(لا خلاف أن بين الهامش والمركز نزاع حتى في أحسن العوائل. فتثور في أمريكا إلى يومنا نزاعات بين الولايات والحكومة الفدرالية ناهيك عن بلد مثلنا بدأ الدولة القومية لتوه. وانفجار هذا النزاع وتلوثه كما نرى من الدعم السريع لا يغير من مشروعية هذا النزاع في يومنا وغدنا. غير أن الحكمة من تلوث هذا النزاع كما نرى فراجعة إلى أن من نظروا له (ومن المركز غالباً) فعلوا ذلك من فوق منصات في الهامش لا يملكون فيها صرفاً ولا عدلاً.
ألم يكن بوسع حركات الواحد منهم السياسية قيادة نزاع المركز والهامش بكفاءة لا تحوجهم إلى "اللجوء" إلى ما لجأوا له؟
أعرض هنا خبرتنا في الإدارة المسؤولة في الحزب الشيوعي لصراع المركز والهامش من سيرة رفيقنا حسن سلامة، السكرتير السياسي للحزب الشيوعي لمديرية كردفان في الخمسينات).
قلت للرفيق يونس الدسوقي في القاهرة إنني ربما قدمت محاضرة عن الزميل حسن سلامة متى قدمت للخرطوم. صمت هوناً وقال: "حسن سلامة الخاتي الملامة." وصمت مرة ثانية. وهذا بعض ما قلته عن هذا الإنسان الوسيم في محاضرة محضورة بدار صحيفة المشاهد نظمها عزيزنا الشاعر شابو ورابطة الكتاب السودانيين. فلهم والحضور من قدامى الأصدقاء والمحاربين معزتي.
كان ميلاد حسن بحي العباسية بأم درمان في 1924 لوالد مهندس من خريجي غردون. وأتاح عمل الوالد بمصلحة المساحة كثير الترحال لحسن أن يرى بقاعاً شتى في السودان. وتربى حسن بحي العصاصير الواقع بين شارعي مكي وأبو روف. وغشي الخلوة واقتصر تعليمه على أولية الأحفاد.
بدأ بالالتحاق بالإخوان المسلمين نحو عام 1939 بدعوة من صادق عبد الله عبد الماجد ومحمد فاضل التقلاوي وعوض عمر من أصدقائه. ونَفر منهم بعد اجتماعين أو ثلاثة لفرط عنايتهم بالعلم الديني بدلاً من استخدام المستحصل منه لحرب المستعمرين. وهذه عقيدة في الممارسة التي تأخذ من التربية حظاً ولا تجعلها محطة انتظار طويلة لا يعرف أحد متى تنتهي ليبدأ النضال لتغيير الواقع. واتجه حسن ينشط في الجمعيات الأدبية ما بين 1941-1943 حيث المحاضرات (يلقيها محمد أحمد محجوب عن الحرب العالمية الأولى ووزير الثقافة العراقي عن النازية) وحلقات محو الأمية وتعليم الإنجليزية. وقد تمخض نشاطهم عن قيام المكتبة لوطنية بدار المرحوم عبيد عبد النور على ميدان البوستة. وكانت الدار تحتشد بالحضور حتى تفيض إلى شارع الشنقيطي يسمع عبر المكبرات للمحاضرين.
