نزار قباني.. شاعر انتصر للحب وطارده موت الأحباء
تاريخ النشر: 13th, February 2025 GMT
لم يشهد العصر الحديث شاعراً انتصر للحب، وكتب عنه بجمالية ورقة وعذوبة وإبداع، مثلما فعل الشاعر السوري القدير نزار قباني، الذي لقب بشاعر الحب، وبما أن العالم يعيش أجواء يوم الحب 14 فبراير (شباط)، اختار موقع 24 التطرق لسيرة ومسيرة قباني، الذي كتب يوماً ما في مذكراته الخاصة "إن الحبّ في العالم العربي سجين، وأنا أريد تحريره".
أريد أن أحبّك، يا سيّدتي في زمنٍ
أصبح فيه الحبّ معاقاً
واللغة معاقةً
وكتب الشّعر، معاقةً
فلا الأشجار قادرةٌ
على الوقوف على قدميها
ولا العصافير قادرةٌ
على استعمال أجنحتها،
ولا النّجوم قادرةٌ على التنقّل.
وفي مقطع آخر من نفس القصيدة يقول:
أريدك أن تكوني حبيبتي
حتى تنتصر القصيدة
على المسدّس الكاتم للصوت
وينتصر التّلاميذ
وتنتصر الوردة
وتنتصر المكتبات
على مصانع الأسلحة.
وأرجع البعض انتصار ابن دمشق نزار قبّاني للحب وللمحبين وللعشاق، بسبب انتحار أخته عقب زواجها، من شخص لم تكن تحبه، أرغمت على الزواج منه، وكان نزار في ذلك الوقت فتى يافعا، وشاهداً على ما حدث، ورغم أن الأسرة تكتمت على سبب الانتحار في البداية، إلا أن نزار قباني تطرق للموضوع في عدة لقاءات لاحقاً.
كتب نزار قباني الشعر في مرحلة مبكرة من عمره، فلم يتجاوز حينها 16 عاما، وأثناء دراسته في كلية الحقوق، عام 1944، نشر أول دواوينه بعنوان "قالت لي السّمراء"، وتوالت رحلته مع الشعر حتى بلغ عدد دواوينه ما يزيد عن 35 ديواناً، منها "طفولة نهد، الرّسم بالكلمات، قصائد، سامبا، أنت لي"، وكتب أيضا مجموعة كتب نثرية منها: "قصّتي مع الشّعر، ما هو الشّعر، 100 رسالة حبّ".
كان نزار قباني يكتب قصائده بلغة سهلة، رشيقة، ويستخدم مفردات بسيطة، يتداولها الناس في حياتهم اليومية، واختلف النقاد أمام هذه الظاهرة في شعر نزار، البعض اعتبرها ميزة، ساهمت بوصول قصيدته، لكافة فئات المجتمع، للطفل والمسن، للمثقف وللأميَ، وآخرون اعتبروا تلك اللغة مأخذ على نزار وانحدار بمستوى الشعر.
وأثناء مسيرة نزار قباني الأدبية الممتدة لأكثر من 40 عاماً، تسابق كبار المطربين، ليحظوا بغناء قصائده، قد صدحت حنجرة العديد منهم بأشعاره العذبة، فقد غنّت له كوكب الشرق أم كلثوم قصيدتين هما: "أصبح عندي الآن بندقيّة، رسالة عاجلة إليك"، أما العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، الذي جمعته صداقة متينة مع نزار قباني، فقد غنّى أيضاً قصيدتين هما: "رسالة من تحت الماء، وقارئة الفنجان"، وكذلك المطربة نجاة الصغيرة غنّت له: "ماذا أقول له، كم أهواك، أسألك الرّحيلا".
وتطول قائمة المطربين اللذين غنوا من كلمات نزار قباني، وحققت أغانيهم شهرة كبيرة، ومنهم الفنان العراقي كاظم السّاهر الذي غنى 4 قصائد هي: "إنّي خيّرتك فاختاري، زيديني عشقاً، علّمني حبّك، مدرسة الحبّ"، فما كان من نزار قباني إلا أن أطلق عليه لقب قيصر الأغنية العربية، أو القيصر.
وعلى صعيد الحياة الشخصية ارتبط نزار قباني في بداية عمره مع السيدة زهرة من سوريا، التي أنجبت له هدباء وتوفيق، وعندما بلغ توفيق 17 عاما توفي بمرض القلب، وكان حينها يدرس في كلية الطب في جامعة القاهرة، وكانت صدمة عظيمة على شاعر مرهف الإحساس، أن يفقد فلذة كبده، فرثاه بقصيدة "الأمير الخرافي" ودخل مرحلة من الاحزان، ثم أوصى أن يدفن قربه عقب وفاته.
وتزوج نزار قباني ثانية من العراقية بلقيس الراوي، التي قتلت في بيروت أثناء تفجير السفارة العراقية عام 1982، وكانت تجمع نزار وبلقيس علاقة حب، وتفاهم، راقي، حيث أنجبت منه ولداً اسمه عمر، وبنتا اسمها زينب.
