سودانايل:
2025-04-14@20:37:30 GMT

التجارة الدولية تتغذى من العجز التجاري الأمريكي

تاريخ النشر: 14th, February 2025 GMT

فِكر وتفكر
د. عمر محجوب محمد الحسين
كانت عشرينيات القرن العشرين بمثابة عقد من النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة بعد سياسة جانب العرض الكلاسيكية. وقع الرئيس الأمريكي وارن هاردينج على التعريفة الجمركية الطارئة لعام 1921 وتعريفة فوردني-ماكومبر لعام 1922. خفضت سياسات هاردينج الضرائب وحمت الأعمال والزراعة الأمريكية.

في أعقاب الكساد الأعظم والحرب العالمية الثانية، جلب مؤتمر الأمم المتحدة النقدي والمالي اتفاقية بريتون وودز للعملة، تلتها اقتصاد الخمسينيات والستينيات. في عام 1971، أنهى الرئيس ريتشارد نيكسون العلاقات الأمريكية مع بريتون وودز 1944م، تاركًا الولايات المتحدة بعملة ورقية دون غطاء، حيث فرض الدولار نفسه على العالم ومكن من فرض السيطرة الكاملة للولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم تخلى نيكسون عن غطاء الذهب كأحد سلسلة التدابير الاقتصادية التي قام بها فيما عرف بصدمة نيكسون عام 1971م، وذلك نتيجة لتسارع نمو الاقتصادين الألماني والياباني، وتأثر الموازنة الفيدرالية الأمريكية بتكاليف الحرب الفيتنامية الباهظة. قد يستغرب البعض من العجز التجاري الأمريكي الضخم الذي بلغ في 2024 م، 78.8 مليار دولار أمريكي، وعجز في الموازنة الفيدرالية الذي يبلغ 257.5 مليار دولار؛ كيف للحكومة الأمريكية البقاء وسط هذا العجز؟.
نُذكِر هنا بما رواه الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين واسمه الحقيقي "صمويل لانغهورن كليمنس" في كتابه "The £1,000,000 Banknote"، حيث روى قصة متراهنين اثنين أحدهما قال إذا اشتهر شخص بأنه غنى فلن يحتاج لأن يشتري أي شيء نقدا، لأن الكل مستعد لقيد المبالغ على الحساب، وعارضه الآخر، واتفقا على إجراء تجربة عملية، ودبرا صك مبلغ مليون جنيه إسترليني لأحد المحتالين الذين يتسكعون في شوارع لندن، الذي طفق يشترى دون أن يدفع أو يطالبه أحدا بالدفع حتى فُقِد الشيك وانتشر خبره في لندن ومن ثم توقف البيع لذلك المحتال.
هناك مشاكل كبيرة مرتبطة بالعجز التجاري منها تراكم الديون حيث تلجأ الدول إلى تمويل العجز التجاري بالاقتراض من المقرضين الأجانب، مما يزيد من الدين الوطني، أيضا تتقلص الوظائف حيث تتقلص الصناعات المحلية بسبب المنافسة من الواردات الأرخص، مما يزيد من البطالة، يؤدى العجز التجاري المستمر إلى انخفاض قيمة العملة مما يجعل الواردات أكثر تكلفة وقد يؤدي إلى التضخم، يمكن أن يؤدي الاعتماد المفرط على السلع والخدمات الأجنبية إلى جعل الدولة عرضة للصدمات الخارجية (على سبيل المثال، اضطرابات سلسلة التوريد) وسلاسل التوريد الخاصة بالسلع المصنعة يعتبر أحد المحركات الرئيسية للازدهار الاقتصادي واضطرابها يعنى تراجع اقتصادي، يمكن أن يؤدي العجز التجاري الكبير إلى إبطاء النمو الاقتصادي، لأنه يمثل تسربًا للإنفاق المحلي إلى الاقتصادات الأجنبية.
معروف اقتصاديا أن العجز يتم تغطيته من خلال تمويل العجز من احتياطي العملات الصعبة أو الذهب، أو بيع سندات، أو من الاقتراض من دول أخرى، أو تلقى مساعدات. وإذا كان اقتصاد الدولة منهارا والعجز يتصاعد بوتيرة كبيرة ومستمرة تفقد عملة تلك الدولة قيمتها وتتراجع امام الدولار والعملات الرئيسة لمستويات قياسية؛ لكن السؤال لماذا لا يحدث ذلك في الولايات المتحدة الامريكية؟
انتقل ميزان التجارة للولايات المتحدة إلى عجز كبير منذ أواخر التسعينيات، وخاصة مع الصين ودول آسيوية أخرى. وقد صاحب ذلك نسبة ادخار منخفضة نسبيًا ومستويات عالية من ديون الحكومة والشركات. ويستمر الجدل حول أسباب وتأثيرات هذا العجز التجاري، وطبيعة أي تدابير مطلوبة استجابة لذلك.
إن تدهور وضع الاستثمار الدولي الصافي للولايات المتحدة (NIIP) تسبب في إثارة القلق بين خبراء الاقتصاد بشأن آثار الاستعانة بمصادر خارجية وارتفاع العجز التجاري الأمريكي على المدى الطويل، وكان آخر فائض تجاري لدى الولايات المتحدة الامريكية في عام 1975م. ارتفع العجز التجاري الأمريكي وعجز الميزانية المالية والديون الفيدرالية إلى مستويات قياسية بعد عقود من تنفيذ سياسات التجارة الحرة الأمريكية غير المشروطة أو الأحادية الجانب والاتفاقيات التجارية الرسمية، حيث ارتفع العجز التجاري الأمريكي الإجمالي بنسبة 14 % في عام 2024 إلى 1.2 تريليون دولار وكان هذا أعلى مستوى له على الإطلاق.
