جدة – علاء الدين عبدالرحيم

تصوير – عصام محمد يوسف

أكد وزير الثقافة والإعلام المتحدث باسم الحكومة السودانية، خالد الإعيسر، تقدير بلاده العميق للدعم الذي تقدمه المملكة العربية السعودية، قيادةً وشعبًا، في مختلف المجالات، مشيرًا إلى دورها البارز في تقديم المساعدات الإنسانية عبر مركز الملك سلمان للإغاثة، وتسهيل أوضاع السودانيين المقيمين في المملكة.

ووجه الإعيسر خلال تنوير صحفي في جدة أمس، شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، على كرم الضيافة ودعم السودان في ظل التحديات الراهنة. وأكد أن اتفاقية جدة شكلت نقطة مهمة في مسار الأزمة وعملت على تحقيق السلام، مشددًا على أن السودان لن يقبل بعودة الميليشيات بأي شكل من الأشكال.

وأشار إلى أن الحكومة السودانية تعول على شراكاتها الاستراتيجية مع الدول الشقيقة، وفي مقدمتها المملكة، للمساهمة في إعادة إعمار ما دمرته الحرب. وأضاف أن هناك توجهًا لترسيخ شراكة اقتصادية قوية بين البلدين، خاصة في ظل العلاقات التاريخية الممتدة بين الشعبين.

وثمن الإعيسر الدعم الذي قدمته دول شقيقة مثل البحرين، قطر، الكويت، وسلطنة عمان، وشكرها على وقوفها مع الشعب السوداني في هذه المحنة. كما أعرب عن إدانة الحكومة بشدة استهداف المليشيا المتمردة للمنشآت الصحية، بما في ذلك المستشفى السعودي، مؤكداً العمل على إعادة تأهيل المرافق التي طالها الدمار جراء هذا الاستهداف الإجرامي.

تقدم كبير للجيش وتطهير المدن

فيما يتعلق بالأوضاع الميدانية، أوضح الإعيسر أن الجيش السوداني يحقق تقدمًا ملحوظًا في تطهير المدن من الميليشيات، مؤكدًا أن السودان سيخرج من هذه الأزمة أكثر قوة ووحدة، مع رؤية واضحة لبناء دولة ديمقراطية ومستقرة.

وأضاف: “خلال الأيام الماضية، قمت بجولة ميدانية شملت مدن العاصمة الثلاث: الخرطوم، بحري، وأم درمان، ووقفت بنفسي على حقيقة الوضع الميداني، حيث لم يعد هناك وجود مؤثر لمليشيا الدعم السريع المتمردة في معظم المناطق، إلا بعض الجيوب المتفرقة التي تعمل قواتنا المسلحة الباسلة على القضاء عليها بشكل كامل. أحيي جيشنا العظيم الذي يتقدم بثبات في كل المحاور، مدعوماً بقوات الدعم المساندة، وأؤكد للشعب السوداني أن الأيام المقبلة ستحمل أنباءً سارة عن مزيد من الانتصارات الميدانية، خصوصاً في مناطق دارفور، الجنينة، وكردفان، حيث تتقدم قواتنا بخطى واثقة لتحرير كل شبر من أرض السودان”.

17 دولة تدعم المليشيا

أشار الإعيسر إلى أنه “لا بد من التذكير بأن هذه الحرب لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل حرب شُنت على السودان في أربعة محاور متوازية: عسكرياً، عبر مليشيا متمردة مدعومة خارجياً، وسياسياً، من قبل قوى سياسية مدجنة تسعى لإضعاف الدولة، وإعلامياً، من خلال حملات تضليل ممنهجة، واقتصادياً، عبر محاولات خنق السودان وحرمانه من موارده. ورغم كل ذلك، فإن قواتنا المسلحة وقفت صامدة أمام هذه المؤامرة الدولية التي تجاوزت كل التصورات، وتمكنت من تفكيكها بمهارة وحزم”.

ومضى قائلاً: “إن ما نواجهه اليوم ليس مجرد تمرد داخلي، بل حرب عابرة للحدود، حيث تشارك فيها مليشيات ومرتزقة من 17 دولة، من بينها إحدى دول أمريكا الجنوبية، في مشهد يعيد إلى الأذهان معارك السودان التاريخية الكبرى مثل كرري وشيكان. ومع ذلك، فإن قواتنا المسلحة تخوض هذه الحرب باعتبارها معركة وجود، وتثبت يوماً بعد يوم بسالتها وقدرتها على التصدي لأعتى التحديات، مهما بلغت التضحيات.