ثم صار عضواً بحزب الأشقاء بحكم علاقته الوثيقة بأعضائه الذين كانوا أصلاً أعضاء الجمعية الأدبية لحي السوق، أي جيرانه. ثم انقسم بين جماعة (عبد الرحيم شداد وسنجاوي ومحي الدين البرير) على الأشقاء بسبب من ميكافيلية يحي الفضلي "الذي لا يتورع عن اقتناص أي فرصة في اي اتجاه وبأي سيلة." وكون مع المنشقين حزب الأحرار الاتحاديين. ولم يحظ الحزب بحظ معلوم في عملية الدمج التي تمت للكتل الاتحادية في لقاءات مصر التي رعاها محمد نجيب في 1952. ورد حسن سلامة ذلك إلى بروز اتجاههم اليساري. وقد تمثلت هذه الطاقة الجذرية في صحيفة (الأحرار) الأسبوعية (1943-1944) التي كان صاحب رخصتها المرحوم سنجاوي بينما كان حسن سلامة عقلها المدبر. وكان حسن الطاهر زروق، عضو الأحرار، أحد كتابها. وكذلك أحمد عبد الله المغربي وحسن محمد الأمين وعوض عبد الرازق وكاتب القصة طه عبد الرحمن. وكانت تطبع 3 ألف نسخة تنفد لوقتها. وكان لهذه الطاقة اليسارية وجودها أيضاً بين الأشقاء مثل حسن أبو جبل وخضر عمر وحسن أبو الحسن وميرغني علي مصطفي. ويرد حسن سلامه خروجه من الأحرار إلى تنامي السخط على مواقف الأحزاب من القضية الوطنية. وقد غذى فيه هذا السخط أحمد محمد خير وعفان، محرر "الشباب" (على أنه لم يكن يساري الميول) وحسن أبو جبل.
جرى اتفاق بين الحزب الشيوعي والأشقاء على بداية نشاط سياسي بين المزارعين. والتزم الأشقاء بتوفير السكن لحسن سلامة المبعوث من الحزب لهذه الغاية. ولم يوف الأشقاء بالتزامهم ولقي سلامة العنت بما في ذلك المبيت في دار الأشقاء والاستيقاظ مبكراً حتى لا يُكتشف، والترحل سراً وسيراً على الأقدام. وقد ركز سلامة العمل على بحث قضايا المزارعين وتسليط الضوء عليها بدلاً من المسائل الفلسفية. وعليه فقد توافر على دراسة مجال نشاطهم من حيث جغرافيته واقتصاده وتكويناته القبلية والطائفية. وبنى الحزب جسوراً للمزارعين بواسطة كادر مجند من بين مفتشي الغيط والعمال الزراعيين والمدرسين. وترك حسن الجزيرة "منقولاً" إلى كردفان ودارفور في نحو آخر 1955 ليقود عمل الحزب بهما. وخلفه بالجزيرة كامل محجوب.
لما كان حسن مسؤولاً عن منطقتي دارفور وكردفان اجتمع في أبي جبيهة بجبال النوبة بجماعة من الرعاة. ورأي أحدهم من قبيلة الحوازمة يفك صرة في أمتعته ويخرج له منها جريدة "اللواء الأحمر" الشيوعية. واتضح أنه أمي اشتراها من إحدى القري. وقال إنه يفهم بعضها حين يقرأها له قارئ والذي لا يفهمه يعافر فيه ويجتهد.
قضي حسن مدة سجن بسجن الأبيض في 1953. واتفق مع زملائه للتفرق بين المساجين لاكتساب معارف. وتداخل حسن مع جماعة من الهمباتة ومنهم كباشي اسمه العوني. وكان يضرب الرمل. وقال إنه لم يضرب الرمل يوماً وخاب، وأنه لا يسرق قبل استخارة الرمل. وسأل العوني حسن سلامة عن سبب دخوله السجن. وشرح له حسن دعوتهم الوطنية والعدلية الاجتماعية. فسأله عما أعد لذلك من رباط الخيل والسلاح. فلما أجاب حسن أنه لا يملك منها شيئاً قال العوني: يا حسن النار بتقوم من وين؟ حسن: لا أعرف. العوني: هل حدث أن شبت النار من وسط الموقع؟ حسن: لا أعرف. العوني: يا حسن يا خوي النار بتقوم من الأطراف دحين يا خوي انتو قاعدين في الوسط ومكربين نصكم وتمدو ايدكم للحيطة تلقوا الموية وتلقوا النور، فهل ديل راجيهم يسووا ليك ثورة؟ يا حسن يا خوي أحسن تخلي الكلام الفارغ البتعمل فيهو دا. أنا بمرق من السجن وتعال لي في الكبابيش والله ان داير عمدة بسويك وان داير تبقي تاجر رقيق أنا بسرق ليك انت بيع. والبتدني ليه ادني ليه. وإن داير تبقي تاجر ساكت أنا بديك راسمال وعلى ضمانتي. والله البرشك باللبن ارشو بالدم. وقال له أن لديه خمسة جمال عند مأمور المركز ليست داخلة في السرقة التي دخل السجن من أجلها وصودرت عن طريق الخطأ. قال إنه سيأخذ جمله منها ويهبه البقية. وطلب منه أن يقبل الهبة لأنهم لا يسرقون من المسكين، بل من صاحب الحق، وأنه يصرف من مما يسرق لإعالة أسر من المساكين.