قد تنخفض قيمة الدولار الأمريكي عادة أو تضعف أثناء العجز التجاري، لكنه يتعزز في بعض الحالات. هناك العديد من المتغيرات التي تؤثر على أسعار الصرف بالإضافة إلى ميزان المدفوعات. وتشمل هذه المتغيرات تدفقات الاستثمار إلى بلد ما، والنمو الاقتصادي، وأسعار الفائدة، والسياسات الحكومية. العجز التجاري عادة ما يكون بمثابة رياح معاكسة سلبية للدولار الأمريكي، لكن الدولار تمكن من الارتفاع بسبب عوامل أخرى.
العجز في الميزان التجاري لا يشكل مشكلة للولايات الامريكية بحسب أن وارداتها وصادراتها هي بالدولار الأمريكي، وهذا يعنى أن العجز ما هو إلا مجرد عجز في كمية الأموال، والدولار عملة مسيطرة ومقبولة في كل انحاء العالم، لذلك كل الأموال بالدولار المتداولة حول العالم ما هي إلا قيمة العجز التجاري الأمريكي على مدى عقود، وكلما زاد العجز زادت تلك الأموال بالدولار المتداول، وهناك نقطة مهمة وهي أن العجز في موازين الدول الأخرى يتم تغطيته بالدولار كما ان أي انخفاض لعملة هو في الأساس فائدة للمستورد الأمريكي، من جانب آخر علاقة الدولار بالنفط قوية جدا فاذا انخفضت قيمته مقابل الدولار ترتفع قيمة الدولار أمام العملات الأخرى بسبب زيادة الطلب عليه. يؤدي الطلب المتزايد على الصادرات الأمريكية إلى استبدال المزيد من العملات الأجنبية بالدولار وهذا يزيد من سعر صرف الدولار نسبة إلى العملات المعنية. من الناحية النظرية يجب أن تكون النتيجة عجزًا تجاريًا يتم إعادته إلى التوازن ولكن نادرًا ما يتم ذلك بشكل أنيق. الطلب أو نقص الطلب على سلع دولة ما مدفوع بعوامل أخرى غير سعر الصرف. حافظ الدولار على قوته على مر السنين على الرغم من العجز التجاري لعدة أسباب، الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية العالمية. يُستخدم الدولار لتسهيل المعاملات التجارية بين البنوك المركزية والشركات، تقوم اقتصادات الأسواق الناشئة عادةً بتسعير سنداتها أو ديونها الحكومية بالدولار لأن عملات البلدان النامية عادةً ما تكون غير مستقرة. كما يتم تسعير العديد من السلع الأساسية بالدولار بما في ذلك الذهب والنفط الخام. توفر كل هذه المعاملات المقومة بالدولار دفعة أو أرضية صلبة لسعر صرف الدولار مقابل العملات الأجنبية الأخرى.، أيضا تدفقات رأس المال الاستثماري لاعب أساسي في قوة الدولار، حيث يؤدي الطلب العالمي الضخم على سندات الخزانة الأمريكية التي تحتفظ بها الشركات والمستثمرون والبنوك المركزية إلى تدفقات رأس المال القادمة إلى الولايات المتحدة من دول أخرى. تقوم شركات الاستثمار الأجنبية بتحويل عملاتها المحلية إلى دولارات أمريكية لشراء سندات الخزانة أو الأصول الأخرى الموجودة في الولايات المتحدة. هذا كله يفسر تحذير الرئيس ترامب للدول الأعضاء في مجموعة البريكس من استبدال الدولار كعملة احتياطية وعملة تداول. لا شك أن التخلي عن الدولار من دول ذات اقتصادات كبيرة سوف يشكل خطرا كبيرا على الولايات المتحدة الامريكية، خاصة هناك اتجاهات نحو تقليل الاحتياطيات من الدولار وزيادة احتياطيات العملات الأخرى والذهب، يشار إلى أن احتياطيات الولايات المتحدة من النقد الأجنبي 35.8 مليار دولار في نوفمبر2024م حسب سي آي أس داتا CEIS Data وهي أقل من غيرها من الدول التي تأتى في المراكز العشر الأولى عالميا، ولكن تظل الولايات المتحدة الامريكية صاحبة أكبر احتياطي من الذهب في العالم رغم عجز الميزان التجاري. من جانب آخر وحسب رأى عدد من خبراء الاقتصاد، فإن العجز التجاري أصبح كبش فداء، وهم يزعمون أن العجز التجاري ليس في حد ذاته مشكلة للاقتصاد الأمريكي، وذلك لأن العجز التجاري الكبير قد يكون نتيجة للاقتصاد قوى، حيث ينفق المستثمرون ويستوردون أكثر في حين تعمل أسعار الفائدة على تمويل المستثمرين ويحرصون بشكل أكبر على استثمارهم في الولايات المتحدة.

