هل تستطيع واشنطن إيقاف دعم طهران للفصائل العراقية المسلحة؟
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
طهران- تُعد قضية حل الفصائل المسلحة في العراق واحدة من القضايا الحساسة التي تمثل نقطة تقاطع بين المصالح الداخلية العراقية والتوازنات الإقليمية والدولية.
فمنذ سقوط الرئيس الراحل صدام حسين عام 2003، أصبح العراق ساحة لتنافس النفوذ بين الولايات المتحدة وإيران التي اتخذت من هذه الفصائل والحشد الشعبي أدوات رئيسية لتعزيز وجودها وتأمين مصالحها الإستراتيجية في بغداد والمنطقة.
وفي ظل التغيرات الجيوسياسية الأخيرة، يواجه هذا الدور الإيراني تحديات متزايدة خاصة مع تصاعد الضغوط الأميركية والدولية لحل هذه الفصائل بما فيها الحشد الشعبي.
هل ستُحل الفصائل؟يبدو أن واشنطن وحلفاءها في المنطقة يدفعون باتجاه حل الفصائل المسلحة في العراق باعتبارها عائقا أمام استقرار البلاد، مع التركيز على تقويض النفوذ الإيراني الممتد عبر هذه الجماعات. وفي المقابل، تسعى طهران إلى الحفاظ عليها باعتبارها جزءا من إستراتيجيتها الإقليمية، خاصة بعد الانتكاسات التي لحقت بمحور المقاومة الذي تدعمه.
وقد أضعفت الحرب الإسرائيلية على لبنان حزب الله وأثرت على قدراته. كما أدى اغتيال قادة كبار في الحزب وسقوط نظام الأسد في سوريا إلى إضعاف خط الدعم الإيراني الممتد من طهران إلى لبنان عبر بغداد ودمشق.
إعلانوتتجه الأنظار الآن إلى تسوية محتملة قد تقضي بحل الفصائل المسلحة وإبقاء الحشد الشعبي كقوة رسمية ضمن إطار الدولة العراقية. ورغم أن هذه التسوية قد تبدو مقبولة على المستوى السياسي العراقي لتخفيف الضغوط الدولية، إلا أنها تحمل تداعيات عميقة على النفوذ الإيراني في المنطقة.
فالحشد الشعبي، رغم شرعنته رسميا كجزء من القوات الأمنية العراقية، ما زال يُعتبر أحد شركاء طهران الرئيسيين في المنطقة. ولكن يبقى انتصار السيناريو الآخر، وهو إبقاء الفصائل على حالها واردا، لا سيما أن إيران لم تتوقف عن السعي في هذا الاتجاه على غرار زيارة محمد جواد ظريف نائب الرئيس الإيراني مؤخرا إلى بغداد.
وكما أكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني على ضرورة حل الفصائل، فإنه شدد -في جلسة حوار مع مركز "ستراتيجيكس"- على ضرورة فهم طبيعة العلاقة الاستثنائية التي تجمع العراق بإيران، من قبل بقية الأطراف بما فيها واشنطن، موعزا ذلك إلى التقارب الجغرافي والثقافي والظروف الجيوسياسية.
أوضح القيادي السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني مقدم أنه منذ الحرب العراقية الإيرانية عندما كانت مجموعات مختلفة من المعارضة العراقية مستقرة في طهران، وكان لديهم منظمات في سياق القتال ضد نظام صدام تمثلت في منظمة بدر والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والتي كان يرأسها آية الله الحكيم، وقد خلف هذا علاقات وثيقة ما بين هذه الجماعات والسلطات الإيرانية.
وقال كنعاني للجزيرة نت إن "هذه العلاقات الوثيقة أدت إلى أمر لا يمكن أن نسميه نفوذا، بل هو تعاون وتآزر وتعاطف. وأصبح البلدان رفاق سلاح وهو ما منح إيران مكانة خاصة على المستوى العقائدي والتعاون عند المقاومة العراقية".
إعلانووفق القيادي السابق الحرس الثوري فـ"لدى إيران تعاون مع الجماعات العراقية ينطلق من الإيمان والعقيدة والقيم من أجل محاربة الجماعات الإرهابية والمعادية والمحتلة المرتبطة بالاستعمار العالمي، ولاسيما أميركا والكيان الصهيوني الغاصب والمحتل".
كما أكد أن هذه العلاقات الثنائية لها مكانة مهمة في العقيدة الدفاعية الإيرانية، وبالتعاون الذي تقدمه القوات المسلحة والحكومة العراقية يتمكنون من تأمين المنطقة، والاستقرار في العراق الذي يُعد أمرا إستراتيجيا بالنسبة لطهران التي "لطالما قدمت مساعدات لبغداد في مواجهة تهديدات الأميركان وتنظيم الدولة والجماعات التكفيرية والإرهابية".