وقد جاء العوني يوماً إلى منزل سلامة بأم درمان حسب وصف تلقاه منه في السجن. وقال حسن إن خطة الهمباتي كانت هي خطة الحزب آنذاك الذي دعا إلى الكفاح المسلح لهزيمة الاستعمار. وعلى هدي كلمة الهمباته رفع حسن سلامة تقريراً إلى الحزب عن فتح جبهة الأرياف. وبعد تداول التقرير استدعاه عبد الخالق وطلب منه أن يكون مسؤولاً عن مديريتي كردفان ودارفور. ومما اغراه بهذا التكليف أنه عمل بالأبيض موظفاً. وقد بنى التنظيم بين الرحل بما يطابق حياتهم وقال إنه وجد "عند اولئك القوم استعداداً غريباً للتعاطي التلقائي مع الفكر الشيوعي لأن نمط حياتهم كان منسوجاً من قماشته."
قال حسن إنه كان بجبال النوبة يوم جاء اليها يوسف عبدالمجيد، الشهير بكمرات (الرفيق بالفرنسية) ولم يزل طالباً. مر يوسف بقبيلة الغلفان وقد تجمعت فرق منها لبناء راكوبة كبيرة مساحتها عشرات الكيلومترات بمناسبة قدوم عبد الله خليل، رئيس الوزراء، للمنطقة. فأبلغ يوسف رفيقه سلامة بالواقعة فذهبا وأخذا معهما أحد شباب الغلفان ويدعى حامد عبد الله لتعبئة واسعة بين الأهالي ضد هذه السخرة. خاطب سلامة ورفيقاه الفرق الغلفانية بحضور ناظرها كنده كربوس وطلبا منهم الانصراف لأن عبد الله خليل لا يستحق أن يبنوا له منزلة بالسخرة. وكان لحديثهم فعل السحر. فرمي كل منهم ما بيده وانصرفوا هاتفين بحياة حزب الحرية. وكانوا يعلمون أنهم شيوعيون. ولما بلغوا الدلنج تم القبض عليهم وأرسل لهم الحزب محامين شابين هما المنشاوي وعلي الطويل. والتحما مع مفتش المركز حول فساد مطلب الحكومة من مواطنيها. ولما رأت الحكومة أن القضية خاسرة حاولت قتلها وأطلقت سراح الثلاثة. ورفض سلامة ورفاقه أن يطلق سراحهم قبل أن يُلغى قانون السخرة. وقد فعل مدير المديرية ذلك بعد حملة قادها الشيوعيون في ليال سياسية في الابيض وكادوقلي والدلنج وأبي جبيهة لوقف بناء منازل الحكومة عن طريق السخرة. وطرحت الحكومة يوماً عطاء لبناء ما ودفع سلامة تاجرين لتقديم عطاءاتهما فإذا رسا العطاء لأحدهما استخدم أبناء النوبة بالأجر. وهذا ما حدث بالفعل. وقد فتحت هذه السياسة الأبواب مشرعة لنفوذ الحزب وسموه حزب الحرية. والتفت الحزب إلى ضريبة الدقنية فألغاها. وقصدوا إلغاء ضريبة القطعان غير أنهم نجحوا في تخفيضها لا غير. وتم عن طريق هذا النشاط تجنيد تسعة من المشائخ والعمد والنظار في صفوف الحزب الشيوعي. ولم يتخل أي من هؤلاء عن أنصاريته مع ذلك.
ibrahima@missouri.edu
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: حسن سلامة عبد الله
إقرأ أيضاً:
داليا مصطفى تتلقى مفاجأة من ابنتها |شاهد
شاركت الفنانة داليا مصطفي جمهورها فيديو جديداً رفقة ابنتها سلمي التى فاجأتها بباقة ورد.
