البلاد الإفريقية تقاومها.
منذ أن قام ترامب بتفكيك هيئة المعونة الأمريكية، يناضل ناشطون أوروبيون أيضا للحفاظ على تمويل الاتحاد الأوروبي لأضعف بلاد العالم. ولكن ما الأمل الباقي حينما تقوم حكومات الاتحاد الأوروبي ـ ومنها فرنسا وألمانيا ـ بتخفيض ميزانياتها التنموية؟
وفي حين تستمر الجهود للحد من الهجرة إلى قلعة أوروبا بكل تجلياتها القاسية، فإن استراتيجية الاتحاد الأوروبي تثير صراعا عنصريا خطيرا بسبب الاعتماد على طغاة البلاد المجاورة الذين يتلقون أموالا لمنع عبور المهاجرين. تقول لي ياسمين العكرمي خبيرة العلاقات بين أوروبا وشمال إفريقيا إن «الرئيس التونسي اتهم المهاجرين الأفارقة بأنهم جزء من مخطط لتغيير التركيب الديموغرافي لتونس. وحجة الاستبدال الشامل هذه لم تسمع من قبل في شمال إفريقيا».
يمكن أن يبدي الاتحاد الأوروبي أيضا مزيدا من الحزم مع توجيه ترامب ضربات عنيفة لمبادرات التنوع والمساواة والاحتواء. ولكن في حين تسعى حاجة لحبيب، مفوضة المساواة في الاتحاد الأوروبي، إلى تعزيز حقوق المرأة، لم يتم اتخاذ أي إجراء حتى الآن لإحياء قانون مهم لمكافحة التمييز بعد سحبه فجأة في وقت سابق من هذا العام. كما أن سلطة الاتحاد الأوروبي المعنوية تقوضت بقيام ألمانيا ودول أخرى بقمع المتظاهرين المؤيدين لفلسطين.
من نواحٍ عديدة، يتيح ترامب فرصة لصانعي السياسات الأوروبيين. فلديهم الآن فرصة لمراجعة بعض سياسات الاتحاد الأوروبي الأكثر فظاعة، ولإعادة صياغة الاتحاد بشكل حقيقي بوصفه كيانا ذا مصداقية وفاعلية على الساحة العالمية.
وإنني على ثقة من أن تعزيز انخراط الاتحاد الأوروبي مع دول جنوب العالم كفيل بالإسهام في تحقيق استقرار جيوسياسي في عالمنا المضطرب. كما أنه سوف يوفر بديلا مقنعا لدستوبيا ترامب لكن الأمر يتطلب أكثر من محض خطبة تلقيها فون دير لاين أو بعض التفكير التفاؤلي.