وحسب كنعاني، لن تتراجع طهران عن الدعم الذي تقدمه للشعب والحكومة والمقاومة في العراق تحت تأثير الضغط الأميركي والجماعات المرتبطة به، وقال "إن الدعم الإيراني يستند كذلك إلى فتوى المرجع الشيعي العراقي علي السيستاني حول الحضور في جماعات مثل الحشد الشعبي".
منذ متى بدأ النفوذ الإيراني في العراق؟من جانبه، أشار الباحث الإيراني في الشأن العراقي علي بيدبو إلى العلاقات الوطيدة والتاريخية التي نشأت بين "مجاهدي فيلق بدر والحرس الثوري الإيراني خلال فترة هجوم النظام البعثي العراقي على طهران".
وأوضح للجزيرة نت أنه بناء على هذه العلاقات، قامت إيران عام 2003، بالتزامن مع دخول واشنطن إلى بغداد، بدعم جميع فصائل المقاومة التي كانت تنشط ضد الحضور الأميركي، بالأسلحة والمال. وهكذا بدأت طهران بتعزيز نفوذها بين الجماعات المسلحة العراقية مستندة إلى العلاقات التاريخية التي تأسست بعد عام 1979.
وتابع أنه مع تعيين قاسم سليماني قائدا لفيلق القدس التابع للحرس الثوري، تم ترسيخ هذه العلاقات وبدأت إيران بدعم جميع الجماعات المسلحة التي كانت تنفذ عمليات ضد القوات الأميركية، سواء دعما عسكريا أو تسليحيا أو ماليا.
إعلانوفي ما يتعلق بأهدافها من هذا الدعم، رأى الباحث أن نفوذ إيران لم يكن يوما يعني السيطرة الكاملة على المقاومة العراقية التي حدث ووقفت مرات عديدة في مواجهة أو اختلاف مع سليماني، واتخذت قراراتها بشكل مستقل.
وأحد أبرز الأمثلة على ذلك -كما يقول بيدبو- كان في قضية سوريا حيث قررت جميع الجماعات المسلحة العراقية مثل "عصائب أهل الحق، وحركة النجباء، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله في العراق" عدم التدخل في الأحداث السورية.
ووفق بيدبو، فإنه "رغم أن هذه الجماعات كانت تخطط لإنشاء منطقة عازلة على الحدود مع سوريا" إلا أن القرار النهائي كان يعتمد على هويتها العراقية المستقلة دون الرجوع إلى إيران. وبالتالي كان هناك دور استشاري لطهران في كثير من الأحيان تعمّق مع الوقت.
كما أن القادة العراقيين في هذه الجماعات كانوا يستشيرون عدة جهات، منها رئيس الوزراء، وقواتهم الخاصة، وقوى المقاومة الأخرى، ووزارة الدفاع، والمؤسسات الأمنية، قبل اتخاذ القرارات وتنفيذ العمليات، حسب المصدر نفسه.
وأردف أن الهدف الإستراتيجي الذي تسعى طهران لتحقيقه من خلال التعاون مع فصائل المقاومة العراقية لا يقتصر فقط على محاربة واشنطن أو إسرائيل "بل يشمل أيضا الحفاظ على الأمن الوطني العراقي. وبناء عليه، نفذت عمليات ضدهما".
هل ستستمر طهران بدعم المقاومة العراقية؟وحسب الباحث بيدبو، كانت رؤية المقاومة العراقية دائما متوافقة ومتزامنة مع إيران. و"طالما بقي هذا النظام قائما، فإن دعمه لفصائل المقاومة سيستمر، ولكن نوعه يختلف بمرور الوقت".
ورأى أن هذه الفصائل وصلت إلى مستوى من الاكتفاء الذاتي، حيث أصبحت قادرة على إنتاج صواريخها الخاصة. ومن خلال علاقاتها مع المؤسسات الأمنية العراقية، تقوم بتحديد أهدافها وضرب تلك التي تمثل تهديدا للأمن القومي أو الحدود أو الحكومة العراقية.
ووفقا له، فإن العلاقات لم تكن أحادية الجانب أو قائمة على الأوامر. وحول العوامل التي قد تدفع إيران للتخلي عن دعمها لفصائل المقاومة العراقية، أوضح الباحث أن طهران أشارت سابقا إلى أن هذا الفصائل أصبحت مكتفية ذاتيا، ولم تعد بحاجة سوى إلى الدعم الاستشاري منها.
إعلانويعتقد أن الدعم الإيراني للفصائل قد يتقلص فقط في حالة إجراء مفاوضات محتملة بين طهران وواشنطن، تهدف إلى تقسيم المصالح وتحديد مستقبل المنطقة وحدود نفوذ البلدين فيها و"ما نراه الآونة الأخيرة أن المسؤولين الإيرانيين يؤكدون باستمرار أن المفاوضات ستقتصر على الملف النووي فقط".