omarmahjoub@gmail.com

   

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الامریکیة العجز التجاری الأمریکی فی الولایات المتحدة أن العجز عجز فی

إقرأ أيضاً:

خريف السياسة التجارية الأمريكية

لماذا فرض ترامب رسومًا جمركية مرتفعة على جميع شركاء أمريكا التجاريين تقريبًا؟
الأسباب التي ذكرها ترامب وإدارته هي أن هذه الدول تستغل الولايات المتحدة بتصديرها إلى أسواقها أكثر مما تشتريه من أمريكا، وتستخدم رسومًا جمركية مرتفعة وحواجزا تجارية أخرى للحد من الصادرات الأمريكية إلى أسواقها.

– برر ترمب الجمارك التي فرضها علي شركاء أمريكا التجاريين بانها من باب المعاملة بالمثل، لان هذه الدول تفرض جمارك علي الصادرات الأمريكية وتضع عقبات أخري تضر بها. فمن جمرك الصادرات الأمريكية بما يعادل س أو ص في المئة، يجمركه ترمب بمثلها.

لكن هذا المنطق خاطئ تمامًا من جميع جوانبه للأسباب التالية:
– أولًا، العجز التجاري الثنائي مع دولة واحدة لا يعني شيئًا (العجز التجاري هو ما تستورده أمريكا من الدولة مطروحًا منه ما تصدره إلى سوقها). على سبيل المثال، لنفترض أن الكونغو تصدر الكوبالت إلى أمريكا ولا تستورد أي شيء مصنوع في أمريكا. هل يُمثل هذا مشكلة لأمريكا؟ لا. لا يزال بإمكان أمريكا تصدير فول الصويا إلى اليابان وتغطية عجزها التجاري مع الكونغو من هذا المصدر. أو كما قال بوب سولو: “لدي عجز تجاري مع الحلاق” – بمعنى أنه يشتري خدمات الحلاق لكنه لا يبيعه شيئًا. بالطبع، عوّض بوب عجزه التجاري مع الحلاق ببيع خبرته للجامعات والشركات والحكومات.