ونشرت داليا مصطفي فيديو عبر حسابها بموقع انستجرام ، وقالت من خلاله: “تخيلوا مين جايبلي ورد .. سلوكا جيبالي احلي ورد”.
وانهالت التعليقات الإيجابية من جمهور داليا مصطفي والتى جاءت كالاتي: “انتى تستاهلي ورد الدنيا كله ، قمرات شبه بعض جدا ، بنتك قمر ما شاءالله”.
حقيقة انفصال داليا مصطفي وشريف سلامةوكان قد تصدّر الثنائى شريف سلامة وداليا مصطفي مؤشرات البحث خلال الفترة الماضية، وذلك بعد انتشار أنباء تفيد بانفصالهما بشكل رسمي دون توضيح أسباب الانفصال، ولم ترد داليا مصطفى على حقيقة الأمر حتى الآن مع التزام شريف سلامة الصمت التام .
أول رد من داليا مصطفى على حقيقة انفصالهاوبدأت القصة عندما ردّت الفنانة داليا مصطفي عن سؤال من أحد متابعيها بخصوص تفاصيل انفصالها عن زوجها الفنان شريف سلامة ، وجاء السؤال كالاتي: “هو انتي اللى طلبتي الطلاق من شريف الأول؟”.
لترد داليا مصطفى فى فيديو عبر حسابها بموقع انستجرام، أنها تستغرب هذا السؤال جدًا وأن الموضوع مجرد شائعة ولا يوجد أي نية فى انفصالها عن زوجها شريف سلامة.
واستكملت داليا مصطفى، معلقة: “مفيش ست أصيلة تطلب من جوزها الطلاق أنا وشريف متجوزين بقالنا 21 سنة وعندنا سلمي وسليم”.
داليا مصطفي ترفض التعليق على سؤال عمرو الليثي بشأن انفصالها عن شريف سلامةوخلال الأسابيع الماضية تصدر خبر انفصال الثنائي مجددًا بعد أن وجه الإعلامي الدكتور عمرو الليثي سؤالاً للفنانة داليا مصطفي خلال حلولها ضيفة ببرنامج "واحد من الناس" علي شاشة الحياة، لماذا انفصلت عن الفنان شريف سلامة على الرغم من أنك قلت على السوشيال ميديا إنه من الصعب أن أنفصل عن زوجي بعد زواج دام لـ 21 عامًا، ولم تنفِ الفنانة داليا مصطفي خبر انفصالها ولكنها التزمت الصمت مضيفة أنه أصعب قرار لم تتخذه حتى الآن لكنها سوف تتخذه قريبًا.
داليا مصطفى فى مسلسل علاقة مشروعةيذكر أن آخر أعمال الفنانة داليا مصطفى مسلسل "علاقة مشروعة" الذي عرض في شهر رمضان الماضي، وحقق نجاحًاكبيرًا منذ عرضه وأعجب به الجمهور، وشاركتها في بطولته الفنانة مي عمر والفنان ياسر جلال.
وجسدت خلال الأحداث دور زوجة الفنان ياسر جلال، وهو زوج لديه اهتمام بالمسئولية تجاه منزله، بالإضافة لامتلاكه حسا رومانسيا مرهف المشاعر، ولديها من النجم ياسر جلال أولاد، ولكن أثناء تربيتهم وتقدمهم في المراحل العمرية، يتعرضون إلى أزمات كبرى تتدور حولها أغلبية تفاصيل العمل، وجسدت الفنانة مي عمر دور صديقتها المقربة.