وأشار الباحث إلى احتمال أن تكون إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب قد بعثت رسائل إلى إيران، قبل وبعد توليه منصبه، تشير إلى رغبة في توسيع نطاق المفاوضات ليشمل القضايا الإقليمية والملفين الصاروخي والنووي، لكن الردود الأخيرة للمسؤولين الإيرانيين أوضحت رفضا لهذا الطلب "مما يؤكد أن الأميركيين ليس لهم الحق في تحديد نطاق نفوذ طهران أو دعمها لفصائل المقاومة العراقية".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات المقاومة العراقیة الحشد الشعبی هذه الجماعات هذه العلاقات حل الفصائل فی العراق أن هذه
إقرأ أيضاً:
وعيد وإدانة ورفض.. هكذا ردت إيران على "ضرب الحوثيين"
توعد قائد الحرس الثوري الإيراني، الأحد، بالرد على أي هجوم، بعد تهديدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لطهران على خلفية ضربات واشنطن للحوثيين في اليمن.
وحذر الرئيس الأميركي الحوثيين من أنه "إن لم تتوقفوا عن شن الهجمات فستشهدون جحيما لم تروا مثله من قبل".
كما حذر إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين، من استمرار دعمها للحوثيين، قائلا إنه إذا هددت إيران الولايات المتحدة، "فإن أميركا ستحملكم المسؤولية الكاملة، ولن نكون لطفاء في هذا الشأن!".
وعلى الصعيد السياسي، دانت إيران الضربات "الهمجية" التي شنتها الولايات المتحدة على أهداف للحوثيين في اليمن، السبت، وأسفرت عن مقتل 31 شخصا على الأقل وفق الجماعة.
ودان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي "بشدة" الضربات، معتبرا في بيان أنها "انتهاك سافر لميثاق الأمم المتحدة والقواعد الأساسية للقانون الدولي".
والأحد قال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إن الولايات المتحدة "ليس لها الحق في إملاء" سياسة بلاده الخارجية، بعدما دعا ترامب طهران إلى وقف دعم الحوثيين في اليمن "فورا".
وكتب عراقجي على منصة "إكس" "الحكومة الأميركية ليس لديها سلطة ولا حق في إملاء سياسة إيران الخارجية"، داعيا إلى "وقف قتل الشعب اليمني".
وأتى ذلك بعد ساعات من شن الجيش الأميركي بأمر من ترامب، ضربات في اليمن تستهدف الحوثيين المدعومين من طهران، الذين يسيطرون على مناطق واسعة في البلاد من بينها صنعاء.
وكانت ضربات السبت الغارات الأميركية الأولى على الحوثيين، منذ تولي ترامب منصبه في يناير الماضي.
وعقب اندلاع حرب إسرائيل على قطاع غزة في أكتوبر 2023، شن الحوثيون عشرات الهجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على سفن تعبر البحر الأحمر وخليج عدن، قائلين إنها تأتي تضامنا مع الفلسطينيين.
وفي المقابل، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل عمليات عسكرية على أهداف في اليمن أكثر من مرة، خلال ولاية الرئيس الأميركي السابق جو بايدن.
وبعد وقف هجماتهم إثر دخول وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ في يناير، أعلن الحوثيون في 11 مارس "استئناف حظر عبور" السفن الإسرائيلية قبالة سواحل اليمن، ردا على منع إسرائيل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.
وقال عراقجي في منشوره على "إكس": "قتل أكثر من 60 ألف فلسطيني والعالم يحمّل أميركا المسؤولية".
وكان ترامب أعلن السبت أن واشنطن أطلقت "عملا عسكريا حاسما وقويا" ضد الحوثيين، متوعدا باستخدام "القوة المميتة الساحقة حتى نحقق هدفنا"، كما طالب إيران بأن "توقف فورا" دعمها "للإرهابيين الحوثيين".
ويأتي ذلك بعدما بعث ترامب برسالة إلى طهران يضغط فيها للتفاوض بشأن ملفها النووي، أو مواجهة عمل عسكري محتمل.
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير، أعاد ترامب العمل بسياسة "الضغوط القصوى" التي اعتمدها حيال طهران خلال ولايته الأولى، لكنه تحدث في الوقت ذاته عن السعي لاتفاق جديد بشأن برنامجها النووي، بدلا من اتفاق 2015 الذي سحب بلاده منه بشكل أحادي في 2018.
وأكد مسؤولون إيرانيون أن طهران لن تفاوض واشنطن في ظل "الضغوط القصوى".