– لكن ماذا عن العجز التجاري الكلي، وهو إجمالي العجز مع جميع الدول؟ في هذه الجبهة، تشخيص ترامب للعجز خاطئ تماما. لأن العجز لا ينجم عن التعريفات الجمركية أو الحواجز التجارية التي تفرضها الدول علي صادرات أمريكا. إذ تشير صيغة حساب الدخل القومي القياسية إلى أن العجز التجاري يساوي تمامًا الفرق بين المدخرات والاستثمارات – ونعني هنا إجمالي المدخرات، سواءً كانت من قِبل الحكومة أو الشركات أو المواطنين العاديين. هذه النتيجة متطابقة أو حقيقة رياضية، صحيحة في كل الظروف – يمكنني تقديم الاشتقاق الرياضي لهذه المتطابقة ولكن أي طالب كان منتبهًا خلال سنوات دراسته الجامعية سيكون قادرًا على القيام بذلك. ببساطة تقول المتطابقة أن الدولة التي تستثمر أكثر مما تدخر لابد أن تعاني من عجز تجاري بنفس القيمة- نقطة سطر جديد.

– أيضا تشير فرضية العجز المزدوج إلى وجود علاقة بين العجز المالي للدولة (الإنفاق الحكومي الذي يتجاوز الإيرادات) وعجز حسابها الجاري (الواردات التي تتجاوز الصادرات إضافة إلي متغيرات أخري لا داعي للدخول فيها لغرض هذا المنشور – أو بتبسيط للميزان التجاري حتي لا ندخل في تفاصيل يتوه معها القارئ) . في جوهرها، تفترض النظرية أن عجزًا أكبر في ميزانية الحكومة أن يؤدي إلى عجز أكبر في الحساب الجاري.

– هذا الاستثمار الذي يفوق المدخرات يعني وجود أجانب مستعدون لاستثمار ثرواتهم في الاقتصاد الأمريكي، ما يعني أن أمريكا تحصل على كميات كبيرة من رأس المال الأجنبي الرخيص الذي يساعدها على الازدهار أو الإسراف في الصرف العسكري.

– لكن زيادة الاستثمار على المدخرات في أمريكا تعني أيضًا انخفاض إجمالي مدخرات الأمريكيين. وعندما نقول إن مدخرات جهة ما منخفضة، فهذا يعني أنها تستهلك أكثر من اللازم أو أن إستهلاكها مرتفع. تُظهر الدراسات الإحصائية أن مشكلة انخفاض إجمالي المدخرات الأمريكية سببها الحكومة، وليس المواطنين أو الشركات الأمريكية. على سبيل المثال، يبلغ عجز ميزانية الحكومة الفيدرالية الأمريكية حاليًا حوالي 7% من ناتجها المحلي الإجمالي، وهو عجز ضخم. وصل هذا العجز إلى 1.8 تريليون دولار في عام 2024. وإذا أضفنا العجز الذي تعاني منه حكومات الولايات والحكومات المحلية، فإن الصورة تزداد قتامة.

– لذا، فإن تشخيص ترامب خاطئ، فالعجز التجاري الأمريكي سببه السياسات المالية الأمريكية، وليس جشع الأجانب. والأسباب الرئيسية لعجز الميزانية الأمريكية هي انخفاض الضرائب على الأغنياء وارتفاع الإنفاق العسكري والأمني. ولا تُبدي إدارة ترامب أي اهتمام بفرض ضرائب على الأغنياء أو خفض الإنفاق العسكري، الذي يبلغ تريليون دولار في مقترح ميزانية ترامب، بانتظار موافقة الكونغرس.