السودان لن يعود كما كان قبل الحرب

أكد وزير الإعلام السوداني، أن “علاقات السودان الخارجية في مرحلة ما بعد الحرب ستُبنى على أساس التجربة التي مررنا بها خلال هذه المحنة، ومن وقفوا معنا سيجدون منا كل التعاون، أما من تآمروا علينا فسيُواجهون موقفاً حازماً. نؤكد أن كل من دعم المليشيا المتمردة، سواء ميدانياً، إعلامياً، أو اقتصادياً، سيُقدم لمحاكمات عادلة، ولدينا أجهزة رصد ومراقبة تتابع كل من تورط في هذه المؤامرة”.

وقال المتحدث باسم الحكومة السودانية: “أؤكد أن السودان لن يعود كما كان قبل الحرب، بل سيخرج منها أكثر قوة وتماسكاً، وسنعمل على تقنين الوجود الأجنبي في بلادنا، وتعزيز قدراتنا الذاتية، خاصة في القطاع العسكري الذي سيظل الدرع الحامي للوطن. نحن على يقين أن الشعب السوداني قادر على تجاوز هذه المحنة، وبناء دولة حديثة تستفيد من مواردها وطاقاتها البشرية الهائلة”.

مرحلة جديدة من تاريخ السودان

اعتبر وزير الإعلام السوداني، أن السودان على أعتاب مرحلة جديدة من تاريخه، مرحلة تتطلب تضحيات كبيرة من الجميع، حكومة وشعباً، مضيفاً: “نعمل حالياً على وضع أسس دستورية واضحة تنظم ملامح الدولة المقبلة، عبر وثيقة دستورية يتم إجازتها قريباً، تحدد صلاحيات رئيس مجلس السيادة، وتشكيل مجلس الوزراء، وتضع إطاراً واضحاً لفترة انتقالية ديمقراطية. نؤكد لشعبنا أن لا أحد من التشكيل الحالي يسعى للاستمرار بعد الفترة الانتقالية، بل إننا جميعاً ملتزمون بتمهيد الطريق لدولة مدنية ديمقراطية تُدار بإرادة الشعب السوداني”.

لا مساس بالحريات الصحفية

وفيما يتعلق بالحريات الصحفية، قال: “نؤكد أننا لم ولن نهدد الصحافة في السودان، بل نناشد جميع الإعلاميين بالتقيد بالقيم المهنية، مع التأكيد أن أي تجاوز يهدد الأمن القومي أو يكشف تفاصيل العمليات العسكرية سيُعد خطاً أحمر. لقد وفرنا للصحفيين الدعم اللازم لمتابعة الأحداث ميدانياً، بما في ذلك توفير طائرات لنقلهم إلى مناطق العمليات، ونتطلع إلى تغيير نهج بعض القنوات الإعلامية التي تمارس التحريض وتشويه الحقائق”.

استعادة الآثار المنهوبة

كشف وزير الإعلام السوداني أنه “في إطار جهود حماية التراث، عقدنا اتفاقاً مع منظمة اليونسكو لتعقب واستعادة الآثار السودانية المسروقة، كما تم إرسال خبراء إلى لندن لتسهيل هذه المهمة بالتعاون مع الشرطة الدولية (الإنتربول)، ونعمل على مدار الساعة لضمان استرداد كل ما نُهب من تاريخنا وثقافتنا”.

وختم قائلًا: “أتقدم بالشكر والتقدير لأبناء السودان في المهجر، الذين لم يبخلوا بالدعم لأهلهم الذين شردتهم الحرب، ونؤكد لهم أننا في الحكومة عازمون على مواصلة العمل، رغم الظروف الاستثنائية، بقيادة رئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وأعضاء المجلس السيادي، ومجلس الوزراء، الذين يعملون بتنسيق وتعاون مستمرين من أجل نصرة القضية الوطنية، وإعادة بناء الدولة السودانية على أسس متينة تضمن لها الاستقرار والازدهار. الحمد لله الذي أعان قواتنا المسلحة على الصمود والتقدم، والشكر موصول لكل أبناء السودان في الداخل والخارج الذين ظلوا يقدمون الدعم والمساندة لأهلهم ووطنهم في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ البلاد”.

