أخاديد عملاقة على القمر.. آثار اصطدام هائل تكشف أسرار الماضي العنيف
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
يحتفظ سطح القمر بسجل مذهل من الأحداث الكونية، إذ تشهد فوهاته الصدمية وأحواضه العميقة على "ماض عنيف" مرت به المجموعة الشمسية عبر تاريخها الضارب في القدم.
وكشفت أبحاث حديثة عن وجود أخدودين هائلين بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، يقاربان في حجمهما الأخدود العظيم (غراند كانيون) على الأرض، الذي يقع في الجزء الشمالي الغربي من ولاية أريزونا الأميركية، إلا أنهما لم يتشكلا بفعل عمليات التعرية البطيئة، بل نتجا عن اصطدام مهيب بكويكب.
ووفقا لدراسة نُشرت في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" تشكل هذان الأخدودان -المعروفان باسم "فاليس بلانك" و"فاليس شرودنغر"- خلال أقل من 10 دقائق عندما اصطدم كويكب بسطح القمر قبل نحو 3.8 مليارات سنة.
وقد أطلق هذا الاصطدام كميات هائلة من الحطام الصخري بسرعة بلغت 3600 كيلومتر في الساعة، مما أدى إلى نحت هذه التكوينات الجيولوجية الضخمة على الفور.
ويُعد هذا الاصطدام واحدا من أعنف الأحداث في تاريخ القمر، إذ أطلق طاقة تعادل 130 ضعف القوة التدميرية لجميع الأسلحة النووية الموجودة على الأرض اليوم.
وقد استعان فريق البحث، بقيادة الجيولوجي ديفيد كرينغ من معهد القمر والكواكب، ببيانات مركبة استكشاف القمر التابعة لوكالة ناسا لرسم خريطة الأخدودين ونمذجة مسار الحطام الناتج عن الاصطدام.
إعلانويأمل الباحثون بأن تسهم هذه النتائج في تعزيز فهم كيفية إعادة تشكيل الأجرام السماوية بفعل الاصطدامات الضخمة، مسلطين الضوء على العمليات العنيفة التي شكلت النظام الشمسي في مراحله المبكرة، بما في ذلك كوكب الأرض.
تمتد هذه الأخاديد لمئات الكيلومترات، وقد تشكلت خلال فترة تُعرف باسم "القصف الشديد المتأخر" حين تعرض النظام الشمسي الداخلي لوابل كثيف من الحطام الفضائي.
ويعتقد العلماء أن هذه الموجة من الاصطدامات بالكويكبات والمذنبات نتجت عن تغيّرات في مدارات الكواكب العملاقة: المشتري وزحل وأورانوس ونبتون، مما أدى إلى زعزعة استقرار الأجرام الأصغر حجما في النظام الشمسي.
وتشير التقديرات إلى أن الجسم الذي تسبب في تكوّن هذين الأخدودين بلغ قطره نحو 25 كيلومترا، أي أنه كان أكبر من الكويكب الذي ضرب الأرض قبل 66 مليون سنة متسببا في انقراض الديناصورات ونحو 75% من الكائنات الحية الأخرى.
وعندما اصطدم هذا الكويكب بالقمر، قذف كميات هائلة من المواد إلى الفضاء، لتعود لاحقا وتتساقط على السطح في سلسلة من الاصطدامات الثانوية عالية السرعة. وأسفر هذا التأثير المتسلسل عن نحت الأخدودين وترك وراءه مشهدا وعِرا مليئا بالفوهات، لا يزال واضحا حتى اليوم.
وعلى عكس الأرض، التي تمحو فيها آثار مثل هذه الأحداث بفعل عمليات الصفائح التكتونية وعوامل التعرية، يحتفظ القمر بسجله الجيولوجي بسبب افتقاره إلى النشاط الجيولوجي الديناميكي. وهكذا، تظل هذه الأخاديد شاهدا على حقبة كان فيها النظام الشمسي مكانا أكثر اضطرابا وعنفا.
يحمل اكتشاف هذه الأخاديد القمرية أهمية كبيرة للبعثات الفضائية المستقبلية، ولاسيما برنامج "أرتميس" الذي تشرف عليه وكالة ناسا، والهادف إلى إعادة رواد الفضاء إلى سطح القمر لأول مرة منذ رحلات أبولو أواخر سبعينيات القرن الماضي، حيث يقع حوض تصادم شرودنغر، حيث توجد هذه الأخاديد، بالقرب من المنطقة المخطط لاستكشافها خلال المهام المأهولة القادمة.
إعلانويعتقد العلماء أن الصخور القديمة التي أُطلقت بفعل الاصطدام باتت الآن في متناول اليد بالقرب من القطب الجنوبي للقمر، مما يجعلها أهدافا رئيسة لجمع العينات خلال المهمات المستقبلية.