– إذن، لن تُحلّ رسوم ترامب الجمركية مشكلة العجز التجاري، ولكن هل هناك أي مكاسب مُحتملة لإدارة ترامب؟ نعم، يأمل ترامب أن تُعطيه الرسوم الجمركية نفوذً أو كرت ضغط يُمكنه من التفاوض بشأنها مع كل دولة على حدة. ويمكن لترامب أن يطلب من كل دولة تقديم تنازلات مقابل خفض الرسوم. – وقد يطلب من بعض الدول أن تعطيه أعز ما تملك. ربما تُقدّم له بعض الدول الصغيرة والمتوسطة تنازلات طفيفة، لكن الدول والكتل الكبرى لن تُقدّم له الكثير. وستتلكأ الكثير من الدول قبل التنازل الأهم الذي سيطلبه ترامب: فك الارتباط بالصين بتقليص العلاقات الاقتصادية والسياسية. على الأرجح، سيحدث العكس، حيث ستُعزّز الدول والكتل التجارية علاقاتها مع الصين كبديل أو كحماية من أمريكا التي أثبتت أنها شريك متقلب، وصعب، ومُسيء، يصعب الوثوق به.

– كما ذُكر سابقًا، ستفشل الأهداف المعلنة لسياسة ترامب التجارية. لكنها لا تزال حدثًا هائلًا، أو كما يُطلق عليه الاقتصاديون “صدمة”. في الواقع، إنها واحدة من أكبر الصدمات التي لحقت بالاقتصاد العالمي في العصر الحديث. فما هي عواقب هذه الصدمة؟ فيما يلي بعض العواقب المتوقعة، ولكنها ليست كل القصة:

– هل سيدفع الأجانب الرسوم الجمركية كما يزعم ترامب؟ الإجابة الأولية هي لا. الرسوم الجمركية هي ضريبة تُفرض على السلع المستوردة، تُدفع عند حدود الدخول، ويتحملها المستورد وليس المُصدّر. لكن هذا ليس نهاية المطاف. بعض المُصدّرين لن يُغيّروا سعر سلعهم استجابةً للرسوم الجمركية، وفي هذه الحالة سيدفع المستهلك الأمريكي القيمة الكاملة للرسوم.

لكن بعض المُصدّرين قد يُخفّضون السعر الذي يفرضونه على المُستوردين للحفاظ على سعر معقول لمنتجاتهم في الأسواق الأمريكية، وذلك للحفاظ على حصتهم السوقية. في هذه الحالة، سيدفع المُصدّر الأجنبي جزءًا من الرسوم الجمركية، وسيدفع المستهلك الأمريكي جزءًا آخر. لكن على الأرجح، سيدفع المستهلك الأمريكي النسبة الأكبر من الرسوم الجمركية.
– من المُرجّح أن يُخفّض ترامب الرسوم الجمركية، لكنه لن يُعيدها إلى ما كانت عليه سابقًا – حوالي 2% في المتوسط . قبل تجميد الرسوم الجمركية لمدة تسعين يومًا، قُدّرت الرسوم الجمركية بمتوسط 24% مُقارنةً بـ 2% قبل صدمة ترامب.

– لكن بما أن الرسوم الجمركية لن تعود إلى متوسط 2%، فهذا يعني أن الحكومة الأمريكية ستحصل على إيرادات أكبر، وسيستخدم ترامب هذه الإيرادات الإضافية في إدامة إنخفاض الضرائب على الأغنياء التي ستنتهي مدتها في خواتيم هذا العام، أو حتى خفضها إلى مستويات أدنى. بمعنى آخر، لن يستخدم ترامب إيرادات الرسوم الجمركية لخفض عجز الموازنة الأمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يقلل العجز التجاري وفقًا لمنطق المتطابقة المحاسبية الموضح أعلاه.

– وبما أن الرسوم الجمركية سيدفعها جميع المستهلكين، بمن فيهم أفقر الفقراء، وأن إنخفاض الضرائب ستعود بالنفع على الأغنياء، فهذا يعني أن العبء الضريبي على الفقراء سيزداد لأنهم ينفقون نسبة أكبر من دخلهم على السلع المستوردة مقارنة بالأغنياء. والنتيجة النهائية هي توزيع أسوأ للدخل القومي لصالح الأغنياء. وهذا سيُرضي ترامب والمليارديرات من حوله.
– ستنخفض الصادرات الأمريكية، حيث سترد دول أخرى على ترامب بفرض رسومًا جمركية مماثلة على الصادرات الأمريكية. وهذا سيضر بشركات التصدير الأمريكية والعمال على حد سواء.