 

القنصل علي طه: مؤامرة كبيرة تحاك ضد السودان

من جهته، قال قنصل السودان في جدة كمال علي عثمان طه، الذي استضاف منزله لقاء الوزير، إن السودان يواجه مؤامرة كبيرة تستهدف وجوده ووحدته، وتسعى للنيل من شعبه ومقدراته الاجتماعية والثقافية، مشيرًا إلى أن مليشيا الدعم السريع المتمردة والإرهابية كانت في طليعة هذه الحرب البغيضة التي شُنت على الشعب السوداني. وأضاف أن هذه المليشيا ارتكبت فظائع وانتهاكات جسيمة تخالف القوانين الدولية، من تشريد وقتل لأبناء الشعب، ومحاولات للتغيير الديموغرافي والثقافي.

وأكد القنصل على تقديره للانتصارات الكبرى التي حققتها القوات المسلحة السودانية، بدعم من القوات النظامية الأخرى، والقوى الشعبية، والمستنفرين، مشددًا على أن السودان يقف اليوم على أعتاب مرحلة جديدة تتجاوز تحديات الماضي، وتستعد لمواجهة تحديات إعادة البناء، وترميم ما دمرته الحرب، ولمّ شمل النسيج الاجتماعي.

المصدر: صحيفة البلاد

كلمات دلالية: السعودية السودان خالد الإعيسر وزیر الإعلام السودانی الشعب السودانی قواتنا المسلحة أن السودان السودان فی

إقرأ أيضاً:

FA: هل تقسيم السودان سيوقف الحرب أو يوقف تدخل القوى الخارجية؟

نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، مقالا، للأستاذة المشاركة معهد ماساشوستس للتكنولوجيا أو أم أي تي، مي حسن، مع خبير في السياسات والعمليات الإنسانية،  ومختص في الصراع والتنمية في الدول الهشة، أحمد كودودا، قالا فيه إنّ: "النزاع الحالي الدائر من المحتمل أن ينتهي بتفكك البلاد بدون أن يوقف الحرب".

وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21" فإنه: "بعد عامين من القتال المدمر، وصلت الحرب الأهلية في السودان لطريق مسدود غير مستقر. ومنذ بداية عام 2025، حقّقت القوات المسلحة السودانية والمجموعات المتحالفة معها، مكاسب كبيرة ضد قوات الدعم السريع، المتهمة بالإبادة الجماعية، إذ يتنافس الفصيلان للسيطرة على البلاد".

وأبرز: "بحلول أواخر شهر آذار/ مارس، استعادت القوات المسلحة السودانية، العاصمة الخرطوم، وسيطرت على القصر الجمهوري وطهرت معظم العاصمة من مقاتلي الدعم السريع".

"مع ذلك، فمن غير المرجح أن تتمكن القوات المسلحة السودانية من هزيمة قوات الدعم السريع بشكل كامل: إذ لا تزال المجموعة تحتفظ بسيطرة قوية على ما يقرب من ربع أراضي البلاد، وخاصة في الغرب" وفقا للمقال نفسه.

وأردف: "من غير المرجح أيضا أن تتمكن قوات الدعم السريع، بدورها، من استعادة الأراضي التي فقدتها في الأجزاء الشرقية والشمالية والوسطى من البلاد، وهي الآن تركز جهودها على تعزيز قبضتها على منطقة دارفور الشاسعة".

وتابع: "على مدى الأسابيع القليلة الماضية، بدأت حدة القتال في التراجع، ولكنها تشتد مرة أخرى في عاصمة ولاية شمال دارفور، الفاشر، المعقل الأخير المتبقي للقوات المسلحة السودانية في غرب السودان. وبما أن خطوط المواجهة في الحرب باتت واضحة لحد كبير، فالسوابق التاريخية تشير لأنه الآن قد يكون الوقت الأفضل لوقف إطلاق النار أو حتى إجراء مفاوضات السلام".


