نقد وتحليل لمقال سمية المطبعجي: أزمة الإعلام السوداني في سياق التحديات الراهنة
تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT
وجدتُ هذا المقال في أحد المواقع الإخبارية السودانية، وأحببتُ أن أشارك رؤيتي حوله، محاولًا تسليط الضوء على القضايا الجوهرية التي طرحها، وإعادة صياغته في شكل مقال متكامل يتناول المشكلات الإعلامية السودانية بطرح جديد ومعالجة أكثر شمولًا.
يمر الإعلام السوداني بأزمة مركبة تتداخل فيها العوامل السياسية، الاقتصادية، والاجتماعية، مما يضعه أمام تحديات جسيمة تعيق أداءه لدوره الحقيقي كسلطة رابعة مستقلة.
أحد أبرز الإشكالات التي تواجه الإعلام السوداني هو فقدان الثقة بينه وبين الجمهور. فالمتابع للمشهد الإعلامي يلاحظ بوضوح الانقسامات الحادة بين المنصات المختلفة، والتي تعكس التوجهات السياسية لأطراف الصراع أكثر من اهتمامها بإيصال الحقيقة. هذا الانحياز أضعف مصداقية الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، ما جعل المواطن يلجأ إلى وسائل إعلام خارجية أو إلى المنصات الرقمية غير التقليدية للبحث عن الأخبار والمعلومات.
إلى جانب ذلك، تعاني الصحافة الورقية من تراجع كبير نتيجة للأزمات الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع تكاليف الطباعة وانخفاض الإعلانات، مما أجبر العديد من الصحف على تقليل عدد صفحاتها أو التوقف عن الصدور نهائيًا. هذا الواقع انعكس على مستوى التغطية الصحفية، حيث باتت الأخبار مقتضبة وغير عميقة، وغابت التحقيقات الصحفية التي تتناول القضايا الجوهرية بعمق وتحليل.
الإعلام الإلكتروني، رغم أنه أصبح البديل الأبرز، إلا أنه لم ينجُ من المشكلات ذاتها، حيث تعاني العديد من المواقع الإلكترونية من ضعف في التمويل، مما يجعلها عرضة للضغوط السياسية والاقتصادية. كما أن انتشار الأخبار المضللة وعدم وجود معايير واضحة للتحقق من صحة المعلومات زاد من حالة التشويش الإعلامي، وجعل الجمهور أكثر عرضة للتلاعب والتأثير الموجه.
أمام هذه التحديات، يصبح السؤال المطروح: كيف يمكن للإعلام السوداني أن يستعيد دوره الحقيقي؟ الإجابة تكمن في ضرورة إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية على أسس مهنية، وتعزيز استقلاليتها عبر تمويل مستدام لا يعتمد على دعم الأحزاب السياسية أو رجال الأعمال ذوي المصالح الخاصة. كما أن التدريب المستمر للصحفيين وتأهيلهم وفقًا لمعايير مهنية عالية سيساهم في تحسين جودة المحتوى المقدم، مما يعزز ثقة الجمهور بالإعلام المحلي.
كذلك، لا بد من تطوير سياسات إعلامية تدعم حرية التعبير مع وضع ضوابط تحمي المهنة من التوظيف السياسي والتضليل الإعلامي. فالإعلام الحر والمسؤول هو الذي يعكس واقع المجتمع بموضوعية، ويؤدي دوره في التنوير وصناعة الوعي بعيدًا عن الاستقطاب الحاد.
في الختام، يمكن القول إن الإعلام السوداني لا يزال أمامه طريق طويل لاستعادة ثقة الجمهور وتحقيق دوره المنشود. لكن ذلك لن يتحقق دون إصلاحات جذرية تشمل الاستقلالية، المهنية، والقدرة على تقديم محتوى إعلامي يعبر بصدق عن تطلعات المجتمع السوداني في الحرية والعدالة والديمقراطية.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الإعلام السودانی
إقرأ أيضاً:
رؤساء مؤسسات إعلامية: التطورات الرقمية تؤثر على المصداقية والثقة
دبي: «الخليج»
ناقش قادة الإعلام العالمي مستقبل القطاع بمختلف مساراته، في عصر الذكاء الاصطناعي، ومدى تأثير التغيرات الرقمية والانقسامات السياسية على مصداقية الأخبار وثقة الجمهور، في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها القطاع على مستوى العالم.