تحطمت نفسية نزار قباني بعد موت زوجته وحبيبته بلقيس، وكتب فيها قصائد عديدة، منها قصيدة تحمل اسمها، اعتبر فيها الوطن العربيّ كلّه مسؤولا عن قتلها، وعقب رحيل بلقيس عاش سنوات حياته الأخيرة وحيدا في مدينة الضباب لندن، ورفض أن يتزوج بأخرى، فقد ظل مخلصا لذكرياته معها.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل القمة العالمية للحكومات غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية دمشق نزار قبانی
إقرأ أيضاً:
الحب في زمن التوباكو (6)
مُزنة المسافر
غرقتُ يا جولي في مياهٍ راكدةٍ، ووقعتُ على وجهي، ونسيتُ أنه حولي، وادَّعيتُ أنني ميتة، وجاء لينقذني ألف مرة من بركٍ راكدة، وبحيرات جامدة، وبراكين خامدة.
جوليتا: وماذا حدث بعد ذلك يا عمتي؟
ماتيلدا: علمني كلمة لم اسمعها من باقي الرجال في ذلك الزمن الغابر، كنتُ أعتقدُ أن حظي- يا إلهي- عاثرٌ حتى وجدني رجل القطار، وكانت مقطورة حياتي من المفترض أنها الأفضل على الإطلاق؛ لأنه علمني لغاتٍ فرنجية، وسلوكًا مُهذَّبًا مع الغرباء، وكنتُ أنوي أن أراه كل ليلة قبل أن أُغني، وكُنَّا نحتسي القهوة سويةً كل نهار، ونقول بكلمات السعادة، كنتُ أضحكُ كثيرًا يا جولي، وكانت عيناي تلمعان دائمًا، كنتُ لطيفةً وآلامي صغيرة، وأفكاري كثيرة، ومشاعري مثيرة وأردتُ أن أُنير حياتي بشيء متوقد غير الحب.
جوليتا: ما هو يا عمتي؟
ماتيلدا: صوتي صار بطبقةٍ حلوةٍ للغاية، وكنتُ أستمتعُ وأنا أسمعه جيدًا كل ليلة على المسرح مع الميكرفون والجوقة والبشر الذين جاءوا ليُردِّدوا كلماتٍ كتبتُها، كنتُ أكتبُ القصص الممتعة أكثر من الغناء بالآهات.. كل يومٍ كان لي بطلٌ وقصة، وبطلة ونص.
وكان أبطال مغناي يتكررون ويتعاظمون، ويحملون السيوف أو يعتلون الخيول، وأحيانًا كنتُ أنسجُ أُحجيات غريبة، وأمنيات عميقة، وكان جمهوري يزيد ويريد الكثير من صوتي.
ولم يكن لي الوقت لأرى رجل القطار أو أسيرُ بين المعجبين الجُدد، كان لي جمهور باسمي، ويردد ما تقوله نفسي، ويعبرون ويخبرون عني كل الخير. وحين جاءت الانتخابات، كان الساسة ورجال كثر يتجمعون، يطالبون أن أغني في محافل مهمة، وأقول بكلمات وجلة حول شخص ما، ومنحوا لي تذكرة لباخرة كانت مغادرة إلى آفق غريب.
كنتُ أذهبُ وأعودُ، لا يمكنني أن أرحل كثيرًا، كان غنائي لهذا الجمهور الذي يسأل عني حين كنتُ أعتذرُ في أيام العلل، وكان جمهوري لا يشعر بالملل، ويحب أن يردد مغناي دون كللٍ.
وكنتُ أحبُ ذلك كثيرًا يا ابنة أخي.. كان مجدًا مُهمًا، وكان وَجدي قد اتخذ صندوقًا محكمًا داخل قلبي، فلم أشعر أنني بحاجة إلى رجل القطار، وكان قلبي لا يقفز أبدًا إلّا للحن والكلمات؛ لأنه كان أكل عيشي، والمكان الذي أشعرُ فيه أنني أعيشُ بكل حواسي وإحساسي، وكنتُ أكتبُ دون توقفٍ، أغنياتٍ جميلةً، حرفًا بجانب حرفٍ، وقافية ناصية في كل سطر، وألحانًا عاصية على النسيان. كان همِّي الكبير أن أكون أصدق إنسان، وأن أحكي ما يشعرُ به المستضعفون والبشر الذين فقدوا عطايا الله من أحباء وأصدقاء، وكان لي رغبة كبيرة- يا جولي- أن أُشعلَ حياتهم بشموع الحياة، وأراهم سعداء، كنتُ أسمعُ صلواتهم أحيانًا في آحادٍ وحيدةٍ، وفي دروبٍ بعيدة، وأرى آلامهم متكررة، وأحزانهم متوسِّدة، وكان خوفي أن تسقط مني كلمة جارحة، كنتُ أخشى أن أقول لهم أنني أراهم للقريحة، واتخذ من مشاعرهم موطنًا لها. وغيَّرتُ سلوكي وقلتُ إنَّ شعوري ليس للقصائد ولوسائد اللحن العظيم؛ بل هي للأرواح الضائعة، والهائمة، والقائمة على الخير، والراغبة رغبة كبيرة في أن يكون هذا الكون متوازنًا، وأنني لن أكتب شيئًا مستعجلًا؛ بل سأكتبُ للنبلاء من الناس، ولمن نسوا الخيلاء، ولمن يحب الكبرياء والكرامة، ولمن يسيرون في هذه الحياة بسلامة.