ومضى المقال بالقول: "في العديد من الصراعات الأفريقية السابقة، شجّع الجمود في ساحة المعركة الجهات الفاعلة الدولية للضغط من أجل إجراء مفاوضات، كما حدث في عام 2005، عندما أنهت المحادثات التي تدعمها الولايات المتحدة الحرب الأهلية السودانية الثانية بعد أكثر من عقدين من القتال بين المتمردين الجنوبيين والخرطوم".

"في الواقع، قد يبدو أن التقسيم القانوني، على غرار انفصال جنوب السودان في عام 2011، الخيار الأقل سوءا. وبخاصة أن الشعب السوداني يحتاج لفترة راحة: أدّى الصراع الأخير لتدمير البلاد وأسفر عن مقتل ما يصل لـ150,000 سودانيا ونزوح ما يقرب من 13 مليون شخصا، وما يصل إلى 25 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد أو المجاعة" استرسل المقال نفسه.

وأضاف: "مع ذلك يرى الكاتبان أن أي أمل في أن تنتهي الحرب الأهلية الحالية بالسودان بمفاوضات، هذا إن بدأت، بسلام دائم هو: مجرد وهم". مبرزا: "أدى النزاع الذي دخل عامه الثالث إلى تعميق خطوط الصدع العرقية والإقليمية القائمة".

وأكد: "المذابح التي ارتكبتها قوات الدعم السريع، جعلت المفاوضات غير مستساغة بالنسبة للعديد من داعمي القوات المسلحة السودانية. وفي الوقت نفسه، هناك مجموعة واسعة من الجهات الفاعلة، بما فيها الدول الأجنبية القوية، لديها مصلحة في رؤية الفصائل التي دعمتها تظل قوية قدر الإمكان، بشكل يجعل من التوصل إلى تسوية سلمية تقود إلى تشكيل حكومة واحدة أمرا صعبا".

وبالمقابل، أشار المقال إلى أنّ: "التاريخ يشير بقوة إلى أن أي نوع من أنواع التفتت المناطقي أو الجهوي سوف يفشل أيضا في تحقيق الاستقرار"، مضيفا: "فلم يخفف انفصال جنوب السودان من حدة الصراع الذي يلتهم المنطقة. وكل ما فعله هو حرف القتال إلى مكان آخر، حيث تفككت المجموعة المتمردة التي حاربت الخرطوم، وبدأت فصائلها في قتال بعضها البعض".

وأبرز: "لا يستبعد الكاتبان من ظهور سيناريو مشابه لليبيا واليمن، حالة استمرت الأطراف المتحاربة في رفض وقف إطلاق النار أو محادثات السلام. وهو ما يصفه الكاتبان بأنه انقسام بحكم الأمر الواقع إذ يظل السودان قائما بالاسم فقط".


"ستسيطر مراكز القوى المتنافسة على أجزاء مختلفة من البلاد فيما تستمر الحرب بين العديد من الجماعات التي تقاتل اليوم، إلى جانب الجماعات الجديدة التي من المرجح أن تظهر في المستقبل" تابع المقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".

 وأضاف: "بشكل مشابه، لا يمكن وصف الحرب الحالية في السودان على أنها نزاعا واضحا بين طرفين. صحيح أنها بدأت بمشاجرة بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وزعيم قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، أو حميدتي. وكان البرهان وحميدتي قد تحالفا للإطاحة بالحكومة الانتقالية التي يقودها المدنيون والتي نشأت بعد الإطاحة بعمر البشير في عام 2019".

وتابع: "لكنهما انقلبا على بعضهما في 15 نيسان/ أبريل 2023. وعلى مدى العامين الماضيين، اتسع مجال النزاع لحرب أكبر من مجرد صراع بين طرفين، وباتت تضم اليوم العديد من المجموعات السودانية والرعاة الأجانب ذوي القدرات مثل مصر وإيران وروسيا والمملكة العربية السعودية وتركيا والإمارات العربية المتحدة".

وأشار: "كما نشأت مجموعات جديدة لتتحالف مع كل فصيل، وانضمت جماعات مسلحة أقدم إلى القوات المسلحة السودانية أو قوات الدعم السريع. وتشمل المجموعات الأقدم: جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، وكلاهما متمركز في منطقة دارفور ومتحالفان مع القوات المسلحة السودانية، فضلا عن الحركة الشعبية لتحرير السودان -شمال، وهي قوة متمردة قديمة تحالفت مع قوات الدعم السريع".