جاء ذلك خلال جلسة بعنوان «حوار مع قادة الإعلام العالمي؟»، ضمن أعمال القمة العالمية للحكومات وشارك فيها كل من السير مارك تومبسون رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشبكة «سي إن إن العالمية»، وألمار لاتور الرئيس التنفيذي لـ«داو جونز» وأندرو سولينجر الرئيس التنفيذي لـ«فورين بوليسي» وجيسيكا سييلي الرئيس التنفيذي لـ«تايم» وأدارها ستيفن بيرتوني، مساعد مدير التحرير في فوربس.
واستعرض المتحدثون دور التكنولوجيا في تطوير صناعة الإعلام وتحديات التغطية الإخبارية في عالم يشهد تغيرات متسارعة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وأكد مارك تومبسون، أن الذكاء الاصطناعي لا يغيّر فقط طريقة إنتاج الأخبار، بل يعيد تعريف مفهوم المخاطر، حيث أصبحت المعلومات والأحداث السريعة بمثابة سلعة يتم التعامل معها بمرونة غير مسبوقة.
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي يسهم في إعادة تشكيل قطاع الإعلام، حيث بات يساعد في فهم أنماط اهتمام الجمهور، وتقديم محتوى مخصص يلبي توقعاتهم بشكل أكثر دقة من أي وقت مضى.
فيما قال ألمار لاتور: إنه كلما زادت التغيرات، زادت الحاجة إلى العودة لأسس الصحافة الجيدة ومهما كانت الوسيلة الإعلامية، يبقى الالتزام بالمعايير المهنية هو نقطة الانطلاق الحقيقية.
وأكد ضرورة التركيز على مبادئ الإنصاف وعدم الانحياز وأشار إلى أن العديد من الأخبار المهمة لا تحظى بالتغطية الإعلامية الكافية بسبب التوجهات السياسية للمؤسسات الإعلامية.
وأضاف: إن تعزيز الثقة بين الجمهور ووسائل الإعلام يتطلب تقديم روايات متوازنة وشفافة، بعيداً عن التأثيرات الأيديولوجية والسياسية.
من جانبها، أكدت جيسيكا سييلي، أن الإعلام الحديث انتقل من الإرث التقليدي إلى الابتكار والتطور التكنولوجي، مشيرة إلى أن الذكاء الاصطناعي بات جزءاً أساسياً من استراتيجيات الإعلام الرقمي، مما مكّن المؤسسات الإعلامية من الوصول إلى جمهور أوسع، خاصة بين فئة الشباب.
وأفاد أندرو سولينجر، بأن وسائل الإعلام الرقمية باتت تعتمد بشكل متزايد على المحتوى البصري والتصوير، حيث أصبح القراء يفضلون الفيديوهات والرسوم البيانية والبيانات التفاعلية على النصوص التقليدية.
وأشار إلى أن الاعتماد المتزايد على التكنولوجيا يسهم في توسيع قاعدة القراء وتعزيز تفاعلهم مع المحتوى الإعلامي، مؤكداً أن المنصات الرقمية يجب أن تستفيد من الابتكارات الحديثة لضمان تقديم محتوى يناسب متطلبات الجمهور الحديث.
وقال: إن المبادئ الأساسية للإعلام، كالإنصاف والموضوعية والمصداقية، لا تزال حجر الأساس للإعلام الناجح، لكن الوسائل التي يتم بها نقل الأخبار تتغير بسرعة غير مسبوقة، مما يفرض على المؤسسات الإعلامية التكيف مع التقنيات الجديدة دون التفريط في أخلاقيات المهنة.
وأجمعت الآراء على أن الصحافة الجيدة ستظل قادرة على جذب الجمهور، شريطة أن تواكب لغة المستقبل، موضحين أن أهدافهم ليس فقط نقل الأخبار، بل تقديمها بأسلوب متطور، يعتمد على أحدث التقنيات مع الحفاظ على المبادئ الصحفية الجوهرية.