ويمكن لهذه العينات أن توفر معلومات لا تُقدَّر بثمن حول نشأة القمر وأصله، وتفترض إحدى النظريات الرائدة أن القمر تشكّل نتيجة اصطدام جسم بحجم كوكب المريخ بالأرض، مما أدى إلى قذف مواد منصهرة إلى الفضاء، تجمعت لاحقا لتكوّن القمر.
بالإضافة إلى ذلك، يأمل الباحثون في العثور على أدلة تدعم فرضية "محيط الصهارة" التي تفترض أن سطح القمر كان في بداياته بحرا من الصخور المنصهرة قبل أن يبرد ويتصلب مع مرور الزمن.
ومع دخول استكشاف القمر مرحلة جديدة، تؤكد هذه الاكتشافات أن القمر لا يزال يخفي العديد من الأسرار، فما كان يُعتقد أنه عالم جيولوجي ميت، يتبين الآن أنه أرشيف حيّ لتاريخ النظام الشمسي، ينتظر أن يُكشف عنه الستار على يد الجيل القادم من المهام والرحلات الفضائية.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات النظام الشمسی بالقرب من
إقرأ أيضاً:
إيوس .. اكتشاف كوني جديد قرب نظامنا الشمسي | ما القصة؟
في اكتشاف فلكي مذهل، أعلن علماء الفلك عن رصد سحابة ضخمة من الهيدروجين الجزيئي غير المرئي، تقع على بعد 300 سنة ضوئية فقط من النظام الشمسي، وتحديدًا عند حافة ما يعرف بـ"الفقاعة المحلية" في مجرة درب التبانة.
اكتشاف كوني جديد قرب نظامنا الشمسيوبحسب موقع "sciencealert" للأبحاث العلمية، تعد السحابة، التي أُطلق عليها اسم "إيوس" (Eos)، من أكبر التراكيب المكتشفة في محيطنا المجري، ويعتقد أنها تلعب دورا مهما في فهمنا لتكوين النجوم والكواكب.
تم تسمية هذه السحابة الجزيئية الضخمة باسم "إيوس" نسبة إلى إلهة الخلق في الأساطير اليونانية القديمة، وهي المرة الأولى التي يتم فيها رصد مثل هذا الجسم من خلال البحث عن علامات الهيدروجين الجزيئي عند هذا الطول الموجي في الطيف، مما قد يضيف نهجًا فريدًا إلى ترسانة علماء الفلك وعلم الكونيات.
أوضح بليكسلي بوركهارت، قائد المشروع والأستاذ المشارك في قسم الفيزياء والفلك بكلية روتجرز للفنون والعلوم والمؤلف المشارك في الدراسة قائلاً: “هذه أول سحابة جزيئية تُكتشف على الإطلاق من خلال البحث المباشر عن انبعاثات الأشعة فوق البنفسجية البعيدة للهيدروجين الجزيئي”.
كيف تشكلت إيواس؟ووفقا لما هو معلن فإن إيوس عبارة عن سحابة هلالية الشكل من الغاز والغبار، تبعد حوالي 300 سنة ضوئية عن الأرض، مما يجعلها قريبة نسبيًا من الناحية الكونية.
يقع هذا الجسم الذي كان غير مرئي سابقًا بالقرب من نظامنا الشمسي، والذي تُقدر كتلته بحوالي 3400 كتلة شمسية، على حافة منطقة فضائية يُطلق عليها علماء الفلك اسم " الفقاعة المحلية" ، مما يضعه في نفس المنطقة العامة للنظام الشمسي.
التُقطت البيانات التي تكشف عن موقع الجسم غير المرئي في الأصل بواسطة مطياف الأشعة فوق البنفسجية البعيدة FIMS-SPEAR (مطياف التصوير الفلوري) الذي كان يعمل كأداة على القمر الصناعي الكوري STSAT-1، وبعد نشرها علنًا عام ٢٠٢٣، تقول بوركهارت إنه لم يقم أحدٌ بالبحث فيها بالطريقة التي أرادها فريقها.
توهج جسم غير مرئيفي حين تُرصد معظم السحب الجزيئية من خلال انبعاثاتها الراديوية والأشعة تحت الحمراء، لم تُشر عمليات المسح في هذه المنطقة من الفضاء إلى وجود سحابة غاز جزيئيةـ ولكن عندما مسح علماء الفلك البيانات في الطيف فوق البنفسجي البعيد، توهج فجأة جسم كان غير مرئي سابقًا.
وأوضح عالم الفلك في جامعة روتجرز، وهو أيضًا باحث في مركز الفيزياء الفلكية الحاسوبية في معهد فلاتيرون في نيويورك، أن "البيانات أظهرت جزيئات هيدروجين متوهجة تم اكتشافها عبر الفلورسنت في الأشعة فوق البنفسجية البعيدة".