على الرغم من تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تبقى المكسيك شريكا اقتصاديا لا غنى عنه للولايات المتحدة، حيث ترتبط أسواقهما وسلاسل التوريد بعلاقات تجارية وثيقة تدعم ملايين الوظائف الأميركية.

تقول الباحثة فانيسا روبيو-ماركيز في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني إنه في أول أسبوعين من ولايته الثانية، أصدر ترامب وابلا من الأوامر التنفيذية، مما وضع أميركا الشمالية على حافة حرب تجارية شاملة.

وعلى الرغم من أن مكالمة ترامب مع نظيرته المكسيكية، الرئيسة كلاوديا شينباوم، أوقفت مؤقتا فرض رسوم جمركية كارثية بنسبة 25 بالمئة، يجب أن تستعد المكسيك لسنوات مضطربة قادمة.

وتضيف روبيو- ماركيز أن قدرة شينباوم على إيقاف الرسوم مؤقتا تُظهر أن المكسيك تمتلك موقفا تفاوضيا قويا، ولن تضطر إلى الرضوخ بالكامل لمطالب ترامب.

وأشار ترامب إلى تغيير حاد في السياسة بشأن ثلاث قضايا حدودية رئيسية، هي التجارة والهجرة وتهريب المخدرات، مما يهدد العلاقة بين الولايات المتحدة والمكسيك، شريكها التجاري الأول، كما يضع مستقبل أميركا الشمالية كثاني أكبر كتلة تجارية في العالم على المحك.

وبحسب وكالة الأنباء الألمانية، تقول روبيو-ماركيز إن التحول الانعزالي الحاد لترامب وإعادة تشكيل سلاسل التوريد يقلبان النظام العالمي الراسخ، ومن المرجح أن يؤدي ذلك إلى مشهد جيوسياسي مختلف تماما خلال العقد القادم. ومع ذلك، ستظل المكسيك عنصرا حاسما في المصالح الأميركية، وهو ما يجب أن تتذكره الحكومة المكسيكية أثناء تحديد كيفية التعامل مع ترامب.

واكتسبت العلاقة التجارية بين الولايات المتحدة والمكسيك بُعدا جديدا في ظل حكم ترامب، وأصبحت تنقسم إلى مستويين متميزين.

الأول هو تهديد ترامب بفرض رسوم جمركية، والتي يبدو أنه يستخدمها كأداة لانتزاع تنازلات في مجالات أخرى، مثل الهجرة وتهريب المخدرات. وينبع هذا أيضا من سوء الفهم القائل بأن العجز التجاري الأميركي مع المكسيك يُشكل "إعانة" للمكسيك، بدلا من كونه منفعة استهلاكية للمواطنين الأميركيين. أما المستوى الثاني، فهو العلاقة التجارية التقليدية، التي ستبلغ ذروتها العام المقبل مع إعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا، التي كانت تُعرف سابقا باتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) .

وتُظهر المكالمة الناجحة التي أجرتها شينباوم مع نظيرها الأميركي أن الحكومة المكسيكية وجدت طريقة فعالة للتواصل مع ترامب.

وبذلك، يُمكن للبلدين العمل معا لتحقيق أهدافهما المشتركة فيما يتعلق بالهجرة والمخدرات، مما يتيح تجنب الرسوم الجمركية مستقبلا. كما يجب أن تشمل هذه الشراكة قضية ثالثة ذات أهمية كبيرة للمكسيك، وهي تدفق الأسلحة عبر الحدود الجنوبية إلى داخل المكسيك، مما يمنح منظمات تهريب المخدرات قوة نارية هائلة.

والأهم من ذلك هو أن قدرة شينباوم على إيقاف الرسوم مؤقتا تُظهر أن المكسيك تمتلك موقفا تفاوضيا قويا، ولن تحتاج إلى الرضوخ بالكامل لمطالب ترامب.

وترى روبيو-ماركيز أن الخطوة الحاسمة التالية هي تقييم تهديد الرسوم بشكل صحيح. وما نوع التعاون الذي سيضمن إبقاء المكسيك خارج دائرة الرسوم؟ وكيف سيتم قياس جهود التعاون أو نجاحها؟ والعديد من الإجراءات الرامية إلى الحد من تهريب المخدرات والهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة قد تستغرق سنوات قبل أن تؤتي ثمارها، فكيف سيؤثر ذلك على أي قرار بإعادة فرض الرسوم؟

وتضيف أن طمأنة الحكومة الأميركية بشأن الموقف الحازم للمكسيك ضد عصابات المخدرات سيتطلب على الأرجح مستوى جديدا من تبادل المعلومات الاستخباراتية في الاتجاهين. فقد صنّف ترامب هذه الكارتلات كمنظمات إرهابية أجنبية، في حين أعلن أن حكومة المكسيك في "تحالف غير مقبول" معها.