إلى ذلك، ينوّه الكاتبان أنه لا القوات سلحة السودانية ولا قوات الدعم السريع تدعيان أنهما تخوضان الحرب لأسباب أيديولوجية. وعلى الرغم من أن قيادة القوات المسلحة السودانية وصفت معركتها بأنها معركة غير طائفية من أجل بقاء الدولة السودانية، فقد هيمن الإسلاميون على صفوف كبار ضباطها لمدة تقرب من أربعة عقود. 

ووفق المقال فإنه: "بعد أن سلّحت مجموعة الجنجويد لمواجهة التمرد الذي كانت تقوده مجموعات غير عربية في دارفور، قام في عام 2013 بتنظيم هذه المجموعات، رسميا، ضمن قوات الدعم السريع".

ويرى الكاتبان أنّ: "أهم دافع للحرب الحالية، هو محاولة السيطرة على المعادن الثمينة للبلاد ومقدراتها الزراعية. وتتمتع البلاد باحتياطيات ضخمة من الذهب ولديها ثاني أكبر مساحة من الأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا، وهو ما جعل القوى المحلية والأجنبية تتنافس للسيطرة على هذه الموارد". 

"أكثر من هذا، فقد دعمت فصائل أصغر حجما أحد الجانبين في صراعات  محلية على السلطة أو لتأمين الثروة الشخصية" تابع المقال، فيما يرى الكاتبان أنّ: "غياب البعد الأيديولوجي من النزاع الحالي في السودان يجعل، وإن نظريا من إمكانية التفاوض على توزيع الثروة والمناصب بين الطرفين أو الأطراف المتحاربة أمرا سهلا".


وتابع: "لكن واقع الحرب غير ذلك، فرغم قدرات الجيش السوداني العددية وسيطرته على المجال الجوي، إلا أن مقاتلين الدعم السريع لديهم خبرة في حرب المدن، وهذا سبب سيطرتهم على الخرطوم ومدن أخرى لمدة عامين. ولم تنجح عدة جولات من المفاوضات في السعودية لجمع المتحاربين ودفعهم لتسوية".

وأكد: "لعل المانع للحل هي أن كل الجهود لحل النزاع السوداني أساءت فهم ديناميته، فلا الجيش السوداني أو قوات الدعم السريع قادر على هزيمة الآخر. وقد استطاع كلاهما الحفاظ على مكاسبه أو توسيعها بطريقة أقنعت الداعمين المحليين لهم والإقليميين بإمكانية تحقيق مكاسب".

وأضاف: "حاول كل طرف في النزاع البحث عن دعم خارجي. وقامت الإمارات العربية المتحدة بالحفاظ على علاقتها مع الدعم السريع التي بدأتها ما بين 2015- 2019 عندما استعانت بمقاتلي حميدتي في حربها باليمن. ومن أجل تأمين ممر للحصول على الذهب، أرسلت طائرات محملة بالأسلحة عبر تشاد".

وأردف: "أما مصر التي تريد الحصول على حليف داعم لها في الخرطوم، وهي تحاول تأمين تأثيرها على مياه النيل وفي حربها مع إثيوبيا، فقد أرسلت السلاح للجيش السوداني، ويقال إنها شنت غارات جوية ضد قوات الدعم السريع. وتعتمد مصر على الموارد السودانية التي يتم تهريبها لدعم اقتصادها". 

وتابع: "دعمت دول أخرى جانبا في الحرب، فالسعودية التي لعبت دور وسيط السلام علنا، انحازت إلى جانب القوات المسلحة السودانية خلال الجولات الماضية من المفاوضات، ويرجع ذلك جزئيا لمنافستها الإقليمية مع الإمارات". 

"كما وسعت القوات المسلحة السودانية لفتح قنوات مع روسيا، التي تريد إنشاء قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، وحصلت مؤخرا على طائرات بدون طيار من إيران وتركيا، وهما دولتان تريدان أيضا نفوذا أكبر على ممرات الشحن القريبة" استرسل المصدر ذاته.