– أيضا ستعاني الشركات الأمريكية، سواءً كان إنتاجها موجها للأسواق المحلية أو الخارجية، لأن الكثير من المدخلات التي تستخدمها في عمليتها الإنتاجية مستوردة، ما يزيد من تكلفتها بسبب الرسوم الجمركية. هذا يعني ارتفاع تكلفة الإنتاج، وانخفاض الأرباح، وبالتالي انخفاض الاستثمار، وانخفاض فرص العمل، وضغطًا على أجور ورواتب الطبقات العاملة والمتوسطة.
كيف حسبت إدارة ترامب الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضتها على كل دولة؟

– حسبت إدارة ترمب نسبة الجمارك/العقبات التي تضعها كل دولة علي الصادرات الأمريكية بعملية حسابية بسيطة: أخذت عجز الميزان التجاري للولايات المتحدة في السلع مع تلك الدولة، وقسمته على إجمالي واردات السلع من تلك الدولة، ثم قسمت الناتج على اثنين. والناتج هو نسبة الجمارك الإضافية التي فرضها ترمب – (العجز التجاري مع دولة يعني الفرق بين ما تصدره أمريكا لتلك الدولة وما تستورده منها).

– وهذه طريقة جديدة تماما لتقدير نسبة الجمارك والعقبات التجارية التي تضعها دولة للحد من صادرات دولة أخري ما أنزل الله بها من سلطان وإطلاقا لم يسمع بها أي إقتصادي ولم ترد في أي مرجع ولا في أي دراسة ولا حتي في ونسة شفع في المدرسة الثانوية التجارية.
– شبه الإقتصادي الأمريكي دين بيكر المعادلة التي إستخدمتها إدارة ترمب لتشخيص أسباب العجز التجاري الأمريكي برجل ذهب إلي دكتور للفحص. فما كان من الطبيب إلا أن قسم طول الرجل على تاريخ ميلاده ، فظهرت النتيجة التي قرر الدكتور أنها أعلى بكثير من الحد الصحي . وبناء علي هذا الرقم أخضع الدكتور الرجل المريض لوصفات علاجية بنفس الدقة العلمية التي مارسها في التشخيص. استنتج بيكر أن هذا الرجل بحاجة إلي طبيب جديد أو هو طريق الهلاك.

– باختصار، ما نراه هو سياسة اقتصادية فاسدة تمامًا، تتشير إلي أن الإمبراطورية الأمريكية قد دخلت مرحلة الخرف ولكن خرف الفيل مرعب أكثر من كونه مسليا إذ أن الضرر لن يقتصر على أمريكا وحدها. ولكن علي المدي المتوسط والطويل ستدفع أمريكا الثمن الأكثر فداحة لتسارع وتائر تراجع نفوذها الأقتصادي والتكنولوجي والسياسي حول العالم.

– كان مسرح العبث سيكون مسليا ومضحكا لولا أن أمريكا قوة ضاربة جبارة لو عطست أصابت أركان العالم من عطستها زوابع.

معتصم أقرع.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • محافظ البنك المركزي يتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية
  • الصين تدعو الولايات المتحدة الى "إلغاء كامل" للرسوم الجمركية
  • في النزاع التجاري الأمريكي الصيني.. أين موقعنا؟
  • وزير الطاقة الأمريكي: الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والسعودية يقترب
  • الصين تحث الولايات المتحدة على إلغاء "التعريفات المتبادلة"
  • خريف السياسة التجارية الأمريكية
  • الولايات المتحدة الأمريكية تعرب عن شكرها لسلطنة عُمان
  • الولايات المتحدة تسعى لإبرام 90 اتفاقًا في 90 يومًا لإنهاء التوترات... وسط شكوك وعقبات
  • "سياسات ترامب" تهدد هيمنة الدولار الأمريكي
  • القضاء الأمريكي يحكم بترحيل الناشط الفلسطيني محمود خليل من الولايات المتحدة