مثل هذه الادعاءات غير المدعومة، إذا أُخذت على محمل الجد، قد تُهدد السيادة المكسيكية بعدة طرق. فقد تشمل الإجراءات الأميركية المحتملة تنفيذ ضربات خارج الحدود (سواء عبر الطائرات المسيّرة أو بوسائل أخرى)، وتجميد الأصول المكسيكية، واحتجاز مواطنين مكسيكيين، بمن فيهم مسؤولون، من خلال عمليات ميدانية غير مصرح بها أو غير منسقة.

ويجب أن تظل هذه الإجراءات خطا أحمر بالنسبة للمكسيك. ويمكن للمكسيك أن تُشير في الواقع إلى تقدم واضح في جهودها لمكافحة الهجرة غير الشرعية والقضايا الأمنية المرتبطة بالمخدرات. ففيما يخص الهجرة، أدت جهود المكسيك لتعزيز حدودها الجنوبية وزيادة عمليات اعتراض المهاجرين في أماكن أخرى إلى تحسينات ملحوظة.

ووفقا لهيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية، انخفضت حالات اعتراض المهاجرين عند الحدود البرية بين الولايات المتحدة والمكسيك بأكثر من 60 بالمئة بين ديسمبر 2023 وديسمبر 2024، أي قبل تنصيب ترامب.

علاوة على ذلك، أشارت شينباوم إلى أنها ستتعاون مع جهود ترامب في عمليات الترحيل. فقد أعلنت حكومتها عن استراتيجية طموحة ومعقدة لإعادة المواطنين المُرحَّلين تحت اسم "المكسيك تحتضنك"، وتهدف إلى تقديم المساعدة القانونية، وتوفير وسائل النقل إلى الوطن والإقامة والتحويلات النقدية للمكسيكيين المرحَّلين. كما صرحت بأن المكسيك ستقبل أيضا المرحلين من دول أخرى.

وكما تم الاتفاق خلال المكالمة الرئاسية، نشرت المكسيك على الفور 10 آلاف فرد من الحرس الوطني على الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.

وتقول روبيو-ماركيز إنه بالإضافة إلى سياسة شينباوم الأمنية الجديدة، هناك عاملان أساسيان لتحقيق تقدم في قضية كارتلات المخدرات.

الأول هو بناء علاقة ثنائية قائمة على الثقة والشفافية، تشمل تبادلا واسع النطاق للمعلومات الاستخباراتية وزيادة عمليات تسليم أفراد الكارتلات إلى الولايات المتحدة. أما العامل الثاني، فهو اعتراف الولايات المتحدة واتخاذها إجراءات حقيقية بشأن الارتفاع الحاد في الطلب المحلي على المخدرات، وأزمة تهريب الأسلحة الجماعي من الولايات المتحدة إلى المكسيك. إذ تُشير البيانات الصادرة عن حكومتي البلدين إلى أن أكثر من 70 بالمئة من الأسلحة الموجودة في مسارح الجرائم بالمكسيك يمكن تتبع مصدرها إلى الولايات المتحدة، فيما تعبر مئات الآلاف من الأسلحة غير القانونية الحدود كل عام.

وتشكل التجارة الأميركية مع المكسيك وكندا جزءا كبيرا من الوظائف في الولايات المتحدة، كما تدعم صناعات أميركية حيوية مثل السيارات والزراعة والطاقة.

وفي عالم متعدد الأقطاب، حيث تصبح التحالفات الاقتصادية والسياسية القديمة أقل استقرارا، سيكون التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وجاريها الوحيدين أمرا حاسما للحفاظ على قوة أميركا.

وتخلص روبيو-ماركيز إلى أن على ترامب أن يتذكر هذه الحقيقة، وفي السنوات المضطربة القادمة، قد يكون على المكسيك أن تذكره بها.