وأورد: "بالنسبة لهؤلاء الشركاء الدوليين والإقليميين، فالجمود غير الرسمي لا يختلف كثيرا عن السلام المتفاوض عليه. فما دامت منطقة سيطرة كل تحالف محددة إلى حد كبير، فستظل الأنشطة الاقتصادية المهمة لهؤلاء الرعاة قائمة بدون الحاجة لحل سياسي".

وأفاد: "بإمكانهم الحفاظ على وصول الإمدادات من وكلائهم دون حاجة إلى اتفاقيات التعامل التجاري مع دولة شرعية، مثل اللوائح والتعريفات الجمركية، ولن يحتاجوا لمواجهة الاحتجاجات الشعبية ضد استخراج الموارد الطبيعية التي لا تتحكم بها إلا  مجموعة صغيرة".

ويعتقد الكاتبان أنّ: "أهم معوق للتوصل إلى حل سياسي دائم في السودان، كامن في الطرفين المتصارعين، فرغم غياب الهوية الإثنية الواضحة أو الأيديولوجية إلا أن كلا الطرفين يعاني من هشاشة وقابلية للإنقسام والإنشقاقات".

وأوضحا: "كما حدث مع قائد قوات درع السودان الذي انشق على القوات السودانية وساهم في مكاسب الدعم السريع بمنطقة الجزيرة، ثم انشق مرة أخرى وساعد الجيش للسيطرة على المنطقة مرة أخرى". 

ويبرز الكاتبان أنّ: "السودان اليوم منقسما بشكل فعلي، حيث يقع الغرب إلى حد كبير، باستثناء الفاشر، عاصمة شمال دارفور تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بينما تقع المناطق الشرقية والشمالية ووسط البلاد تحت سيطرة القوات المسلحة السودانية. وفي شباط/ فبراير وقعت قوات الدعم السريع وشركاؤها في نيروبي على اتفاق يمهد الطريق لإعلان حكومة موازية على مساحات شاسعة من الأراضي التي تسيطر عليها".


وتابعا: "ربما بدا تقسيم السودان، في الظاهر نتيجة جذابة إلا أنه لن ينهي النزاع، والسبب كامن في بنية التحالفات الهشة والقابلة في أي وقت للكسر والانشقاق والإنقسام. علاوة على ذلك، فالتقسيم غير المتجانس عرقيا من الصعب الحفاظ عليه، نظرا لضعف مؤسسات الدولة السودانية أو غيابها".

 "خاصة في المناطق المهمشة تاريخيا والتي تسيطر عليها قوات الدعم السريع. وإذا انقسمت البلاد أكثر، فإن كيانيها السياسيين الناشئين ــأحدهما غير ساحليــ سوف يكونان أقل قدرة على البقاء اقتصاديا بكثير مما لو بقيا متحدين" أبرز المصدر ذاته.

وختم بالقول: "لأن الحرب في السودان نابعة من محاولات السيطرة على المناطق والمصادر بدلا من الإختلاف على رؤية سياسية، فمن المرجح أن تستمر التحالفات في التغير وأن تستمر المجموعات في الانشقاق، وأن تستمر الجماعات المنشقة في التشكل".

مقالات مشابهة

  • الدعم السريع يُدخل السودان في حرب الظلال.. ماذا حدث؟
  • FA: هل تقسيم السودان سيوقف الحرب أو يوقف تدخل القوى الخارجية؟
  • اليوم العالمي لحرية الصحافة : أدوار جديدة للإعلام الوطني تمليها التحديات الراهنة والمستقبلية
  • وزير العدل يؤكد مواصلة ملاحقة كل الدول التي اجرمت في حق الشعب السوداني
  • مفوض حقوق الإنسان: الرعب الذي يتكشف في السودان لا حدود له
  • ???? من أشعل الحرب في السودان ؟ الجيش السوداني أم الدعم السريع؟
  • البرهان يعين "الحاج" رئيسًا جديدًا للحكومة في السودان
  • أبناء الجالية السودانية: الإمارات الداعم الأكبر لبلادنا.. وأمنها خط أحمر
  • فؤاد حسين يصل عُمان لتبادل وجهات النظر بشأن التحديات الراهنة
  • كيف أدت الحرب إلى تغيرات تركيب الطبقة العاملة السودانية؟ (١/٢)