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات ترامب كلاوديا شينباوم رسوم جمركية المكسيك التجارة أميركا الشمالية سلاسل التوريد المعلومات الاستخباراتية المساعدة القانونية والتحويلات النقدية التجارة الأميركية وكندا الوظائف السيارات قوة أميركا ترامب رسوم ترامب رسوم ترامب التجارية رسوم ترامب الجمركية المكسيك المكسيك وترامب ترامب كلاوديا شينباوم رسوم جمركية المكسيك التجارة أميركا الشمالية سلاسل التوريد المعلومات الاستخباراتية المساعدة القانونية والتحويلات النقدية التجارة الأميركية وكندا الوظائف السيارات قوة أميركا أخبار أميركا بین الولایات المتحدة والمکسیک

إقرأ أيضاً:

الصين تدعو الولايات المتحدة لخفض نفقاتها العسكرية

أكدت الصين اليوم الجمعة، أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تبادر إلى خفض نفقاتها العسكرية، غداة إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه يريد إجراء محادثات مع موسكو وبكين بشأن خفض متبادل بين القوى الثلاث للإنفاق الدفاعي.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية غو جياكون في مؤتمر صحافي دوري، "بما أن الولايات المتحدة تنادي بـ(شعار) (أمريكا أولاً)، يتعيّن عليها أن تأخذ زمام المبادرة وتكون قدوة وتخفض نفقاتها العسكرية". 

???? ترامب يأمل في التوصل إلى اتفاق مع روسيا والصين لخفض التصعيد العسكري وخاصة في المجال النووي

قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي: "سألتقي بالصينيين، وسألتقي بالروس، وسنرى إذا كان بإمكاننا تهدئة الوضع، وإذا كان بإمكاننا خفض… pic.twitter.com/SXoYIJfHWR

— Sputnik Arabic (@sputnik_ar) February 14, 2025

والخميس، أعلن الرئيس الأمريكي أنه يريد عقد قمة مع الرئيسين الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، "ما أن تهدأ الأمور بعض الشيء".

وقال، "أريد أن اقول لهما: فلخفض موازنتنا العسكرية بالنصف".

ورداً على سؤال بهذا الشأن الجمعة، قال غو جياكون إن الولايات المتحدة لديها أكبر ميزانية عسكرية في العالم، مشيراً إلى أن "ميزانية الصين العسكرية مفتوحة وشفافة. وهي معقولة ومناسبة مقارنة بالولايات المتحدة والقوى العسكرية الكبرى الأخرى". 

اعلى 5 دول في العالم من حيث ميزانية العسكرية لعام 2025:
(بالمليار دولار)

1-????????الولايات المتحدة: 895
2-????????الصين: 266
3-????????روسيا: 126
4-????????الهند: 75
5-????????السعودية: 74#infoflix

— InfoFlix ???? (@InfoFlixx) February 4, 2025

وأكد أن "النفقات المحدودة للصين في مجال الدفاع، ضرورية تماماً لحماية السيادة الوطنية والأمن والمصالح التنموية، إضافة إلى حماية السلام في العالم".
وفيما دعا ترامب الخميس القوى الثلاث إلى البدء في خفض ترسانتها النووية أيضاً، رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بالإشارة إلى أن واشنطن وموسكو تتحمّلان "مسؤولية خاصة ورئيسية في مجال نزع السلاح النووي"، باعتبارهما الدولتين اللتين تملكان أكبر ترسانات نووية.

وقال إن "الصين تحافظ دائماً على قوتها النووية عند الحد الأدنى المطلوب للأمن القومي، ولا تشارك في أي سباق للتسلّح مع أي دولة كانت".

مقالات مشابهة

  • الصين تدعو الولايات المتحدة لخفض نفقاتها العسكرية
  • المكسيك غاضبة من قرار ترامب.. وتهدد غوغل
  • تيك توك يعود لمتجري تطبيقات أبل وجوجل في أميركا
  • "تيك توك" يعود لمتجري تطبيقات "أبل" و"غوغل" في أميركا
  • آبل تغير اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا في تطبيق خرائطها
  • ترامب يدمر قوة أميركا عبر ترك الجزرة واستخدام العصا
  • ماسك: الولايات المتحدة "ستفلس" من دون اقتطاعات في الموازنة
  • الصحة العالمية تقرر شد الحزام بعد انسحاب الولايات المتحدة
  • آبل تغير خليج المكسيك إلى خليج أميركا على خرائطها